37/02/03
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
17 ) حرمة الغناء - المكاسب
المحرمة -كتاب التجارة.
وفيه:- إنّ ما أفاده(قده) وجيهٌ في الجملة، يعني هو وجيهٌ وتام في مساحة ضيّقة وذلك فيما إذا اجتمع دليل الحكم للعنوان الأوّلي مع دليل الحكم للعنوان الثانوي، فأحدهما حكمٌ ثابتٌ للعنوان الأوّلي والثاني حكمٌ ثابتٌ للعنوان الثانوي، وأمّا إذا كان كلاهما أوّليّين - كما في المقام - فلا يأتي ما أفاده، بل تكون المعارضة مستحكمة آنذاك.
ومثال الذي كلاهما أوّليّين:- ما إذا فرض أنّ أحد الدليلين كان يقول ( كُل الجبن أوّل الشهر )، والثاني كان يقول ( لا تتناول الحليب ومشتقاته )، فكلاهما حكمان ثابتان للعنوان الأوّلي، فتحصل معارضة بينهما لأنّ الأوّل مطلقٌ والثاني مطلقٌ أيضاً - يعني حتى إذا كان جبناً وفي أوّل الشهر -، فالمعارضة حينئذٍ تكون ثابتة، ولا نقول إنّ الأوّل ناظر إلى العنوان بقطع النظر عن العوارض فإنّ هذا الكلام لا يأتي هنا بل المعارضة تكون تامّة آنذاك.
نعم هو يتمّ إذا كان أحدهما أوّلياً والآخر ثانويّاً، كما إذا قال الدليل الأوّل ( كلّ الجبن أوّل الشهر ) قال الدليل لثاني ( لا تسرق ) أو ( لا تتناول المضر ) أو ( لا تتناول المغصوب )، فهنا الدليل الثاني ناظر إلى العنوان الثانوي لأنّ الغصب والضرر عنوان ثانويّ، فهنا يمكن أن نقول إنَّ الدليل الأوّل الذي قال ( كل الجبن أوّل الشهر ) يعني بعنوان كونه جبناً وفي أوّل الشهر أمّا إذا كان غصباً أو فاسداً فهذا ليس منظوراً إليه.
وكلام الشيخ الأعظم(قده) يتم في هذه المساحة، ولا يتم فيما إذا كان كِلا العنوانين أوّليّين، وفي مقامنا كِلا العنوانين أوّلياً لأنّ أحد الدليلين يقول ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) وهذا حكمٌ أوّلي لعنوانٍ اوّلي، والثاني يقول ( كلّ غناء حرام ) وهذا ايضاً حكمٌ أوّلي للعنوان الأوّلي، فكلاهما ثابتان للعنوان الأوّلي فلا يأتي ما أفاده (قده)، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
وحصيلة ما ذكرته:- إنّ الكبرى التي أفادها الشيخ الأعظم(قده) - يعني إذا كان أحد الحكمين إباحة والآخر تحريماً قدم التحريم على الإباحة - تامّة إذا كان دليل التحريم ثابتاً للعنوان الثانوي، أمّا إذا كان ثابتاً للعنوان الأوّلي - كالدليل الأوّلي للإباحة أو الاستحباب - فهنا لا يأتي ما أفاده، فالكبرى ينبغي أن نلتفت إليها وأنها ليست تامّة بعرضها العريض بل هي تامّة فيما إذا كان أحد العنوانين أوّلياً والآخر ثانويّاً.
وفي مقامنا - وهو الحثُّ على قراءة القرآن بألحان العرب أو بالصوت الحسن - هو حكم ثابت للعنوان الأوّلي، ودليل حرمة الغناء أيضاً حكم ثابت للعنوان الأوّلي، فلا يتمّ ما أفاده(قده).
والأجدر في مقام الجواب أن يقال:- إنّ هذه المعارضة تامّة لو فرض أنّ المقابل لدليل حرمة الغناء كان دليلاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة - يعني بحيث كان المقابل لدليل حرمة الغناء هو دليل حرمة القرآن بالصوت الحسن وحده أو كان معه دليلٌ آخر فهنا تصير المعارضة تامّة -، أمّا لو فرض أنّ المقابل له أدلة متعدّدة بحيث لو قدّمناها عليه يلزم التخصيص المستهجن أو المقطوع ببطلانه فهنا لا تتقدّم تلك الأدلة بل يتقدّم دليل حرمة الغناء.
