37/06/19
تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر - مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
الثانية:- رواية معمّر بن يحيى:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- إنّ معي بضائع للناس ونحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار فيحلّفونا عليها فنحلف لهم ، قال:- وددت أني أقدر على أن أجيز[1] أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها ، كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية )[2] .
وواضحٌ أنّ التركيب في عبارة ( فيه ضرورة ) فيه تأمل ، فلابد وأن يكون المقصود هكذا ( ما فيه ضرورة ) ، وهنا صاحب الوسائل(قده) نقلها من النوادر ولم ينقلها أحد غيره ، يعني أنّ هذه الرواية ليست موجودة في الكافي ولا في التهذيب ولا في غيرهما[3] ، فهذه الكتب الحديثية الموجودة عندنا لا توجد فيها هذه الرواية ، لأنه في هكذا موارد يمكن للشخص أن يراجع مصادر أخرى فيحسّن العبارة من خلالها ، ولكن هنا لا توجد مصادر أخرى لأن صاحب الوسائل نقلها من كتاب النوادر مباشرةً بهذا الشكل ، فلابد وأن يكون المقصود هو ( ما فيه ضرورة ) ، والظاهر أنّ هذا ليس بمهم لأنه لا يوجد احتمال ثانٍ ، فبالتالي الأمام عليه السلام يريد أن يقول إذا خاف المؤمن على نفسه في مطلبٍ فيه ضرورة فله فيه التقيّة ، فإذن لا مشكلة من ناحية هذه العبارة.
وتقريب الدلالة يحتاج إلى مقدّمتين:-
الأولى:- إنه عليه السلام قال ( فله فيه التقية ) ولم يقيّد التقية بأن يتقي على المال ، بل له أن يتقي مطلقاً لأنّ قوله عليه السلام ( له فيه التقية ) مطلقٌ - أو أن نقول حذف المتعلق يدل على العموم - ، فحينئذٍ معناه أنّ له التقيّة سواء كان ذلك الشيء مالاً أو حبساً للمؤمن أو أيّ ضررٍ يصيبه ، فأي ضررٍ يصيب المؤمن فالتقية حينئذٍ موجودة بمعنى أنه يجوز لك أن تدفع الضرر عنه والله عز وجل فتح لك باب التقيّة في هذا المورد ، وهذا لابدّ وأن نثبته وإلا إذا قلنا بأنه خاص بخصوص المال فهذه الرواية سوف لا تنفعنا لمدّعى الشيخ الأعظم(قده) لأنّ مدّعاه هو أنّ أي ضرر يصيب المؤمن يجوز لك أن ترتكب أي محرّم في سبيل نجاته منه سواء كان ذلك ضرر مالياً أو حبساً أو غير ذلك ، فإمّا أنه نتمسّك بالإطلاق ، أو نقول لنفترض أنّ موردها المال ولكن نلغي خصوصية المال لأنّ المال هو أقل شيءٍ اعتباراً بالنسبة إلى الإنسان المؤمن وإلا فحبسه وعِرضه أهمّ من ماله ، فإذن يمكن أن نتجاوز هذه المشكلة.
الثانية:- إنّ الإمام عليه السلام ذكر القاعدة وقال ( كلّما خاف المؤمن على نفسه ) ، ونحن نريد الخوف على غيره لا على نفسه ، ولأجل التغلّب على هذه المشكلة نقول:- إنّ المقصود هو الأعم بقرينة صدر الرواية ، حيث قال الإمام عليه السلام:- ( وددت أني أقدر على أن أجيز أموال المسلمين وأحلف عليها ) ثم ذكر هذه القاعدة فلابد وأن يصير المورد من مصاديق القاعدة ، وعلى هذا الأساس لابد وأن ونفسّر ( كلّما خاف المؤمن على نفسه ) بالمعنى الأعم ولو بأن نقول إنَّ المقصود بالنفس هنا المعنى الشامل للمؤمن الآخر ، فإن المؤمن هو نفس المؤمن الآخر ، فالمؤمنون واحدٌ ولا تعدّد بينهم وإنما التعدّد هو في الأبدان شكلاً وإلا فنحن واحدٌ ، فإذن لابد وأن نفسّره هكذا أو ما شاكل ذلك.
