34-04-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 373 ) ، مسألة ( 374 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 تكملة لما سبق:- ذكرنا فيما سبق أن السيد الخوئي(قده) تمسك لإثبات أن نهاية الموقف الاختياري هو شروق الشمس بصحيحة معاوية ( ثم أفض إذا أشرق لك ثبير ) ونحن قلنا إنا لو تنزلنا فيلزم حملها على الاستحباب بقرينة بعض الروايات المجوزة للإفاضة قبل شروق الشمس مثل موثقة اسحاق التي تقول:- ( أي الساعات أحبّ إليك في الإفاضة من المشعر ؟ قال:- قبل شروق الشمس بقليل ) فحملنا تلك الرواية على الاستحباب بقرينة صراحة هذه في جواز الإفاضة.
 والاستدراك هو:- إن ما ذكرناه من حمل رواية ( أفض إذا اشرق لك ثبير ) على الاستحباب يشتمل على مسامحة ولابد من تحسين التعبير ، والمسامحة هي أن هذه الرواية إذا حملناها على الاستحباب فسوف تصير النتيجة هي أنه تستحب الإفاضة عند شروق الشمس - هذا شيء - وموثقة اسحاق تقول أحب الساعات قبل شروق الشمس فيحصل نحوٌ من التنافي فتلك جعلت المستحب - بعد أن حملناها على الاستحباب - هو الإفاضة قبل شروق الشمس وهذه تقول أحب الساعات هي قبل شروق الشمس فيحصل نوع من التنافي فالأنسب أن نحمل رواية ( أفض إذا أشرق لك ثبير ) على بيان الجواز - أي يجوز لك الإفاضة إذا أشرق لك ثبير - ونحمل موثقة اسحاق التي قالت ( أحب الساعات قبل شروق الشمس بقليل ) على الاستحباب ، إذن نحمل تلك الرواية على بيان الجواز وأنه يجوز لك الإفاضة عندما يشرق ثبير بقرينة موثقة اسحاق التي قالت ( أحب الساعات الإفاضة قبل شروق الشمس بقليل ).
 وأأكد أيضاً على أن المشهور قد ذهب إلى جواز الإفاضة قبل شروق الشمس ، قال في الشرائع:- ( ويستحب لمن عدى الإمام [1] الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل ولكن لا يجوز وادي مُحسِّر إلّا بعد طلوعها ) ، وعلّق في المدارك بقوله:- ( ما اختاره المصنف .... هو المشهور بين الأصحاب بل قال في المنتهى أنه لا يعلم فيه خلافاً ) [2] .
 الركن في موقف المشعر:-
 ذكر(قده) أن الركن الذي يبطل الحج بتركه عمداً هو المسمّى ما بين الطلوعين - أي بين طلوع الفجر وطلوع الشمس - ثم قال في التقرير ( إنه يدلّ عليه ما دلّ على أن إدراك الحج يكون بإدراك المشعر ) ومقصوده هو أن إدراك الموقف يصدق بالمسمّى فإذا تحقق المسمّى ما بين الطلوعين صدق آنذاك إدراك المشعر فيقع الحج صحيحاً وأما إذا لم يتحقق إدراك المسمِّى ما بين الطلوعين فلا يصدق إدراك المشعر وبالتالي لا يكون الحج تامّاً وصحيحاً.
 يبقى أنه(قده) يريد التمسك بأي رواية في هذا المجال فإنه لم يشر إلى رواية بعينها ؟
 يوجد في هذا المجال طائفتان من الروايات:-
 الطائفة الأولى:- وهي تقول إن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس بقيد قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، من قبيل صحيحة الحلبي ( ... وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) [3] .
 الطائفة الثانية:- وهي ما دلَّ على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج من دون تقييد بإدراكه قبل طلوع الشمس من قبيل صحيحة معاوية بن عمار التي تقول:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) [4] .
