38/04/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.

ونصّ عبارته: ( فالأجير إنما يجعل نفسه لأجل استحقاق الأجرة نائباً عن الغير في اتيان العمل الفلاني تقرباً إلى الله فالأجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرّب به إلى الله التي مرجع نفعها إلى المنوب عنه ) [1] .

ثم قال متّصلاً بذلك ( وهذا بخلاف ما نحن فيه لأن الأجرة هنا في مقابل العمل تقرباً إلى الله ) ، وبهذا الكلام أراد أن يقول إنَّ الأجرة على العبادات بلا نيابة مثل أن أعطي شخصاً أجرة كي يصلّي على الجنازة فهذا واجب عبادي من دون نيابة فهنا قال إنَّ هذه الفكرة لا يمكن أن نطبقها هنا ، لأنه حينما يأتي بالعمل فهو يأتي به أصالةً عن نفسه وليس نيابةً عن الغير ، وهذا بخلاف الصلاة والصوم الاستيجاريين فتوجد عملية نيابة فالأجرة تكون مقابل النيابة وهذه قضية ثانية ، يعني أراد أن يقول إنَّ الاجارة على الواجبات العبادية غير النيابية باطلة لا تجوز كما لو آجر شخصاً للصلاة على النيابة لما ذكرنا من أنه بالتالي النيابة ليست موجودة فالأجرة لا يجوز أن تكون في مقابل العمل ، وهذا بخلافه في العبادات الاستيجارية النيابية.

والمهم الذي نريده: هو أنه كيف حلّّ مشكلة العبادات الاستيجارية ؟ إنه حلّها بهذا الشكل وهو أنه توجد عملية تنزيل وإلى جانب ذلك يوجد عمل خارجي والقربة معتبرة في العمل الخارجي دون عملية التنزيل والأجرة تكون في مقابل عملية التنزيل لا مقابل العمل العبادي الخارجي فلا إشكال.

وفيه:

أوّلاً: إنَّ ما ذكره مجرّد اقتراح لا يتطابق مع الوجدان الخارجي ، ويلزم في الاقتراح الذي نذكره لحلّ المشكلة أن يكون متطابقاً مع الواقع الخارجي ، فنحن الذين نأخذ العبادة الاستيجارية هل توجد عندنا عملية تنزيل وإلى جنب ذلك يوجد العمل والأجرة نأخذها مقابل التنزيل لا مقابل العمل بل العمل قربة إلى الله تعالى ؟! فأنا أرى أنَّ هذا مخالف للوجدان ، بل حينما نأخذ العبادة الاستيجارية نقول هكذا ( أتي بصلاة الظهر القربية نيابةً عن فلان ) ولكن لماذا أتي بهذا المجموع ؟ واضحٌ أنه لأجل الأجرة ، فالأجرة مقابل هذا العمل المقيّد ، فأنا حينما آخذ الأجرة أقصد هذا المعنى والدافع للأجرة أيضاً يقصد ذلك ، فهو حينما أسأله لماذا أعطيت المال فيقول أنا أعطيته للصلاة القربية النيابية ، فهذه الصلاة المقيّدة بالوصفين القربية والنيابية أنا آجرتك على أن تأتي بها ، فالواقع الذي نلمسه بالوجدان هو هذا وهو أنَّ الأجرة مقابل هذا العمل المقيّد دون عملية التنزيل وحدها فإنَّ هذا مخالف للوجدان وإلا لو كانت الأجرة مقابل عملية التنزيل فأنا أجلس في الغرفة وأنوي التنزيل فأقول نزّلت نفسي منزلة فلان فهنا صار تنزيلٌ فأستحق الأجرة عليه لأنَّ الأجرة مقابل التنزيل وأنا قد فعلت التنزيل مرّات عديدة ولكني لم أتِ بالعمل.

إذن تبيّن أنَّ الأجرة ليست في مقابل التنزيل وإلا لاستحق الأجير الأجرة بمجرّد التنزيل لو قصده ، وإنما الأجرة مقابل هذا العمل القربي النيابي ، أي مقابل هذا العمل المقيّد لا مقابل عملية التنزيل حتى تنحلّ المشكلة فإنَّ هذا مخالف للواقع ، وإذا كانت الأجرة مقابل العمل المقيّد حسب قصد المستأجر وقصد الأجير فالمشكلة إذن تكون باقية على حالها ، إذ بالتالي صارت الأجرة ليس مقابل التنزيل وإنما صارت مقابل العمل المقيّد ، والشيخ الأعظم(قده) حلّ المشكلة عن طريق جعله الأجرة مقابل التنزيل وأما العمل فليس فيه إلا القربة إلى الله تعالى ، ونحن قلنا: إنَّ هذا مخالف للوجدان وجدان المستأجر ووجدان الأجير فإنَّ الأجرة مقابل العمل المقيّد ، فصارت مقابل العمل وبذلك عادت المشكلة على ما هي عليه.

