38/06/27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 34 ) حكم لبس الذهب للرجال – المكاسب المحرمة.

وفيه:- إن عنوان الزينة يستعمل في معنيين ، فتارةً يستعمل في المعنى الحدثي يعني التزيّن فيقال هذه زينة جميلة يعني تزيّن جميل ، وأخرى تستعمل كاسم ذات وليست مشتقة مثل ( خاتم ) فنفس الخاتم الذي هو ذات يقال له هذا زينة ، فـ( زينة ) لا بمعنى التزيّن بل بمعنى هو ذاته يتزيّن به ، فالذات التي يتزيّن بها يعبّر عنها بالزينة ، إذن كلمة ( زينة ) تأتي بمعنيين بمعنى اسم ذات وليست مشتقة وبمعنى التزيّن الذي هو معنى حدثي ومشتق ، ومادامت تأتي بكلا المعنيين فتصير حينئذٍ مردّدة ومجملة.

بل ربما تصعّد اللهجة فيقال:- لعل الأنسب ارادة اسم الذات ، لأنه قيل هكذا ( لا تختّم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة )[1] وضمير ( فإنه ) يعني أنَّ الذهب الذي هو اسم ذات هو زينتك في الآخرة ، لا التزيّن به هو زينتك في الآخرة ، كلا فإنَّ الأنسب هو الأوّل يعني نفس الذهب ، وهذا ليس مهماً لنا ولسنا بحاجة إليه بل يكفينا أنَّ هاتان الروايتان اللتان عبّرتا بقول ( فإنه زينتك في الآخرة ) يلتئم مع كلا الاحتمالين فهو يلتئم مع الذات ولا يتعيّن أن يكون المقصود منه المعنى الحدثي ، وبناءً على هذا سوف لا تكونان دالتين على أنَّ المدار على عنوان الزينة والتزيّن ، فيعود ظهور الرواية الأولى -أعني موثقة عمّار - بلا مانع من الأخذ به.

إذن النتيجة هي أنَّ المدار على عنوان اللبس لأخذه في موثقة عمّار ، وأما كلمة الزينة التي أخذت في بعض الروايات - أعني الأولى والثالثة - وعبرت وقالت ( فإنه زينتك في الآخرة ) هي مرددة ومجملة فكما يحتمل ارادة المعنى الحدثي وهو التزيّن يحتمل أن يراد ما يتزيّن به الذي هو اسم ذات وهو نفس الخاتم ، ومع كون الروايتين مجملتين يعود الأخذ بظهور موثقة عمّار بلا مانع ، فإذن النتيجة هي أنَّ المدار على عنوان اللبس وليس على عنوان التزيّن.

إن قلت:- هذا وجيه إذا فرض أنَّ جميع الروايات المذكورة قد تمت دلالة وسنداً فنقول آنذاك نأخذ بموثقة عمّار لأنها تامة دلالة وسنداً ولا تعارضها الروايتان - يعني الأولى والثالثة - لإجمالهما وهذه طريقة جيدة ، أما إذا فرض أنَّ جميع الروايات تشتمل على خللٍ ، فبعضها يشتمل على خللٍ في الدلالة وبعضها يشتمل على خللٍ في السند ونحن استعنّا لرفع هذا الخلل بعدم الخلاف زائداً عدم ابتلائية المسألة وعدم الخلاف لا يُثبِت أنَّ الصادر هو موثقة عمّار حتماً بل لعلّ الصادر هو الرواية الأولى والثالثة ، وبذلك لا يكون المدار والنتيجة كما ذكرنا - يعني أنَّ المدار على اللبس والرويتان تكونان مجملتان - وإنما مادمنا لا نعرف الصادر فلعل الصادر هو الموثقة ولعل الصادر هما الروايتان ، ومادمنا لا نعرف ما هو الصادر فسيكون المناسب حينئذٍ حصول علم اجمالي بصدور إما الروايتان أو الموثقة ، ونتيجة العلم الاجمالي هو أنه كلاهما يلزم الحكم بحرمته من باب تنجيز العلم الاجمالي ، لأنَّ الصادر واحد منهما حتماً إما الموثقة وإما الروايتان ، هكذا يقال.

أو يقال:- حيث إنَّ الصادر هو الواحد أعني الجامع والجامع بحدّه لا نجزم بتحققه في هذا أو ذاك فعلى هذا الأساس لابد من اجتماعهما معاً في ثبوت الحرمة.

إذن إما أن نقول هناك علم اجمالي بصدور واحدٍ فمن باب تنجيز العلم الاجمالي في الاثنين معاً فيكفي في الحرمة إما عنوان التزيّن أو عنوان اللبس ، أو يقال إنَّ القدر المتيقن تحريمه هو المجمع يعني حالة تحقق اللبس مع التزيّن وأما ما زاد عليه فلا يعلم بحرمته ، وأيهما الصحيح فأنا لست بصدده وإنما أريد أن أبيّن أنَّ النتيجة ليست كما انتهينا إليها بل سوف تتغير ، فإنه مادام صار علماً إجمالياً فالنتيجة سوف تصير أنه إما أنه يكفي واحد إما اللبس أو التزيّن أو أنه لابد من اجتماعهما لأنه هو القدر المتيقن حرمته وأما ما زاد فيشك في حرمته.

