38/04/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسأله ( 28 ) الاجارة علی الواجبات المکاسب المحرمة.

الاحتمال الرابع:- إنَّ الصلاة القربية نيابةً عن الغير هي ذاتٌ ووجودٌ واحد خارجاً ، بيد أنَّ هذا الوجود الواحد باعتبارٍ هو فعلٌ للنائب وباعتبارٍ آخر هو فعلٌ للمنوب عنه ، وبالاعتبار الأوّل تكون الأجرة ثابتة للنائب لأنه فعله فيستحق الأجرة عليه بهذا الاعتبار ، والقربة في هذا الاعتبار ليست لازمة ، وأما بالاعتبار الثاني فتعتبر فيه القربة ولا تكون بلحاظه أجرة ، فارتفع بذلك الاشكال ، فإنَّ الأجرة تكون على هذا الوجود الواحد بما أنه فعلٌ للنائب وبهذا الاعتبار لا تلزم القربة حتى تحصل منافاة ، وباعتبار أنه فعل المنوب عنه القربة معتبرة ولكن ليست هناك أجرة ثابتة ، فلا إشكال.

وفيه:-

أولاً:- إن هذا لا يتناغم مع الواقع الخارجي وبعيد عنه ، فإنه حينما نأتي بالعمل - أي عباداتنا الاستيجارية - فواقع الحال في كل عمل نيابي وفيه أجرة أنا نأتي مثلاً بصلاةٍ قربة إلى الله تعالى نيابةً عن المنوب عنه لا أكثر من هذا ولا نقول لأجل الأجرة ، فإنَّ ( لأجل الأجرة ) موجود في قلبي ولكن هذا ليس مهماً ولكن أنا أتي بعملٍ قربيٍّ نيابيٍّ عن فلان والأجرة تكون داعياً إلى هذا الاتيان بنحو القربة النيابية فالذي يدعوني هو الأجرة ، فالواقع الخارجي يتفاعل وقريب من فكرة الداعي إلى الداعي ، أما أنه هناك اعتباران وتؤخذ الأجرة مقابل هذا الاعتبار - يعني باعتبار أنه فعل للأجير - والقربة باعتبار أنه فعل المنوب عنه فهذا كلّه ليس قريباً من الواقع ولا يتطابق مع الواقع الخارجي ، فهو مجرّد اقتراح.

ثانياً:- لو سلّمنا ما أفدته من أنه يوجد اعتباران وباعتبارٍ تكون الأجرة دون القربة وباعتبارٍ آخر تكون القربة دون الأجرة ، ولكنك اعترفت أنَّ هذا وجود واحد ، وهذا الوجود الواحد من الذي يقصد فيه القربة ؟ إنه ليس المنوب عنه إذ لعلّ المنوب عنه ميت والقربة تكون من الذي يمارس الصلاة خارجاً ، فالقربة تكون من النائب حينئذٍ شئت أم أبيت ، فحينئذٍ نقول للنائب أنت لماذا تقصد القربة ؟ إنه ليس إلا الأجرة ، فعادت فكرة الداعي إلى الداعي في الحساب.

ومن خلال ما ذكرنا من بداية هذه الاحتمالات إلى هنا اتضح أنه لا مناص من تطبيق فكرة الداعي إلى الداعي ، يعني أنه على كل احتمال اتضح أنه بالتالي نحن لابد وأن نسير وراء فكرة الداعي إلى الداعي ولا مناص من ذلك ، لأنَّ هذا الاشكال أوردناه على كلّ واحدٍ من هذه الاحتمالات.

فإذن الحلّ الوحيد هو فكرة الداعي إلى الداعي ، وما أفاده الشيخ الأعظم(قده) بتفاسيره واحتمالاته الأربعة لابد وأن يرجع إلى فكرة الداعي إلى الداعي ، وبهذا ننهي حديثنا عن النقطة الثالثة بما فيها من مطالب جانبية.

