38/07/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تشبه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس – المكاسب المحرمة.

استدراك لروايات لبس الرجال ملابس النساء يعني مسألتنا الاصلية:- قلنا قد يستدل لذلك بروايات وذكرنا خمس روايات وأوّل رواية كانت لمكارم الاخلاق وقد نقلها الطبرسي عن سماعة ونحن قلنا هي مرسلة ومتى ما سمعت مكارم الأخلاق فالأصل الأوّلي أن تكون الرواية ضعيفة السند بالإرسال ، لكن نقول:- إنَّ هذه الرواية التي هي رواية الطبرسي عن سماعة والتي هي مرسلة قد ذكرها صاحب الوسائل في باب آخر غير هذا الباب عن سماعة حيث نقلها عن الكافي بسندٍ معتبر الى سماعة ، وكان نصّها:- ( في الرجل يجر ثيابه ، قال اني لأكره أن يتشبه بالنساء )[1] ، وهذه من أحد المشاكل حيث نرى الرواية في الباب وسندها ضعيف ولكنه يذكرها في بابٍ آخر والسند بشكلٍ آخر والتسديد من الله تعالى ، والظاهر أنَّ صاحب الوسائل كان غافلاً عن ذلك أيضاً والقرينة على ذلك هي أنَّ من عادته أنه حينما يذكر الرواية بسندٍ يقول بعد ذلك ( ورواه فلان ) لأنَّ المفروض أنه نقلها عن الطبرسي فلابد أن يقول بعد ذلك ( ورواه الكليني مثله ) ويذكر السند ولكن يظهر أنه كان غافلاً فلم يشر إلى ذلك في المورد الأوّل ولا في المورد الثاني ، فإذن صارت الرواية موثقة لأنَّ سماعة واقفي ، فهي معتبرة من هذه الناحية ، لكن الاشكال الذي وجهناه على الدلالة يأتي نفسه هنا لأنَّ الوارد في التعبير ( إني لأكره ) وقد قلنا إنَّ تعبير ( لأكره ) يجتمع مع الحرمة ومع الكراهة ، وكما قلنا توجد قرينة ثانية على الكراهة وهي عبارة ( الرجل يجرّ ثيابه ) فإنَّ جرّ الثياب للرجل كما لو كانت عباءته طويلة تخطّ في الأرض أو ثوبه كذلك فقد قلنا لا يحتمل فقيه حرمة هذا ، فإذن هي تبقى ضعيفة من حيث الدلالة لكن من حيث السند صارت موثقة ، وبذلك صحّ كلام السيد الخوئي(قده) لأنه حينما ذكرها قال موثقة سماعة ونحن قلنا هي ليست موثقة وإنما هي مرسلة ولكن نتراجع ونقول قد اتضح أنها موثقة ، هذا استدراك لما سبق.

عود الى صلب الموضوع:- قلنا إنه قد يستدل على حرمة تشبه الرجال بالنساء أو بالعكس في اللباس بمسألة لباس الشهرة وقد قلنا إنَّ صاحب الوسائل ذكر خمس روايات في هذا الباب وقد ذكرنا ثلاث روايات وقد قلنا إنَّ الرواية الأولى تامة السند لكن دلالتها ليست بثابتة ، والرواية الثانية مرسلة ابن مسكان عن رجلٍ وهذه أيضاً قلنا مضافاً إلى الارسال الموجود في سندنا كذلك دلالة لفظ ( خزي ) يجتمع مع الحرمة ومع الكراهة ، وكذلك رواية عثمان بن عيسى عمن ذكره هي مرسلة أيضاً وهنا قلنا إنَّ دلالتها لابأس بها ولكن المشكلة في السند.

