34/12/14


تحمیل
الموضوع : الصوم منكر وجوب الصوم
الكلام في الاقوال في المسألة
القول الاول :- وهو الحكم بكفر منكر الضروري مطلقا وهو منسوب الى المشهور ونسب هذا القول الى المشهور المحقق العاملي وأستاذه وهذه النسبة لعلها تنشأ من بعض الامور منها:-
الاول :- اطلاق كلامهم في كفر منكر الضروري .
الثاني :- ذكرهم منكر الضروري معطوفا على من خرج عن الاسلام كما قال المحقق في الشرائع ( الكافر وضابطه كل من خرج عن الإسلام أو من انتحله. وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة)[1]
فظاهر هذه العبارة المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه وان كل منهم سبب في الكفر.
الثالث :- تمثيلهم بالخوارج كما في عبارة المحقق في الشرائع ومن الواضح ان الخوارج لا يعلمون ان ما انكروه من الدين بل ظاهرهم انهم يعتقدون انه ليس من الدين كأنكارهم وجوب محبة اهل البيت ولو كان يتبنى غير هذا القول لا وجه للتمثيل بالخوارج لأنهم يؤمنون بالتوحيد والرسالة .
وعبروا عن هذا القول بالسببية المطلقة بأعتبار ان منكر الضروري يحكم بكفره مطلقا , (عالما كان او جاهلا , جهلا بسيطا او مركبا)
القول الثاني :- وهو نفس القول الاول لكن مع تقييده بكون المنكر عالما ان ما ينكره من ضروريات الدين ويطلق عليه بالسببية المقيدة.
وعليه يحكم بكفر منكر الضروري سواء كان عالما بثبوت ما انكره في الشريعة او كان جاهلا بثبوته, جهلا بسيطا او مركبا , لكن بشرط ان يكون عالما ان ما انكره ضروري عند معظم المسلمين , اما اذا كان جاهلا بكون ما انكره من ضروريات الدين فلا يحكم بكفره , ومثال ذلك حديث العهد بالإسلام او المسلم الذي يعيش في بلاد الكفر, فهؤلاء لا يعلمون عادة ان هذا ضروري من ضروريات الدين .
والذي يظهر من الشيخ صاحب الجواهر اختيار هذا القول , فأنه بعدما ناقش القول الثالث الآتي قال (فالحاصل أنه متى كان الحكم المنكر في حد ذاته ضروريا من ضروريات الدين ثبت الكفر بإنكاره ممن اطلع على ضروريته عند أهل الدين، سواء كان ذلك الانكار لسانا خاصة عنادا أو لسانا وجنانا )[2]
وقد يفهم من كلام صاحب الجواهر ان الاصحاب (المشهور ) يذهبون الى هذا القول ومن هنا يمكننا ان نشكك في نسبة القول الاول الى المشهور وان الاقرب انهم يذهبون الى القول الثاني وهذا التشكيك يمكن ذكر بعض القرائن عليه منها :-
1 – انهم لا يحكمون بكفر منكر الضروري اذا كان حديث عهد بالإسلام ومن كان يعيش في بلاد بعيدة عن بلاد الاسلام مع انه بناء على القول الاول(السببية المطلقة ) لابد من الحكم بكفره.
2- ظهور كلمات بعض الاصحاب الذين ذهبوا الى السببية المقيدة لا السببية المطلقة ونذكر نموذجين لذلك :-
الاول :- العلامة في القواعد ذكر في كتاب الحدود ( وهو (الارتداد) يحصل : إما بالفعل ..... وإما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم ثبوته من دين الإسلام ضرورة، أو على اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمد ( صلى الله عليه وآله )، سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء )[3]
نقول ان الجمع بين كون الارتداد هو جحد ما يعلم ضرورة ثم علم ثبوته من دين الاسلام ضرورة مع تعميمه كما في ذيل العبارة بما اذا كان ذلك القول اعتقادا.
هذا الجمع لا يمكن الا بناء على القول الثاني .
