38/06/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 32 ) الغش ظ مسألة ( 33 ) حفظ كتب الظلال – المكاسب المحرمة.

الاشكال الثالث:- إن هذه الفكرة - أي أن اليد على مال الغير ثابتة بالوجدان وعدم التسليط المجاني ثابت بالاستصحاب - تتم لو كان مدرك الضمان مدركاً لفظياً ، كما لو فرض إنه توجد عندنا رواية تقول ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) وربما توحي بعض تعابير الشيخ الاعظم بذلك لأنه عبر وقال ( لعموم على اليد ) فالمقصود أنه عبّر بكلمة عموم وهذا يتناغم مع كون المدرك لفظياً يعني أخذ برواية كتاب عوالي اللئالي وما شاكله التي هي مرسلة ، فالمقصود أنه إذا بني على أن المدرك لفظي فهذه الطريقة لا بأس بها فنقول إنَّ هذا الدليل اللفظي يدل على أنَّ الضمان ثابت لليد على مال الغير ، ومن الواضح أنه يوجد شرطٌ وهو عدم التسليط المجاني ، لأنه إذا كان هناك تسليط محاني فبلا اشكال لا ضمان ، أما إذا فرض أنَّ المدرك للضمان لم يكن رواية بلسان على اليد لأنها مرسلة فعلى هذا الأساس المدرك هو السيرة العقلائية ، ومادام المدرك لبياً فكيف تنظّم موضوع الضمان بهذا الشكل فتقول الجزء الأوّل هو وضع اليد على مال الغير والجزء الثاني هو عدم التسليط المجاني فإنَّ هذا كله يكون إذا فرض أنَّ المدرك كان لفظياً أما إذا كان المدرك هو المرتكزات والسيرة العقلائية وما شاكل ذلك الذي هو مدرك لبّي كيف تقول إنَّ مدرك الضمان هو ذلك فإنَّ هذا يصعب القول به ؟!! بل يبقى موضوع الضمان شيئاً مجملاً ، فلعل الموضوع أخذ لا بنحو الجزأين حتى تقول الجزء الأوّل ثابت بالوجدان والجزء الثاني ثابت بالاستصحاب ، كلا بل لعلّه أخذ بنحو التقييد ، فالموضوع واحد وهو اليد على مال الغير المقيدة بعدم التسليط المجاني ، فموضوع الضمان لعله لوحظ بنحو الوحدة والتقييد لا أنه مركّب من جزأين وهذا الكلام يأتي كلما كان المدرك لبياً لأنه لا توجد ألفاظ وظواهر حتى تتماشى مع تلك الألفاظ والظواهر وإنما المدرك لبّي ، فلعله مأخوذ بنحو التقييد.

وهو إشكال وجبه إلا اللهم أن يقول قائل:- إنه لا يبعد أنَّ المرتكزات العقلائية والسيرة العقلائية هي أيضاً على هذا المعنى يعني يرون أنَّ الموجب للضمان هو يد على مال الغير زائداً عدم التسليط المجاني لا أنه أخذ واحداً بنحو التقييد فهذا ربما يكون احتماله بعيداً ، فإذا وافقتني على هذا فسوف يصير هذا شيئاً وجيهاً وتاماً.

وأما إذا رفضنا هذا فحينئذٍ لا مثبت للضمان ، بل الأمر يصير بالعكس حيث نذهب إلى البراءة من الضمان حينئذٍ ، وسوف تصير النتيجة في صالح القاضي ، بينما على الطريقة الأولى التي ذكرناها تصير النتيجة في صالح الدافع ، والقضية موكولة إليك ؛ وأنا أقول: إنه ليس من البعيد أنَّ المرتكزات هي على هذا المعنى ، يعني نقول إنَّ موضوع الضمان هو بنحو التركيب.

وبهذا ننهي حديثنا عن مسألة الرشوة.

مسألة ( 33 ):- يحرم حفظ كتب الظلال مع احتمال ترتب الظلال لنفسه أو لغيره فلو أمن من ذلك أو كانت هناك مصلحة أهم جاز . وكذا يحرم بيعها ونشرها . ومنها الكتب الرائجة من التوراة والانجيل وغيرها هذا مع احتمال التظليل بها.

..........................................................................................................

تحتوي هذه المسألة على أحكام ثلاثة:-

الحكم الأوّل:- يحرم حفظ كتب الظلال فيما إذا فرض أنه لم يأمن أن تظلّه أو تظل ابنه أو بنته أو صديقه أو غيرهم ، فإذا لم يأمن من التظليل بلحاظ نفسه أو غيره يحرم ، أما إذا أمن فلا يحرم ، وهكذا لا يحرم إذا كان الهدف أسمى وأعظم كالردّ عليها.

الحكم الثاني:- يحرم بيعها وشراؤها ، ومن الواضح أنه من المناسب أن يقيد بأنه إذا لم يؤمن بأنها تظل أما أمن من ذلك فيجوز.