الرواية الرابعة:- محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي سعيد عن الحسين عليه السلام :- ( من لبس ثوباً يشهره كساه الله بوم القيامة ثوباً من النار )[2] ودلالاها لا بأس بها لأنها قالت ( كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار ) وهذا يتلاءم مع التحريم وموردها هو لبس الثوب الذي يشهره فدلالتها واضحة ولكن السند ضعيف فمحمد بن يحيى قد روى عنه الشيخ الكليني عنه ربع الكافي أو أكثر وهو أشعري ثقة وأحمد بن محمد سواء كان ابن عيسى الأشعري أو ابن خالد كلاهما ثقة ، وأما محمد بن سنان على المبنى ، وأما أبي الجارود فهو زياد بن المنذر على المبنى أيضاً ، أما أبي سعيد فهو مجهول ، فالرواية تكون غير معتبرة السند من ناحية أبي سعيد كما أنها عن الحسين عليه السلام ولا نعلم هل هذا النقل فيه اشتباه أو لا ، فقد لا يوجد اشتباه في النقل عن الامام الحسين عليه السلام ولا توجد مشكلة ولكن المقصود أنَّ أبو سعيد مجهول ، وهذه الرواية عن الحسين عليه السلام ونحن لأوّل مرّة نسمع بها عنه عليه السلام ، إذن مشكلتها هي من حيث السند.

الرواية الخامسة:- عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد عن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله عن لبس ثياب الشهرة ..... )[3] .

ودلالتها على المبنى ، حيث قال الامام عليه السلام ( نهاني ) وقد قلنا إنَّ كلمة ( نهى ) اخبارية وليست انشائية فهي لم تقل ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنهاك ) إذ لو قال كذلك فهذا نشاء أما هنا فيوجد إخبار ولعل الصادر صيغة تدل على الكراهة حيث يصدق ( نهى ) .

وأما من حيث السند: ففيه سهل بن وياد وهو على المبنى ، وجعفر بن محمد لا يبعد أنه ابن عبيد الله لأنه يروي كثيراً عن ابن القدّاح لكنه شخصٌ لم تثبت وثاقته ، فإذن الرواية سوف تصير محل اشكال من ناحيتين.

هذه خمس روايات ، وما هي النتيجة ، وقد اتضح أنّ السالم منها دلالةً هي الرواية الثالثة والرابعة لأنه يوجد في الثالثة ( الشهرة خيرها وشرها في النار ) فهذه توجد فيها دلالة على الحرمة ، والرابعة قالت ( من لبس ثوباً يشهره ألبسه الله يوم القيامة ثوباً من النار ) فهذه أيضاً فيها دلالة على الحرمة ، فإذن هما فيهما دلالة على التحريم ولكن سندهما ضعيف.

إن قلت:- صحيح أنَّ سندهما ضعيف ولكن حيث إنَّ المجموع خمس روايات فبسبب هذا العدد يمكن أن يحصل الاطمئنان للفقيه بحقّانية المضمون وأنَّ لباس الشهرة حرام.

قلت:- هذا وجيه إذا كانت بقيّة الروايات فيها دلالة على التحريم لكن نحن توقّفنا في دلالة بقية الروايات على التحريم ، وضمّ الضعيف الى الضعيف ينتج قوياً الى درجةٍ يتم فيما إذا كانت الدلالة قوية فحينئذٍ يكون ضمّ الضعيف سنداً الى الضعيف سنداً ينتج الاطمئنان ، أما إذا فرض أنَّ الدلالة كانت ضعيفة فحتى لو ضممت عدداً كثيراً من الروايات فلا ينتج الاطمئنان ، من قبيل ما لو جاء شخص وقال توجد مسيرة في المكان الفلاني ثم جاء شخص آخر من بلد آخر ونقل نفس المضمون ... وهكذا جاء ثالث ورابع وخامس فهنا يحصل لك الاطمئنان بلا إشكال ، أما إذا جاء الأوّل وقال يحتمل وجود مسيرة فإني رأيت شيئاً ولا اعلم هل هو مسيرة أو غير ذلك وجاء الثاني وقال يحتمل أنها مسيرة وجاء الثالث وقال يحتمل أنها مسيرة وهكذا الرابع والعاشر والمائة فهنا لا يحصل اطمئنان بوجود مسيرة لأنهم كلّهم يقولون يحتمل وجودها لا أنهم يجزمون بها واحتمال وجودها لا يولّد الاطمئنان بأنه توجد مسيرة جزماً ، نعم أقصى ما هناك وجود احتمال ولكن لا يرتقي إلى درجة الاطمئنان بأنَّ هذا المضمون صحيح ، والقضية واضحة من هذه الناحية.

