34-04-12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 372 ) ، مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه السادس:- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا تجاوز وادي مُحَسِّر حتى تطلع الشمس ) [1] بتقريب أنها تنهى عن تجاوز وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس ولازم ذلك لزوم المبيت.
 وفيه:-
 أولاً:- إن الوارد فيها هو النهي عن تجاوز وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس لا قبل طلوع الفجر والنافع هو الثاني دون الأول أي النهي عن التجاوز قبل طلوع الشمس إذ غاية ما يثبت بالنهي المذكور هو لزوم البقاء قبل طلوع الشمس لا قبل طلوع الفجر فلو أتى المكلف المشعر حين أو بعد طلوع الفجر كفى ذلك إذا بقي إلى طلوع الشمس إذ يصدق عليه أنه لم يتجاوز وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس . إذن هي أجنبية عن المقام.
 وثانياً:- لو تنزلنا وفرضنا أن الوارد هو ( قبل طلوع الفجر ) لا ( قبل طلوع الشمس ) فمع ذلك هي تنفعنا فإنها نهت عن تجاوز وادي مُحَسِّر ولم تنه عن تجاوز المشعر فلو كانت تنهى عن تجاوز المشعر بل تجاوز الفجر كانت صالحة لإثبات المطلوب إذ تدل على أنه قبل طلوع الفجر لابد من وجود المكلف في المشعر ولكنها نهت عن تجاوز وادي مُحَسِّر ونحن نعرف أن وادي مُحَسِّر هو حدٌّ للمشعر من طرف منى كما ونعرف أنه وادٍ كبير بحيث يحتاج تجاوزه إلى فترة زمنية فغاية ما تدل عليه الرواية المذكورة - بناءً على أن الوارد هو عبارة ( قبل طلوع الفجر ) - هو أنه يلزم على المكلف أن يبقى قبل طلوع الفجر في وادي مُحَسِّر الذي هو خارج المشعر الحرام لا أنه يلزم البقاء قبل طلوع الفجر في المشعر الحرام.
 وثالثاً:- إن الرواية لم يذكر فيها التقييد بليلة المشعر - أي لم يقل ( في ليلة المشعر لا تتجاوز وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس ) - فهي على هذا الأساس مجملة ، ولعل المقصود هو الإشارة إلى اليوم الثامن من ذي الحجّة حيث يذهب الناس فيه إلى منى وفي صباح اليوم التاسع يتوجهون إلى عرفات فلعل المقصود هو الإشارة إلى أنه في اليوم التاسع حينما يراد التوجه من منى إلى عرفات فينبغي للمكلف أن لا يتجاوز وادي مُحَسِّر ويدخل إلى المشعر مارّاً به لأجل الوصول إلى عرفات وإنما ينبغي له أن يتريّث في خروجه من منى إلى ما بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع وليس في اليوم العاشر فإذا طلعت الشمس فآنذاك يتجاوز من الحدود - أعني من وادي مُحَسِّر - ويجوز له آنذاك أن يدخل إلى المزدلفة مارّاً بها ومن ثم إلى عرفات ، إن الرواية لم تقيِّد بليلة المزدلفة فلو كانت قد قيدت بهذا لكنّا نقول هي منحصرة باليوم العاشر أما بعد عدم تقييدها بذلك فهي تحتمل الوجهين معاً وبالتالي تكون مجملة ، ولعله من هنا ذكرها صاحب الوسائل(قده) مرتين مرَّة في أبواب الوقوف بالمشعر الحرام [2] وأخرى في أبواب الوقوف بعرفات [3] فإنه ذكرها ننفس السند والمتن ، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بها لإثبات لزوم المبيت بالمشعر الحرام ليلة العاشر وبالتالي يكون المرجع هو أصل البراءة.
 
 
 