الحكم الثالث:- إنَّ التوراة والانجيل الرائجان الآن هما أيضاً من كتب الظلال ، وهذا بيان لصغرى من كتب الظلال.

والمهم من هذه الأحكام هو الأوّل.

وهناك قضية ألفت النظر إليها:- وهي أنَّ هذه المسألة لم يرد فيها نصّ ، ولكنه قد تعرّض إليها الفقهاء ، بل ربما ادّعي الاتفاق ، ولعل أسبق من تعرض إلى ذلك الشيخ المفيد(قده) في المقنعة[1] حيث قال:- ( والتكسب بحفظ كتب الظلال وكتبه على غير ما ذكرناه حرام ) ، وهناك عبارة أخرى للشيخ الطوسي(قده) في المبسوط نقلها في الغنية وفي الجهاد في مسألة أنه إذا حصل المسلمون على غنيمة وكان فيها كتب ظلال فماذا يصنعون بها فهل يتلفونها أو يحفظونها وهناك قال:- ( وإن كانت كتباً لا يحلّ امساكها كالكفر والزندقة وما أشبه ذلك كل ذلك لا يجوز بيعه ، وينظر فيه فإن كان مما ينتفع بأوعيته إذا غسل كالجلود ونحوها فإنها غنيمة وإن كان مما لا ينتفع بأوعيته كالكاغد فإنه يمزّق ولا يحرق لأنه ما من كاغد إلا وله قيمة . وحكم التوراة والانجيل هكذا كالكاغد فإنه يمزق لأنه م

كتاب مغيّر مبدّل )[2] ، والعبارة واضحة في أنَّ حفظ كتب الظلال لا أقل هو لا يجوز في الجملة.

وادعى العلامة(قده) عدم الخلاف[3] ، ونقل عنه الشيخ الأعظم(بده) أنه أيضاً ادّعى في التذكرة عدم الخلاف[4] .

وعلى أيّ حال الفقهاء قد تعرضوا إلى هذه المسألة وربما ادّعي عدم الخلاف في ذلك.

والمهم أننا لابد أن نحقق حكم هذه المسألة فنقول:- إنه إما أن يتخّوف الشخص من الانحراف على تقدير حفظها ، أو أنه يأمن من الظلال في حقّ نفسه وفي حقّ غيره ، وعلى الأوّل المناسب الحرمة ، لأنّ القاء النفس في الظلال والانحراف شيء محرّم وهذا لا ينبغي الاشكال فيه.

وإذا وقلت:- إنَّ نفس الظلال هو من الحرام أما احتمال الوقوع في الظلال فكيف تثبت حرمته ؟

فنقول:- إنَّ دليل حرمة المحرّمات كالكذب والكفر يدل بالالتزام على أنَّ كل شيء يوقع في هذه المحرّمات يصير محرّماً بالدلالة الالتزامية ، فإذا كان هو حرام فكل ما يوصل إليه يكون حراماً بالدلالة الالتزامية العرفية وهذا شيء مسلّم.

نعم يمكن أن يشكل ويقال:- إنَّ الالقاء الحتمي في الظلال وسلوك الطريق المؤدّي حتماً إلى الظلال هو محرّم أما مجرّد التخوف والاحتمال لهذا ما الدليل على حرمته ؟ خصوصاً إذا التفتنا إلى وجود مؤمّنٍ وهو الاستصحاب الاستقبالي ، فأنا أشك هل سوف أقع فيه أو لا ، فالآن لم أقع فيه فإذا قرأت هذه الكتب أشك هل سأقع في الظلال أو لا فبالاستصحاب الاستقبالي أثبت عدم الوقوع ، أما لو تسألني أنه هل سأقع في الظلال المستقبل أو لا ؟ فأجر هذه القضية وهي عدم الوقوع من زمان اليقين الذي هو الآن إلى زمان الشك وهو غدٌ وما بعده فاستصحب اليقين وهذا استصحاب استقبالي ، والدليل على حجية الاستصحاب الاستقبالي هو أحد أمرين إما اطلاق روايات الاستصحاب فإنَّ ( لا تنقض اليقين بالشك ) مطلق ولم يقل يلزم أن يكون اليقين في الزمان السابق ، بل بإطلاقها تشمل حالة ما إذا كان اليقين الآن والشك فيما بعد ، أو السيرة فإنَّ سيرة العقلاء جارية على التمسّك بالاستصحاب الاستقبالي ولذلك نتزوج ونسافر ونعمل ، فإذا لم يكن الاستصحاب الاستقبالي حجّة فيلزم أن لا نتزوج مثلاً لاحتمال الوفاة قبل الزواج وكذلك في بناء الدار وغير ذلك ، فسيرة العقلاء جارية على التمسّك بالاستصحاب الاستقبالي ، ومادام الاستصحاب الاستقبالي حجة فنحن ننفي احتمال تحقق الظلال بهذا الاستصحاب الاستقبالي فكيف تثبت الحرمة ؟