31/10/15
تحمیل
الموضوع: مراسيل الشيخ الصدوق .
ذكرنا انه يوجد هناك مطلبان رجاليان نذكرهما في نهاية المسألة السابقة وهما عدة الشيخ الكليني وقد تقدم ذكره، والآن نذكر المطلب الثاني وهو مراسيل الشيخ الصدوق
مراسيل الشيخ الصدوق
هناك قول يرى ان مراسيل الشيخ الصدوق حجة اما مطلق او على تفصيل سنشير اليه، وقد يوجّه ذلك باحد الوجهين التاليين
المحاولة الاولى
تصحيح جميع روايات الفقيه
وهي محاولة تصحيح جميع روايات الفقيه من دون فرق بين المراسيل وغيرها فاذا صححنا جميع روايات الكتاب المذكور دخلت المراسيل ضمنا وثبتت حجيتها ، اما كيف نثبت حجية روايات الكتاب المذكور فذلك ببيانين
البيان الاول: ان الشيخ الصدوق ذكر في كتابه المبارك اني لااذكر في هذا الكتاب الاّ ما افتي به واحكم بصحته ويكون حجة بيني وبين ربي عزوجل، ونص عبارته: ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع كارووه بل قصدت الى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره
اذاً بمقتضى هذه العبارة هو لايذكر الا ماكان صحيح السند، وهكذا لايذكر الا ما يقطع به ويكون حجة بينه وبين ربه عزوجل فهذا يعني ان جميع روايات الفقيه صحيحة السند ومقطوع بصدورها بشهادة الشيخ الصدوق وهذه ميزة يختص بها هذا الكتاب الجليل فاذا تم هذا فسوف تثبت حجية المراسيل لانها من جملة مايقطع به فهي مقطوعة الصدور فتكون حجة
وفيه: ان كلمة لااذكر الاّ ما احكم بصحته وان كانت دالة على انه لا يذكر الاّصحيح السند، ولكن الصحة في المصطلح القديم تغاير الصحة في المصطلح المعاصر ففي مصطلحنا المعاصر تعني الخبر الذي يكون رواته عدولاً من الامامية، واما في المصطلح القديم فهو الخبر الذي يقطع به ولو لاجل قرائن تجمع من هنا وهناك، فاذا قطع بصدور الخبر كان ذلك صحيحا في المصطلح القديم فاذا كان هذا هو المقصود من الصحيح في المصطلح القديم فهذا لاينفعنا فلعله استند الى قرائن لو اطلعنا عليها لما قبلناها
وبكلمة اخرى: شهادة العادل بوثاقة شخص هي معتبرة اما قطعه بصدور الخبر لقرائن هو يراها تامة فذلك القطع حجة عليه فقط ولايكون حجة علينا، واذا اردنا ان نقول اكثر فهو حجة عليه وعلى مقلديه اما نحن فلايكون قطعه حجة علينا، ومنه يتضح ان قوله: لااذكر الا مايكون حجة بيني وبين ربي هو لاينفعنا لان اقصى مايذكر من هذا الكلام لايذكر الا ما هو مقطوع، وان قطع فقيه لايكون حجة على فقيه اخر كما اوضحناه
ان قلت: هذا وجيه لو ثبت ان الصحيح في المصطلح القديم يغاير الصحيح في المصطلح المعاصر، ولكن كيف تثبت ذالك؟
قلت: المراجعة والتتبع يشهدان بذالك، فهو احتمال ثابت ومع الاحتمال فيكفينا ذالك في سقوط عبارته عن التمسك بها كدليل على صحة جميع روايات الكتاب
البيان الثاني: عبارته الاخرى المذكورة في نفس المقدمة ايضا، حيث ذكر ان روايات كتابه قد اخذها من كتب مشهورة عليها المعوّل والمعتمد من قبيل كتاب حريز وغيره حيث قال ما نصه: وجميع مافيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن على الحلبي و... الخ
وما دامت روايات الكتاب المذكور مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول والاعتماد فلانحتاج انذاك الى سند صحيح، فمثلا لو فرض ان شخصا ينقل رواية من كتاب الكافي فلانساله عن السند للشيخ الكليني باعتبار ان كتاب الكافي لايحتاج الى سند بعد كونه من الكتب المشهورة، ولاجل هذه العبارة قديقال نحن لانحتاج الى مشيخة الشيخ الصدوق المذكورة في اخر الفقيه وملاحظة ان طريقه الى اصحاب الاصول التي ينقل عنها هل هو صحيح او لا، كلا لانحتاج الى ذلك لان الاصول والكتب التي ينقل عنها هي مشهورة حسب الفرض ولاحاجة بعد الشهرة الى طريق لتلك الكتب، نعم نحتاج الى طريق صحيح بين اصحاب الكتب وبين الامام (عليه السلام) فلو كان صاحب الاصل ينقل الرواية عن الامام (عليه السلام) بسند معنعن فلابد من ملاحظة ذلك السند الذي هو بين صاحب الاصل والامام (عليه السلام) اما بين الشيخ الصدوق وصاحب الاصل فلانحتاج الى طريق صحيح لفرض شهرة تلك الكتب كما هو الحال في كتاب الكافي فانه بعد شهرته فلانحتاج الى طريق بين الناقل والشيخ الكليني لانه مشهور حسب الفرض وانما نحتاج الى طريق صحيح بين الشيخ الكليني والامام (عليه السلام).