 فإن كان يقصد الطائفة الأولى التي قيدت بالإدراك قبل طلوع الشمس ففيه:-
 أولاً:- إن موردها هو الذي فاته الموقف بعرفات وتضيّق عليه الوقت ففي هذا المورد حكم الإمام عليه السلام بأنه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج وحينئذ لا نستفيد ذلك إلا في حق المضطر أما المختار فلعل الركن في حقة ليس هو إدراك المسمّى إلى طلوع الشمس بل تمام الفترة ولعل الفترة لا تمتد إلى طلوع الشمس بل قبيل طلوعها بقليل.
 وثانياً:- إن هذا الحديث ناظر إلى النهاية أما كون البداية من أين ؟ فهو لم يذكر ذلك فكيف نقول إن البداية هي طلوع الفجر فمن قال إنها من طلوع الفجر بحيث يكون من أدرك مقداراً من الوقت ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كفى ؟! إن البداية لم تحدّد فلعل البداية هي من الليل وليس من طلوع الفجر . إذن هذه الطائفة لئن حدّدت النهاية فهي قد حدّدتها بلحاظ المضطر مضافاً إلى ذلك هي لم تحدّد البداية فلا يمكن أن نستفيد منها.
 وأما بالنسبة إلى الطائفة الثانية - أعني ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) - فنقول:- إن هذه لم تقيّد بطلوع الشمس كما لم ترد في المضطر حتى يقال إنه يحتمل أن له خصوصية فيستفاد منها أن المختار أيضاً إذا أدرك جمعاً فقد أدرك الحج وبذلك يثبت المطلوب.
 ولكن نجيب:- بأنه يحتمل أن يكون المقصود إن لم يكن هو الظاهر أن ذلك إشارة إلى إدراك المشعر بوقته المحدّد شرعاً فإذا كان المحدّد شرعاً هو ما بين الفجر إلى طلوع الشمس فإدراكه يكون بالوقوف في تمام هذه المدّة إذ هو المحدّد شرعاً فادراك المشعر يكون بإدراك تمام هذه الفترة وليس بإدراك المسمّى . نعم إدراك المسمّى شيءٌ مقبولٌ في الطائفة الأولى إذ هي قد حدّدت بما قبل طلوع الشمس أما هذه الطائفة فلم تحدّد بذلك بل قالت ( من أدرك جمعاً ) ولعل المقصود بل هو الظاهر أنه أدركه في وقته المحدّد شرعاً فيكون مدركاً للحج ولا يحتمل أن يكون المقصود من إدراك المشعر هو إدراكه كيفما اتفق ولو بأن يقف فيه في غير الوقت المحدّد شرعاً كأن يأتي مثلاً في عصر اليوم العاشر أو ليلة الحادي عشر فإن هذا لا يصدق عليه إدراك المشعر . إذن لا يمكن التمسك بالإطلاق بعرضه العريض فلابد وأن يكون هذا إشارة إلى معهودٍ وهو إدراك المشعر في الوقت الذي حدّده الشرع فإذا كان الوقت الذي حدّده الشرع هو ما بين الطلوعين فالإدراك إنما يكون بالوقوف في تمام هذا الوقت لا في جزءٍ منه ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية كفاية المسمَّى ، بل نصعّد اللهجة ونقول هي لا تحدّد البداية والنهاية . إذن لا يمكن أن نقول إن أدراك المشعر بالمسمّى بين الفجر وبين طلوع الشمس يكفي فإن ذلك لم يذكر بل لابد من الاشارة إلى المعهود وبالتالي لا تنفعنا في إثبات أن المدار هو على المسمّى.
 والنتيجة التي نخلص بها من خلال بحثنا هذا هي أن الركن ليس هو المسمّى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بل هو من الليل ، فمن وقف في الليل فترةً تحقق في حقه الركن ومستندنا في ذلك ما أشرنا إليه سابقاً أعني صحيحة مسمع والتي أفتى المشهور على طبقها ، وعلى هذا الأساس لا تتوقف صحّة الحج على الوقوف ما بين الطلوعين بل يكفي ولو من الليل.