النقطة الرابعة:- كيف يكون تقرّب الأجير تقربّاً للمنوب عنه ؟

إنه فيما سبق كان الاشكال هو أنه لا يوجد تقرّب حقيقي للأجير فإنَّ الداعي بالتالي هو الأجرة فلا تقرّب له ، وذكرت أجوبة عديدة وكان الجواب المختار هو فكرة الداعي إلى الداعي بالبيان المتقدّم ولا نكرر .

ولكن الآن تواجهنا مشكلة ثانية حيث نقول:- قبلنا أنَّ الأجير أو النائب يتقرّب وحللنا مشكلة قصد القربة من طرف النائب أو الأجير ولكن سوف تواجهنا مشكلة ثانية ، وهي أنَّ التقرّب الذي سوف يحصل هو يحصل لمن ؟ إنه يحصل للنائب الأجير الذي هو قد تقرّب فإن النائب أو الأجير هنا يقول أصلي قربة إلى الله تعالى - وقبلنا القربة منه ولم نقل له أنت لم تقصد القربة بل قصدت الأجرة فنحن تجاوزنا هذا وحللنا المشكلة من حيث الأجير - ولكن نقول له إنَّ القربة حصلت لك وكيف حينئذٍ يحصل التقرّب للمنوب عنه وهو لم يقصد التقربّ وتقرّب شخصٍ لا معنى لأن يكون موجباً لحصول التقرّب للآخر فإنه مضحك ، وهذا النائب أو الأجير هو الذي تقرّب ولكن كيف يحصل التقرّب للمنوب عنه ؟ وهذا أشبه بالقرّب المكاني الخارجي ، فإني إذا تقرّبت إلى الضريح المقدس لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام فهنا أنا الذي صار قريباً من الضريح أما والدي فلم يصر قريباً منه ، فقربي لا يعني قرب شخصٍ ثانٍ ، بل من اقترب هو الذي يحصل له التقرّب أما الشخص الذي في قبره لم يقترب من الضريح المقدس ، فكيف يكون تقرّب النائب موجباً لتقرّب المنوب عنه ؟ وهذه مشكلة أخرى غير المشكلة السابقة.

وواضحٌ أنَّ هذه المشكلة تأتي في باب الاجارة وفي باب النيابة وإن لم تكن هناك إجارة ، فهو ليس خاصاً في باب الاجارة وإنما يأتي في باب النيابة أيضاً ، فأنت حينما تذهب للزيارة عن والدك أو صديقك فأنت الذي تقرّبت فكيف يحصل تقرّب لوالدك أو صديقك ؟

وهذه مشكلة سلط الشيخ الأصفهاني(قده) الضوء عليها في كتاب الاجارة وقال: إنه من أجل هذا الاشكال اختار شيخنا الاستاذ - صاحب الكفاية - أنَّ القربة ليست لازمة في فعل النائب ، فإذن هي ماذا ؟ قال: هي محبّة النوب عنه ، فنفس محبته هي نحو تقرّب من المنوب عنه فيحصل له التقرّب بنفس هذه المحبة والرغبة في ذلك ، هكذا دفع شيخنا الأستاذ هذا الاشكال.

ودفع بعض الأعاظم هذا الاشكال:- بأنه في باب النيابة لا توجد نيابة وإنما هناك اهداء للثواب ، فأنت أيها النائب تتقرّب وبعد أن تقرّبت تقول يا رب أنا أهدي هذا الثواب إلى فلان ، ونصّ عبارة الشيخ الأصفهاني(قده) هي:- ( فتقرّب النائب يوجب قرب نفسه لا قرب المنوب عنه فالقرب المعنوي كالقرب الحسي فإنَّ تقرّب شخص من شخص مكاناً يوجب قربه منه لا قرب غيره وإن قصده ألف مرة )[1] وأضاف قائلاً:- ( إنَّ التقرّب والقرب كالإيجاد والوجود فلا يعقل تقرّب النائب وحصول القرب للمنوب عنه وما لم ينتسب إلى المنوب عنه عمل قربي له لم تفرغ ذمته عن العمل القربي المكلف به ، وهذا اشكال تفطن له شيخنا الاستاذ قدس سره وتبعه عليه بعض أعاظم العصر ، وهذا الاشكال ألجأ شيخنا الاستاذ إلى الالتزام بعدم لزوم قصد التقرّب على النائب وأنَّ رضا المنوب عنه بما نسب إليه كافٍ في مقرّبية العمل له ، كما الجأ بعض الأعاظم رحمه الله إلى إنكار النيابة بالمعنى المعروف وارجاع النيابة إلى ما يساوق اهداء الثواب )[2] ، هكذا ذكر الشيخ الأصفهاني(قده) ويظهر أن غير يوافقه في هذه القضية.

