37/08/10


تحمیل

الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

الوجه الثالث:- رواية داود بن أبي يزيد ونصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال رجل إني قد أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:- والله أن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟!! قال:- أي والله ، قال:- فأنا والله ، ما لَهُ صاحبٌ غيري ، قال:- فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال:- فحلف ، فقال:- اذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن مما خفت منه ، قال:- فقسّمه بين إخواني )[1] .

ودلالتها تكاد تكون واضحة فإنه عليه السلام قال أنا صاحب ذلك المال المجهول المالك ثم شخّص له موارد الصّرف وقال له قسّمه بين إخوانك يعني المؤمنين.

والآن كيف نثبت أنّ إذن الحاكم الشرعي معتبر فإنّ هذه القضية للإمام عليه السلام فكيف يكون الربط ؟

إنه لابد من ضمّ ضميمةٍ وهي أن نقول:- وحيث إنّ الحاكم الشرعي قائم مقام الإمام عليه السلام في مثل هذه الأمور وما شاكلها فلابد وأن يكسب إذنه.

والكلام في مقام المناقشة تارةً يقع بلحاظ الدلالة وأخرى بلحاظ السند:-

أما من حيث الدلالة:- فربما يقال إنه لا يعلم أنّ موردها هو مجهول المالك إذ لا يوجد لفظٌ يدلّ على ذلك وغاية ما قال الراوي ( إني قد أصبت مالاً وإني قد خفت فيه على نفسي ولو أصبت صاحبه دفعته إليه ) ومن خلال هذا الكلام لا يثبت أنه مجهول المالك ، أو نقول:- صحيحٌ أنه كان مجهول المالك لدى من عثر عليه ولكن عند الإمام عليه السلام كان معلوم المالك بأن كان ماله عليه السلام بأن ضاع منه ولذلك قال:- ( والله ما لَهُ صاحبٌ غيري ) ، أو نقول:- هو من الأموال التي تكون لمنصب الإمامة ، فلعلّ هذا المال كان من جملة تلك الأموال التي هي للمنصب والإمام عليه السلام قال هو لي وقوله ( لي ) لا أنه مالكٌ شخصيٌّ له بل لمنصب الإمامة والرواية تلتئم مع هذا الاحتمال ، فكما تلتئم مع مجهول المالك تلتئم أيضاً مع افتراض أنه راجعٌ إلى الإمام إمّا بنحو الملك الشخصي أو بنحو ملكية المنصب ، فالرواية مجملة من هذه الناحية.

إن قلت:- لماذا لم يستفصل الإمام عليه السلام ؟

قلت:- إنَّ القضية هنا ليست كلّية وإنما هي قضية وواقعة جزئية حيث أصاب الشخص مالاً والإمام عليه السلام عرف هذا المال من دون أن يتكلّم ذلك الشخص ، فإذن لعلّ الامام عليه السلام كان يعرف خصوصيات هذه القضيّة وذلك المال فلذلك لم يستفصل بل قال:- ( ما لَهُ صاحبٌ غيري ) ، فإذن لا يمكن الجزم بأنّ مورد هذه الرواية هو من مجهول المالك المتعارف ويحتمل أنه مالٌ للإمام عليه السلام بنحو الملك الشخصي أو بنحو ملكية المنصب ، وحينئذٍ لا تنفعنا هذه الرواية في إثبات حكم مجهول المالك.

وأمّا من حيث السند:- فقد رواها الشيخ الكليني ( عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد[2] عن موسى بن عمر عن الحجّال عن دود بن ابي يزيد ) ، والمشكلة هي من ناحية موسى بن عمر فإنه مشترك بين جماعة بعضهم ثقة وبعضهم ليس كذلك وإلا فباقي الرواة كلهم من الثقات.

وهل يمكن التخلّص من هذه المشكلة ؟

ربما يقال:- إنّ الشيخ الصدوق(قده) قد رواها في الفقيه هكذا:- ( وروى الحجّال عن دود بن أبي يزيد )[3] ، ثم نقل نصّ الرواية ، وحينئذٍ نضمّ إلى ذلك ما في المشيخة فيثبت بذلك صحّة الطريق ولكنه طرقٌ إلى الشيخ الصدوق - لأن طريق الكليني فيه موسى بن عمر وهو مشترك - ، وهذا طريق جديد للشيخ الصدوق يبتدئ الرواية بالحجّال عن داود بن يزيد ثم نضمّ ما ذكره في مشيخته من السند بينه وبين الحجّال فيثبت بذلك تماميّة سند الرواية.

والجواب:- إنها من حيث الكبرى جيدة ومتينة ولكن بشرط أن يكون للشيخ الصدوق(قده) طريق في المشيخة للحجّال لم يذكر فيه موسى بن عمر ، ولكن لا يوجد في المشيخة طريقٌ للصدوق إلى الحجّال ، فإذن هذه المحاولة جيّدة من حيث الكبرى ولكن من حيث صغرى ليس لها مصداق في المقام.

إن قلت:- بإمكاني أن أحصّل طريقاً من الصدوق إلى الحجّال بحيث لا يمرّ بموسى بن عمر ، بل أذكر طريقين لا طريقاً واحداً:-

الطريق الأوّل:- وهو مذكور في فهرست الشيخ الطوسي(قده) في ترجمة الحجّال حيث قال:- ( له كتابٌ أخبرنا به الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه عن علي بن الحسن بن علي الكوفي عن ابيه عن الحجّال )[4] ، فإذن حصلنا على طريقٍ من الصدوق إلى الحجّال وصحيحٌ أنّ هذا الطريق ليس مذكوراً في مشيخة الفقيه ولكن وجدناه في فهرست الشيخ الطوسي لأنّ الطوسي يروي كتاب الحجّال عن المفيد والمفيد يرويه عن الصدوق والصدوق يذكر طريقه إلى الحجّال وبذلك عثرنا على طريق معتبر.