 وإذا قلت:- إن هذا هو المقدار الركني فما هو المقدار الواجب ؟
 أجبت:- لا يمكن أن نستفيد من الروايات تحديد المقدار الواجب وأنه من الليل إلى طلوع الشمس أو من الفجر إلى طلوع الشمس بل أقصى ما استفدناه هو أن من وقف في الليل يجزيه أيضاً ، وعلى هذا يكون المرجع هو الأصل العملي وبالتالي يثبت أن الواجب هو المسمّى من الليل إلى طلوع الشمس والركن هو هذا أيضاً لعدم الدليل على أكثر من ذلك ، ونفس هذا المطلب قد ذكرناه بالنسبة إلى موقف عرفات فقد ذكرت هناك أن الركن والواجب هو المسمّى فإن الأدلة لا يستفاد منها شيء أكثر من ذلك فنرجع إلى الأصل ونتيجة الأصل هي ما أشرنا إليه ، نعم نحتاط في مقام الفتوى فالأحوط هو الوقوف من الليل إلى طلوع الشمس أو قبيل طلوعها بقليل كما أن الأحوط أن لا يجاوِز وادي مُحسِّر قبل طلوع الشمس.
 
 مسألة ( 374 ):- من ترك الوقوف فيما بين الفجر وطلوع الشمس رأساً فسد حجّه ويستثنى من ذلك النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد والإفاضة منها قبل طلوع الفجر إلى منى.
 ..........................................................................................................
 تتكفل المسألة المذكورة بيان حكمين:-
 الأول:- من ترك الوقوف في المشعر ما بين الطلوعين فسد حجّه.
 الحكم الثاني:- يستثنى من الحكم بالفساد الطوائف المذكورة - أعني النساء والشيوخ والصبيان والخائف وغيرهم مما ذكرهم - أما بالنسبة إلى الحكم الأول فقد ذكره في المسألة السابقة ولا معنى لتكراره من الجنبة الفنيّة ، وكان من المناسب أن يقول ( مسألة:- يستثنى من الحكم بالفساد في حق من ترك الوقوف بالمشعر بين الطلوعين يستثنى العناوين التالية ..... ).
 وجاء في التقرير تعبيرٌ وأظنه صدر من قلم المقرر عفواً حيث ذكر أن الفساد في حق من ترك الوقوف بين الطلوعين هو مما استفاضت به الاخبار ولا خلاف فيه بين الفقهاء ، إن هذا التعبير يشتمل على مسامحةٍ كما هو واضح فإنه لم يرد ولو في خبر واحد أن تارك الوقوف ما بين الطلوعين فسد حجّه فضلاً عن استفاضة الأخبار بذلك وإنما أردنا أن نستفيد ذلك من هنا وهناك لا أن الراية دلت على ذلك بل غاية ما تمسكنا به هو ( من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ) وهذه إن حدّدت النهاية فهي لم تحدد البداية إذن لا توجد رواية تقول لو ترك المسمّى ما بين الطلوعين فسد الحج.
 والمطلب الثاني الذي ذكره هو أن هذا مما لا خلاف فيه - أي أن حجّه فاسد لو ترك الوقوف ما بين الطلوعين - فكيف يقول ذلك والحال أن صاحب المدارك قال إن المشهور بين فقاءنا أن الوقوف في الليل يكفي حيث قال ما نصّه:- ( هذا الحكم أعني صحة الحج مع تعمّد الإفاضة قبل الفجر وجبره بشاة مذهب أكثر الأصحاب ) [5] . إذن العبارة تشتمل على مسامحةٍ واضحةٍ وهذه قضية جانبية ليست مهمة والمهم هو ملاحظة الحكم الثاني الذي سيقت له المسألة.


[1] أي أمير الحج.
[2] المدارك ج7 ص443.
[3] الوسائل 14 ص 36 ب22 من أبواب الوقوف في المشعر ح2.
[4] الوسائل ج14 ص45 ب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[5] المدارك ح7 ص 424.