34/07/21


تحمیل
 
 بمقتضى اطلاقها على إعتبار التذكر في جواز الشهادة ، حتى في حالة حصول العلم بان الخط خطه ، والعلم بعدم التزوير ، وذكرنا القول الاخر وهو عدم اعتبار التذكر في جواز الشهادة والدليل عليه ، وقد ذكرنا روايتين فيما سبق .
 الرواية الثالثة : وقد تقدمت الاشارة اليها في البحث السابق وهي معتبرة عمر بن يزيد المروية في الباب 8 من ابواب الشهادات ،ح 1:((محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر ابن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل يشهدني على شهادة فأعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا ، قال :فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له )) .والرواية ظاهرةٌ في عدم اعتبار العلم في الشهادة ، وامكان الشهادة استناداً الى خبر ثقتين ولو لم يحصل العلم ، وهذا معناه عدم اعتبار العلم في الشهادة هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ان الصحيحة فيها دلالة على اعتبار شهادة المدعي في الجملة ، ولذا بضميمة شهادة المدعي الى شهادة الثقة الاخر جوّز الامام (ع) الشهادة استناداً اليهما ، وبهذا تكون الرواية مخالفة للمشهور من الجهتين ، اما الجهة الاولى فقد تقدم اعتبار العلم الحسي في جواز الشهادة لاغير بينما هذه الرواية ظاهرة في عدم اعتبار العلم ، واما الجهة الثانية فلأنه يعتبر في الشاهدين ان يكونا غير المتخاصمين ،وعلى تقدير امكان الالتزام بمضمون هذه الرواية ، فحينئذٍ يمكن الاستدلال بها في محل الكلام ، أي الاستدلال بها على قبول الشهادة في صورة العلم بعدم التزوير، والعلم بخطه وكتابته ، وان لم يكن متذكراً ، لانها تدل على جواز الشهادة استناداً الى اخبار ثقتين ولو بغير تذكرٍ ، فجوازها في محل الكلام بشكل اولى .
 هذا ولكن السيد الماتن ذكر ان هذه الرواية اما ان تحمل على كون شهادة الثقتين مذكرة له ، أي انها طريق لحصول حالة التذكر وارتفاع النسيان ، فالشاهدان يذكّرانه بالواقعة فهو حينما يشهد يشهد متذكراً ، لامجرد ان يشهد اعتماداً على شهادتهما ، وان لم يمكن حملها على ذلك فلابد من رد علمها الى اهلها ، ولايمكن العمل بها .
 هذا ماذكره السيد الماتن (قده).
 ولكن يبدو ان المسألة ليس هكذا ، لان هناك من علمائنا المتقدمين من عمل بهذه الرواية ، والتزم بجواز الشهادة المستندة الى اخبار عدلين فقد ذكر الفاضل الهندي في كشف الّلثام عن الشيخين وسلاّر والصدوقين وابني الجنيد والبراج العمل بهذه الرواية، مما يعني :
 اولاً: انهم لايوافقون على ان شهادة المدعي لا اعتبار بها بالمرة .
 وثانياً: انهم لايرون اشتراط جواز الشهادة بالعلم .
 ويؤكد هذا النقل ان الصدوق عندما ذكر هذه الرواية في الفقيه عقبها بقوله ( وروي انه لاتكون الشهادة الا بعلم ) وهذا يعني انه فهم من هذه الرواية عدم اشتراط العلم في الشهادة ، وفي الدروس نسبه الى الاكثر وان نوقش في صحة هذه النسبة من قبل بعضهم .
 وعلى كل حال هذه الرواية بحسب ظاهرها معارضة لما دل على اعتبار العلم في الشهادة من الادلة السابقة ، وقد ذكر السيد صاحب الرياض وغيره ان التعارض بينهما بنحو العموم والخصوص من وجه ، باعتبار ان هذه الصحيحة وان كانت مختصة بصورة وجود ثقتين مخبرين ووجود الخط ، الا انها عامة لصورتي حصول العلم من ذلك وعدم حصوله ، وليس هناك غرابة في حصول العلم من الخط والكتابة وشهادة الثقتين ، إذ كثيراً ما يحصل العلم من هذه الاشياء ، ومختصة بصورة وجود النقش والكتابة ووجود ثقتين يخبران بذلك، واما الادلة الدالة على اعتبار العلم فهي وان كانت مختصة بصورة حصول العلم كما هو واضح لانها تدل على اعتبار العلم لكنها عامة من ناحية وجود النقش وعدم وجوده ووجود الخاتم وعدم وجوده ووجود الثقة وعدم وجوده ، وبهذا تكون النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه ومادة التعارض والاجتماع هي صورة وجود الخاتم والنقش ووجود ثقة مع فرض عدم حصول العلم ، فمقتضى الصحيحة جواز الشهادة ، ولكن مقتضى ماتقدم من الادلة على اشتراط العلم في الشهادة عدم جواز الشهادة في هذه الحالة .
 السيد صاحب الرياض وكذا صاحب المستند بذلوا جهداً لاثبات ان الادلة العامة الدالة على اعتبار العلم تتقدم على هذه الصحيحة ، وحينئذٍ لايمكن العمل بهذه الصحيحة فلابد من اعتبار العلم ولايمكن الاستناد في الشهادة الى قول ثقتين .
 وأقول : ماذكروه من الوجوه ان تمت فهو والا فعلى اسوء التقادير يحصل التعارض بينهما ، فيتساقطان في مادة الاجتماع ، وحينئذٍ نرجع فيها الى ما يقتضيه الاصل ، والاصل في حالة الشك في نفوذ شهادة وعدمه يقتضي عدم النفوذ ، إذ نفوذ الشهادة قضائياً يحتاج الى دليل ومع عدمه فالاصل عدم النفوذ ، أي عدم ترتب أي اثر على تلك الشهادة ، وبهذا نصل الى نفس النتيجة وهي ان الشهادة المستندة الى قول الثقتين ليست معتبرة قضائياً .
 هذا تمام الكلام بالنسبة الى هذه المسألة .
 
