37/08/02


تحمیل

الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

الوجه الثاني:- إنّ الثمن يبذل واقعاً ازاء الجائزة المحتملة التي تخرج باسمي أنا الذي أشتري البطاقة ، فهذا الثمن إذن أدفعه واقعاً لهذا الهدف - أي الفوز بالجائزة - ، وبما أنّ الفوز بالجائزة شيء ليس جزمياً وإنما هو محتملٌ فيكون البيع آنذاك غررياً وباطلاً.

وإن شئت قلت:- إنه في باب البيع يلزم وجود مبيعٍ محرز ، وهنا المفروض أنّ المبيع هو الجائزة المحملة وهي ليست جزمية الآن فلعلّه أحصل عليها ولعله لا أحصل عليها ، فعلى هذا الأساس يلزم من ذلك بيع الغرر ز ومن هنا أيضاً قالوا إنّ بيع العبد الآبق باطل لأنه لا يجزم بوجوده وإمكان تسليمه إلا مع الضميمة ، فعلى هذا الأساس يكون البيع باطلاً من هذه الناحية فإن المال يبذل واقعاً ازاء تلك الجائزة المحتملة.

وقد تقول:- لِمَ لا نلتزم بأنّ البيع يمضى من حين تحقّق الجائزة ، فهو الآن يتحقّق ولكن امضاؤه يكون من حين تحقّق الجائزة ومعه فلا إشكال؟

قلت:- هذا شيء ممكن إلا أنه يحتاج إلى دليل وأدلة امضاء العقود تمضي العقود من حين تحقّق العقد والمفروض أنّ العقد تحقّق من الآن لا أنه يتحقّق بعد شهرٍ - يعني حينما تحصل الجائزة وتجري القرعة - ، فالعقد هو موجودٌ الآن فإمضاؤه لابدّ أن يكون من الآن ، وألا فإمضاؤه بعد ذلك شيء ممكن ولكن يحتاج إلى دليل وأدلة الامضاء قاصرة حيث تقول ﴿ أحل الله البيع ﴾[1] و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[2] والمستفاد منها الامضاء من حين تحقّق العقد ، و ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ أنّ البيع بمجرّد تحقّقه تثبت الحلّية ، أما أنّ العقد والبيع يتحقّق من الآن والحلّية والامضاء تتحقّق بعد ذلك فهذا شيءٌ ممكن ولكن لا يستفاد امضاؤه من الأدلة.

فإذن يكون شراء البطاقات باطلاً لهذا الوجه.

وفيه:- إنّ هذا خلطٌ بين الداعي وبين عنوان المبيع ، فالمبيع في الحقيقة هو الورقة ، فأنا أبذل الثمن مقابل الورقة الموجودة ولكن الذي جعلني أبذل هذا المال ازاء الورقة والعلّة والداعي الحقيقي هو احتمال حصول الجائزة لا أنّ الثمن أبذله مقابل نفس الجائزة ، كلا بل هذا داعٍ لا أنه بنفسه المبيع ، ولا ينبغي الخلط بين الداعي وبين المبيع فإنهما شيآن ، فعلى هذا الأساس لا مشكلة في البين.

ونفس الشيء يجري في بطاقة الطائرة والقطار فأنا حينما أشتريها لأجل زيارة الامام الرضا عليه السلام ولكن هل أذهب حقّاً للزيارة أو لا ؟ كلا بل الآن أخذ البطاقة وأرى فيما بعد ، ففي مثل هذه الحالة هل يحتمل أنّ هذا الشراء باطل لأنه بذلٌ للثمن مقابل ركوب الطائرة وأنت حتماً لا يجزم بأنّك سوف تركب الطائرة بل أمرك موقوفٌ على الاستخارة ممثلاً ، وهل يشكك شخصٌ بهذا الشكل ؟ كلا ، فزيارة الإمام عليه السلام هي الدّاعي لشراء البطاقة أمّا الثمن فأنا أبذله ازاء البطاقة ، فالبطاقة نفسها صارت لها مالية يتنافس عليها بين العقلاء لأنها تمكّن صاحبها من ركوب الطائرة ، فحينئذٍ أنا اشتري البطاقة والداعي إلى شرائها هو احتمال أني أزور الامام الرضا عليه السلام أو حتماً سوف أزوره لكنّ ذاك داعياً لا أنّه هو الذي بُذِل الثمن في مقابله ، فكما نقول في بطاقة الطائرة هكذا ففي مقامنا نقول هكذا أيضاً بلا فرق ، فهذا الوجه إذن باطل.

