34/07/23


تحمیل
  الموضـوع : الادلة التي ادعي دلالتها على جواز الشهادة المستندة الى الشياع
  كان الكلام في الادلة التي ادعي دلالتها على جواز الشهادة المستندة الى الشياع والاستفاضة في موارد خاصة كالنسب ونحوه ، وذكرنا ثلاثة منها .
 الدليل الرابع : ــــــ وهو ما يستفاد من كلمات الاصحاب ـــــ وحاصله ، دعوى ان الانساب وغيرها من الموارد التي ذكروها لايمكن فيها عادةً الشهادة الحسية ، فلو أُشترطت فيها الشهادة الحسية ، لأدى ذلك الى تعطيل الشهادة في هذه الموارد ، وكأنهم يرون ان تعطيل الشهادة في هذه الموارد يمثل محذوراً في حد رأسه ، وحينئذٍ لابد من التنزل عن اشتراط الشهادة الحسية في هذه الموارد ، والقبول بالشهادة المستندة الى الشياع .
 وهذا الدليل غير الدليل الثالث الذي ذكره السيد الماتن (قده) والذي كان يعتمد على السيرة في اثبات جواز الاعتماد على الشهادة المستندة الى الشياع ، لانه بقطع النظر عن السيرة يدل على قبول الشهادة المستندة الى الشياع وعدم اعتبار الحس في هذه الموارد .
 وأقول : ان الموافقة على هذا الدليل صعباً ، باعتبار ان ماذكروه من محذور تعطل الشهادة في الشياع ، نعم ما ينبغي ان يكون محذوراً هو عدم امكان اثبات النسب وغيره قضائياً ألا بالشهادة المستندة الى الشياع ، هذا هو الذي ينفعنا في تمامية هذا الدليل ، ولكن في المقام يمكن لنا اثبات النسب وغيره قضائياً من النكول واليمين ورد اليمين .
 وعليه فما ذكروه من المحذور ليس بهذه المثابة ، ومما يؤيد كونه ليس محذوراً ، ذهاب كثير من علماؤنا الى عدم قبول هذه الشهادة حتى في النسب ومع ذلك لم يروه محذوراً ، لان النسب يمكن اثباته قضائياً اذا ادعاه المدعي بطرق اخرى غير الشهادة .
 والحاصل ان هذا الدليل ليس تاماً .
 الدليل الخامس : دعوى الاجماع في باب النسب على قبول الشهادة المستندة الى الشياع .
 هذا مايمكن جمعه من كلماتهم من الادلة على قبول هذه الشهادة ، والظاهر عدم امكان الاعتماد عليها في تجاوز الادلة السابقة الدالة على اعتبار الشهادة الحسية في قبول الشهادة ، نعم يبقى ما أشرنا اليه سابقاً وهو اذا تمكنا من الحاق الشهادة المستندة الى الاستفاضة بالشهادة المستندة الى التواتر بدعوى ان الوجه الموجب لألحاق الشهادة المستندة الى التواتر بالشهادة الحسية هو بنفسه موجوداً في الشهادة المستندة الى الاستفاضة ، فلابأس به ، ولكن تقدم الاشكال فيه وانه امراً ليس واضحاً .
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة .
 قال (قده) :( مسألة 98 ) : يثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة أربعة رجال ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين أيضا وكذلك يثبت بشهادة رجلين وأربع نساء ، إلا أنه لا يثبت بها الرجم ، بل يثبت بها الجلد فحسب ولا يثبت شئ من ذلك بشهادة رجلين عدلين وهذا بخلاف غيرها من الجنايات الموجبة للحد : كالسرقة وشرب الخمر ونحوهما ولا يثبت شئ من ذلك بشهادة عدل وامرأتين ولا بشاهد ويمين ، ولا بشهادة للنساء منفردات .
 في هذه المسألة فروع تبحث وهي:
 أما ثبوت الزنا واللواط والسحق بشهادة اربعة من الرجال فهذا مما لا أشكال فيه بينهم ، فقد ذكر الفقهاء عندما قسموا الحقوق الى حقوق الله وحقوق الادمي ، ان حقوق الله فيها ما لايثبت الا بأربعة شهود من الرجال بلا خلاف ولا اشكال ، ومقصودهم من هذه الحقوق التي لاتثبت الا بشهادة اربعة من الرجال هي الزنا واللواط والسحق .