وفيه:- إنَّ الروايات والنصوص التي تدل على النيابة كثيرة ، فتوجد نصوص في باب الحج وكذلك في الطواف وفي السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا ، فحينئذٍ يلزم أن نقول إنَّ هذه ليست نيابة ؟!! كلا بل فكّر في بطلان اشكالك ، فإنه مادام هناك روايات فلا معنى للمخالفة ، بل فكرّ في أنه لابد وأنه يوجد خلل هو الذي صار سبباً لإشكالنا يلزم أن نعالجه فعله هو الذي يحلّ المشكلة لا أنك تهدم البناء.

والمناسب أن يقال:-

أوّلاً:- من قال إنَّ القربة معتبرة في حق المنوب عنه ؟ كلا بل المنوب عنه لا يحتاج إلى قربة - فلنقل هكذا - وإنما النائب يحتاج إلى قصد القربة وإذا أتى بالعمل بقصد القربة فكما ينتفع المنوب عنه بأصل العمل ينتفع ايضاً بقصد تقرّب النائب ، فهذا المجموع تحصل فيه فائدة للمنوب عنه ، فهو يستفيد وتفرغ بذلك ذمته ، وإلا فالإشكال يأتي في نفس العمل فإنَّ العمل هو عمل النائب فيكف يفرّغ ذمّة المنوب عنه ، فإذا تجاوزنا هذا فإذن تجاوز مشكلة التقرّب أيضاً ، فحينئذٍ كما يعدّ فعل النائب فعلاً للمنوب عنه وتفرغ ذمته به كذلك تعال وقل إنَّ تقرّب النائب أيضاً كعمل النائب ينفع في فراغ ذمّة المنوب عنه ، فالقربة أصلاً ليست لازمة في حقّ المنوب عنه حتى تقول إنَّ الذي تقرّب هو النائب دون المنوب عنه ، نعم نقول إنَّ الذي تقرّب هو النائب والذي عمل هو النائب لكن كما أنَّ أصل عمل النائب ينفع المنوب عنه فيلكن تقرّب النائب نافعاً للمنوب عنه.

ثانياً:- إنه لا معنى لقياس الأمور الاعتبارية الشرعية على الأمور الخارجية ، فإنه في عالم الخارج الأمر كما تقول فإنَّ تقربي منك لا يوجب تقرّب الغير منك ، فانا حينما أسير نحوك وأصير قريباً منك فذاك الشخص الثاني لا يصير قريباً منك وهذا صحيح ولكن هذا في الأمور الحقيقة الخارجية ، وأما القضايا الشرعية فهي مبنيّة على الاعتبار ، فإنه يعتبر فعل النائب مفرغاً لذمّة المنوب عنه ، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته على عبادة أنه يقول إذا عمل النائب عملاً أنا أحكم بكفايته عن المنوب عنه ، فإنَّ النائب مادام قد أتى بالعمل عن قربة فيعتبر هذا مفرّغاً لذمّة المنوب عنه ، فالمسألة لا تعدو الاعتبار وليس المورد من الأمور الحقيقة الخارجية حتى نطبّق فيها أنَّ قرب شخصٍ لا يوجب قرب شخصٍ آخر فإنَّ هذا كما تقول في الأمور الحقيقة ، أما في الأمور الاعتبارية فهذا شيء ممكن ولا محذور فيه ، ولذلك نجد أنَّ البعض قد يتحامل على الفلسفة أو المعقول لأنها تجرّ أحياناً إلى ما لا تحمد عقباه.