الوجه الثالث:- إنّ عنوان القمار صادق على الشراء المذكور ، حيث إنك تشتري البطاقة بهدف التسابق على حصول الجائزة المحتملة ، وهذا تسابقٌ على حصول الجائزة فيكون حينئذٍ مصداقاً للقمار ،والقمار محرّمٌ وباطلٌ معاً.

وفيه:- إنّ عنوان القمار مشروط كما ذكرنا سابقاً بالتغالب ، والتغالب هنا هل يقصد منه التغالب بلحاظ حصول الجائزة كما أخذ ذلك في بيان الوجه المذكور أو التغالب على شراء البطاقة ؟ فإذا كان المقصود على الشراء فلا تغالب على الشراء فإنّ البطاقات موجودة بكثرة ومبذولة فهي موجودة في محلات البيع بلا تغالب وأنت تذهب وتشتريها وذاك يذهب ويشتريها وهكذا فأين التغالب ؟!!

وإذا كان المقصود هو التغالب بلحاظ حصول الجائزة فجوابه واضح:- فإنّ الجائزة تحصل من خلال عملية القرعة ، يعني أنَّ اللجنة تجلس بجميع أعضائها أو البنك وتجري قرعةً بحسب الأرقام أو ما شاكل ذلك فلا يوجد تغالب بين المشترين في الحصول على الجائزة ، بل كلٌ من المشترين جالسٌ في داره بل لعلّه نائم ، فلا يوجد تغالب ، وإنما كلّ ما في البين هو أنّ البنك أو الشركة تجري عملية السحب والقرعة وهذا ليس بتغالبٍ ، فالتغالب غير متصوّر في المقام ، فالقمار ليس بصادق.

هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال:- إنّ صدق القمار موقوفٌ على عنوان اللعب ، يعني أنّ الأطراف لابد وأن يلعبوا بحيث يقدّم هذا الآلة القمارية ويجعلها بهذا الشكل أو ذاك - يعني يصدر منه تصرّفٌ - وهنا لا يحصل أي تصرّف خارجي من المشتري للبطاقة بل هو دفع الثمن وأخذ البطاقة وانتهى فأين اللعب الصادر منه خارجاً ؟!!

إذن نتمكن أن نقول لا يصدق عنوان القمار في المقام لجهتين ، الأولى:- أنه لا يوجد تغالب في البين لما أشرنا إليه لا بلحاظ الشراء ولا بلحاظ الجائزة ، والثانية:- ربما يقال إنّ عنوان لعب الأطراف مأخوذ في مفهوم القمار وهنا لا يوجد لعبٌ وعملٌ يصدر من المشتري بل الكلّ جالس في بيته ومجرّد شراء البطاقة لا يعدّ ممارسةً للّعب وما شاكل ذلك.

الوجه الرابع:- إنّ صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة قالت:- ( لا سبق إلا في خفٍّ أو حافر أو نصل يعني النضال ) ، ومقتضى هذه الصحيحة هو أنّ السبق والمسابقة والجائزة لا تصحّ إلا في الأمور الثلاثة المذكورة ، وعملية اليانصيب لا تشتمل لا على خفٍّ ولا على حافرٍ ولا على نصل.

