34/11/24


تحمیل
الموضوع : الصوم : منكر وجوب الصوم
تعرضنا سابقا الى حال مدعي الشبهة في الافطار في شهر رمضان وبينا رأي السيد الخوئي واستدلاله برواية بريد على عدم استحقاق المشتبه الحد او التعزير, وقلنا انه بين ذلك ببيانين , البيان الاول تقدم وتقدمت مناقشته ,اما البيان الثاني فحاصله: (انّه ( عليه السلام ) حكم بالسؤال من المفطر وأنّه هل عليك في إفطارك إثم أم لا ؟ وأنّه يعزَّر مع الاعتراف، ويُقتَل مع الإنكار . ومن المعلوم أنّ إنكار الآثم على نحوين، فتارةً : ينكره للاستحلال، وأُخرى : لأجل أنّه يرى نفسه معذوراً لشبهةٍ يدّعيها محتملة في حقّه، ولا ريب في اختصاص القتل بالأوّل، ضرورة أنّه مع الاعتراف لم يُحكَم بالقتل فكيف يُحكَم به مع دعوى العذر ؟ وإذ خصّ ( عليه السلام ) التعزير بالمعترف فمدّعي العذر لا تعزير عليه كما لم يكن عليه قتل، فلا بدّ أن يطلق سراحه ويخلَّى سبيله، فلا يُقتَل ولا يعزَّر .)[1]
وهذا الكلام كأنه يعتمد على ادعاء ان انتفاء التعزير عند انتفاء الاعتراف يفهم من نفس الرواية على اساس المفهوم , فالرواية تقول (ان قال نعم) بعد السؤال يعزر , يفهم من هذا انه اذا انتفى الاعتراف ينتفي التعزير , فأذا انتفى التعزير , والمفروض انتفاء القتل , لأن القتل منتف قطعا عن المشتبه , فلا قتل عليه ولا تعزير فيثبت المطلوب .
اقول نفي التعزير عند الشبهة اذا دلت عليه الرواية فدلالتها عليه بالإطلاق المقامي , والاطلاق المقامي كالإطلاق اللفظي يتوقف على كون المتكلم في مقام البيان ,كما لو ذكرت شرائط فعل ما وذكرت خمسة شرائط فقط وشككنا في السادس هل هو من ضمن الشرائط ؟ام لا ؟
فيأتي الاطلاق المقامي لينفي السادس عن كونه شرطا مع الشروط , لأن المتكلم في مقام البيان ولم يذكره فهذا يعني انه ليس شرطا والا لو كان شرطا لذكره المتكلم .
وفي محل الكلام عندما نستطيع ان نقول ان الرواية في مقام نفي التعزير عندما يكون المفطر في حالة الشبهة , ويكون المتكلم في بيان جميع حالات المفطر , فالمفطر له حالات متعددة كالإنكار للإستحلال وحالة الاعتراف بالإثم وحالة الانكار لأجل ادعاء الشبهة , فعندما يكون المتكلم في بيان حكم حالات المفطر وذكر التعزير في خصوص حالة الاعتراف بالإثم نفهم من الاطلاق المقامي ان لا تعزير في الحالات الاخرى.
وظاهر الرواية الفراغ من كون المفطر ليس معذورا وان الغرض من السؤال (هل عليك اثم او لا ) هو معرفة انه مستحل للإفطار او غير مستحل .
وعلى هذا فلا يمكن الاستدلال بالرواية في محل الكلام لنفي التعزير عن مدعي الشبهة .
والصحيح هو ما قلناه سابقا من عدم الحاجة الى التمسك بهذه الرواية لنفي التعزير عنه فمما يقطع به من ان طريقة الشارع في العقوبات (حدا كان او تعزيرا ) عدم ثبوتها مع الشك .
فليس من طريقة الشارع انزال العقوبة بمن يدعي الشك والشبهة هذا مضافا الى ما ذكرنا من القول (الحدود تُدرئ بالشبهات ) اذا عممنا الحدود ليشمل التعزيرات .
قال الماتن (واذا عاد عزر ثانيا) ودليل ذلك واضح وهو مقتضى اطلاق الرواية حيث لم تكن مختصة بالمرة الاولى بل تشمل جميع موارد الافطار في شهر رمضان (الافطار الاول والثاني وهكذا ).