وبالجملة بناء على هذا البيان سوف تكون جميع روايات الفقيه معتبرة وتدخل في ذلك المراسيل، ويترتب على هذا البيان ايضا انا لانحتاج الى طريق بين الشيخ الصدوق وبين اصحاب تلك الاصول بعد فرض شهرة تلك الكتب
وفيه: نسلم ان تلك الكتب مشهورة ولكن شهرة الكتاب لاتعني شهرة جميع نسخه فانه ربما يكون اصل الكتاب مشهورا بيد ان النسخ مختلفة وشهرت ذلك الكتاب لاتعني ان جميع النسخ مشهورة فلابد من اثبات صحة النسخة المنقول عنها
ان قلت: نحتاج للنقل عن كتاب الكافي الى طريق لاثبات صحة الكافي المنقول عنه
قلت: هذا قياس مع الفارق فان كتاب الكافي قد توجهت اليه الانظار بشكل مكثف منذ ذالك الزمان القديم الى يومنا هذا فلو كان هناك اختلاف في نسخه لاشتهر ذلك وبان، فيحصل الجزم بعدم اختلاف نسخه فلانحتاج الى طريق لاثبات صحة النسخة بعد الجزم باتفاق النسخ بقاعدة لو كان هناك اختلاف لبان اذ قد فرض تراكم الانظار على الكتاب المذكور، وهذا بخلاف الكتب الاخرى فانها ليست محلا للانظار بهذا الشكل
مضافا الى ان شهرة الكتاب لاتعني ان كل ما فيه صحيح فكتاب الكافي هو من الكتب المعتمدة ولكن هذا لايعني ان جميع رواياته صحيحة وان نسب الى شيخ المحققين النائيني ان المناقشة في اسانيد الكافي حرفة العاجز ولكن هذه المقولة نرفضها اشد الرفض وعليه نبقى بحاجة الى سند لااقل بين صاحب الاصل وبين الامام (عليه لسلام) ولاناخذ بكل رواية من دون الفحص عن سندها
المحاولة الثانية
تصحيح خصوص المراسيل
وهي محاولة لتصحيح خصوص المراسيل لاتصحيح جميع روايات الفقية، ولكن على تفصيل حاصله: ان الصدوق قد برزت عنده ظاهرة الارسال فكثيرا ما يقول قال الباقر (عليه السلام) او قال الصادق (عليه السلام) وهذه الظاهرة اختص بها من بين المحمدين الثلاثة فلاتوجد هذه الظاهرة لدى الشيخ الكليني ولاللشيخ الطوسي كظاهرة بارزة
وكذا لوحظ على الشيخ الصدوق انه تارة يقول روي عن الصادق (عليه السلام) وتارة يقول (قال) ان في هذا المجال يوجد تفصيل وهو متى ماعبر الشيخ الصدوق (قال) فالرواية معتبرة رغم انها مرسلة بينما لو عبر بكلمة (روي) فلا تكون معتبرة
السيد الخوئي هو ممن بنى على هذا التفصيل في زمان سالف فاذا رجعنا الى الدراسات الجزء الثالث ص 497 وجدناه يني على هذا التفصيل ويقربه هكذا: ان التعبير بكلمة قال يدل على جزم الشيخ الصدوق بصدور الرواية اذ لو لم يكن جازما فكيف ينسب الى الامام (عليه السلام) ويقول قال فلابد وان يكون جازما حتى يصح له التعبير بكلمة قال وهذا بخلاف ما لو عبر بكلمة روي فانه لايدل على الجزم وما دام تعبير قال يدل على الجزم فيكون النقل معتبرا لفرض انه جازم، هذا ما ذكر في الدراسات
والاشكال عليه: ان جزم الصدوق حجة عليه وعلى مقلديه وليس علينا الذين لانقلده وغريب صدور هذا من السيد الخوئي (قده)
وقد يعمّق هذا البيان بشكل اكثر فنّيا فيقال: ان الشيخ الصدوق اذا كان جازما فجزمه اذا كان ناشئا من حدس فلايكون حجة عليه واما اذا كان ناشئا من حس فيكون حجة علينا، وكلما دار الامر بين الحس والحدس فباصالت الحس العقلائية يثبت ان النقل هو عن حس فيكون حجة علينا، واذا سألت عن مدرك اصالة الحس فنقول هم العقلاء والسيرة العقلائية فلو جاء شخص وقال فلان جاء من السفر فهل نقول له مدركك الحس او الحدس بل ناخذ بخبره من دون التدقيق من هذه الناحية وهذا معناه البناء على اصالة الحس وان العقلاء يبنون على اصالة الحس في مورد التردد بين الحس والحدس.