وتعال إلى مقامنا لنلاحظ المقابل لدليل حرمة الغناء ما هو ؟ إنَّ أحدها هو الذي أبرز في الشبهة - وهو ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) - ويوجد دليل ثاني وثالث واربع وهو ما دلّ على تحسين الصوت في قراءة المراثي على الحسين وعلى أهل البيت عليهم السلام وقراءة الأدعية والمناجاة والتحدّث مع المؤمن فإنّ المطلوب من المؤمن أن يتحدّث مع المؤمن الآخر بالصوت الحسن، .... وهكذا.
فإذن من هذا القبيل يمكن أن نستخرج أدلّة متعدّدة تدلّ على رجحان التحدّث بالصوت الحسن وفي موارد متعدّدة، وحينئذٍ نقول تحصل معارضة بين دليل حرمة الغناء وبين هذه الأدلة، فإذا قدّمنا دليل حرمة الغناء عليها لا يلزم أي محذور وأقصى ما يلزم هو تخصيصها بغير الغناء، يعني أنَّ المناجاة محبوبة بالصوت الحسن لكن غير الغنائي، وقراءة الدعاء محبوبة بالصوت الحسن ولكن غير الغنائي .... وهكذا، ولا محذور في هذا التقييد.
أما لو فرض أنا أردنا أن نقدّم تلك الأدلة على دليل حرمة الغناء فإنّه يلزم التخصيص الكثير أو المقطوع ببطلانه، فمثلاً يلزم أن يكون التحدّث مع المؤمن بطريقة الغناء ليس بمحرّمٍ، وهكذا المناجاة مع الله عزّ وجل والمراثي وغير ذلك، إنّ هذا إمّا أن يلزم منه محذور التخصيص المستهجن أو يلزم منه التخصيص المقطوع ببطلانه.
وقد استعنّا في هذا البيان بقضيتين:-
الأولى:- إنّ المقابل لدليل حرمة الغناء ليس هو دليل ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) فقط بل توجد جملة من الأدلة - حتى دليل رجحان التحدّث مع المؤمن بالصوت الحسن فإنّ هذا مطلوبٌ بلا إشكال -، فالأدلة متعددة.
الثانية:- وهي مستبطنة - ولم نسلط الأضواء عليها لكنّها قد اتضحت من خلال كلامنا[1] - وهي أنّه كلّما كان عندنا دليلان متعارضان وكان تقديم أحدهما يلزم منه التخصيص المستهجن أو المقطوع ببطلانه بينما تقديم الآخر لا يلزم منه ذلك فالعرف في مثلة يقضي بلزوم تقديم الذي لا يلزم من تقديمه محذور.
واتضح أنّ أصل الشبهة من أين نشأت ؟ إنّها نشأت من تخيّل أنّ المعارض لدليل حرمة الغناء واحدٌ لأنّا كنّا نضع ( اقرأ القرآن بألحان العرب ) فقط مام أعيينا ونقول صحيحٌ أنّه توجد معارضة فماذا نصنع ؟، أما بعد أن نبرز المقابل لدليل حرمة الغناء وكونه أموراً متعدّدة وليس هو ( اقرأ القرآن بألحان العرب ) فقط فلا تأتي هذه الشبهة.
وسوف يأتي تفصيل أكثر لهذا الكلام حينما نصل إلى عبارة الماتن(قده) التي تقول:- ( ولا فرق في حرمة الغناء بين أن يكون في كلام حقٍّ أو باطل ) وكلّ ما تقدم هو موجزٌ لما سوف يأتي.
وبهذا ننهي حديثنا في النقطة الأولى التي تشتمل عليها المسألة، - وهي أنّ الغناء محرّمٌ -، فنحن الآن أثبتنا حرمته واتضح أنّه ثابت الحرمة لا بالآيات ولا بالروايات - وربما يتمّ بالروايات بناءً على طريقٍ قد أشرنا إليه -، ولكن الدليل المهم كما أشرنا هو أنّ المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً .... الخ، وتفصيل الكاشاني والسبزواري قابلٌ للتأمّل كما أوضحنا.
النقطة الثانية:- الغناء المحرّم هو ما إذا كان على وجه اللهو والباطل - أي أنّ الكيفية كانت لهويّة -.