وفيه:- إنا ذكرنا سابقاً أنّ الرواية لا يستفاد منها الحكم الالزامي سواء كان تكليفياً أو كان وضعياً - فلا يستفاد حرمة ولا بطلان - ، لأنّ ( لا سبَْق ) على كلا التقديرين الحرمة أو البطلان لا يمكن استفادتهما منه فإنّ التعبير المذكور يتلاءم مع الاثنين معاً - يعني مع البطلان ومع الصحة والجواز لكن بنحو الكراهة - ، فإذن هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها من هذه الناحية.

مضافاً إلى أنه أشرنا إلى احتمالٍ فيما سبق:- وهو أنّ يكون المقصود هو الحصر الاضافي ، أي بالإضافة إلى وسائل القتال ، أي بلحاظ وسائل القتال لا يصح التسابق أو لا يجوز إلا في هذه الأمور الثلاثة ، أما في غير وسائل القتال فالحديث لم ينظر إليها.

ويمكن أن نجيب ثالثاً - وهذا جواب جديد ولم يتقدّم سابقاً يرتبط بخصوص المورد -:- بأنّ الحديث ناظر إلى السبق والمسابقة والمفروض أنه في أوراق اليانصيب لا يوجد سبق ومسابقة بين الأطراف كما أشرنا إلى ذلك ، فلا مسابقة على الشراء كما أنّه لا مسابقة على حصول الجائزة فإنّ عملية تحصيل الجائزة لا تحصل من خلال مسابقة الأطراف المشترين بل من خلال إجراء أفراد الشركة أو البنك القرعة ، فموردنا خارج أصلاً من الحديث موضوعاً وتخصّصاً لأنه ناظر إلى السبق والمسابقة وفي مرودنا لا سبق ولا مسابقة.

الوجه الخامس:- إنّ شراء البطاقة سفهي لأنّه وإن كان يحتمل حصول الجائزة إلا أنّ هذا الاحتمال ضعيف ، يعني هو بقدر واحدٍ إلى مليون أو إلى مليونين مثلاً وهذا احتمال ضعيف فتكون المعاملة سفهية ، ولا يأتي الجواب والمناقشة بأنّ الباطل هو معاملة السفيه دون المعاملة السفهية لما أشرنا إليه من أنه يمكن أن يقال إنَّ المعاملة السفهية باطلة أيضاً لانصراف الأدلة عنها ، فإنّ أدلة الامضاء ناظرة إلى المعاملات العادية التي تكون عادةً عقلائية دون ما إذا كانت سفهية ، فعلى هذا الأساس هذه المعاملة سفهية فلا تكون مشمولة بدليل الامضاء.

ويردّه:- صحيح أنّ احتمال الفوز بالجائزة ضعيف ولكن المال المبذول ليس مالاً كبيراً حتى يلزم عنوان السفه ، فلو فرض أنه كان يبذل لشراء البطاقة مقدار عشرة دنانير مثلاً فهذا صحيح ، أمّا إذا كان البذل بمقدار ربع دينار كما في زماننا فهذا ازاء الاحتمال لا يكون سفهياً مادام الثمن ضئيلاً ، خصوصاً إذا ضممنا إلى ذلك أهمية المحتمل لأنّه بالتالي من خلال هذا البذل ربما أحصل على سيّارةٍ جيدة ، فهذا قد يقال إنه يخرج عن السفهية بسبب قلّة الثمن مع أهمية المحتمل.

إذن اتضح أنّ هذه الوجوه التي يمكن ذكرها لإبطال المعاملة المذكورة كلّها قابلة للمناقشة.

وينبغي أن نفصّل هكذا:- إنّ شراء البطاقة بنحوين ، فتارةً يبذل المشتري الثمن بإزاء نفس البطاقة بهدف الحصول على الجائزة وهذا صحيح ، وأخرى يكون بذل الثمن بإزاء نفس الجائزة المحتملة لا البطاقة وهذا باطل لما أشرنا إليه في الوجه الثاني ، هكذا ينبغي أن يفصّل في حكم الشراء لا كما فصّل السيد الماتن(قده) في مسألة( 41).