33/02/10


تحمیل
  (بحث يوم الأربعاء 10 صفر الخير 1433 ه 55)
 كان الكلام في الاعتراض الذي أُورد على الدليل السابع وهو رواية الحسين بن خالد حيث تمثّل بدعوى اختصاصها بالإمام المعصوم (عليه السلام) في موردها من نفوذ علم الحاكم في حقّ الله تعالى بلا حاجة إلى بيّنة أو توقّف على مطالبة وعدم شمولها لكل قاضٍ كما يُدّعى ثبوته في المقام وذكرنا أن مستنده أمران كان أحدهما أن ذاك [1] هو المتبادَر من التعبير بالإمام في لفظ الرواية في قوله (عليه السلام) : (الواجب على الإمام) ، وكان الآخر ما ورد فيها من التعبير بقوله (عليه السلام) : (لأنه أمين الله على خلقه) حيث يُدّعى وضوح اختصاصه بالمعصوم (عليه السلام) فلا يمكن التعدّي معه إلى مطلق الحاكم الشرعي كما هو المطلوب في المقام .
 هذا ما تقدّم .. وأقول :
 أما بالنسبة إلى الأمر الأول فالذي يظهر من موارد استعمال لفظ (الإمام) في الروايات عدم اختصاصه بالمعصوم (عليه السلام) حيث جُعل في مقابل السلطان والحاكم الجائر فيكون المراد به مطلق الحاكم الشرعي الأعمّ من كونه معصوماً وغير معصوم ويتّضح هذا بمراجعة الروايات التي تضمّنت التعبير بهذا اللفظ وهي كثيرة :
 منها : رواية الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " قال : سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه ؟ فقال : إن صفوان بن أمية كان مضطجعاً في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه ، فقال : من ذهب بردائي ؟ فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : اقطعوا يده ، فقال صفوان : أتقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال: فأنا أهبه له فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فهلّا كان هذا قبل أن ترفعه إليّ ، قلت : فالإمام بمنزلته إذا رُفع إليه ، قال: نعم ، قال: وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال: حسن " [2] .
 حيث لم يفهم أحد من الفقهاء (رض) اختصاص لفظ (الإمام) بالمعصوم (عليه السلام) وإنما فهموا منها مطلق الحاكم الشرعي المتولّي للأمور الذي تُرفع إليه القضايا ليحكم فيها ويقيم الحدود على مستحقيها .
 ومنها : رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) :
 " قال : من أخذ سارقاً فعفى عنه فذاك له فإن رفع إلى الإمام قطعه فإن قال الذي سرق منه : أنا أهب له لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفع إليه وإنما الهبة قبل أن يُرفع إلى الإمام وذلك قول الله عزّ وجل : (والحافظون لحدود الله) فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه " [3] .
 فإن الحدود لا تُعطّل بل هي قائمة ما بقي التكليف فعند التمكّن منها وبسط اليد عليها يقيمها الحاكم الشرعي الجامع للشرائط ومنها مورد الرواية من جواز الهبة قبل الرفع إلى الحاكم ولزوم إقامة الحدّ بعد الرفع فإنه حكم شرعي ثابت يُقيمه الحاكم الشرعي مطلقاً [4] ولا يختصّ بزمان الحضور بل هو شامل لزمان الغيبة أيضاً .
 ومنها : رواية عمر بن يزيد :
 " قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل بصلاة جماعة .. " [5] ، وقريب منه قوله (عليه السلام) : " لا اعتكاف إلا في مسجد تصلى فيه الجمعة بإمام وخطبة " [6] .
 فإن من الواضح عدم كون المقصود بالإمام فيها خصوص المعصوم (عليه السلام) بل المراد الأعمّ منه ومن الإمام العادل .
 ومنها : رواية موسى بن بكر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال :
 " من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل فإن غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله ما يقوت به عياله فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره " [7] .
 ومنها : مرسل محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد قال :
 " سأل الرضا (عليه السلام) رجلٌ وأنا أسمع فقال له : جعلت فداك إن الله عز وجل يقول : (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) أخبرني من هذه النظرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد له من أن ينتظر .. إلى أن قال : نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل " [8] .
 ومنها : رواية حفص المؤذن قال :
 " حج إسماعيل بن علي [9] بالناس سنة أربعين ومائة فسقط أبو عبد الله (عليه السلام) عن بغلته فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : سِرْ فإن الإمام لا يقف " [10] .
 وهذه واضحة الدلالة على عدم الاختصاص لإطلاقها على غير المعصوم (عليه السلام) وهو إسماعيل المذكور فيها .
 وغيرها من الروايات بهذا المضمون كثير فالاستناد إلى لفظ الإمام الوارد في الرواية لإثبات دعوى الاختصاص بالمعصوم (عليه السلام) ليس في محلّه .
 وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني وهو الاستدلال بالتعليل الوارد في الرواية من قوله (عليه السلام) : " لأنه أمين الله في خلقه " على الاختصاص بالمعصوم (عليه السلام) فليس في محلّه أيضاً إذ أن المراد بالأمين هو المؤتمن [11] والمقصود به في الرواية المؤتمن على استيفاء حقّ الله تعالى وتنفيذ أحكامه وإقامة حدوده ولا ريب أن هذا المعنى كما هو ثابت للإمام المعصوم (عليه السلام) كذلك هو ثابت لكل حاكم شرعي عادل مجتهد جامع للشرائط ثبتت له الولاية من الإمام (عليه السلام) سواء بالأدلة الخاصة أو بأدلة الحسبة فلا مانع بحسب الظاهر من تعميم المعنى المذكور لغير المعصوم فيكون حينئذ أمين الله في خلقه بمعنى أنه شخص مؤتمن من قبل الله تعالى - ولو بوسائط - على استيفاء حقوق الله الثابتة على الناس ، ولا محذور في ذلك بل إنه على تقدير ثبوت الولاية العامة له مؤتمن على ما هو أكثر من ذلك .
 وعلى هذا فيندفع الإشكال عن دلالة الرواية فيثبت بها بعد تماميتها سنداً كما تقدّم - نفوذ علم الحاكم في خصوص حقّ الله تعالى ولا مانع من الالتزام بهذا .
 ولكن هذا غير مُجدٍ في ما نحن فيه لأن كلامنا في حقوق الناس والبحث في أن علم الحاكم هل ينفذ فيها أم يحتاج إلى البيّنات والأيمان والطرق المتَّبعة في باب القضاء والرواية المذكورة ساكتة عن هذا الأمر ، نعم .. عدم نفوذ حكمه هو مقتضى القاعدة في باب القضاء كما ذكرنا .
 يبقى الكلام في التمييز بين حقّ الله وحقّ الناس حتى نطبّق ما دلّت عليه الرواية من نفوذ علم الحاكم في حقّ الله تعالى وعدم نفوذ علمه في حقّ الناس بناءً على أنه مقتضى القاعدة أو استناداً لدعوى دلالة الرواية عليه كما ذهب إلى ذلك بعضهم - .
 فأقول : لقد صرّحت الرواية بكون حدّ الزنا وحدّ شرب الخمر هما من حقوق الله وكون حدّ السرقة من حقوق الناس والذي يُفهم بدواً من المقابلة بين الحقّين فيها أن المائز بين الحدّين هو التعدّي والتجاوز على حقوق الآخرين فمتى ما حصل ذلك كان الحدّ من حقّ الناس وإلا فهو من حقّ الله تعالى .. ولكن هذا الضابط في التفريق بين الحقّين يواجه مشكلة وهي أن الروايات قد اختلفت ألسنتها بالنسبة إلى بعض الحدود كالسرقة - مثلاً فهذه الرواية دلّت صريحاً على أنه من حقوق الناس ، وروايات أخرى معتبرة كصحيحة الفضيل بن يسار [12] دلّت صريحاً على أنه من حقوق الله وأنه يثبت بالإقرار مرة عند الإمام بل إن بعضهم يستفيد هذا المعنى [13] من الآية الشريفة : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ، وروايات أخرى [14] فصّلت فيه فجعلته قبل رفعه إلى الإمام من حقوق الناس وبعد رفعه إليه من حقوق الله .
 فهذا الاختلاف يجعلنا نتأمل في الضابط الذي ذكرناه سابقاً في مقام التمييز بين الحقّين [15] .. وسيأتي التعقيب عليه إن شاء الله تعالى .


[1] أي اختصاص الرواية بالإمام المعصوم (عليه السلام) وعدم شمولها لكل قاضٍ كما هو المطلوب .
[2] الكافي مج7 ص251 ، الوسائل الباب السابع عشر الحديث الثاني مج28 ص39 .
[3] المصدر السابق .
[4] أي سواء كان المعصوم (عليه السلام) أو نائبه الخاص أو العام .
[5] الكافي مج4 ص176 ، الوسائل أبواب الاعتكاف الباب الثالث الحديث الثامن مج10 ص540 .
[6] المصدر السابق الحديث الثاني ص538 .
[7] الكافي مج5 ص93 ، الوسائل الباب السادس والأربعون الحديث الرابع مج9 ص296 وفي مواضع غيره .
[8] الكافي مج5 ص94 ، الوسائل الباب التاسع الحديث الثالث مج18 ص336 .
[9] هو إسماعيل بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وهو أمير الحاج في سنة 138 وكان على الموصل على ما نقله الطبري في تاريخه ج6 ص138 عن الواقدي ولم يذكره في سنة 140 في أمراء الحاج (هامش الكافي) .
[10] الكافي مج4 ص541 ، الوسائل أبواب آداب السفر الباب السادس والعشرون الحديث الأول مج13 ص525 .
[11] فأمين الشخص هو الذي يتولّى شؤونه ويحافظ على أمواله وممتلكاته ويستوفي حقوقه فالمقصود بذلك التعبير هو أن الله تعالى له حقوق والإمام هو المؤتمن عليها في خلقه وهو الذي يستوفيها منهم . (منه دامت بركاته)
[12] محلّ الشاهد فيها قوله (عليه السلام) : " إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه ، فهذا من حقوق الله " الوسائل الباب الثاني والثلاثون الحديث الأول مج28 ص57 .
[13] أي كونه من حقوق اله تعالى .
[14] منها روايتا الحلبي وسماعة المتقدمتين في ضمن الشواهد على عدم اختصاص لفظ الإمام بالمعصوم (عليه السلام) .
[15] وهو التعدّي والتجاوز على حقوق الآخرين .