33/10/27


تحمیل
  (بحث يوم السبت 27 شوال 1433 هـ 163)
 الموضوع :- المسألتان السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون / ذكر بعض الوجوه التي سيقت كأدلة على لزوم تقدّم الشاهد على اليمين وبيان اعتراض صاحب المستند (قده) عليها والردّ عليه / الشروع في المسألة التاسعة والثلاثين ولها فرعان / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في الأمر الثاني الذي أشار إليه السيد الماتن (قده) في هاتين المسألتين وهو أن المشهور اعتبر تقديم شهادة الشاهد على يمين المدّعي فلو عكس لا يترتب حينئذ أثر بل الظاهر من عباراتهم أن تزكية الشاهد لا بد أن تكون قبل يمين المدّعي أيضاً ، نعم .. لا ترتب بين الشهادة والتزكية .
 وذكرنا أن هذا الأمر مما لا دليل عليه واضحاً إلا ما ذُكر من بعض الوجوه التي لا تخرج عن كونها وجوهاً استحسانية ليست ناهضة لإثبات ذلك الترتيب :
 منها : ما ذكره الشهيد في المسالك من أن وظيفة المدّعي بالأصالة هي البيّنة لا اليمين وإنما تصدر منه اليمين في حالات خاصة كما في رَدّ اليمين عليه فإذا أقام المدّعي شاهداً صارت البيّنة التي هي وظيفته ناقصة فيتمّمها اليمين للنصّ بخلاف ما لو عكس الترتيب فقدّم اليمين فإنه ابتدأ بما ليس من وظيفته ولم يتقدّمه ما يكون متمّماً له .
 هذا ما ذُكر .. ولكن يرد عليه أن كون وظيفة المدّعي ابتداء هي البيّنة وإن كان أمراً مسلّماً إلا أنه قد دلّ الدليل على أنه مع عدم البيّنة فوظيفته الشاهد واليمين ولم يدل دليل على لزوم الترتيب بينهما بتقديم الشاهد على اليمين والمفروض أن العطف بـ(الواو) أو بـ(مع) لا يفيد الترتيب كما هو واضح في اللغة فلذا لو قدّم أيّاً منهما على الآخر فقد عمل بوظيفته ، نعم .. لو دلّ الدليل على اعتبار الترتيب فيكون هو المستند ولا داعي للوجه المزبور .
 ومنها : ما أشار إليه في ملحقات العروة من احتمال أن يكون المستند في لزوم تقديم الشاهد على اليمين هو تقدّم ذكر الشاهد على اليمين في الأخبار فيكون هذا الترتيب في الذكر دليلاً على اعتبار الترتيب بينهما في الخارج .
 وهذا الوجه مخدوش أيضاً فإن المذكور في الأخبار هو العطف بينهما بـ(الواو) أو بـ(مع) وليس في كل منهما دلالة على اعتبار الترتيب كما تقدّم - على أن بعض الأخبار قد عكست فذكرت اليمين قبل شهادة الشاهد .
 وحاول السيد الماتن (قده) تبعاً لصاحب العروة إصلاح هذا الوجه بدعوى أن الترتيب الذكري الذي لا إشكال في وجوده في معظم الروايات وإن لم يكن دليلاً في المقام إلا أنه لا إطلاق في تلك الروايات حتى يُتمسّك به لإثبات جواز تقدّم كل منهما على الآخر فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقَّن وهو ما إذا تقدّمت شهادة الشاهد على يمين المدّعي على حدّ تقدّم ذكره في الأخبار ، وإنما لم يكن فيها إطلاق لكونها ليست في مقام البيان من هذه الجهة [1] وإنما هي في مقام بيان أنه عند تعذّر البيّنة يصار إلى شهادة رجل وامرأتين وإلا فإلى شاهد واحد ويمين المدّعي .
 ولكن اعتُرض - كما عن صاحب المستند - على هذا البيان بأن أكثر الروايات وإن كان لا ينعقد لها الإطلاق من جهة أنها تُخبر عن واقعة خارجية إلا أن هناك ما يمكن أن يُدّعى وجود الإطلاق له فيُتمسّك به لإثبات عدم اعتبار الترتيب بين الشاهد واليمين ، وهي روايات ثلاث :
 الأولى : صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة في أخبار الطائفة الثالثة :
 " قال : لو كان الأمر إلينا أجزنا شهادة الرجل الواحد إذا عُلم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس فأما ما كان من حقوق الله عزّ وجل أو رؤية الهلال فلا " [2] .