ثانياً: إنّه حتى لو كان بقطع النظر عما ذكره وسلّمنا أنَّ الأجرة مقابل عملية التنزيل أما العمل فهو قربة إلى الله تعالى فنقول للشيخ: إنك تنكر فكرة الداعي إلى الداعي فإنَّ المفروض هو هكذا ، وإلا إذا كنت تقبلها فمن الأوّل صِر إليها ، بل هو رفضها وقال إنَّ الداعي الحقيقي هو الأجرة لا القربة خلافاً للصلاة التي يؤتى بها لتوسعة الرزق فإنَّ توسعة الرزق شيء محبوب إلى الله عزّ وجلّ فالغايات كلّها محبوبة فحتى توسعة الرزق محبوبة ولكن في الصلاة الاستيجارية ليس الكلّ محبوب وإنما توجد غاية وهي الأجرة فجميع أفراد السلسلة ليس قربياً ويشترط أن يكون جميع أفراد السلسلة قربياً ، ونصّ عبارته: ( فرقٌ بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرّب إليه بالعمل وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الأجرة فإنَّ طلب الحاجة من الله تعالى ولو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل يؤكدها )[2] ، والتتمة لهذه العبارة أن نقول: وهذا بخلافه في الصلاة الاستيجارية فإنَّ طلب الأجرة ليس طلباً إلهياً محبّباً إلى الله عزّ وجلّ فيقدح في تحقّق القربة.

ونحن نقول له: إنَّه إذا صار البناء أن تلاحظ أنه لابد وأن يكون جميع أفراد السلسلة محبوباً إلى الله عزّ وجلّ ويضرّ إذا كان أحد الأفراد ليس محبوباً فنقول لك هذا جيد ، فأنت قلت إنَّ العمل يأتي به المكلّف لأجل ماذا ؟ وقد أجبت وقلت: يأتي به لأجل القربة ، ونحن نقول: سلّمنا ذلك ، ولكن القربة لأجل ماذا بل تعال وأقصد القربة من دون أجرة ؟! ، فلابدّ وأنك تقصد القربة لأجل شيءٍ آخر وهو أنه لو نزّلت نفسك منزلة المنوب عنه فسوف تعطى الأجرة ، فالغاية من القربة هي لأجل تنزيل نفسك الموجب لاستحقاق الأجرة ، فصار حينئذٍ الداعي إلى القربة هو هذا يعني دخل في الحساب قصد استحقاق الأجرة ، وإلا إذا حذفنا هذا من الحساب يعني أنك قلت له يا فلان لا توجد عندي لك أجرة مقابل التنزيل فهو أيضاً يترك العمل فهو حينما يترك العمل فهذا معناه أنَّ الداعي إلى القربة هو استحقاق الأجرة وهذا واقع ، فعلى هذا الأساس أنت صرت إلى فكرة الداعي إلى الداعي من حيث لا تريد ولا تقصد ، فمن البداية سلّم بفكرة الداعي إلى الداعي فلماذا تنكرها وتذهب إلى طريق ثانٍ وهو لا يتم إلا من خلال فكرة الداعي إلى الداعي ؟!!

ثالثاً: قد وردت في باب الحج روايات تدل على الحج الاستيجاري وفي تلك الروايات يأمر الامام عليه السلام بأن يحج عن الميت أو عن الحي الذي لا يتمكن من الحج لعذرٍ مستمر بأن يستأجر شخصاً يحج عنه ، وحينئذٍ نقول: إنَّ هذه الروايات اكتفت بهذا المقدار ، يعني إذا كانت القضية كما أراد الشيخ الأنصاري(قده) فلابد وأن توضح الروايات ذلك وتقول إنََّ الأجرة لابد وأن تكون مقابل التنزيل وأما العمل فيؤتى به للقربة ، وما ذكره الشيخ الأنصاري(قده) يحتاج إلى درس وإلا فهو لم يكن موجوداً في ذهننا فيحتاج إلى بيان وسكوت الامام عليه السلام معناه أنكم كما تأتون به خارجاً فهذا هو المطلوب ولا أريد أكثر من هذا الواقع الخارجي الذي عليه الناس ، فإذا فرض أنك أخذت حجّاً استيجارياً كيف تحرم من الميقات وتأتي بالحج بلا إدخال هذه التدقيقات فأنت ماذا تنوي ؟ إنك تنوي وتقول ( أنا أتي بالحج قربة إلى الله تعالى نيابة عن فلان ) ولا يوجد أكثر من هذا.

فإذن لا توجد عملية تنزيل والأجرة تكون مقابل التنزيل ، وإنما أتي بالعمل المقيّد وتلك الأجرة تدعوني إلى أن أقصد هذا العمل المقيّد ، يعني بالتالي واقعنا الخارجي يتناغم ويتفاعل مع فكرة الداعي إلى الداعي ، وإذا أردت أن أتنزّل فأقول: بالتالي واقعنا الخارجي لا يتناغم مع ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنه يوجد شيئان والأجرة تكون مقابل عملية التنزيل فإنَّ هذا الشيء ليس موجوداً ، ولا أريد أن أقول إنَّ الموجود حتماً هو عملية الداعي إلى الداعي ، ولكن بالتالي ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ليس موجوداً ، فلو كانت الروايات تقصد غير ما عليه واقع الناس حينما يأتون بالحج النيابي يعني بأنَّ المقصود هو التنزيل بالشكل الذي أفاده الشيخ الأعظم(قده) فهذا يحتاج إلى توضيح من الامام عليه السلام وعدم التوضيح يدل على أنَّ الطريقة التي يسير عليها الناس هي الكافية.