38/05/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 30 ) حكم الهجاء – المكاسب المحرمة.

الرواية الثانية: صحيحة داود بن سرحان التي رواها الشيخ الكليني عن علي بن محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن سرحان[1] عن أبي عبد الله عليه السلام: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا طمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس.. )[2] ، بتقريب: أنها قالت ( وباهتوهم ) وذاك يعني إلصاق ونسبة عيوبٍ وأمورٍ إليهم ليست ثابتة في حقّهم ، وبناءً على هذا التفسير تكون الرواية دالة على المطلوب.

وفي الجواب يقال: بأنّ باهت أو بهت يأتي بمعانٍ متعدّدة ، منها قطع الحجّة ، فباهته يعني قطع حجته ، فحينما يصير جدال بين طرفين وأحدهما يتغلب ويقطع حجّة الآخر فقد بهته ، ويأتي بمعنى الدهشة والتحيّر ، ولعلّ تفسير بهت بالتلفيق مأخوذ من هذا المعنى يعني من الدهشة باعتبار أني حينما أنسب إليه عيوباً ليست ثابتة في حقّه فسوف تصيبه الدهشة ، حينئذٍ وكيف هذا ؟!!

وعلى أيّ حال من أحد معاني بهت أو باهت هو قطع الحجّة ، وحينئذٍ يحتمل أن يكون هذا هو المقصود وهو أنَّ باهتوهم يعني جادلوهم بالتي هي أحسن حتى تقطعوا حجّتهم.

على أنه يمكن أن يقال: إنَّ خط أهل البيت عليهم السلام من خلال تاريخهم وراياتهم مبني على بيان الحجّة لا النسبة الكاذبة ، فإذن يشكل التمسّك بهذه الرواية من جهة ما أشرنا إليه ، لا من جهة السند فإنه لا مشكلة فيه

الرواية الثالثة: رواية أبي حمزة وسندها كالتالي: الشيخ الكليني عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام: ( قلت له: إنَّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال: الكفّ عنهم أجمل ، ثم قال لي: والله يا أبا حمزة إنَّ الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ، ثم قال: نحن أصحاب الخمس وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا )[3] ، بتقريب: أنَّ أبا حمزة قال للإمام عليه السلام إنَّ بعض أصحابنا يفترون من خالفهم والامام عليه السلام قال في مقام الجواب: ( الكف عنهم أجمل ) ولم يقل هو لازم وهذا يدلّ على أنَّ الافتراء شيء جائز ولكن الأجمل هو العدم والكفّ.

ويمكن أن يقال في الجواب: من المحتمل أن يكون قول أبي حمزة ( ويقذفون ) عطف تفسيرٍ على ( يفترون ) ، يعني أنَّ يفترون ويقذون كلاهما بمعنىً واحد ، ومن الواضح أنَّ الانسان حينما يقذف شخصاً آخر هو نحو افتراءٍ ، ولا أريد أن أقول إنَّ هذا هو المقصود حتماً ولكن أقول من المحتمل أن يكون هذا هو المقصود ، ولذلك ربما ساعد على ذلك أنَّ الامام عليه السلام تعرّض إلى هذه الجنبة فقط وهي جنبة أنه هل هذا القذف صحيح أو ليس بصحيح فبيّن أن الناس كلّهم كذا ما خلا شيعتنا.

فإذن لا نتمكّن أن نقول إنَّ هذه الرواية تدل على جواز نسبة ما ليس فيهم من العيوب إليهم لاحتمال أنَّ كلمة يقذفون عطف تفسيرٍ على كلمة يفترون ، فإذن التمسّك بها يصير مشكلاً من هذه الناحية.

هذا كلّه لو قلنا إنَّ تعبير ( الكفّ عنهم أجمل ) يدل على الرجحان بمعنى الاستحباب فتدل حينئذٍ على الجواز ، أما إذا قلنا إنَّ هذا التعبير جامع فهو كما يلتئم مع الاستحباب يلتئم مع الوجوب فحينئذٍ تكون الرواية مجملة من هذه الناحية.

وهناك شيء جانبي آخر: وهو أنَّ الرواية اشتملت على عبارة وهي: ( إنَّ الناس كلّهم أولاد بغايا ) وهذا لابد من ردِّ علمه إلى أهله ، وإلا لا فنحن لا نتمكن أن نقول إنَّ ما خلا اتباع أهل البيت هم أولاد بغايا ، فيكف يفسّر ذلك ؟ فالامام عليه السلام قال نحن أبحنا الخمس لشيعتنا ولم نبحه إلى غيرهم فالقضية قضية مهر ، يعني أنَّ المهر يكون باطلاً باعتبار أنَّ فيه شيئاً من الخمس ونحن لم نبحه ، ومن المعلوم أنَّ المهر ليس دائماً يكون من قبيل ما يتعلّق به الخمس ، بل قد لا يتعلّق به الخمس كما في الرواية التي ينقلها محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام قال: ( جاءت امرأة إلى النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، زوجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شيء ، قال : لا ، فأعادت فأعاد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه )[4] .