ونطرح سؤالاً:- وهو أنّه هل الغناء بشكلين حتى نحتاج إلى احترازٍ ؟ يعني هل الغناء تارةً يكون بكيفيةٍ لهويّة وأخرى لا يكون بكيفية لهوية حتى يقيد(قده) ويقول إذا كان على وجه اللهو والباطل - أي بكيفية لهوية - فهو حرام ؟ أو أنّ الصوت يقع بشكلين ؟ يعني أوليس المناسب أن لا يقول:- ( الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو ) بل يقول ( الصوت إذا وقع على وجه اللهو فو محرّمٌ ) كما صنع ذلك الشيخ الأعظم(قده) فإنّ الصوت قيّده بأنّ لا يكون لهوياً لا الغناء ونصّ عبارته:- ( وبالجملة فكلّ صوتٍ يعدّ في نفسه - مع قطع النظر عن الكلام المتصوَّت به - لهواً وباطلاً فهو حرام )[2]، فكيف قيّد السيد الماتن(قده) في عبارة المتن بأنّه يحرم الغناء إذا كان على وجه اللهو والباطل ؟
والجواب:- إنّ في ذلك احتمالين:-
الأوّل:- ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أنّ الغناء في لغة العرب على خلافه في يومنا هذا، فإنه في عصرنا صار الغناء[3] مختصّاً بما كان بكيفية أهل الفسق والفجور - يعني الكيفية التي تلهي عن ذكر الله عزّ وجلّ - وعليه فلا يمكن أن نجري أصالة عدم النقل، أمّا في الزمان المتقدّم فلا، بل هم يذكرون معانٍ متعدّدةٍ للغناء منها الصوت، ومدّ الصوت، والصوت الحسن، والشيخ الأعظم(قده)[4] نقل ما قيل في معنى الغناء.
إذن معنى الغناء في الزمان القديم عند العرب غير ما هو عندنا الآن، فإذا كان يأتي بمعنى الصوت أو الصوت الحسن فتقييده(قده) هنا قد لوحظ فيه أنّ الغناء عبارة عن الصوت - أي المعنى اللغوي - فتنحلّ المشكلة في العبارة.
وفيه:- إنّ ما أفاده(قده) وجيهٌ في الجملة، يعني هو وجيهٌ وتام في مساحة ضيّقة وذلك فيما إذا اجتمع دليل الحكم للعنوان الأوّلي مع دليل الحكم للعنوان الثانوي، فأحدهما حكمٌ ثابتٌ للعنوان الأوّلي والثاني حكمٌ ثابتٌ للعنوان الثانوي، وأمّا إذا كان كلاهما أوّليّين - كما في المقام - فلا يأتي ما أفاده، بل تكون المعارضة مستحكمة آنذاك.
ومثال الذي كلاهما أوّليّين:- ما إذا فرض أنّ أحد الدليلين كان يقول ( كُل الجبن أوّل الشهر )، والثاني كان يقول ( لا تتناول الحليب ومشتقاته )، فكلاهما حكمان ثابتان للعنوان الأوّلي، فتحصل معارضة بينهما لأنّ الأوّل مطلقٌ والثاني مطلقٌ أيضاً - يعني حتى إذا كان جبناً وفي أوّل الشهر -، فالمعارضة حينئذٍ تكون ثابتة، ولا نقول إنّ الأوّل ناظر إلى العنوان بقطع النظر عن العوارض فإنّ هذا الكلام لا يأتي هنا بل المعارضة تكون تامّة آنذاك.
نعم هو يتمّ إذا كان أحدهما أوّلياً والآخر ثانويّاً، كما إذا قال الدليل الأوّل ( كلّ الجبن أوّل الشهر ) قال الدليل لثاني ( لا تسرق ) أو ( لا تتناول المضر ) أو ( لا تتناول المغصوب )، فهنا الدليل الثاني ناظر إلى العنوان الثانوي لأنّ الغصب والضرر عنوان ثانويّ، فهنا يمكن أن نقول إنَّ الدليل الأوّل الذي قال ( كل الجبن أوّل الشهر ) يعني بعنوان كونه جبناً وفي أوّل الشهر أمّا إذا كان غصباً أو فاسداً فهذا ليس منظوراً إليه.