وفيه:- إنه لعلّه يناقش فيهما ولا أقل في المقدّمة الثانية حيث يقال يوجد تهافت بين مورد السؤال وبين مورد القاعدة التي طرحها الإمام عليه السلام ونحن لا نعرف حلّه فتبقى الرواية مشوشة من هذه الناحية وليست صالحة للاستدلال من هذه الناحية.
ولكن لو غضضنا النظر وسلّمنا بكلتا المتقدّمين يبقى أن غاية ما يستفاد منها أنّ الحلف يجوز لتخليص المؤمن من الضرر ، أما أنه تجوز مطلق المحرّمات حتى شرب الخمر كلي أنجي المؤمن فهذا لا يمكن أن يستفاد منها ، فإن موردها هو الحلف ، أمّا أكثر من ذلك فاستفادته شيء صعب.
اللهم إلا أن تقول:- إنّ الإمام عليه السلام قال:- ( فله فيه التقيّة ) ، والتقية قد تحصل بالحلف كاذباً وقد تحصل بشرب الخمر.
والجواب:- إنّ هذا تمسّك بالإطلاق ، ونحن نتوقّف في التمسّك بالإطلاق في مثل هذه الموارد؛ إذ مورد الرواية والحديث هو عن القَسَم والحلف ، فهناك قدر متيقّن في مقام التخاطب ، وحينئذٍ يشكل التمسّك بالإطلاق ، فإنّ المتكلّم لو ظهر وقال إنّ مقصودي هو خصوص الحلف لا التقيّة بأيّ شكلٍ من الأشكال فلا يعاب عليه ويقال له لماذا لم تقيّد ؟ فإنه يجيب ويقول:- إنّ حوارنا كان عن الحلف فأنا اعتمدت على ذلك ولم أقيد . فإذن التمسّك بالإطلاق أمرٌ مشكل.
هذا كلّه من ناحية دلالة الرواية.
وأمّا السند:- فطريق صاحب الوسائل(قده) إلى النوادر قد تقدّم الكلام عنه ، وبين أحمد بن محمد بن عيسى ومعمّر بن يحيى يوجد إرسالٌ ، لأنّ معمّر من أصحاب الأمام الباقر عليه السلام ، والأشعري من أصحاب الإمام الرضا والجواد عليهما السلام ولا يروي إلا بواسطة أو واسطتين لو لم تكن بثلاث وسائط ، فمثلاً الصدوق في المشيخة حينما يذكر طريقه إلى معمّر يقول:- ( أبوه[4] رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان عن معمر بن يحيى ).
فإذن بين معمّر بن يحيى وبين أحمد بن محمد بن عيسى ثلاث وسائط وهم ( الحسين بن سعيد وفضالة وحماد بن عثمان ) ، فإذن من البعيد أنه نقول هنا إن أحمد بن محمد بن عيسى يروي مباشرةً في النوادر عن معمّر بن يحيى فإنّ هذا لا يمكن ، نعم لو كان يروي بواسطةٍ واحدةٍ فنقول هذا ممكن فإنه يروي في بعض المرّات بواسطةٍ واحدةٍ وفي بعضها الآخر يروي مباشرةً ، أما لو كان الفارق ثلاث وسائط فمن البعيد أن يروي عنه بالمباشرة ، وحيث إنّ الوسائط مجهولة هنا فتصير الرواية مرسلة.
اللهم إلا أن تقول:- يمكن إن نأخذ بنفس طريق الصدوق(قده) ، حيث يمكن أن نطبق نظرية التعويض هنا فنقول:- إنه من خلال سند الصدوق يثبت أنّ أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن معمّر بن يحيى بهذا الطريق – وهو ( الحسن بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان عن معمّر ) -وهذا شيء لا بأس به.
ولكن تبقى مشكلة أخرى:- وهي من ناحية معمّر بن يحيى فإنه مردّد بين اثنين ، هما ابن بسّام وابن سام ، وقد وثق أحدهما من قبل النجاشي(قده) وهو ابن سام ، وأما ابن بسّام فقد ذكره الشيخ الطوسي(قده) من دون توثيق ، فعلى هذا الأساس لا نعرف أن هذا ابن بسّام أو ابن سام.