قلت:- إنَّ المفروض في حديثنا أنَّ الموثقة معتبرة السند ولا مشكلة فيها من حيث السند ، يعني لا نحتاج إلى عدم الخلاف لجبرانها سنداً ، وإنما اقترنت ببعض المكروهات فولّد هذا الاقتران الاجمال ونحن رفعنا هذا الاجمال بعدم الخلاف وابتلائية المسألة.

إذن بفكرة عدم الخلاف وابتلائية المسألة لا نريد أن نقول إنَّ إحدى الروايات صادرة حتى يقال لا إنه يعلم ما هو الصادر فيحصل علم اجمالي وتصير النتيجة إما هي حرمة كل واحد أو حرمة المجمع ، كلا بل إنما نريد أن نرفع الاجمال فعدم الخلاف يثبت لنا أنَّ المقصود هنا ليس الكراهة وإنما التحريم إذ لا خلاف بين الأصحاب في الحرمة ، ونحن فيما سبق اتبعنا هذه الطريقة ، يعني نحن لم نكتفِ بعد الخلاف وحدة ولا بابتلائية المسألة وحدها وإن كانت هذه الطريقة جيدة ولكن هذه الطريقة الأخرى جيدة أيضاً ، فنحن استعنّا بعدم الخلاف زائداً عدم ابتلائية المسألة لرفع الاجمال عن موثقة عمّار ، وإذا رفعنا الاجمال الدلالي والمفروض أنها معتبرة سنداً فظهورها في حرمة عنوان اللبس سوف يكون بلا مانع ، وتبقى تينك الروايتان مجملتان على تقدير حجيتهما بعدم الخلاف من حيث ارادة الزينة والاجمال لا يعارض الظهور.

إذن على الطريقة التي ذكرناها لا يتسجل هذا الاشكال علينا ، وإنما يتسجل علينا فيما لو فرض أنَّ عدم الخلاف زائداً ابتلائية المسألة يثبت أنَّ بعض الروايات قد صدر إما البعض قد صدر أو الكل ، فإذا اثبتنا أنَّ بعض الروايات صادرة فلا نعلم الصادر فيحصل علم اجمالي فلابد من الموافقة القطعية ، ولكن نحن سلكنا هذه الطريقة حيث قلنا إنَّ موثقة عمّار هي من حيث الصدور صادرة جزماً وقد رفعنا اجمال دلالتها ، فلئن كانت الروايتين صادرتين حيث أنهما مجملتان فلا تعارضان ظهور الظاهر ، فإذن لا يرد هذا الاشكال على هذه الطريقة.

ومنه يتضح الاشكال فيما بنى عليه السيد الحكيم(قده) في المنهاج القديم:- فإنه بنى على أنَّ كل واحدٍ يكفي لإثبات الحرمة ، يعني يكفي التزيّن أو اللبس لا أنَّ المدار على اللبس بل إذا تحقق احدهما يكفي ، وهذا مبنيٌّ على أنَّ بعض الروايات قد اشتملت على عنوان اللبس وبعضها قد اشتملت على عنوان التزيّن فنقول إنَّ كلا العنوانين محرّم ولا مانع من ذلك ، ولكن بعدما اتضح ما أشرنا إليه من أنَّ موثقة عمّار ظاهرة في حرمة عنوان اللبس وأنَّ الروايتين - أعني الأولى والثالثة - مجملتان من حيث المقصود من الزينة وأنَّ المقصود هل هو المعنى الحدثي أو المقصود هو الذات فيعود ظهور موثقة عمّار بلا مانع ، فالنتيجة هي أنَّ المدار على عنوان اللبس.

كما اتضح شيء آخر:- وهو أننا وإن صرنا إلى كون المدار على عنوان اللبس في التحريم ولكن يبقى أنه قد أدعي عدم الخلاف من قبل صاحب الجواهر(قده) ولعله غيره في حرمة عنوان التزيّن وعدم الخلاف هذا وإن كان من المحتمل أنه ناشئ عن منشأ اجتهادي - يعني ذو مدرك وليس تعبّدياً محضاً - لكنه يبقى له مقدار من القيمة فالاحتياط الوجوبي لأجله يكون وجيهاً.

كما ينبغي الالتفات أنه جاء في ذيل عبارة المتن أنَّ تلبيس الأسنان بالذهب لا محذور فيه والنكتة أنه لا يصدق عليه عنوان اللبس والتزيّن بعنوانه ليس بحرام فلا محذور فيه ، أما على ما انتهينا إليها المناسب الاحتياط من هذه الناحية ، اللهم إلا إذا فرض وجود ضرورة إلى ذلك فبالضرورة نرفع اليد عن هذا الاحتياط ، أما مع عدم الضرورة فالاحتياط شيء وجيه لما قلناه من دعوى عدم الخلاف في المسألة.

وبهذا ننهي حديثنا عن مسألة لبس الرجال للذهب.