الطريق الثاني:- ما ذكره الصدوق(قده) في مشيخته في طريقه إلى داود بن أبي يزيد حيث قال:- ( وما كان فيه عن دواد بن أبي يزيد فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن أبي محمد الحجّال عن دود بن أبي يزيد )[5] ، فإذن حصلنا على طريقٍ من الصدوق إلى الحجّال ولكن ذكره في طرقه إلى داود بن أبي يزيد وهو طريقٌ معتبرٌ أيضاً فإنّ جميع رجال السند هم من الثقات.

إذن حصلنا على طريقين من الصدوق إلى الحجّال ، فإذا حصلنا على هذا الطريق نضمّه إلى تلك الرواية التي رواها الصدوق لأننا قلنا إنّ الصدوق روى نفس هذه الرواية وقال ( روى الحجّال عن داود بن أبي يزيد ) وقلنا أنه لا يوجد طريق إلى الحجّال في المشيخة ولكن عثرنا على طريقين بالشكل المذكور فهل هذا الكلام تامّ أو لا ؟ وهذا ما يعبّر عنه بالتعويض لأنّ فكرة التعويض لها مصاديق كثيرة وليست هي طريقة واحدة وهذا من أحد مصاديقها.

والجواب:- نحن نحتمل وجود نسختين لكتاب الحجّال لا نسخة واحدة ، ونحتمل أنّ إحدى النسختين وصلت إلى الصدوق بهذين الطريقين المعتبرين ولكن لا توجد هذه الرواية فيها - التي رواها في الفقيه عن الحجّال عن داود بن أبي يزيد - ، وتوحد نسخة ثانية توجد فيها هذه الرواية ولكن وصلت إلى الصدوق بطريقٍ آخر غير هذين الطريقين فيه موسى بن عمر فإنّ الشيخ الصدوق له طريق أيضاً إلى الحجّال يمرّ بموسى بن عمر وقد ذكره في مشيخة الفقيه عند بيان الطريق إلى صفوان بن مهران حيث ذكر طريقاً إلى الحجّال يمرّ بموسى بن عمر ، ونصّ عبارته:- ( وما كان فيه عن صفوان بن مهران الجمّال فقد رويته عن أبي رضي الله تعالى عنه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن عبيد الله بن محمد الحجّال عن صفوان بن مهران )[6] ، إن هذا الطريق إلى صفوان يدلل على أنّ الصدوق يروي عن الحجّال أيضاً بواسطة موسى بن عمر الذي كنّا نريد أن نفرّ منه.

إذن بالتالي نرجع إلى ما كنّا نقول وهو أنا نحتمل أنّ النسخة الثانية لكتاب الحجّال الذي وصل إلى الصدوق فيه هذه الرواية ولكن ذلك الطريق يمرّ بموسى بن عمر فإّن الشيخ الصدوق له طريق إلى الحجّال يمرّ بموسى بن عمر كما أوضحنا.

نعم لو فرض أنّ الرواية رواها الشيخ الصدوق عن داود بن أبي يزيد ثم ذكر في المشيخة طريقه إلى داود بن أبي يزيد وكان لا يمرّ بموسى بن عمر بل يمرّ بالعباس بن معروف كما نقلناه فهذا بنفسه يصير قرينةً على أنّ الرواية أخذها من داود بن أبي يزيد بهذا الطريق المذكور في المشيخة والذي لا يمرّ بموسى بن عمر ، ولكن بعدما فرض أنه رواها عن الحجّال والحجّال نحتمل أنّ لكتابه نسختين ولم يروها ابتداءً عن داود بن يزيد إحدى النسختين وصلت بطريقين معتبرين ولكن ليس فيها تلك الرواية وهناك نسخة ثانية فيها الرواية المقصودة ولكن تمرّ بموسى بن عمر بعد الالتفات إلى أنّ الصدوق يروي عن الحجّال بتوسّط موسى بن عمر كما قرأنا ذلك في طريقه إلى صفوان بن مهران ، فعلى هذه الأساس هذه المحاولة محلّ تأمل لما أشرنا إليه ، فإذن الرواية سنداً قد لا تخلو من تأمّل ، بل دلالةً كما ذكرنا.

ولكنا رغم ذلك نحتاط بلزوم استئذان الحاكم الشرعي لأجل هذه الرواية فإنها وإن لم تصلح للفتوى ولكن على مستوى الاحتياط شيء جيد ، مضافاً إلى نكتةٍ أخرى وهي أنّ مجهول المالك قد يكون شيئاً كثيراً وبالعنوان الثانوي جديرٌ بأن يضبط الفقيه الأمور فيكون التصرّف فيه من خلال إذنه فإنّ ذلك من أحد مناشئ قوّة المرجعية وتنظيم الأمور ، فبلحاظ هذا العنوان الثانوي - ولا نريد أن نجعله مستنداً للفتوى وإنما هو مستندٌ للاحتياط - فملاحظةً لكلا المطلبين المطلب الأوّل هو أنَّ هذه الرواية يحتمل أنها معتبرة السند وناظرة إلى مجهول المالك ، والثاني لأجل العنوان الثانوي الذي هو قد لا يخلو من وجاهة فلمجموع هذين الأمرين الاحتياط يقتضي استئذان الحاكم الشرعي.


[2] وهو ابن عيسى أو ابن خالد البرقي وهما ثقتان.