 أما الزنا فثبوته بشهادة اربعة رجال فهو من المسلمات ومما لا أشكال فيها كتاباً وسنةً ، كقوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [1] وقوله تعالى ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا بناءاً على ان المراد من الفاحشة هنا الاعم من الزنا وغيره ، وكذا قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلاإِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [2] وهي واضحة في ان الزنا يثبت باربعة شهداء من الرجال ، وأما الروايات الدالة على ثبوت الزنا بشهادة اربعة من الرجال فكثيرة من قبيل صحيحة محمد بن غيث الواردة في زنا المحصن في الباب 12 من ابواب حد الزنا ،ح2 :
 عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى ، عن أحمد ، وعن علي ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الايلاج والاخراج [3] [4] .
 والرواية تامة سنداً ، وكذا صحيحة الحلبي :
 محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : حد الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج. [5]
 وواضح فيها ان الزنا يتحقق بأربعة شهود من الرجال .
 وأما اللواط فثبوته بشهادة أربعة من الرجال أيضاً مسلم ومما لا أشكال فيه ، بل سيأتي ان الطريق الوحيد لاثبات اللواط والسحق هو شهادة أربعة رجال .
 ولكن الكلام في انه هل يوجد لدينا دليل واضح على ذلك ؟
 الشيخ صاحب الجواهر صرح بانه لم نعثر من النصوص على مايدل على اعتبار الاربعة في اللواط والسحق ، نعم أشار الى دليل حيث قال « نعم فيها (النصوص) ثبوت اللواط بالاقرار أربعاً » [6] ، والظاهر انه اشار الى دليل ذكره السيد الماتن مفصلاً وحاصله :
 هو انه مقتضى الجمع بي روايتين معتبرتين أحداهما تدل على ان الاقرار شهادة والثانية يدل على ان اللواط لايثبت الا بالاقرار اربعاً ، والنتيجة ان اللواط لايثبت الا باربع شهادات ، هذا في اللواط ، وأما في السحق فيقول ان ثبت هذا في اللواط فنتعدى الى السحق عن طريق عدم القول بالفصل .
 اما الرواية الاولى التي يستفاد منها ان الاقرار يعد شهادة هو صحيحة الاصبغ بن نباتة مروية في الباب 16 من مقدمات الحدود ح 6 ، والظاهر انها معتبرة سنداً لان طريق الصدوق في المشيخة الى سعد بن طريف عن الاصبغ لاغبار عليه :
 في الفقيه قال : وروى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : " أتى رجل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني فأعرض أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بوجهه عنه ، ثم قال له : اجلس قأقبل على ( عليه السلام ) على القوم فقال : أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه ، فقام الرجل فقال : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني ، فقال : وما دعاك إلى ما قلت ؟ قال : طلب الطهارة ، قال : وأي الطهارة أفضل من التوبة ، ثم أقبل على أصحابه يحدثهم فقام الرجل فقال : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني فقال له : أتقرأ شيئا من القرآن ؟ قال : نعم ، فقال : إقرأ فقرأ فأصاب فقال له : أتعرف ما يلزمك من حقوق الله عز وجل في صلاتك و زكاتك فقال : نعم فسأله فأصاب ، فقال له : هل بك من مرض يعروك أو تجد وجعا في رأسك أو شيئا في بدنك أو غما في صدرك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين لا ، فقال : ويحك اذهب حتى نسأل عنك في السر كما سألناك في العلانية ، فإن لم تعد إلينا لم نطلبك [7]
 وفي ذيلها مامضونه ان الله اوجب عليك الحد لانك اقررت اربع فثبت عليك الحد باربع شهادات ، فانه يجعل مقابل كل اقرار شهادة .
