38/06/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 33 ) حكم حفظ كتب الضلال – المكاسب المحرمة.

الدليل الثالث:- قوله تعالى ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾[1] ، والشيخ لم يقرّب الدلالة لكن يمكن أن نقرّب الدلالة بهذا الشكل وهو أنَّ الزور عبارة عن الباطل ومن جملة مصاديق الباطل كتب الظلال وقد أمرت الآية الكريمة بالاجتناب عن الباطل ومن مصاديق الاجتناب عن الباطل هو إعدام كتب الباطل ، فإعدام تلك الكتب هو نحو من الاجتناب.

فإذن نحتاج إلى ثلاث مقدمات وهي أنَّ الزور عبارة عن الباطل وهذا لا كلام فيه ، ومن مصاديق الزور كتب الضلال وأمرت بالاجتناب عن الباطل ، ومن مصاديق الاجتناب اعدام كتب الباطل.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ الآية الكريمة أمرت بالاجتناب عن الباطل وظاهر ذلك هو الاجتناب عن الايجاد - أي ايجاد الباطل - وعرفاً الأمر كذلك فـ( اجتنب عن الباطل ) يعني لا تُوجِد الشيء الباطل أما أنه بعد أن كان متحققاً لابد أن تفنيه وتزيله فهذا لا يفهم منها ، فالأمر بالاجتناب حينما يقال ( اجتنب عن الباطل ) يعني لا تساعد على ايجاد الباطل ولا تتفوّه به ، أي هذه عوامل الايجاد والفاعلية أما أنه بعد أن تحقق نقول أيضاً من مصاديقه أنك تعدم ذلك الباطل فهذا لا يفهم من الأمر بالاجتناب عن الباطل.

ثانياً:- إنَّ الآية الكريمة اضافت كلمة ( قول ) حيث قالت ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾ والتعبير بكلمة ( قول ) واضح في أنَّ المقصود هو النهي عن التقوّل بالباطل ، يعني هذه قرينتها معها ، فإذن تفسير الآية الكريمة بشكلٍ يشمل كتب الضلال وأنه يلزم اعدامها من الآخرين بعد وجودها يصعب استفادته منها.

الدليل الرابع:- ما رواه الشيخ الصدوق(قده) بإسناده عن عبد الملك بن أعين:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني قد ابتليت بهذا العلم[2] فأريد الحاجة فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشرَّ جلست ولم أذهب فيها وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة ، فقال لي:- تقضي ؟ قلت:- نعم ، قال:- احرِق كتبك )[3] .

وتقريب الدلالة:- هو أنَّ الرواية قالت ( تقضي ؟ ) يعني هل يترتّب على ذلك حرمة وانحراف ؟ فقال له:- نعم ، فقال له الامام عليه السلام:- إنه مادام يترتب ذلك فحينئذٍ لابد وأن تحرق الكتب وهذا يدل على أنه كلما كان هناك كتب تشتمل على الانحراف والانسان يخاف من السير وراءها فلابد من ازالتها واعدامها فلذلك أمر الامام عليه السلام بالحرق ، فإنَّ دلالة الرواية واضحة على أنه مادام يترتب الحرام - وهو الحكم على طبقها - فلابد من اعدامها ، وبإلغاء خصوصية المورد نتعدّى إلى كلّ ما يترتّب عليه حرام أعني سائر كتب الضلال الأخرى غير كتب السحر فحينئذٍ لابد من اعدامها.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ عبد الملك يظهر منه أنه كان متألماً من هذه الحالة لأنه في البداية عبر بقوله ( إني قد ابتليت بهذا العلم ) فيظهر من قوله هذا أنَّ هذه حالة قد طرأت عليه وهو متألم منها والامام عليه السلام من باب الارشاد أرشده وقال له لا تتألم من ذلك فقال له إنك إذا لم تقضِ على طبقها فهي لا تشكّل مشكلة إنما تشكّل مشكلة فيما إذا قضيت بها فاحرقها لكي تنتهي المشكلة ، كما لو قال شخص إنَّ لي زوجة مؤذية فنقول له طلّقها ، وهنا أيضاً كذلك فهو مبتلٍ بذلك ويشكو للإمام عليه السلام والامام قال له احرقها فهذا علاجٌ للموقف السيء الذي يعيشه لا من باب بيان حكمٍ شرعي ,أنه يلزمك الاحراق.

وإذا قلت:- إنَّ الظاهر من مقام الامامة دائماً هو بيان الأحكام الشرعية ولا معنى آنذاك للحمل على الارشاد لعلاج المشكلة التي يعيشها السائل.

قلت:- هذا صحيح إذا لم تكن هناك قرينة ، أما بعد أن عبّر السائل بقوله ( قد ابتلت ) فحينئذٍ يحتمل أنَّ الرواية ناظرة إلى الارشاد لحلّ المشكلة ، فإذن يوجد فيها كلا الاحتمالين ويكفينا هذا المقدار لسقوطها عن الحجية في مقام الاستدلال بها.

ثانياً:- ومع التنزّل نقول إنَّ محل الكلام هو اثبات لزوم إعدام كتب الضلال مطلقاً وليس في حالة أنها تضلّ ، والمفروض أنه في هذه الرواية الامام عليه السلام لم يحكم بشكلٍ مطلق بإحراقها وإنما قال ( تقضي ؟ ) يعني إذا ترتّب على وجودها مفسدة لك فآنذاك احرقها وأما إذا لم يترتب على وجودها مفسدة كما لو كانت موجودة في المكتبة وهي متروكة ولم نقرأها فلا مشكلة في ابقائها ، فهذه الرواية إنما دلّت على أنه إذا ترتب الفساد فحينئذٍ يلزم اتلافها بإحراقها مثلاً أما إذا لم يترتب ذلك فلا تدل على للزوم اتلافها والمفروض أننا نريد أن نثبت لزوم الاتلاف بشكلٍ مطلق والمدّعين الذين يريدون يدّعون ذلك لا يفصّلون بين الحالتين كما نحن فصّلنا.

