34-03-11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 369 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 369 ):- من لم يدرك الوقوف الاختياري لنسيان أو لجهل أو لغيرهما من الأعذار لزمه الوقوف الاضطراري الوقوف برهة من ليلة العيد وصح حجّه فإن تركه متعمداً فسد حجّه.
 تشتمل هذه المسألة على نقاط ثلاث ونضم إليها أخرى فيصير المجموع أربع نقاط:-
 النقطة الأولى:- إن لعرفات موقفين موقفاً اختيارياً وهو ما تقدم - أعني من الزوال إلى الغروب - وموقفاً اضطرارياً وهو برهة من الزمن ليلية العاشر.
 النقطة الثانية:- إن الموقف الاضطراري المذكور هو موقف لكل صاحب عذر سواء كان العذر هو ضيق الوقت أو غيره من الأعذار.
 النقطة الثالثة:- إن من فوّت الموقف على نفسه عمداً فسد حجّه.
 النقطة الرابعة:- ما هو وقت الوقوف الاضطراري ، فهو يبتدئ من بعد الغروب إلى متى ؟
 أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فالقاعدة الأولية تقتضي فساد الحج لولا النصوص الخاصة كما أشرنا حيث أنه لم يأت بجزء الواجب فيلزم انعدام الواجب حتى لو كان ذلك عن عذر ، مضافاً إلى روايات الأراك التي قالت ( لا حج لأصحاب الأراك ) يعني الذين لا يقفون في عرفات إذ الأراك - كما قلنا - هي منطقة على الحدّ خارج المحدود وهذه الرواية مطلقة تشمل حالة ما إذا كان الترك عن عذر واضطرار بالتالي أصحاب الأراك - يعني الذين يقفون خارج المنطقة المحدودة - لا حج لهم فهذا مطلق يشمل موردنا.
 واستدرك هنا وكان من المناسب ذكر هذا في المسألة السابقة وأقول:- إن الروايات التي تقول ( إن أصحاب الأراك لا حجّ لهم ) قد يبرز فيها احتمال آخر غير ما كنّا نفهمه منها سابقاً فإن الذي كنا نفهمه هو أن الوقوف في منطقة الأراك حيث إنه وقوفٌ خارج منطقة عرفات فيفسد الحج من دون خصوصية لمنطقة الأراك بل هذا مأخوذ بنحو المرآتية لترك الوقوف في عرفات هذا ما كنا نفهمه بادئ ذي بدء وما بيناه سابقاً وبناءً على هذا استدللنا بأن التارك للوقوف في عرفات - يعني رأساً وبشكل كلي - يبطل حجّه.
 بيد أنه يوجد احتمال آخر فإن قبلناه صارت الروايات المذكورة مجملة وذلك بأن يقال:- إن لنفس منطقة الأراك خصوصية فهي ذكرت لا لأجل أنها خارج عرفات ، بل بنفسها وبذاتها هي منطقة محرّمة ويوجد مانع من الوقف فيها ، وعلى هذا لا يمكن أن نستفيد أن الوقوف خارج عرافات مبطل بعدما كان هناك احتمال الخصوصية لهذه المنطقة . فإذا قلت إن هذا الاحتمال وجيه وصار في عرض أو يقارب أن يكون في عرض ذلك الاحتمال فتصير الرواية مجملة لا يصح التمسك بها ، أما إذا قلنا إن هذا مجرد احتمال عقلي فيبقى الظهور مع ذلك الاحتمال السابق فلا يضر وجود هذا الاحتمال ، والأمر سهل بعد وجود مقتضى القاعدة . إذن القاعدة تقتضي البطلان في حق من ترك الوقوف بعرفات ولو كان ذلك عن عذر.
 هذا ولكن دلت بعض النصوص على الموقف الاضطراري من قبيل صحيحة الحلبي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ، فقال:- إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل ) [1] ، وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( وقال في رجل أدرك الامام وهو بجمع ، فقال:- إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تمّ حجّه ) [2] ، ونحو ذلك روايته الأخرى [3] ، وقريب من ذلك رواية ادريس بن عبد الله [4] . إذن نستفيد من هذه الروايات أن من فاته الموقف الاختياري في عرفات فإن أمكن أن يذهب إلى عرفات ويبقى فيها فترة ويدرك المشعر قبل طلوع الشمس فعليه أن يذهب إلى عرفات وإلّا فيكفيه الوقوف في المشعر الحرام ويتم بذلك حجّه.
 إذن بالنسبة إلى وجود موقف ثانٍ لعرفات - أعني الموقف الاضطراري - تدل عليه الروايات المذكورة بشكل واضح والمسألة لا خلاف فيها كما نقل صاحب المدارك [5] .
