34/07/09


تحمیل
 
 تبين مما تقدم عدم تمامية شيء مما أستدل به لأعتبار الحس في قبول الشهادة لا من الأدلة العامة وهي أدلة قبول الشهادة ولا من الأدلة الخاصة ، كما تبين مما تقدم عدم تمامية مااستدل به لعدم اعتبار الحضور الا الدليل الرابع وهو مكاتبة الصفار فقد قلنا أنها لاتخلو من دلالة إذا التزمنا بمدلولها المطابقي وهو قبول الشهادة المستندة إلى الإستفاضة ، وحينئذ يمكن الالتزام بقبول الشهادة المستندة الى التواتر بالاولوية كما قلنا ، ولكن هذا غير واضح
 ومن هنا نستطيع ان نقول إلى الان لم يتم شيء لا من الادلة المستدل بها على اعتبار الحضور في قبول الشهادة ولا من الادلة التي استدل بها على عدم اعتبار الحضور في قبول الشهادة .
 ولكن ، قد يقال إننا فرغنا فيما سبق عن عدم إعتبار الحضور في مفهوم الشهادة لان الشهادة في باب القضاء يراد بها الاخبار بما يعلم ويعتقد عن جزم ويقين وحينئذ لامانع من التمسك باطلاقات ادلة قبول الشهادة لاثبات حجية ونفوذ الشهادة المستندة الى التواتر إذ أدلة القبول موضوعها الشهادة وقد قلنا ان الحضور غير مأخوذ في مفهومها فتدل على قبول كل ما تصدق عليه الشهادة وهذا يشمل محل الكلام أي الشهادة المستندة الى التواتر لانها شهادة ويترتب عليه القبول بالشهادة المستندة إلى التواتر ويكون حالها حال الشهادة المستندة الى الحس .
 ويرده أن الاطلاق المدعى هو نفس الدليل الاول من أدلة عدم اعتبار الحضور في الشهادة وقد تقدمت المناقشة فيه بان هذه الادلة ليست في مقام البيان من جهة مستند الشهادة وانها ان استندت إلى الحس تكون مقبولة والا لم تقبل حتى يتمسك باطلاقها اللفظي لقبول مطلق الشهادة بل قلنا بعدم تمامية الاطلاق المقامي الذي هو الدليل الثاني المتقدم لانه ايضا لا ينعقد الا إذا كان المتكلم في مقام البيان من هذه الناحية والمفروض انه ليس في مقام البيان من هذه الناحية فلا يكون سكوته عن عدم ذكر القيد دليلا على عدم إرادته لذلك القيد وبالتالي اثبات اطلاق كلامه .
 إذن ، هذا الذي يذكر لايخرج عن كونه أما اطلاقا لفظيا أومقاميا وقد تبين عدم تماميتهما .
 ومن هنا تصل النوبة إلى الشك في ان الحس والحضور هل هو معتبر في قبول الشهادة (واما في مفهومها فقد قلنا انه غير معتبر ولكن لامانع من ان يعتبره الشارع في القبول ) أو ليس معتبرا ؟ فلا بد من الرجوع إلى الاصل وهو يقتضي عدم النفوذ إلا بالمقدار المتيقن من أدلة قبول الشهادة وهي الشهادة المستندة الى الحس والحضور أي الشهادة الحسية وأما ما عدا ذلك فنلتزم فيه بعدم القبول .
 والنتيجة التي نخلص لها هي ان الشهادة المستندة الى التواتر ليست نافذة ولامقبولة وان الشهادة المقبولة هي الشهادة الحسية فقط لا من باب دلالة الادلة على حصر القبول بها وانما لانها القدر المتيقن من هذه الادلة بعد انتهاء النوبة إلى الشك .
 وهذا لاينافي ما تقدم منا إذ نحن لانملك دليلا على اعتبار الحضور ولكن بالطرف المقابل لانملك دليلا على عدم اعتبار الحضور في قبول الشهادة وهذا هو الذي ولد لدينا حالة الشك نعم لو كان لدينا اطلاق واضح في الادلة فلا مانع من التمسك به لنفي اعتبار الحضور في قبول الشهادة ولكنك عرفت بانه لايوجد مثل هذا الاطلاق فتصل النوبة الى الشك وحينئذ مقتضى القاعدة هو الاقتصار في القبول على القدر المتيقن الذي هو عبارة عن الشهادة الحسية .
