21-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 433 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
الرأي الثاني:- وهو للشيخ الصدوق ، وهو أنّ الوقت من طلوع الشمس إلى الزوال.
وفي الحقيقة نتمكّن أن نقول إنّ له رأيان في هذا المجال أحدهما هو هذا والرأي الثاني هو أنه كلّما قرب الوقت من الزوال فالرمي فيه أفضل ، وهل تسمّي هذا رأياً ثانياً أو متمّماً للرأي الأوّل ؟ الأمر لك ، والمهمّ أنّ له دعويان ، وقد أشار إلى ذلك كلّه في الفقيه حيث قال:- ( وارم الجمار في كلّ يومٍ بعد طلوع الشمس إلى الزوال وكلّما قرب من الزوال فهو أفضل . وقد رويت رخصة من أوّل النهار إلى آخره )[1].وفيه:-
أمّا بالنسبة إلى الجزء الأوّل من رأيه - أعني أنّ الوقت من طلوع الشمس إلى الزوال -:- فلم يُعرف له مستندٌ بل هناك ما يدلّ على العكس أعني الروايات الستّ الدالة على أنّ الوقت من طلوع الشمس إلى غروبها ، مضافاً إلى أنّ سيرة الإماميّة هي على ذلك بالبيان الذي أشرنا إليه سابقاً.
وما بالنسبة إلى الجزء الثاني من كلامه:- فهو أيضاً ليس له مستند . نعم ورد في صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة:- ( وارم عند زوال الشمس) وقد حملناها على الأدب الشرعي أو على التقيّة.
وقد تقول:- إنّ هذه الصحيحة هي المستند له فإنه بعد حملها على الأدب الشرعي تصلح أن تكون مستنداً للشيخ الصدوق في دعواه الثانية.
بيد أنّ جواب ذلك واضح:- إذ أنّ هذه الرواية دلّت على أنّ الراجح هو الرمي عند الزوال لا  أنّه كلّما قرب من الزوال كان ذلك أفضل . إذن ما ادّعاه لا تدلّ عليه هذه الصحيحة وما تدلّ عليه لا يرتبط بمدّعاه.
نعم ورد في الفقه الرضوي عبارة تؤكّد هذا المطلب الذي ذكره حيث جاء فيه:- ( وأفضل ذلك ما قرب من الزوال )[2].وقد تقدم في بعض الابحاث أنّ الكتاب المذكور لم تثبت نسبته إلى الإمام الرضا عليه السلام فالاستناد إليه شيءٌ مشكل.
هذا كلّه بالنسبة إلى الرأيين في هذه المسألة.
وهناك رأيٌ جانبي للشيخ النائيني(قده):- حيث ذكر إنّ الرمي عند زوال الشمس أفضل وأحوط ونصّ عبارته:- ( والأفضل بل الأحوط إيقاعه عند الزوال )[3].وما أفاده من كون ذلك أفضل عند الزوال شيءٌ وجيهٌ حيث يمكن استفادته - كما أشرنا - من صحيحة معاوية بن عمّار أمّا أنّ ذلك أحوط فلا مستند له؛ إذ بعد دلالة الروايات الست على امتداد الوقت إلى الغروب فلماذا يكون الرمي عند الزوال أحوط ؟!! ، مضافاً إلى أنّ السيرة - كما قلنا - هي على كونه من طلوع الشمس إلى الغروب وليست منعقدة على كونه عند الزوال ، إنّ هذا لا يحتمله أحد ، يعني أنّه حتى لو أردنا أن نتراجع عن مناقشتنا بالسيرة في مقابل الشيخ الطوسي والصدوق وقلنا بأن السيرة ليست بثابتةٍ من الطلوع إلى الغروب ولكّنها أيضاً ليست ثابتة عند الزوال فلا معنى للأحوطيّة.
ثم إنّه توجد في هذا المجال رواية قد يفهم منها أنّ الوقت ليس من طلوع الشمس بل من طلوع الفجر أمّا إلى متى فمسكوتٌ عنه والمستفاد منها هو هذا المقدار وهو أنّ الوقت قبل طلوع الشمس وهي رواية عليّ بن عطيّة التي رواها الشيخ الطوسي عن سعد عن موسى بن الحسن عن أحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير عن عليّ بن عطية ، والظاهر أنّ السند لا مشكلة فيه إلّا من ناحية أحمد بن هلال المعروف بالعبرتائي فإن سعد هو سعد بن عبد الله الأشعري الثقة الجليل وطريق الشيخ إليه معتبر وموسى بن الحسن هو بن عامر بن عمران الأشعري القمّي الذي وثّقه النجاشي ومحمد بن عمير معروفٌ وعليّ بن عطية هو الحنّاط الثقة فالمشكلة في أحمد بن هلال وهناك كلام طويلٌ بالنسبة إليه فهو نظير محمد بن سنان فكما أن محمد بن سنان فيه قيلٌ وقال فهذا أيضاً كذلك ، ونصّ الرواية:- ( قال:- أفضنا من المزدلفة بليلٍ أنا وهشام بن عبد الملك الكوفي فكان هشام خائفاً[4]فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر فقال لي هشام:- أيّ شيء أحدثنا في حجّنا ؟!! ، فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السلام قد رمى الجمار وانصرف فطابت نفس هشام )[5] ، وهي دالّة على أنّ الإمام عليه السلام قد رمى قبل طلوع الشمس ولأجل ذلك طابت نفس هشام ولو كان الإمام قد رمى بعد طلوع الشمس لما طابت نفسه فالدلالة واضحة.
ومن الغريب ما ذكره النراقي(قده) في مستنده[6]:- من احتمال أنّ رمي الإمام كان بعد طلوع الشمس - باعتبار أنّ الرواية لم تصرّح بأنّ الإمام رمى في الليل -.
ولكن هذا واضح التأمل:- باعتبار أنّ الرواية قالت قد طابت نفس هشام حينما رأى الإمام فلابد وأنّ رمي الإمام كان بليلٍ حتى تطيب نفس هشام ، فما ذكره واضح التأمّل.
والأجدر أن يقال:- إنّ هذه قضيّة في واقعة ، بمعنى أنّ ملابسات القضيّة لا نعرفها فلعلّ الإمام عليه السلام كان عنده مجوّزٌ للإفاضة والرمي ليلاً لأنّه يوجد جماعة يجوز لهم ذلك من قبيل الشيخ الكبير أو الذي يخاف الزحام أو غير ذلك ويكفينا الاحتمال ، فلعلّه كان هناك ما يجوّز للإمام ذلك وإن كان ذلك المجوّز لا نعرفه فما ذمنا نحتمل ذلك فإذن لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية في إثبات جواز الرمي من طلوع الفجر يعني حتى بالنسبة إلى غير ذوي العذر.
ولعلّه لهذا نجد أنّ صاحب الوسائل ذكرها تحت عنوان ( باب جواز الرمي ليلاً للمعذور ) فهو أيضاً كأنّه حملها على وجود عذرٍ فلأجل ذلك ذكرها تحت هذا الباب.
والنتيجة النهائية من كلّ ما ذكرناه:- أنّ الصحيح هو ما عليه المشهور من أنّ رمي الجمار هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.