فيراد من قوله جحد ما يعلم ثبوته يعني عُلم ثبوته في الجملة من قبل الغير، لا ما يعلم ثبوته من نفس الجاحد لأستحالة جحده ما علم انه ثابت في الدين .
نعم يمكن ان ينكر ما يعلم هو ثبوته في الدين عنادا او استهزاء , لكن ان يعتقد عدم الثبوت لا يجتمع مع العلم بالثبوت .
الثاني :- الفاضل الهندي في كشف اللثام قال (وكل من أنكر ضروريا من ضروريات الدين مع علمه بأنه من ضرورياته)[4]
وهذا الكلام يفهم منه القول الثاني .
أي ان انكار الضروري انما يوجب الكفر مع علم المنكر بأنه من ضروريات الدين عند المسلمين .
وان لم يكن كذلك عنده, في قبال من انكر مع عدم علمه بذلك .
نعم يحتمل في عبارة كشف اللثام ان تكون اشارة الى القول الثالث الاتي بأن يكون المعنى (كل من انكر ضروريا من ضروريات الدين مع علمه بأنه من ضروريات الدين أي مع علمه بثبوته في الدين فيكون انكاره راجعا الى انكار الرسالة ويتم في التفسير اذا فسرنا قوله بأنه من ضرورياته أي انه من الدين أي يعلم ان هذا من الدين ).
اقول بناء على القول الثالث يكفي في ثبوت الملازمة ان يعلم المنكر ثبوت الحكم في اصل الدين ولا يحتاج العلم في كونه ضروريا لأن من ينكر ما جاء به الرسول وهو يعلم ذلك يكون مكذبا للرسالة , وعلى هذا فيمكن تفسير العبارة بالقول الثاني .
الامور الثلاثة التي ذكرناها سابقا وقلنا انها الوجه في استظهار ذهاب المشهور الى القول الاول لا الثالث كلها تنسجم مع القول الثاني .
بيان ذلك
الوجه الاول :- اطلاق كلام الفقهاء الكفر على المنكر, ويمكن حمله على خصوص المنكر الذي يعيش في بلاد المسلمين حيث انه اذا انكر ضروريا يحكم بكفره بأعتبار انه يعلم ان هذا من ضروريات الدين .
الوجه الثاني :- المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه في عبارة المحقق وغيره بين من خرج عن الاسلام او من انتحله وجحد ما يعلم ثبوته بالضرورة .
اقول ان هذا ايضا ينسجم مع القول الثاني لأن المغايرة موجودة ايضا في القول الثاني بمعنى ان انكار الضروري يكون سببا في الحكم بالكفر في قبال انكار التوحيد والرسالة , غاية الامر نقيده بما اذا كان عالما بثبوت ما انكره عند المسلمين فأنكار النبوة والتوحيد سبب مطلق للكفر بينما انكار الضروري سبب مقيد بضرورته عند المسلمين وهذا التفسير بخلاف القول الثالث الذي يرجع انكار الضروري الى انكار التوحيد والرسالة .
الوجه الثالث :- التمثيل بالخوارج فهو ايضا ينسجم مع القول الثاني فأصحاب القول الثاني ايضا يحكمون بكفر الخوارج لأن الخوارج يعيشون في بلاد اسلامية , ويعلمون ان ما انكروه( محبة اهل البيت) هو ضروري عند معظم المسلمين .
وعلى هذا فهذه الامور الثلاثة ليست بالضرورة انها تدل على ان المشهور يذهب الى القول الاول , لأنها تنسجم مع القول الثاني ايضا.
القول الثالث والاخير :- وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين من قبيل المقدس الاردبيلي والمحقق السبزواري والمحقق القمي والمحقق الخونساري ومشهور المتأخرين ذهب الى القول الثالث والذي سمي (بالامارية ).
وهذا القول لا يرى خصوصية للضروري , وانما حيث ان انكار الضروري يؤدي الى انكار الرسالة يكون موجبا للكفر. والموجب للكفر حقيقة هو انكار الرسالة ولذا لو كان انكار الضروري لا يستلزم انكار الرسالة لا يوجب الكفر كما هو الحال في الجهل البسيط والجهل المركب .