 وأما الرواية الثانية فهي مالك بن عطية المروية في الباب 5 من ابواب حد اللواط ح1 ،وهي تامة سنداً :
  محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، ابن رئاب ( عن مالك بن عطية ) ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : بينما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ملاء من أصحابه ، إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال له : يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك ، فلما كان من غد عاد إليه ، فقال له : يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني فقال له : اذهب إلى منزلك لعل مرارا هاج بك ، حتى فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الأولى ، فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا إن رسول الله ( صلى اله عليه وآله ) حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت ، قال : وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت ، أو إهداب من جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار ، قال : يا أمير المؤمنين أيهن أشد على ؟ قال : الاحراق بالنار ، قال : فاني قد اخترتها يا أمير المؤمنين فقال : خذ لذلك أهبتك ، فقال : نعم ، قال : فصلى ركعتين ، ثم جلس في تشهده ، فقال : اللهم إني قد أتيت من الذنب ما قد علمته ، وإني تخوفت من ذلك فأتيت إلى وصي رسولك وابن عم نبيك فسألته أن يطهرني ، فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب ، اللهم فاني اخترت أشدهن ، اللهم فاني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي ، وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي ، ثم قام - وهو باك - حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يرى النار تتأجج حوله ، قال : فبكى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبكى أصحابه جميعا ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض ، فان الله قد تاب عليك ، فقم ولا تعاودن شيئا مما فعلت [8] .
 وفيها دلالة على ان في باب اللواط لايثبت الا باربع اقرارات وذلك لان الامام (ع) لم يفعل له شيء لافي الاقرار الاول ولا في الثاني ولا في الثالث نعم بعد الاقرار الرابع قال له ان الله حكم عليك بكذا .
 وبما ان الرواية الاولى مفادها ان كل اقرار يعد شهادة ، فيثبت اللواط باربع شهادات ، ثم ذكر السيد الماتن بان نتعدى الى السحق بعدم القول بالفصل بين اللواط وبين السحق ، وذكر ان مايؤيد هذا انه ورد في بعض الروايات الضعيفة ان المساحقة في النساء كاللواط في الرجال ، فيثبت فيها مايثبت في اللواط .
 هذا هو الدليل الاول الذي ذكره السيد الماتن
 وذكر دليل اخر على هذا المطلب في باب اللواط والمساحقة وقد ذكره في البيان [9] في تفسير القران وهو الاستدلال بقوله تعالى ﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، فأستشهدوا عليهن اربعة من رجالكم ...﴾ [10] قال: ان المراد من الفاحشة اما المساحقة او لا أقل من شمولها للمساحقة ولا موجب لتخصيصها بالزنا ، وعليه فالمساحقة لاتثبت الا باربع شهادات ، واذا ضممنا اليها الاية التي بعدها من سورة النور مباشرة وهي قوله تعالى ﴿ واللذان يأتيانها منكم [11] يقول المراد بها اللواط ، فتكون الاية الاولى اشارة الى المساحقة والاية الثانية اشارة الى اللواط ، والطريق لاثبات المساحقة ذكر في الاية الاولى وهو اربع شهادات من القوم ، واما الطريق لاثبات اللواط فلم يذكر في الاية الثانية أكتفاءً بالطريق الاول ، فيكون الطريق الاول لاثبات المساحقة طريقاً لاثبات اللواط ، وبهذا يثبت ان كلاً من اللواط والمساحقة لايثبتان الا باربع شهادات .
 هذا هو الدليل الثاني .
 ويبدو ان القضية مسلمة بين المسلمين ولاأشكال فيها ولم يناقش فيها احد وهذا المقدار يكفي لاثبات هذا الحكم ، والدليل الثاني الذي ذكره مبني على ان الفاحشة في الاية الاولى يراد بها ما يعم المساحقة ، واما اذا قلنا بإختصاصها بالزنا فلا يتم هذا الدليل ، والمراد بالاية الثانية هو اللواط ، وهذا غير واضح لانه ربما يراد به نفس الفاحشة السابقة ولا قرينة على ارادت اللواط منها .
 وعلى كل حال ، الدليل الاول لابأس به .


[1] سورة النور، الآية4.
[2] سورة النور، الآية11.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج28، ص95، أبواب حد الزنا، ب12، ح2، ط آل البيت.
[4] الأصول من الكافي، الشيخ الکليني، ج7، ص184، ط دار الكتب الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج28، ص94، أبواب حد الزنا، ب12، ح1، ط آل البيت.
[6] جواهر الكلام، محمد حسن الجواهري، ج41، ص154.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص101، أبواب مقدمات الحدود، ب16، ح6، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص101، أبواب حد اللواط، ب5، ح1، ط آل البيت.
[9] تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج3، ص40.
[10] سورة النساء، الآية15.
[11] سورة النساء، الآية16.