 وهذه النتيجة التي وصلنا اليها لاكلام في انها تعني وتستلزم عدم نفوذ الشهادة المستندة الى الحدس لان الشهادة التي ثبت بهذا البيان اعتبارها هي الشهادة الحسية فقط فالشهادة المستندة الى الحدس خارجة عن القدر المتيقن ولانملك دليل على قبولها والاصل يقتضي في هكذا حالة عدم النفوذ وعدم الحجية .
 ولكن هل تعني هذه النتيجة بالاضافة الى عدم قبول الشهادة الحدسية عدم قبول الشهادة المستندة الى التواتر او لا؟
 قد يقال انها لاتعني ذلك بالضرورة ومرجع هذا الكلام الى محاولة لادراج الشهادة المستندة الى التواتر في القدر المتيقن أي أنها داخلة في الشهادة الحسية وان كانت بحسب الدقة والتحليل شهادة بامر غير محسوس لان المفروض ان المكلف لم يحس بالواقعة نفسها باحدى حواسه وانما شهد بها اعتمادا على التواتر، ولكن قد يقال ان التواتر واخبار جماعات كثيرين لا يحصل الا اذا كانت الواقعة حاصلة بل لايمكن افتراض حصول تواتر بهذا الشكل مع عدم وقوع هذه الحادثة ، بل التواتر هو من اثار وقوع الواقعة، وتحقق القضية المشهود بها وليس امرا منفصلا عنه .
 وعليه فالاحساس بالاثر كأنه احساس بالواقعة عرفا، فالذي احس باخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطؤهم على الكذب يجزم لامحالة بوقوع الحادثة، وهو معدود عند العرف كمن احس بالحادثة او حصل له ما هو قريب من الاحساس .
 وحينئذ يقال : انه يكفي في تحقق الاحساس والحضور هذا المقدارمن اخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطئهم على الكذب وليس شرطا في الشهادة الحسية ان يحس بنفس ما يشهد به بل اذا احس بامر ملازم ولاينفك عن المشهود به فهذا يكفي في قبول تلك الشهادة ودخول هذا الفرد في القدر المتيقن من الادلة.
 وهذا المطلب اذا شككنا به ولم نستوضحه يمكن دعمه وتاييده ببعض الادلة المتقدمة التي لم تتم مثلا يمكن تاييده برواية الحسين بن زيد وقد قلنا ان دلالتها واضحة جدا على هذا المطلب (ما قائها حتى شربها ) تشير الى الملازمة بين قيء الخمر وبين شربه فإذا احس الانسان بقيء الخمر هذا يكفي في ثبوت انه شرب الخمر وقلنا لافرق بين ان يشهد بالقيء المثبت لشرب الخمر وتترتب الاثار عليه وبين ان يشهد بشرب الخمر مباشرة مستندا الى قيئه لان شرب الخمر انما ثبت باعتبار ثبوت القيء فإذا ثبت القيء واحس به بامكانه ان يشهد بشرب الخمر للملازمة بينهما ، وهذا يطبق في محل الكلام بشكل واضح فأن هناك ملازمة عقلية بين التواتر وبين ثبوت المشهود به وتحققه على نحو يمتنع التخلف ، فإذا احس بالاثر الذي هو التواتر مع وجود الملازمة الحقيقية بينه وبين ثبوت الواقعة فحينئذ يمكنه ان يشهد اما بالتواتر فيثبت اثره وهو حصول الواقعة او يشهد بالواقعة مباشرة استنادا الى التواتر ، فهذه الرواية لولا ضعفها السندي لكانت دليلا واضحا على قبول الشهادة المستندة الى التواتر فهي اذن تصلح للتاييد ، كما ان مكاتبة الصفار تامة من حيث الدلالة فهي ظاهرة ظهورا واضحا في قبول الشهادة المستندة الى اخبار جماعة عدول من اهل القرية بحدود قطاع الارض على ما تقدم سابقا وتكون دليلا واضحا على قبول الشهادة المستندة الى التواتر بالاولوية.
 فالظاهر وا.. العالم ان النتيجة التي انتهينا اليها وهي الاقتصار على القدر المتيقن انما تعني اخراج الشهادة الحدسية وعدم قبولها واما الشهادة المستندة الى التواتر فلا يبعد دخولها في القدر المتيقن من الادلة .