ثم يقول الماتن (فأن عاد قتل على الاقوى) أي عاد في المرة الثالثة .
نسب هذا القول الى المشهور على ما قيل , وعبارة المصنف تقتضي ان يكون قد افطر ثم رفع امره الى الحاكم ثم عزر ثم يتكرر الافطار والرفع والتعزير ثلاثا , فيقتل في المرة الثالثة , ويستدل على ذلك (مختار السيد الماتن ) بموثقة سماعة ومعتبرة ابي بصير وصحيحة يونس , فهذه الروايات الثلاث قيل انها تدل على هذا الحكم .
اما موثقة سماعة _ وتسمى موثقة من جهة سماعة _ ( قال : سألته عن رجل اخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع إلى الامام ثلاث مرات ؟ قال : يقتل في الثالثة )[2].
ورواه الصدوق[3] بإسناده عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ورواه الشيخ[4] بإسناده عن محمد بن يعقوب وهي الى هنا لا تعدد فيها بل هي نفس الرواية ,ورواها [5]أيضا بإسناده عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه .
وبهذه الرواية يكون الحاصل لدينا روايتين بنفس المضمون , والرواية التي ينقلها الشيخ الطوسي عن علي بن ابراهيم (معتبرة ابي بصير ) تامة سندا .
والاستدلال على ما ذكره الماتن بهاتين الروايتين يحتاج الى تتميم لأن الروايتين لم تذكر التعزير في المرة الاولى او المرة الثانية بل مقتضى اطلاق الرواية ان الشخص الذي يفطر ثلاث مرات ويرفع امره الى الحاكم ثلاث مرات يقتل في الثالثة سواء عزر في المرة الاولى والثانية ام لم يعزر فيهما .
نعم الرواية لا تشمل من يرفع الى الامام بعد المرة الثالثة (أي افطر ولم يرفع ثم افطر ولم يرفع ثم افطر ورفع امره الى الحاكم بعد الافطار الثالث) وسبب عدم الشمول ان الرواية مقيدة وموضوعها من يرفع الى الامام ثلاث مرات لا من يفطر ثلاث مرات فقط .
نعم يمكن الاستدلال بها على من رفع الى الامام ثلاث مرات حتى وان لم يعزر في المرة الاولى والثانية , والاستدلال بها على مدعَى الماتن يقتضي افتراض ملازمه عرفية بين رفع المفطر الى الامام وبين تعزيره فأذا قيل رفع الى الامام ثلاث مرات (الملزوم )يثبت انه عزر في المرة الاولى والثانية(اللازم) .
لكن ادعاء هذه العرفية غير واضح .
وسنوضح ذلك لاحقا ان شاء الله
ثم استدل على هذا المطلب بصحيحة يونس بن عبدالرحمن، عن أبي الحسن الماضي ( عليه السلام )
(قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة )[6]
ورواه الصدوق باسناده عن صفوان بن يحيى . ورواه الشيخ باسناده عن يونس بن عبد الرحمن مثله.
ويصح الاستدلال بهذا الرواية بعد تعميم الحد ليشمل التعزير لأننا نتكلم عن التعزير وليس على الحد , والتعميم يكون بحمل لفظ الحد على معنى العقوبة , ليشمل الحد والتعزير .
لكن حمل لفظ التعزير على العقوبة غير واضح وغير مقبول .
قد يقال ان تعدية الحكم من الحد الى التعزير ممكنة بإلغاء خصوصية الحد فنقول اننا نفهم من هذا الدليل ان كل ما يقرره الشارع من ارتكاب عقوبة بحق من يرتكب ذنبا فأنه يعاقب مرتين ثم يقتل في الثالثة .
لكن هذا التعدي ايضا غير تام لإحتمال وجود الخصوصية في الحد , فالحد عبارة عن العقوبة التي تنزل بمن ارتكب ذنبا كبيرا كاللواط والزنا والسرقة والارتداد وغير ذلك .
والتعزير عقوبة على المخالفة الاخف والاقل , وعليه فكيف يُتعدي من حكم الحد عقوبة الذنب الاشد الى التعزير عقوبة الذنب الاقل , وهذا الامر قد يُلاحظ من عبارة الرواية التي تقول (اصحاب الكبائر).