 قال (قده) : مسألة 97 : يثبت النسب بالاستفاضة المفيدة للعلم عادة ويكفي فيها الاشتهار في البلد ، وتجوز الشهادة به مستندة إليها . وأما غير النسب : كالوقف والنكاح والملك وغيرها ، فهي وإن كانت تثبت بالاستفاضة إلا أنه لا تجوز الشهادة استنادا إليها وإنما تجوز الشهادة بالاستفاضة .
 ...................
 ظاهر كلمات الفقهاء بعد فراغهم عن عدم جواز الشهادة المستندة الى غير الحس انهم استثنوا من ذلك موارد قالوا بعدم اشتراط العلم الحسي في جواز الشهادة فيها بل يمكن الشهادة في هذه الموارد استنادا الى الاستفاضة والشياع ، وقد اختلفوا في هذه الموارد ولكن القدر المتيقن منها هو النسب فقد اتفقوا على ان النسب من هذه الموارد فتجوز الشهادة عليه مستندةً الى الاستفاضة ، واما في غيره فقد اختلفوا كالوقف والنكاح والملك المطلق والموت .
 والذي يبدو من كلماتهم ان مرادهم من الاستفاضة هي عبارة عن الشياع الموجب للظن المتآخم للعلم ، وهو المعبر عنه بالاطمئنان او بالعلم العادي .
 وقد علل عدم اشتراط استناد الشهادة في هذه الموارد الى العلم الحسي في كلماتهم ان العلم الحسي في هذه الموارد ليس متاحاً ، فأنه كيف يحصل الأحساس بالنسب لانه لايوجد هناك احساس بالولادة وانما هو شيء تعلم به الام وينتقل بواسطتها بالشياع ، وكذا الموت ، فان اسبابه متعددة ولايشاهد الموت عادةً وانما يثبت الموت استنادا الى الشياع بان فلان مات ، ولذا انتقل الى الاستفاضة والشياع .
 وما نعلق به على ماذكر :
 انه لاينبغي الخلط بين امرين ، إذ تارة نتكلم عن موقف المكلف تجاه القضية التي قامت عليها الاستفاضة والشياع ، بمعنى انه لو قامت الاستفاضة على وقفية هذه الدار ، فهل يجب على المكلف ترتيب أثار ثبوت الوقفية عليها عند قيام الاستفاضة كما يجب عليه ترتيب اثارها عند قيام العلم على الوقفية ، وهل يجب عليه ترتيب اثار النسب لو قام الشياع عليه كما يجب عليه ذلك عند العلم به ، وهذه المسألة ليس لها علاقة بالشهادة ، بل هي قضية ينظر فيها لتحديد كيفية تعامل المكلف في هذه الموارد لو قامت عليها الاستفاضة ، والظاهر انه لايفرق فيها بين الموارد التي ذكروها وبين غيرها من الموارد ، بمعنى ان الشياع لو اوجب حصول الاطمئنان لدى المكلف ، فلا اشكال في لزوم ترتيب اثار الثبوت الواقعي لتلك الواقعة عليه ، بعد وضوح حجية الاطمئنان ببناء العقلاء .وأما لو فرضنا عدم حصول الاطمئنان من الشياع وانما غاية ما اوجبه الظن فهنا لايجوز له ترتيب اثار الثبوت الواقعي على ذلك .إذ لايوجد لدينا دليل يقول ان الشياع حجة تعبداً، وانما هو حجة حيث يفيد الاطمئنان .
 والحاصل انه في كلتا الحالتين أي سواء كان الشياع مفيد للأطمئنان او لا ، لايوجد فرق بين الموارد التي ذكروها وبين غيرها فيما لو كانت المسألة ترتيب الاثار على ذلك الشيء الذي قام عليه الشياع .
 وتارةً اخرى نتكلم عن حكم الشهادة المستندة الى الشياع ، وحجية الشهادة في باب القضاء المستندة الى الشياع ، ونفوذ الشهادة المستندة الى الشياع في باب القضاء ، ونفوذ حكم الحاكم اذا استند في حكمه الى شهادة مستندة الى الشياع ، ومحل كلامنا هو هذه المسألة .
 وعلى ضوء ماتقدم سابقاً من اعتبار العلم الحسي في نفوذ الشهادة ونفوذ حكم الحاكم المستند اليها ، ينبغي ان نقول ان هذه الشهادة ليست نافذة وليست حجة ولاينفذ حكم الحاكم المستند اليها لوضوح عدم وجود العلم الحسي بالمشهود به وان كان هناك علم حسي بنفس الاستفاضة والشياع من دون فرق بين الموارد التي ذكروها وبين غيرها ، ففي جميع هذه الموارد الشهادة المستندة الى الشياع والاستفاضة ليست حجة ، هذا مقتضى ما تقدم .
 نعم ، من يقول بنفوذ الشهادة المستندة الى الشياع عليه اقامة الدليل على ذلك .
 وهل يوجد دليل على نفوذ الشهادة المستندة الى الشياع هذا ما سيأتي بحثه ان شاء ا.. تعالى