إذن النتيجة هي أنه لا يمكن ان نحكم بحرمة لباس الشهرة استناداً الى الروايات من حيث العنوان الأوّلي ، نعم قد نحرّمه من ناحية العنوان الثانوي ولكن هذه فضية ثانية ، كما لو فرض أنه يأتي شخص في الصيف وهو يرتدي فروة ويحضر الدرس فإنَّ هذا اهانة للصنف ، أو يلبس ربطة العنق مثلاً فإنَّ هذا عنوان ثانوي ، فبالعنوان الثانوي نعم يمكن الحكم بالحرمة ، أما بالعنوان الأوّلى فلا يمكن أن نحكم بالحرمة ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص فالأشخاص أيضاً لهم مدخلية كما أنَّ بعض الأمور لها مدخلية أيضاً ، فبالعنوان الأولي يصعب الاستناد إلى الروايات للفتوى بحرمة لباس الشهرة ، لكن بالعنوان الثانوي يمكن الحكم بالحرمة كالكثير من الأشياء المباحة هي بالعنوان الثانوي قد تصير محرّمة وهذا واحدٌ من تلك الأمور ، فإذن لباس الشهرة لا يمكن اثبات الحرمة له بالعنوان الأوّلي.

يبقى شيء:- وهو أنه لو قلنا بحرمة لباس الشهرة نسأل سؤالين:

السؤول الأوّل:- ما هو لباس الشهرة فإنَّ هذا مفهوماً كلياً فما المقصود منه ؟

السؤال الثاني:- إنه إذا ثبتت حرمة لباس الشهرة فهل يثبت بذلك ما كنا نقصده ونريده وهو حرمة تشبه الرجال بالنساء باللباس وبالعكس ؟

أما بالنسبة الى السؤال الأوّل:- فقد قلنا يوجد احتمالان ، الاحتمال الأوّل ما يظهر من اللفظ من قبل الرواية التي تقول ( من لبس ثوباً يشهره كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار ) فنحن ماذا نفهم منها ؟ إننا نفهم منها أنَّ هذا لباس يجعله شخصاً شاذاً ومشهوراً كما لو قلنا فلان أبو الفروة مثلاً وما شاكل ذلك ، إنَّ الذي نفهمه هو هذا المعنى فهو المفهوم من اللفظ ، بل ربما يستفاد من معتبرة حمّاد بن عثمان أن هذا هو المقصود ، ونصّها:- ( كنت حاضراً لأبي عبد الله [ عند أبي عبد الله ] إذ قال له رجل أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب عيله السلام كان يلبس الخشن القديم بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيد قال فقال له: إنَّ علي بن أبي طالب عليه الاسلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كل زمان لباس أهله غير أن قائمنا إذا قام لبس لباس عليٍّ وسار بسيرته )[4] ، وهذه الرواية أريد أن اجعلها قرينة على أنَّ المقصود من لباس الشهرة اللباس في كل زمان إذا فرص أنه غير متعارف ويشهّر به الانسان فهذا هو المقصود من لباس الشهرة والقرينة على ذلك قول الامام عليه الاسلام في ذيل الرواية ( فخير لباس فيكل زمان لباس أهله ) بعني عليك أن تلاحظ أهل هذا الزمان كيف يلبسون ، فيفهم من هذا التعبير أن المناط على ملاحظة الزمان الذي فيه الانسان ، بل أقول أكثر فإنه قد يستفاد منها مراعاة البلد الذي هو فيه ، فأنت عليك أن تراعي هذا المكان وهذا الزمان ورحم الله من جبّ الغيبة عن نفسه.

غير أنَّ السيد الخوئي (قده) قال:- إنَّ المقصود من لباس الشهرة يعني ذلك اللباس الذي يشهَّر ويشتهر به الانسان بلحاظ جميع البلدان من دون خصوصية لبلدٍ دون بلد لا أن نلاحظ هذا البلد في مقابل ذلك البلد ، من قبيل أن يلبس رجل العمامة الحمراء فهذا منكر في أيّ بلد ولعلّه في أي زمن ، أو أن يلبس فروةً مقلوبة.

وعليه فسوف يصير هذا التفسير أضيق من ذاك التفسير ، فعلى التفسير الأوّل الذي هو التفسير المعروف سوف يصير كل لباسٍ في كل زمان إذا صار مخالفاً لأهل ذلك الزمان ويشهَّر به الانسان فهو لباس شهرة ، أما على رأي السيد الخوئي(قده) فاللازم أن يكون لباس شهرة بلحاظ جميع البلدان ولعلّه بلحاظ الازمنة كما مثلنا بالعمامة الحمراء.