وكلام الشيخ الأعظم(قده) يتم في هذه المساحة، ولا يتم فيما إذا كان كِلا العنوانين أوّليّين، وفي مقامنا كِلا العنوانين أوّلياً لأنّ أحد الدليلين يقول ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) وهذا حكمٌ أوّلي لعنوانٍ اوّلي، والثاني يقول ( كلّ غناء حرام ) وهذا ايضاً حكمٌ أوّلي للعنوان الأوّلي، فكلاهما ثابتان للعنوان الأوّلي فلا يأتي ما أفاده (قده)، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
وحصيلة ما ذكرته:- إنّ الكبرى التي أفادها الشيخ الأعظم(قده) - يعني إذا كان أحد الحكمين إباحة والآخر تحريماً قدم التحريم على الإباحة - تامّة إذا كان دليل التحريم ثابتاً للعنوان الثانوي، أمّا إذا كان ثابتاً للعنوان الأوّلي - كالدليل الأوّلي للإباحة أو الاستحباب - فهنا لا يأتي ما أفاده، فالكبرى ينبغي أن نلتفت إليها وأنها ليست تامّة بعرضها العريض بل هي تامّة فيما إذا كان أحد العنوانين أوّلياً والآخر ثانويّاً.
وفي مقامنا - وهو الحثُّ على قراءة القرآن بألحان العرب أو بالصوت الحسن - هو حكم ثابت للعنوان الأوّلي، ودليل حرمة الغناء أيضاً حكم ثابت للعنوان الأوّلي، فلا يتمّ ما أفاده(قده).
والأجدر في مقام الجواب أن يقال:- إنّ هذه المعارضة تامّة لو فرض أنّ المقابل لدليل حرمة الغناء كان دليلاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة - يعني بحيث كان المقابل لدليل حرمة الغناء هو دليل حرمة القرآن بالصوت الحسن وحده أو كان معه دليلٌ آخر فهنا تصير المعارضة تامّة -، أمّا لو فرض أنّ المقابل له أدلة متعدّدة بحيث لو قدّمناها عليه يلزم التخصيص المستهجن أو المقطوع ببطلانه فهنا لا تتقدّم تلك الأدلة بل يتقدّم دليل حرمة الغناء.
وتعال إلى مقامنا لنلاحظ المقابل لدليل حرمة الغناء ما هو ؟ إنَّ أحدها هو الذي أبرز في الشبهة - وهو ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) - ويوجد دليل ثاني وثالث واربع وهو ما دلّ على تحسين الصوت في قراءة المراثي على الحسين وعلى أهل البيت عليهم السلام وقراءة الأدعية والمناجاة والتحدّث مع المؤمن فإنّ المطلوب من المؤمن أن يتحدّث مع المؤمن الآخر بالصوت الحسن، .... وهكذا.
فإذن من هذا القبيل يمكن أن نستخرج أدلّة متعدّدة تدلّ على رجحان التحدّث بالصوت الحسن وفي موارد متعدّدة، وحينئذٍ نقول تحصل معارضة بين دليل حرمة الغناء وبين هذه الأدلة، فإذا قدّمنا دليل حرمة الغناء عليها لا يلزم أي محذور وأقصى ما يلزم هو تخصيصها بغير الغناء، يعني أنَّ المناجاة محبوبة بالصوت الحسن لكن غير الغنائي، وقراءة الدعاء محبوبة بالصوت الحسن ولكن غير الغنائي .... وهكذا، ولا محذور في هذا التقييد.
أما لو فرض أنا أردنا أن نقدّم تلك الأدلة على دليل حرمة الغناء فإنّه يلزم التخصيص الكثير أو المقطوع ببطلانه، فمثلاً يلزم أن يكون التحدّث مع المؤمن بطريقة الغناء ليس بمحرّمٍ، وهكذا المناجاة مع الله عزّ وجل والمراثي وغير ذلك، إنّ هذا إمّا أن يلزم منه محذور التخصيص المستهجن أو يلزم منه التخصيص المقطوع ببطلانه.
وقد استعنّا في هذا البيان بقضيتين:-
الأولى:- إنّ المقابل لدليل حرمة الغناء ليس هو دليل ( اقرأ القرآن بالصوت الحسن ) فقط بل توجد جملة من الأدلة - حتى دليل رجحان التحدّث مع المؤمن بالصوت الحسن فإنّ هذا مطلوبٌ بلا إشكال -، فالأدلة متعددة.