 الثانية : معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال :
 " قلت : فأنّى ذَكَر الله تعالى وقوله : (رجل وامرأتان) ؟ فقال : ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان ورجل واحد ويمين المدّعي إذا لم تكن امرأتان ، قضى بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بعده عندكم " [3] .
 الثالثة : صحيحة منصور بن حازم عن أبي الحسن (عليه السلام) :
 " قال إذا شهد لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز " [4] .
 والاستدلال بهذه الرواية من جهة كون شهادة المرأتين تقومان مقام شهادة الرجل الواحد ، والمدّعى في هذه الروايات الثلاث أن فيها إطلاقاً والمفروض عدم دلالة (الواو) أو (مع) على الترتيب ولا في التقدّم الذكري دليل على اعتباره أيضاً فحينئذ يُتمسّك بإطلاقها لإثبات جواز تقدّم كل منهما على الآخر .
 وأقول : يمكن دفع الاعتراض المذكور بأن هذه الروايات وإن لم تكن إخباراً عن واقعة إلا أنه ليس فيها إطلاق أيضاً لأنها ليست واردة في مقام البيان من الجهة التي يراد التمسّك بالإطلاق لأجلها [5] وإنما هي في مقام اعتبار الشاهد واليمين عند تعذر البيّنة في مطلق الأموال كما تقدّم سابقاً .
 نعم .. بناءً على مسلك صاحب المستند (قده) من أن عدم كون المتكلم في مقام البيان من الجهة التي يراد التمسّك بالإطلاق لأجلها لا يضرّ بانعقاد الإطلاق لا ينهض ما ذُكر دافعاً لاعتراضه ولكن الكلام في هذا المبنى فإن الصحيح أنه يكفي في المنع من انعقاد الإطلاق أن لا يكون المتكلم في مقام البيان من الجهة التي يُراد التمسّك بالإطلاق من أجلها .
 ومن هنا يتبيّن أن الاعتراض المذكور ليس وارداً فيظهر أنه وإن لم يكن على اعتبار الترتيب في تقدّم الشاهد على اليمين دليل في النصوص إلا أن ما ذكره السيد الماتن (قده) من اعتباره من باب الأخذ بالقدر المتيقّن لا يخلو عن وجه كما صرّح (قده) بذلك في المتن .
 وبهذا يمكن تصحيح فتوى المشهور باشتراط الترتيب ولكن بهذا اللحاظ لا بلحاظ قيام الدليل عليه .
 وأما اشتراط تقدّم تزكية الشاهد الذي قال به بعضهم ففضلاً عن عدم الدليل عليه ليس له ذكر في النصوص حتى يقال باعتباره أخذاً بالقدر المتيقّن أيضاً .
 اللّهم إلا أن يُدّعى أن الأخذ بالقدر المتيقَّن هاهنا هو بلحاظ فتاوى الفقهاء في الجملة وكون تقدّم تزكية الشاهد على يمين المدّعي أمراً مشهوراً في كلماتهم فليتأمل !
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة .
 ثم قال (قده) في المسألة التاسعة والثلاثين :
 " إذا ادّعى جماعة مالاً لمورثهم وأقاموا شاهداً واحداً فإن حلفوا جميعاً قُسّم المال بينهم بالنسبة وإن حلف بعضهم وامتنع الآخرون ثبت حقّ الحالف دون الممتنع فإن كان المُدّعى به ديناً أخذ الحالف حصته ولا يشاركه فيها غيره وإن كان عيناً شاركه فيها غيره وكذلك الحال في دعوى الوصية بالمال لجماعة فإنهم إذا أقاموا شاهداً واحداً ثبت حق الحالف منهم دون الممتنع " [6]
  [7] .
 هاهنا فرعان :
 الفرع الأول : استحقاق جميع المُدّعين لما ادّعوه من المال لمورّثهم وتقسيمه بينهم بالنسبة في ما إذا أقاموا شاهداً واحداً وحلفوا جميعاً ، وثبوت الحق للحالف دون الممتنع في ما إذا حلف بعضهم وامتنع الآخرون .
 الفرع الثاني : انفراد الحالف بحصته في ما إذا كان المُدّعى به ديناً ، ومشاركة غيره له في ما إذا كان المُدّعى به عيناً .