 إلى هنا فرغنا عن الشهادة المستندة الى الحس والشهادة المستندة الى التواتر والشهادة المستندة الى الحدس وتبين ان الشهادة المستندة الى الحس هي المعتبرة وهي القدر المتيقن وان الشهادة المستندة الى التواتر يمكن الحاقها وادخالها في المتيقن وان الشهادة الحدسية لاتشملها ادلة الاعتبار .
 الموردالاخير: الشهادة المستندة الى الامارات والاصول
 وبطبيعة الحال لايفترض في الامارت والاصول انها موجبة لحصول العلم واليقين عادة فمثلا هذه الدار كانت ملكا لزيد سابقا والان شككنا انها ملك لزيد فيجري استصحاب ملكيته لها ويشهد استنادا الى ذلك بملكية فعلية بالنسبة الى هذه الدار لزيد اويشهد استنادا الى امارة كيد المسلم فمثل هذه الشهادة هل تكون مقبولة او لاتكون مقبولة ؟
 القاعدة الاولية بقطع النظر عن الروايات عدم قبول هذه الشهادة أي ليست حجة لانها ليست شهادة مستندة الى الحس ولا الى مايقرب من الحس بل ليست مستندة الى العلم بالواقع لانه لم يفترض وجود علم بالواقع .
 نعم ..إذا ثبت في علم الاصول ان الامارة والاستصحاب يقومان مقام القطع الموضوعي استناداً الى نفس دليل اعتبارهما كما انهما يقومان مقام القطع الطريقي كذلك ، وقلنا ان الشهادة المستندة الى العلم الحدسي حجة ونافذة كما لو اتفق من باب الصدفة حصول العلم من قرائن حدسية ،فحينئذ تكون الشهادة المستندة الى الامارة او الاستصحاب مقبولة .
 ولكن كلا الامرين محل كلام .
 أما الامر الثاني فقد تقدم ان العلم المستند الى الحدس لادليل على اعتبار الشهادة المستندة اليه ،وانما العلم الذي يؤخذ موضوعا لقبول الشهادة هوالحسي او القريب منه .
 واما الامر الاول فقد ذكر في الاصول ان دليل اعتبار الامارة والاستصحاب لايفي بقيامهما مقام القطع الموضوعي وان وفى بقيامهما مقام القطع الطريقي .
 اذن مقتضى القاعدة في محل الكلام هو عدم الاعتبار والنفوذ ، نعم قد يستدل على حجية ونفوذ الشهادة المستندة الى الامارة او الاستصحاب ببعض الروايات الخاصة التي ادعي انها تدل على قبول الشهادة المستندة اليهما وهي :
 الاولى: صحيحة معاوية بن وهب في الباب 17 من ابواب الشهادات ،ح3 يرويها ((الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن احمد بن الحسن وغيره عن معاوية بن وهب ،قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك فيقول : أبق غلامي أو أمتي ، فيكلفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب أنشهد على هذا إذا كلفناه ؟ قال : نعم )) فانه يشهد بان هذا غلامه فعلا استنادا الى انه كان يعلم انه غلامه ثم ابق وجيء به والامام (ع) قال له اشهد فالاستدلال بها مبني على انه يشهد استنادا الى الاستصحاب ،وهي تامة سنداً.
 السيد الماتن (قده) تعرض لهذه الرواية ويبدو من كلامه انه مقتنع بتمامية دلالتها على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب لكنه ردها بانها معارضة برواية اخرى لنفس الراوي ظاهرة في عدم قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب وهي المذكورة في ذيل الحديث الثاني في نفس الباب ((يرويها الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل يكون في داره ، ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ، ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما احدث في داره ولا ندري ( ما احدث ) له من الولد ، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا ولا حدث له ولد ، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان ، أو نشهد على هذا ؟ قال : نعم ، قلت : الرجل يكون له العبد والأمة فيقول : أبق غلامي أو أبقت أمتي ، ( فيؤخذ بالبلد ) فيكلفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه ، أفنشهد على هذا إذا كلفناه ، ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئا ؟ فقال : كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته ، أو غاب عنك لم تشهد به )) فانه واضح من الرواية ان الامام نهى عن الشهادة المستندة الى الاستصحاب وهذا يعني انها معارضة للرواي السابقة فتسقط السابقة عن الاستدلال بها في قبول الرواية المستندة الى الاستصحاب وللكلام تتمة تأتي إنشاء ا.. تعالى .