اللهم إلا أن تقول:- إنَّ بسّام وسام واحدٌ ، وإذا كان واحداً فقد ذكره النجاشي وقد وثقه ، وأما الشيخ فليس بناءه في الرجال على توثيق كلّ من يذكره ، وعلى هذا الأساس يمكن توثيق هذا الرجل.
إذن سند الرواية يحتاج إلى المساعدة من ثلاث جهات ، من جهة طريق صاحب الوسائل إلى النوادر فلابد وأن تحصل لنا اطمئناناً بالشكل الذي بيّناه في الرواية السابقة ، ومن خلال طريق الأشعري إلى معمّر فهنا لابد وأن نعوّض إذا قبلنا بطريق الصدوق ، ومن خلال حلّ مشكلة معمّر بن يحيى وهذا لابد وأن نتغلب عليه بالاطمئنان واستظهار الوحدة.
والخلاصة التي انتهينا إليها:- هي أنه لو تم السند يبقى الاشكال في الدلالة لما أشرنا إليه من أنّ غاية ما يستفاد منها هو جواز القَسَمِ كاذباً لدفع الضرر عن المؤمن ، أمّا ما زاد على ذلك فهو محل إشكال.
إن قلت:- إذن ماذا تصنع أنت في مثل هذا المورد فإنّ الشيخ الأعظم(قده) أعطى رأيه وعرفناه حيث قال يجوز ارتكاب أيّ محرّم في سبيل دفع الضرر عن المؤمن ، وقد استفاد هذا من رواية الاحتجاج ، ولكن نحن رفضنا رواية الاحتجاج ، وكذلك رفضنا هاتان الروايتان الواردتان في كتاب الأيمان فماذا نصنع في هذا المورد ؟
والجواب:- إذا فرض أنّ الأمر دار بين تكليفين إلزاميين فنطبّق حينئذٍ قواعد باب التزاحم ، كما لو فرض أنّ المؤمن كان إذا لم ارتكب المحرّم الإلهي فسوف أسجنه أنا ، فسجنه من قبلي محرّم ، وارتكاب شرب الخمر الذي به أدفع الضرر أيضاً محرّم ، فيدور الأمر بين محرّمين فنلاحظ هذا المحرّم - وكلّ موردٍ يختلف عن المورد الآخر - ونلاحظ ذاك المحرّم أيهما الأهم وأيهما محتمل الاهمية فنقدّمه حينئذٍ.
أما لو فرض أني لم أكن والياً بل كنت أنساناً أجنبياً وأنا لا أتصدّى لسجنه بل يسجنه السلطان أو الوالي ولكن أنا لو ذهبت إلى حفل السلطان فسوف أخلّص ذلك المؤمن آنذاك ، فهنا الأمر لا يدور بين تكليفين لأني لا أريد أن أسجن المؤمن بل السلطان يريد أن يسجنه ، نعم أنا بذهابي أخلّص المؤمن من السجن وتخليص المؤمن ليس بواجبٍ ، نعم التخليص من القتل لازم ، أما التخليص من السجن أو من خسارة الأموال فليس بلازم عليّ ، نعم بمقتضى الأخوة الايمانية أساعده وأنجيه ولكنه ليس بواجب ، فإذن في مثل هذه الحالة لا يدور الأمر بين تكليفين ، فإنّ شرب الخمر هو حرام عليّ أمّا تخليص المؤمن من الخسارة الماليّة أو السجن فليس بواجبٍ ، فلا يدخل المورد تحت باب التزاحم ، إلا إذا فرض أنّنا نعرف أن ذلك المؤمن سوف يموت إذا خسّر المال فهذا يجب من باب تخليص المؤمن من الموت ، أما إذا كان بهذا الشكل فلا يصير المورد من موارد التزاحم.
إذن اتضح أنّ المورد أحياناً يدخل تحت باب التزاحم وذلك إذا دار الأمر بين تكليفين إلزاميين ، وأحياناً لا يدخل تحت باب التزاحم كما إذا لم يدر بين تكليفين بل بين تكليفٍ وبين طرف آخر ليس فيه تكليف فحينئذٍ الحكم يكون هو البراءة كما ذكرنا.