الدليل الخامس:- ما ذكره الأردبيلي(قده) حيث ذكر كلاماً مختصراًً يشتمل على أربعة وجوه:-

الوجه الأوّل:- إنَّ بقاءها قد يؤدّي في يوم من الأيام إلى أن تعمل بكتب الضلال فإذن يلزم إعدامها حتى لا تقع في هذا المحذور.

الوجه الثاني:- إنَّ نفس بقاءها في المكتبة ينبئ عن رضاك بما فيها وهذا لا يجوز.

الوجه الثالث:- إنها تشتمل على البدعة والأمور المحرّمة ومن باب النهي عن المنكر لابد من ازالة المنكر ، فإذا أبقيتها فسوف يتنافى ذلك البقاء مع وجوب النهي عن المنكر.

الوجه الرابع:- الاجماع الذي ادّعاه العلامة(قده) في المنتهى.

ونصّ عبارته:- ( ولعلّ دليل التحريم انه قد يؤول إلى ما هو المحرّم وهو العمل بها ، وأنََّ حفظها وتنسخها ينبئ عن الرضا بالعمل بما فيه وهو ممنوع ، وأنها مشتملة على البدعة ويجب دفعها من باب النهي عن المنكر وهما ينافيانه ، وقد يكون اجماعياً أيضاً يفهم من المنتهى )[4] .

وهذه الوجوه واضحة الوهن:-

أما الأوّل:- فمجرّد احتمال أنه قد يؤدّي إلى العمل بها لا يثبت الحرمة خصوصاً وأنَّ الاستصحاب الاستقبالي ينفي ذلك ، فيحتاج إلى أن يلبَّس بلباسٍ علمي كما نحن ألبسناه حيث قلنا هنا يوجد تخوّف والتخوّف في باب الضرر حجّة عقلائية ، أما أن يقول يحتمل أنه قد يؤدّي إلى الانحراف فهذا ليس بتام.

وأما الثاني:- فإنه غير مقبول أيضاً ، فإنَّ الكتب إذا كانت محفوظة في المكتبة من دون أن تُطالَع فهل هذا ينبئ بالرضا عمّا فيها ؟!! إنَّ هذا غير مقبول.

وأما الثالث:- فمادام هذا الضلال موجود في الكتاب ولا يتأثر به أحد فكون المورد من باب النهي عن المنكر أوّل الكلام.

وأما الربع:- فهذا الاجماع ليس بحجّة مادام محتمل المدرك.

الدليل السادس:- ما ذكره صاحب الجواهر(قده) حيث ذكر أن كتب الضلال وضعت للحرام يعني هي مؤسسة ومثبتة وألفت للحرام وحينئذٍ نضم إلى ذلك شيئاً آخر وهو أنها من شأنها أن يترتب عليها الفساد والانحراف ، فهي ألّفت للانحراف والضلال ومن شانها أن تفسد وتضل فتكون شبيهة بهياكل العبادة ، بل كتب الضلال أولى بذلك حيث أُمر بإتلافها ، لكنه لم يبيّن وجه الأولوية.

ولعل وجه الأولوية:- هو أنَّ كتب الضلال هي شبهات وهي قد تجرّ الاشخاص الضعاف إلى الإلحاد والخروج عن الدين بخلاف هياكل العبادة فإنه صنم وهو ليس شبهة حتى يجرّ إلى الإلحاد ، وواقع الحال كذلك ، فلو وضعت الشبهات أمام المثقّفين ووضعت الصنم أمامهم فالصنم لا يؤثر عليهم وإنما الذي يؤثر عليهم الشبهات ، فإذا وجب اتلاف هياكل العبادة لزم بالأولوية إتلاف هذه الكتب ، ونصّ عبارته:- ( بل الظاهر أنَّ حرمة الحفظ لوجوب اتلافها باعتبار دخولها تحت الوضع للحرام وتحت ما من شأنه ترتب الفساد عليه بل هي أولى حينئذٍ بالحرمة من هياكل العبادة المبتدعة )[5] .

والجواب عليه واضح حيث نقول:-

أوّلاً:- إنه إذا فرض أنَّ هياكل العبادة كانت موجودة في مكانٍ معين كالغرفة المخصّصة للمهملات فوجوب اتلافها أوّل الكلام .

ثانياً:- إنه ولو سلّمنا بذلك فلا نسلّم الأولوية ، فإنَّ هياكل العبادة فيها عبادة لغير الله تعالى وهي تجرّ إلى غير الله عزّ وجلّ بخلاف كتب الضلال فإنها ربما لا تجرّ إلى عبادة غير الله عزّ وجلّ وشتّان بينهما ، فعبادة غير الله محذورٌ كبير بخلاف ما إذا ترتب ضلال لا يوجب عبادة غير الله تعالى ، فالأولوية ممنوعة ، فإذن هذا الحكم خاصّ بهياكل العبادة ولا يمكن تعميمه إلى المقام ودليله أيضاً موهونٌ جداً.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنَّ الصحيح والمناسب التمسّك بما تقتضيه القاعدة على ما ذكرنا ، فإن كان هناك تخوّف من الضلال فيلزم اعدامها من باب كون التخوفّ حجّة عقلائية ، وأما إذا لم يتخوّف من ذلك فلا مثبت لوجوب الاتلاف وحينئذٍ نتمسّك بأصل البراءة.


[2] أي علم النجوم.