33/03/19


تحمیل
  (بحث يوم الأحد 19 ربيع الأول 1433 ه 73)
 إيضاح يتعلّق بسند رواية السكوني المتقدّمة في البحث السابق :
 ورد في سند هذه الرواية في الوسائل (أبو إسحاق) والظاهر أن المراد به إبراهيم بن هاشم القمي الثقة المعروف بقرينة أن الشيخ الكليني (قده) روى هذه الرواية أيضاً في الكافي وسنده فيه هكذا : (علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني) [1] مما يعني أن الراوي عن النوفلي في هذه الرواية هو إبراهيم بن هاشم مضافاً إلى أن الشيخ الصدوق (قده) روى هذه الرواية نفسها بإسناده عن السكوني [2] وطريقه إليه يمرّ بإبراهيم بن هاشم ، وأبو إسحاق وإن كان مشتركاً بين جماعة إلا أنه لا يبعد أن يُستظهر بهذه القرينة أن المقصود به هو إبراهيم بن هاشم فإنه يُكنّى بأبي إسحاق أيضاً .
 ثم إن من جملة الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة الدالة على نفوذ الإقرار في حقّ المقرّ :
 رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : " في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين ، قال : يلزمه ذلك في حصته " [3] .
 أي يلزم المقرّ في حصته ما أقرّ به ولا يلزم باقي الورثة ممن لم يقرّ بمثل ذلك لأن الإقرار إنما ينفذ في خصوص المقرّ ، وهذه الرواية واضحة الدلالة في نفوذ الإقرار على النفس وترتيب الأثر عليه ولكنها ضعيفة بالإرسال فلا يتم الاستدلال بها [4]
  [6] .
  ومنها : معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
 " في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يسمّ أيّ حدّ هو ، قال : أَمَر أن يُجلد حتى يكون هو الذي ينهى عن نفسه [ في ] الحدّ " [7] .
 وهذه الرواية واضحة الدلالة أيضاً على أن الإقرار يترتب عليه الأثر والأثر الذي رُتّب في المقام هو إقامة الحدّ على المقرّ .
 ومنها : معتبرة الحلبي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
 " في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ثم جحد [8] بعدُ ، فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه وإن أقرّ على نفسه أنه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت: فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أكنت راجمه ؟ فقال : لا ، ولكن كنت ضاربه الحدّ " [9] .
 ومنها : معتبرة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك ، فقال: أمّا الذي قال : (هما بيني وبينك) فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له وأنه لصاحبه ويُقسّم الآخر بينهما " [10] .
 هذه الرواية معتبرة من حيث السند فإن التعبير بـ(غير واحد) يراد به الكناية عن الكثرة بحسب التلقّي العرفي ، وأما من حيث الدلالة فهي ظاهر في المطلوب فإن الإمام (عليه السلام) رتّب الأثر على هذا الإقرار فتكون من أدلة اعتبار الإقرار ونفوذه .
 ولكن هذا إذا فهمنا منها تعلّقها بباب الإقرار مع أنه يُحتمل أن المراد بـ(أقرّ) هو التسليم وعدم النزاع لا الإقرار بالمعنى المصطلح فتكون الرواية حينئذ أجنبية عن محلّ الكلام .
 وهناك روايات أخرى كثيرة يمكن العثور عليها في ابواب الفقه المختلفة لها تعلّق بالمطلوب .
 وتقريب الاستدلال بهذه الروايات أن يقال إن المستظهر من الدليل بمقتضى الفهم العرفي هو إلغاء خصوصيات هذه الموارد والنظر إلى أن ما يكون دخيلاً في إثبات الإقرار إنما هو الجهة المشتركة بينها وهي كون الإقرار صادراً من قبل الشخص على نفسه ولا خصوصية بنظر العرف لكونه وارداً في باب الصلح أو باب الحدود أو غيرهما من تلكم الموارد فتُستنبط حينئذ قاعدة كلية مفادها أن إقرار الشخص على نفسه نافذ وتُطبق هذه الكلية في جميع الموارد حتى تلك التي لم يرد فيها نصّ بالخصوص بل قد يُترقّى عن مستوى الاستظهار إلى ادّعاء الجزم في إلغاء الخصوصيات وحينئذ يكون الاستدلال أوضح .
 الدليل الثاني :