 وأما بالنسبة إلى النقطة الثانية:- فيمكن أن نقول إن القدر المتيقن من الروايات السابقة إذا كان العذر عذراً خارجياً أعني قضية الوقت كما هو المتداول الآن في زماننا بسبب الزحام وانسداد الطريق أو أنه يتيه وبالتالي لا يدرك عرفات مثلاً ، إن هذا مانع خارجي والقدر المتيقن هو هذا ، والكلام فيما إذا لم يكن المانع كذلك وإنما كان هو النسيان أو الجهل فهنا قد يستشكل في شمول الروايات له فلاحظها حيث قالت ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ) والمفهوم عرفاً من ذلك أو المنصرف هو ما ذكرناه - أي لأجل ضيق الوقت يأتي متأخراً - وهكذا في الرواية الثانية حيث قال ( في رجل ادرك الامام وهو بجمع ) يعني لمانعٍ خارجي.
 إذن لو كان الشخص ناسياً مثلاً فماذا يكون حكمه ؟
 يمكن أن يذكر في هذا المجال أن صحيحة الحلبي قالت ( فإن الله أعذر لعبده ) وهذه النكتة نكتة عامة ، يعني أن كل صاحب عذر فالله أولى بأن يعذره ، ومورد الروايات وإن كان هو الذي طرأ له مانع خارجي كضيق الوقت مثلاً ولكن لو كان ناسياً فحينئذ هو معذور فإن العذر نسيان فيثبت له الحكم المذكور تمسكاً بعموم العلة والنكتة ، وقال صاحب المدارك(قده):- ( إن النسيان من أقوى الأعذار ) [6] ، ووافقه على ذلك صاحب الجواهر [7] والنراقي [8] .
 هذا ولكن ذكرت عدّة وجوه لعدم شمول الحكم للناسي:-
 الوجه الأول:- ما ذكره صاحب الحدائق [9] من أن الناسي ليس معذوراً وإنما المعذور هو الجاهل والروايات المتعددة قد دلت على معذورية الجاهل وأما النسيان فليس عذراً فإن منشأه الشيطان كما قال تعالى ( وما أنسانيه إلّا الشيطان أن أذكره ) ، إضافة إلى ذلك أن النسيان ينشأ نتيجة عدم الاستعانة بالمنبهات المسبقة فهو تماهل في المنبهات ولم يضع منبهات من قبيل أن يضع خاتمه في اصبع آخر أو يوصي غيره أن ينبهه أو غير ذلك فهو ترك هذه المنبهات فنسي فبالتالي نسيانه ناشئ من اهماله للمنبهات فلا يكون عذراً.
 وفيه:- إن النسيان عذر عقلائي وقد اتفق عليه العقلاء لذلك إذا قال شخص إني نسيت واعتذر بالنسيان فالطرف الثاني بذوقه وطبعة العقلائي لا نتيجة الشرع يسكت حينئذ . نعم كون المنشأ للنسيان هو الشيطان فهذا لا يعني أنه لا يصير عذراً فالشيطان سبب للنسيان ولكن بعدما طرأ وحصل يصير عذراً وإن كان المنشأ هو الشيطان وعدم الاستعانة بالمنبهات لا يعني أنه ليس بعذرٍ بل يبقى هو عذر غايته الطرف المقابل بإمكانه أن يعاتب أو يعاقب على عدم الاستفادة والاستعانة بالمنبهات أما في حالة نسيانه فهو يكون معذوراً ، فعلى هذا الأساس لا محذور في شمول الروايات المذكورة له.
 الوجه الثاني:- ما أفاده السيد الروحاني(قده) [10] حيث قال:- ( المناسب هو العذر من جهة الذنب لا الإجزاء ) ومقصوده أن الناسي وإن كان معذوراً ولكنه معذور من جهة العقوبة لا أنه يثبت الإجزاء في حقه ونحن نحتاج إلى دليل يثبت الإجزاء لا أنه ينفي استحقاق العقوبة فقط.
 وما أفاده وجيه لو فرض أن الدليل لم يدل على الإجزاء في حق صاحب العذر ولكن الروايات السابقة دلت على الإجزاء في حق صاحب العذر حث قالت:- ( وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله اعذر لعبده فقد تمّ حجّه ) ، إذن استعين بهذه الكبرى لإثبات الإجزاء حيث قال الإمام ( فقد تمّ حجّه ) وليس لمجرد نفي العقوبة.


[1] الوسائل 14 36 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[2] المصدر السابق ح1.
[3] المصدر السابق ح4.
[4] المصدر السابق ح3.
[5] المدارك 7 401.
[6] المدارك 7 402
[7] الجواهر 19 34.
[8] مستند الشيعة 12 227.
[9] الحدائق 16 406.
[10] المرتقى 2 2- 274.