 أما في الفرع الأول فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في ما ذُكر في المتن من اشتراط أن يحلف الجميع حتى تثبت الدعوى لهم جميعاً وأنه إذا حلف واحد ثبتت حصته فقط دون الباقين إذا امتنعوا من اليمين ، وعُلّل هذا الحكم في كلماتهم بأن الدعوى وإن كانت في الصورة دعوى واحدة [8] لكنها في الواقع تنحلّ إلى دعاوى متعددة بعدد المدّعين لأن معنى ادّعاء جماعة لمال مشترك هو أن كل واحد منهم يدّعي حصة له من هذا المال المشترك وقد تتفق الحصص كما إذا كان السبب هو الوصية مع عدم تمايزٍ بين الموصى لهم وقد تختلف كما إذا كان السبب هو الإرث مع اختلاف عناوين الورثة ، ومقتضى انحلال الدعوى إلى دعاوى متعددة هو تعدد اليمين لأن اليمين المعتبرة شرعاً والتي يترتب عليها الأثر هي عبارة عن يمين المطالب بالحقّ - وهو المدّعي - وبعد انحلال الدعوى إلى دعاوى متعددة يتعدد المطالِب بالحق ويمينُ كل مطالب لا يثبت إلا حقه هو ولا يثبت حقّاً لغيره وعلى هذا يتم الكلام المتقدّم من أنهم إذا حلفوا جميعاً ثبت المال لهم بالنسبة وإذا حلف بعض وامتنع آخرون ثبتت حصة الحالف دون الممتنع .
 هذا .. ولكن بالرغم من وجود اتفاق بينهم على ما ذُكر إلا أنه نُقل الخلاف عن المقدّس البغدادي فحكي عنه أنه كان يرى ثبوت حقّ الجميع بحلف البعض ولعل ذلك من جهة التمسّك بإطلاق أدلة تصديق الحالف ودعوى أن هذه الأدلة تشمل محل الكلام والمفروض فيه وحدة السبب كالإرث أو الوصية فحِلْفُ بعض المدّعين على ثبوت السبب وإن كانت دعواه في خصوص حصته يقتضي بموجب كبرى تصديق الحالف ثبوته لكل المدّعين وإن لم يحلفوا .
 ولكن هذا الكلام مردود فإن السبب وإن كان واحداً بحسب الفرض إلا أن قضية انحلال الدعوى إلى دعاوى متعددة بعدد المطالبين بالحق تقتضي اختصاص ما يثبت باليمين من المال المشترك بخصوص الحالف ولا مجال لأن يثبت بيمينه حصة غيره أيضاً .
 هذا مع احتمال أن ينحلّ السبب كالدعوى إلى أسباب متعددة فيكون كل مطالب بالحقّ مدّعياً للسبب المضاف إليه فلا يلازم ثبوته بحلفه - ظاهراً [9] - ثبوته لغيره الممتنع عن الحلف أي أن ما يثبت بيمينه هو السبب المدّعى بالإضافة إليه لا أصل السبب بالإضافة إلى الجميع فلا ملازمة في البين ، والتفريق بين مقامي الظاهر والواقع أو قل بين مقام الإثبات ومقام الثبوت أمر لا شائبة فيه ولا شبهة تعتريه .
 وللكلام تتمة ستأتي إن شاء الله تعالى .
 


[1] يعني جهة تقدّم الشاهد على اليمين .
[2] الاستبصار مج3 ص37 .
[3] التهذيب مج6 ص282 ، الوسائل الباب الرابع والعشرون من أبواب الشهادات الحديث الخامس والثلاثون مج27 ص361 .
[4] الكافي مج7 ص386 .
[5] وهي اعتبار الترتيب في تقدّم الشاهد على اليمين .
[6] هكذا طرح السيد الماتن (قده) هذه المسألة ، وقد طُرحت في بعض المتون الفقهية بصورة مشابهة فعن الشرايع (مج4 ص881) قال : (ولا تثبت دعوى لجماعة مع الشاهد إلا مع حلف كل واحد منهم) ، ونظيره ما عن العروة العروة الوثقى (مج6 ص547) حيث قال : (لا تثبت دعوى الجماعة مالاً مشتركاً بينهم بسبب واحد من إرث أو غيره مع شاهد واحد إلا بحلف الجميع فلو حلف البعض دون البعض ثبت حصة الحالف دون غيره) .
[7] (منه دامت بركاته)
[8] وهي أن هذا المال لمورّثهم .
[9] أي بحسب الأدلة ومقام الإثبات وإلا فإن الواقع بما هو لا يخلو من أن يكون السبب ثابتاً للجميع أو غير ثابت لهم وإن كان الحالف هو البعض دون الجميع .