الارتكاز العقلائي القاضي بنفوذ إقرار الشخص على نفسه فإن المرتكز في أذهان العقلاء أن إقرار الشخص على نفسه نافذ ولذلك فهم يرتّبون الأثر عليه ويُلزمون الشخص بمقتضى إقراره ، والظاهر أن هذه القضية ليست مختصّة بعقلاء هذا الزمان وإنما هي موجودة عند العقلاء في الأزمنة المتقدّمة بما في ذلك زمان الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
 والسرّ في ذلك أن هذا الارتكاز لا يعتمد على نكات خاصة بعقلاء هذا الزمان دون غيرهم من عقلاء الأزمنة المتقدّمة وإنما هو يعتمد على نكات عامة ومشتركة عند العقلاء في كل زمان بمعنى أن الانسان عندما يراجع أحاسيسه وانسياقاته لا يشعر بأن المؤثر في هذا الارتكاز - الذي لا إشكال في وجوده عنده - هو جهات الامتياز وإنما هو نابع من نكات عقلائية مشتركة بين الجميع وعلى ذلك فيُستكشف وجوده في الأزمنة السابقة بما في ذلك زمان الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وبضميمة عدم الردع يثبت الإمضاء وحينئذ يترتّب الأثر عليه - كما هو مقرّر في محلّه من بحث السيرة في الاصول - [11] .
 هذا .. وإنما استُند في هذا الدليل إلى الارتكاز العقلائي دون دعوى السيرة العقلائية وذلك من جهة أن موارد إقرار الشخص على نفسه ليست من الكثرة بحيث تنعقد عليها السيرة .. على أنه لا فرق بينهما في مجال استكشاف الحكم الشرعي منهما بضميمة عدم الردع .
 هذان دليلان لإثبات أصل المطلب من نفوذ الإقرار على النفس وفيهما غنى وكفاية ، نعم .. ذكر الفقهاء (رض) جملة من الآيات القرآنية التي تدل على نفوذ الإقرار وحجّيته ووقع في مدى دلالتها على ذلك كلام طويل لكن الظاهر أنّنا في غنى عن الدخول في ذلك [12] لاسيما في ما يرتبط بتفسير كلام الله تعالى .
 ثم إن هاهنا مبحثاً مرتبطاً بالمقام وهو أن مقتضى إطلاق الأدلة الدالة على نفوذ الإقرار هو أنه لا فرق في اعتباره بين أن يتعقّبه الانكار من المقرّ أو لا يتعقّبه فالإقرار مطلقاً [13] يكون نافذاً سواء استُفيدت حجيته من الأدلة اللفظية أو من بعض الأدلة اللّبية من قبيل الارتكاز العقلائي المتقدّم ولا محذور في التمسّك بهذا الارتكاز مطلقاً [14] وإن كان دليلاً لبياً لأن الاقتصار على القدر المتيقَّن في الدليل اللّبي إنما هو في مورد الشكّ وأما عندما يُستوضَح قيامه في مطلق الموارد فلا محذور في التمسّك به مطلقاً ، وفي المقام فإن هذا الارتكاز قائم على نفوذ الإقرار حتى بعد الإنكار فلا ضير في التمسّك به في مطلق موارده التي يُستوضَح عند العقلاء قيامه فيها ، نعم .. لا بد من استثناء ما دل الدليل على استثنائه بالخصوص ومن ذلك ما ورد في بعض الأدلة من عدم نفوذ الإقرار في موارد خاصة كما في قضية الرجم ومن عدم نفوذه إلا بانضمام إقرارات أخرى إليه بعدد معيّن كما في حدّ الزنا فمثل هذه الأدلة لا ريب في كونها مقيّدة للإطلاق لفظياً كان أو لبّياً .


[1] الكافي مج7 ص58 .
[2] الفقيه مج4 ص23 .
[3] الوسائل أبواب الإقرار الباب الخامس الحديث الأول مج23 ص185 .
[4] حيث ورد السند في الوسائل هكذا : " محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عمّن رواه عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة وحسين بن عثمان عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) " .
[5] هذا .. ولكني وجدتُ في الكافي سنداً آخر لهذه الرواية خالياً من الإرسال هكذا : " علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة وحسين بن عثمان عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) " الكافي مج7 ص43 و168 .. كما أني وجدت السند (المذكور في الوسائل) بعينه مذكوراً في التهذيب والاستبصار في عدة مواضع خالياً من جملة (عمّن رواه) فيُحتمل قوياً زيادتها في الوسائل بل هو الظاهر .
[6] فالنتيجة خلوّ الرواية من الإرسال استناداً إلى ما هو المذكور في الكافي والتهذيبين وكون جملة الإرسال أعني قوله (عمن رواه) مزيدة في الوسائل كما هو الظاهر .
[7] الكافي مج7 ص219 ، الوسائل أبواب مقدمات الحدود الباب الحادي عشر الحديث الأول مج28 ص25 .
[8] أي إذا رجع وأنكر ما أقرّ به .
[9] الكافي مج19 ص220 ، الوسائل مج28 ص26 .
[10] الفقيه مج3 ص35 ، الوسائل أبواب الصلح الباب التاسع الحديث الأول مج18 ص450 .
[11] أقول : دعوى كون الردع عن الارتكازات العقلائية - التي لم تقم سيرة في متعلّقها لندرة مواردها - هو من وظيفة الشارع المقدّس على حدّ وظيفته في الردع عن السيرة العقلائية في ما إذا لم تكن مرضية لديه لا تخلو من إشكال أو منع .
[12] لعدم انحصار الدليل بها حتى يستدعي ذلك تجشّم الخوض فيها .
[13] أي سواء تعقّب بالإنكار أو لم يتعقّب .
[14] الهامش السابق .