والشاهد الذي نريده هو أنَّ المهر كان هو تعليم شيء من القرآن وهذا شيء لا يتعلّق به الخمس ، فإذا فرضنا أنَّ شخصاً تزوّج هكذا فحينئذٍ هل يكون الولد من أولاد البغاياً فإنَّ المهر هنا لا يتعلّق به الخمس أبداً ؟!

على أنه لو فرض تعلّق الخمس به لكن أقصى ما يلزم بطلان المهر ولا يلزم من ذلك بطلان العقد حتى يصير الولد من أولاد البغايا وإنما يرجع إلى مهر المثل ، نعم هذا يكون في عقد المتعة ولكن تلك قضية ثانية فإنه إذا لم يذكر العقد فيه يبطل ، أما في العقد الدائم إذا لم يوجد المهر فسوف ينتقل إلى مهر المثل ، ومن الواضح أنَّ هذا إذا كان المهر جزئياً ، وأما إذا كان كلّياً ففي مثل هذه الحالة إذا كان هذا الفرد باطلاً فسوف يرجع إلى فردٍ آخر وهذا لا يوجب شيء أبداً.

فإذن لابد وأن نحصر الرواية لو أردنا أن نفسّرها بغنائم دار الحرب إذا كانت جارية أخذت بعنوان السبايا والغنيمة فهنا يتعلّق بها الخمس ، وحينئذٍ إذا لم يأذن الامام إلا لشيعته فالخارج حينئذٍ يكون ابن زنا ، فهي خاصّة بهذا المورد لا أنَّ جميع الناس هم أولاد بغايا ما عدى اتباع أهل البيت ، فالرواية قد اشتملت على شيءٍ لا يمكن الأخذ به ، وهذا من المضعّفات لها.

فإذن دلالتها مجملة لأنها اشتملت على كلامٍ لا يمكن الأخذ به.

كما أنّ خط أهل البيت عله السلام الذي نعرفه من خلال تاريخهم والروايات لا يتناسب مع هذا وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ، فإذن الرواية مشكلة دلالة.

وأما سنداً: فقد اشتملت على بعض المجاهيل ، فعلي بن محمد الذي يروي عنه الكليني هو ابن بندار وهو يمكن توثقه ، أما علي بن العباس والحسن بن عبد الرحمن فهما لم يوثقا ولعلّهما مجهولان ، وأما عاصم بن حميد وأبو حمزة فلا توجد فيهما مشكلة.

والنتيجة التي تبيّنت: هي أنَّه من خلال الروايات لم يثبت جواز نسبة العيوب إليهم بما لم يثبت في حقّهم.

ونستفيد من الرواية شيئاً آخر ينبغي أن لا نغفل عنه: فإنها قالت: ( والكّف عنهم أجمل ) ، وهذا خطٌّ ينبغي الالتفات إليه لا أن نلتفت بعينٍ إلى شيءٍ في الرواية ونغفل عن شيءٍ آخر ، فالخط العام لنا ينبغي أن يكون هو ( الكّف عنهم أجمل ) ، وقد علّمنا أهل البيت عليهم السلام هذا المعنى في أكثر من رواية:

منها: ما وراه ابن مسكان: ( قال أبو عبد الله عليه السلام: إني لأحسبك إذا شتم علي عليه السلام بين يديك لو تستطيع أن تأكل أنف شاتمه لفعلت ، فقال: أي والله جعلت فداك إني لهكذا وأهل بيتي ، فقال لي: فلا تفعل فوالله لربما سمعت من يشتم علياً وما بيني وبينه إلا اسطوانة فاستتر بها فإذا فرغت من صلواتي فأمرّ به فأسلّم عليه وأصافحه )[5] فالامام عليه السلام قال في هذه الرواية: ( فلا تفعل فوالله لربما سمعت من يشتم علياً وما بيني وبينه إلا اسطوانة فأستتر بها فإذا فرغت من صلواتي فأمر به فأسلم عليه واصافحه ) [6] وهذا درس لنا.

ومنها: ما رواه عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام: ( إياكم وذكر عليّ وفاطمة فإنَّ الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر عليّ وفاطمة عليهما السلام )[7] .

ومنها: ما وراه يونس بن يعقوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( ما قتَلَنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قَتَلَنا قتل عمد )[8] .

ومنها: ما رواه هشام الكندي: ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إياكم أن تعملوا عملاً نُعيَّرُ به فإنَّ ولد السوء يعيَّر والده بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً ، صّلوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم )[9] .


[1] وداود بن سرحان ثقة.