الثانية:- وهي مستبطنة - ولم نسلط الأضواء عليها لكنّها قد اتضحت من خلال كلامنا[1] - وهي أنّه كلّما كان عندنا دليلان متعارضان وكان تقديم أحدهما يلزم منه التخصيص المستهجن أو المقطوع ببطلانه بينما تقديم الآخر لا يلزم منه ذلك فالعرف في مثلة يقضي بلزوم تقديم الذي لا يلزم من تقديمه محذور.
واتضح أنّ أصل الشبهة من أين نشأت ؟ إنّها نشأت من تخيّل أنّ المعارض لدليل حرمة الغناء واحدٌ لأنّا كنّا نضع ( اقرأ القرآن بألحان العرب ) فقط مام أعيينا ونقول صحيحٌ أنّه توجد معارضة فماذا نصنع ؟، أما بعد أن نبرز المقابل لدليل حرمة الغناء وكونه أموراً متعدّدة وليس هو ( اقرأ القرآن بألحان العرب ) فقط فلا تأتي هذه الشبهة.
وسوف يأتي تفصيل أكثر لهذا الكلام حينما نصل إلى عبارة الماتن(قده) التي تقول:- ( ولا فرق في حرمة الغناء بين أن يكون في كلام حقٍّ أو باطل ) وكلّ ما تقدم هو موجزٌ لما سوف يأتي.
وبهذا ننهي حديثنا في النقطة الأولى التي تشتمل عليها المسألة، - وهي أنّ الغناء محرّمٌ -، فنحن الآن أثبتنا حرمته واتضح أنّه ثابت الحرمة لا بالآيات ولا بالروايات - وربما يتمّ بالروايات بناءً على طريقٍ قد أشرنا إليه -، ولكن الدليل المهم كما أشرنا هو أنّ المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً .... الخ، وتفصيل الكاشاني والسبزواري قابلٌ للتأمّل كما أوضحنا.
النقطة الثانية:- الغناء المحرّم هو ما إذا كان على وجه اللهو والباطل - أي أنّ الكيفية كانت لهويّة -.
ونطرح سؤالاً:- وهو أنّه هل الغناء بشكلين حتى نحتاج إلى احترازٍ ؟ يعني هل الغناء تارةً يكون بكيفيةٍ لهويّة وأخرى لا يكون بكيفية لهوية حتى يقيد(قده) ويقول إذا كان على وجه اللهو والباطل - أي بكيفية لهوية - فهو حرام ؟ أو أنّ الصوت يقع بشكلين ؟ يعني أوليس المناسب أن لا يقول:- ( الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو ) بل يقول ( الصوت إذا وقع على وجه اللهو فو محرّمٌ ) كما صنع ذلك الشيخ الأعظم(قده) فإنّ الصوت قيّده بأنّ لا يكون لهوياً لا الغناء ونصّ عبارته:- ( وبالجملة فكلّ صوتٍ يعدّ في نفسه - مع قطع النظر عن الكلام المتصوَّت به - لهواً وباطلاً فهو حرام )[2]، فكيف قيّد السيد الماتن(قده) في عبارة المتن بأنّه يحرم الغناء إذا كان على وجه اللهو والباطل ؟
والجواب:- إنّ في ذلك احتمالين:-
الأوّل:- ما أشرنا إليه سابقاً، وهو أنّ الغناء في لغة العرب على خلافه في يومنا هذا، فإنه في عصرنا صار الغناء[3] مختصّاً بما كان بكيفية أهل الفسق والفجور - يعني الكيفية التي تلهي عن ذكر الله عزّ وجلّ - وعليه فلا يمكن أن نجري أصالة عدم النقل، أمّا في الزمان المتقدّم فلا، بل هم يذكرون معانٍ متعدّدةٍ للغناء منها الصوت، ومدّ الصوت، والصوت الحسن، والشيخ الأعظم(قده)[4] نقل ما قيل في معنى الغناء.
إذن معنى الغناء في الزمان القديم عند العرب غير ما هو عندنا الآن، فإذا كان يأتي بمعنى الصوت أو الصوت الحسن فتقييده(قده) هنا قد لوحظ فيه أنّ الغناء عبارة عن الصوت - أي المعنى اللغوي - فتنحلّ المشكلة في العبارة.