 مسألة( 373 ):- يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس لكن الركن منه الوقوف في الجملة فإذا وقف مقداراً ما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صحّ حجّه وإن ارتكب محرّماً.
 تشتمل المسألة المذكورة على حكمين:-
 الأول:- إن مقدار الوقوف الواجب في المزدلفة هو ما بين الطلوعين.
 الثاني:- إن الركن الذي يبطل الحج بتركه عمداً هو مسمى الوقف بين الطلوعين.
 وفي هذا المجال نقول:- وقع الكلام بين الفقهاء في تحديد الموقف الاختياري في المزدلفة من حيثيات ثلاث ، من حيث البداية ومن حيث النهاية ومن حيث الركن.
 أما من حيث البداية:- فوقع الكلام في أن الواجب هل هو الوقوف من طلوع الفجر أو من الليل ؟ بمعنى ساعة أو نصف ساعة أو غير ذلك . وينسب إلى ابن ادريس بل ربما ينسب إلى ظاهر الأكثر الوجوب من الليل.
 وأما من حيث النهاية:- فقد وقع الكلام في أن الواجب هو إنهاء الوقوف إلى طلوع الشمس أو لا يلزم ذلك بل يجوز أن يفيض المكلف قبل طلوع الشمس ؟ - وسوف نتعرض إلى تفصيل ذلك فيما بعد إنشاء الله تعالى -.
 وأما من حيث الركن:- فوقع الخلاف أيضاً في أن الركن هو المسمى ما بين الطلوعين - وفي جملة من اختاره السيد الماتن(قده) في عبارة المتن - أو أن الركن هو المسمّى من الليل إلى طلوع الشمس ؟ فالواجب هو الوقف ما بين الطلوعين ولكن الركن هو من الليل إلى طلوع الفجر . وقد ينسب إلى المشهور أن المقدار الواجب هو من طلوع الفجر ولكن الركن هو المسمّى من الليل فبداية الواجب من طلوع الفجر لكن الركن المسمّى من الليل ، وممن يظهر منه اختيار ذلك المحقق في الشرائع حيث قال:- ( وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر فلو أفاض قبله عامداً بعد أن كان به ليلاً ولو قليلاً لم يبطل حجّه إذا وقف بعرفات وجبره بشاة ) ، إنه حدّد مقدار الواجب من حيث البداية فقط وقال ( هو من طلوع الفجر ) وسكت عن ذكر النهاية الأمر الذي قد يوحي بعدم لزوم الوقوف إلى طلوع الشمس ، وفي نفس الوقت قال إن الركن هو المسمى من الليل فلو وقف ليلاً وأفاض قبل طلوع الفجر اكتفى بذلك ولكن بشرط أن يكون قد وقف في عرفات الموقف الاختياري ويلزمه أن يجبره بشاة وستأتي الرواية التي تدل على ذلك وممن اختار ذلك أيضاً الشيخ النائيني(قده) حيث قال:- ( والقدر الواجب من الوقوف هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من يوم النحر مستوعباً له على الأحوط .... وعلى كل حال فمسمى الوقوف في جزء من الليل إلى طلوع الشمس بنيّة هو الركن الذي يبطل الحجّ بتعمّد تركه وأما خصوص ما بين الطلوعين فهو واجب غير ركني ، ولو أفاض قبل الفجر ... متعمداً في الإفاضة قبل الفجر بلا عذر ففي بطلان حجّه بذلك أو صحته ووجوب الجبر عليه بشاة وجهان لا يخلو ثانيهما [4] عن قوة إذا كان مدركاً اختياري عرفة لكن الاحتياط شديد لا ينبغي تركه ) [5] . إذن هناك خلاف من حيث البداية ومن حيث النهاية ومن حيث مقدار الركن.
 ثم إنه يوجد كلام في أن الركن إذا كان هو المسمّى من الليل فهل يكون مقدار الواجب كذلك أيضاً - أي من الليل أيضاً - أو أن مقدار الوقوف من الليل هو مستحب ولكن رغم كونه مستحباً إلا أنه يجزي عن الركن ؟ مال صاحب الجواهر(قده) إلى أنه واجب إذ المستحب كيف يتحقق به الركن الواجب ؟!! وقال صاحب المدارك(قده) هذه قضايا شرعية وأي محذور في أن يكون المستحب محققاً للركن الواجب ، قال في الجواهر:- ( ولا يخفى عليك أن الاجتزاء بمسمّى الوقوف ليلاً يستلزم كونه [6] واجباً إذ احتمال استحبابه معا اجزاءه عن الواجب بضمّ الجبر بشاة منافٍ لقاعدة عدم إجزاء المستحب عن الواجب بلا داعٍ ) [7] ، إنه قد قيَّدته القاعدة فهو لأجل القاعدة قد يخالف ظاهر النصّ . وأما صاحب المدارك(قده) فقد قال ما نصّه:- ( وربما ظهر من العبارة [8] كون المبيت [9] واجباً وإلّا لم يكن مجزياً عن الوقوف الواجب لأن المستحب لا يجزي عن الواجب مع احتمال الاجتزاء به إذ لا دليل على امتناعه ) [10] .


[1] الوسائل، ج14، ص25، ب15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[2] الوسائل، ج14، ص25، ب15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[3] الوسائل، ج13، ص528، ب7 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح4.
[4] اي الصحة مع الجبر بشاة.
[5] دليل الماسك، ص340.
[6] أي الوقوف من الليل.
[7] الجواهر، ج19، ص74.
[8] أي عبارة المحقق في الشرائع.
[9] أي البقاء في الليل.
[10] المدارك، ج7، ص424.