38/08/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

استدراك للمسألة ( 35 ):-

ذكرنا عدة تنبيهات لهذه المسألة وقد ذكرنا خمسة تنبيهات وبقى واحد:-

التنبيه السادس:- الكذب على أهل البدع.

قد يستثنى من حرمة الكذب الكذب على أهل البدع ، حيث وردت رواية تدل على ذلك وهي ما وراه الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى[1] عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد بن ابي نصر عن داود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة )[2] .

وتقريب الدلالة على الاستثناء:- أنه صلى الله عليه وآله قال ( وباهتوهم ) أي لأهل البدع أي اكذبوا وافتروا عليهم فتدل الرواية آنذاك في جواز الكذب في هذه المساحة يعني على اهل البدع.

والسند تام ، والدلالة كما ذكرنا ، هكذا ربما يقال ، وإن كنا لم نرَ ذلك الحكم منعكساً في الكتب الفقهية يعني على مستوى الجواهر والمكاسب ، فالمهم أنه قد يتمسّك بهذه الرواية على جواز الكذب في هذا المورد.

بيد أنه يمكن ان يقال:- إنَّ مادّة ( باهتوهم ) كما تأتي للافتراء والكذب فإنه من أحد معانيها لغةً كذلك تأتي بمعنى ما يوجب دهشة الطرف وتحيّره بسبب الحجّة الدامغة والبيان القوي ، فإنَّ الاحتجاج متى ما كان قويّاً فهو سوف يدهش الطرف المقابل فيقال ( بهت ) ، وقد جاء استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى ﴿ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾[3] ، فإن كلمة ( بهت ) هنا بمعنى أنه أصابته الحيرة والدهشة جزماً ولا يحتاج إلى مراجعة كتب اللغة ، على أنه في كتب اللغة هذا المعنى موجود كما في مفردات الراغب حيث يقول ( فبهت الذي كفر أي دهش وتحيّر ) ، وفي المصباح المنير أيضاً كذلك ورد بمعنى دهش وتحيّر.

إذن ( بهت ) هنا بمعنى الدهشة والتحير كما يقتضيه السياق مضافاً إلى أنَّ أهل اللغة يذكرون هذا المعنى.

وأيضاً في مورد آخر ورد ﴿ بل تأتيهم بغته فتبهتهم فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون ﴾[4] ، فمعنى ( تبهتهم ) أي يتحيّرون وتصيبهم الدهشة .

فإذن يمكن أن يكون المقصود من الحديث حينما قال ( باهتوهم ) يعنى اذكروا لهم الحجج الدامغة وناقشوهم حتى تحصل لهم الحيرة والدهشة ويكفينا الاحتمال.

على أنه من البعيد أن يدعو الاسلام والقرآن إلى سلوك طريق الكذب ، فهل أنَّ حججه ضعيفة وهو ضعيف حتى يحتاج إلى ذلك ؟!! إنه ليس بالضعيف وبناء الاسلام والقرآن الكريم كما نعرف ذلك ليس على الكذب ورمي الطرف بالكذب ، فالمقصود أنَّ كلمة ( باهتوهم ) مجملة فيحتمل أنَّ هذا المعنى هو المقصود ويكفينا الاحتمال ، بل يعيّنه ما أشرنا إليه من الاسلام ليس ضعيفاً في حجته حتى يحتاج إلى سلوك طريق الكذب.

ثم إنه جاء في الحديث هذه الفقرة ( كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ) إنها علّلت بهذا التعليل يعني باهتوهم حتى لا يحصل لهم طمع في إفساد الاسلام ولعلّه في الزامان السابق قد يقال إنَّ هذا الاسلوب كان ناجعاً وناجحاً ولكن في زماننا يمكن عدّ ذلك وصمة ونقطة ضعف في الاسلام فنحن نريد أن لا يطرأ فساد على الاسلام أما إذا أردنا أن نسلك طريق الكذب خصوصاً أنه في الوسائل الحديثة يتضح مباشرة أنك كاذب في نقلك أو ليس بكاذب فيتضح الأمر وباتضاح الأمر سوف لا يحصل العزّ للإسلام بل يحصل الفساد أكثر في الاسلام.

وبكلمة مختصرة أريد أن أقول إنّ الحديث يعلل النكتة في باهتوهم هو أنه حتى لا يحصل لديهم طمع في إفساد الاسلام وسلوك هذا الطريق في مثل زماننا يوجب الفساد في الاسلام كما هو واضح لقوّة الوسائل الحديثة التي ينكشف من خلالها الكذب بسرعة وفي ذلك وهن للإسلام.

ولعلّه من أجل هذا وذاك لم نرَ الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في مسألة الكذب يستثني هذا المورد استناداً إلى هذه الرواية التي ذكرناها ولم ينقل ذلك عن غيره نعم أشار إلى هذه الرواية في موردين الأوّل في مورد السبّ فإنه قال لا يجوز سبّ المؤمنين ولكن يمكن أن يقال بجوازه بلحاظ أهل البدع لهذه الرواية[5] ، وهكذا استند إلى هذه الرواية في مبحث الغيبة[6] حيث ذكر أنَّ الغيبة محرّمة إلا أنه يستثنى من حرمتها موارد وأحد تلك الموارد غيبة أهل البدع يعني بيان مساوئهم ومعايبهم الموجودة فيهم.

فإذن هو ذكر هذه الرواية واستند إليها في مرودين أحدهما مورد الغيبة والآخر مورد السبّ أما بالنسبة إلى مورد الكذب فلم يذكر أنه من مورد الاستثناء بالنسبة إلى أهل البدع وانه يجوز الكذب والافتراء عليهم وهذا مما يدل ويرشد على أنه لا يرى ذلك ولا غيره فأصلاً هو لم يذكره حتى على مستوى الاشارة فيتضح أن الفقهاء لم يقل أحد منهم بجواز الكذب على أهل البدع.


[1] والموجود في الوسائل عن محمد بن محمد بن الحسن ) ولكن في المصدر - أي الكافي – الموجود هو محمد بن يحيى عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، فحصل تصحيف بسبب تشابه الأسماء وهذه من موارد اشتباه صاحب الوسائل وهو مغتفر.