جلسة 157
الكفارات
هذا وقد يقال: إنّ موثقة زرارة وصحيحته هما في الواقع رواية واحدة، والوجه في وحدتهما أنّ الصحيحة قالت: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة»[1]، ومرجع اسم الإشارة الوارد فيها ـ وهو كلمة (ذلك) ـ يدور بين احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول: أن يكون هو الغياب، فيكون التقدير هكذا: فإن رأيت القرص بعد أن غاب...، وهذا الاحتمال بعيدٌ جداً، إذ بعد غيابه كيف يمكن أن يُرى من جديد؟ إنّه غير ممكن إلا في حادثة ردِّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام.
الاحتمال الثاني: أن يكون المرجع هو العلم الوجداني، فيقال: إذا علمت 100% ورأيته بعد ذلك أعدت الصلاة، وهذا الاحتمال كسابقه بعيدٌ جداً ولا يمكن التعويل عليه، إذ عادة بعد العلم الوجداني لا يُرى القرص من جديد.
الاحتمال الثالث: أن يكون المرجع هو الظنّ المعتبر، فيقال: فإن رأيته بعد أن ظننت ظنّاً معتبراً أعدت الصلاة، وهذا هو الاحتمال الأقرب والمقبول.
ولقائل أن يقول: إنّ من المحتمل كون المرجع هو مطلق الظنّ وإن لم يكن معتبراً.
إلاّ أنّ هذا الاحتمال تردّه صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة حيث جاء فيها: «لا يجزيه حتى يعلم أنّه قد طلع»[2]، فإنّه يُفهم منه أنّ المدار على العلم أو ما بحكمه وهو الظنّ المعتبر.
وعليه إذا ثبت أنّ مرجع اسم الإشارة هو الظنّ المحمول على الظنّ المعتبر، فسوف يتحد مفاد صحيحة زرارة مع موثقته، فكلتاهما تكونان ناظرتين إلى حالة الظنّ المعتبر أو وجود السحاب، وحيث إنّ الصحيحة قد حملناها على حالة وجود الحجّة الشرعية أو الغيم ـ إذ هي علّقت وجوب إعادة الصلاة على رؤية القرص، وواضح أنّه في باب الصلاة إذا لم تكن هناك حجّة شرعية أو غيم تجب إعادة الصلاة حتى إذا لم ينكشف الخلاف ـ فيلزم إذا قبلنا ذلك في الصلاة أن نعدّيه إلى الصوم باعتبار أنّ الصحيحة قد جمعت بينهما، حيث قالت: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك...»، فيكون التقدير مضى صومك عند وجود الحجّة الشرعية أو تحقق الغيم، فالصحيحة المذكورة مختصّة بحالة وجود الحجّة الشرعية أو تحقق الغيم. وإذا قبلنا هذا في الصحيحة فيلزم أن نقبله أيضاً في الموثقة؛ لأنّهما ليستا روايتين بل هما رواية واحدة، وبذلك لا يعود للموثقة إطلاق، هكذا ذكر السيد الخوئي قدّس سرّه[3].
وفيه:
أولاً: أنّ الفوارق بين الروايتين متعددة فلاحظ ذلك. وبعد فرض تعدد الفوارق يستبعد آنذاك وحدتهما، ومن الغريب أنّه ـ قدّس سرّه ـ في الموارد التي تكون الفوارق قليلة لا يبني على الوحدة؛ لأنّ مجرّد وجود بعض الفوارق يكفي عنده للبناء على التعدد، ولكنّه هنا ـ قدّس سرّه ـ بالرغم من كثرة الفوارق بنى على الاتحاد.
ثانياً: لو تنزّلنا وسلمنا وحدتهما فنقول: إنّ غاية ما يلزم هو حمل الصحيحة على حالة وجود الحجّة المعتبرة بقرينة تعليق وجوب الإعادة على الرؤية، ولكن كيف تحمل على حالة وجود الغيم بحيث نجعل الغيم عِدلاً للحجّة الشرعية؟ إنّنا نتوقف عند هذه النقطة، وهي لماذا جعل تحقق الغيم في عرض الحجّة الشرعية في باب الصلاة، وهكذا في باب الصوم؟ والمناسب الاقتصار على الحجّة الشرعية، إذ الغيم لم يرد إلاّ في روايات ثلاث أشرنا إليها فيما سبق، وقلنا بأنّه لا يمكن التعويل عليها؛ لأنّ إحداهنّ ـ والتي تختصّ بباب الصلاة ـ غير نافعة حتى في نفس الباب، لفرض انكشاف فعل الصلاة داخل الوقت وكلامنا خاصّ بحالة بقاء الأمر مبهماً أو انكشاف الخلاف، والروايتين الأخريين مضافاً إلى ضعف سندهما هما ناظرتان إلى باب الصوم ومن دون دلالة على اختصاص الاجتزاء وعدم القضاء بحالة وجود الغيم، فكيف نتعدّى إلى باب الصلاة؟ وكيف نخصّص عدم وجوب القضاء بحالة عدم وجود الغيم؟
وعليه فالمناسب كون المدار على العلم أو الحجّة الشرعية، وأمّا الغيم بعنوانه فلا مدخلية له، بل إمّا أن نكتفي بمطلق الظنّ في باب الصوم تمسّكاً بإطلاق موثقة زرارة، أو نرفض ذلك ونقتصر على العلم والحجّة الشرعية.
هذا كلّه في المورد الخامس من الموارد التي يجب فيها القضاء دون الكفّارة.
مسألة 1024: إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار، وإذا أفطر أَثِمَ وكان عليه القضاء والكفّارة إلاّ أن يتبين أنّه كان بعد دخول الليل، وكذا الحكم إذا قامت حجّة على عدم دخوله فأفطر، أمّا إذا قامت حجّة على دخوله أو قطع بدخوله فأفطر فلا إثم ولا كفّارة، نعم يجب عليه القضاء إذا تبين عدم دخوله. وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهراً، وإذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه[4].
تشتمل المسألة المذكورة على عدّة نقاط:
النقطة الأولى: إذا شك الصائم في دخول الليل فلا يجوز له الإفطار، والوجه في ذلك أمران:
1 ـ استصحاب بقاء النهار أو عدم دخول الليل، وهو استصحاب موضوعي، أي ينقّح ويثبت موضوع عدم جواز الإفطار الذي هو عبارة عن عدم دخول الليل، فإن جواز الإفطار مرتّب على دخول الليل، وعدمه على عدمه، فما يُثبّت دخول الليل أو عدمه يكون أصلاً منقّحاً لموضوع الحكم.
2 ـ التمسّك بقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فإنّ الذمّة قد اشتغلت بإتمام الصوم إلى الليل، ولابدّ من تفريغها من هذا الوصف الذي اشتغلت به يقيناً، ولا يحصل الفراغ اليقيني إلاّ بالانتظار إلى أن يحصل القطع بدخول الليل.
فالوجه إذن لعدم جواز الإفطار حالة الشك في تحقق الغروب أمران: الاستصحاب وقاعدة الاشتغال، خلافاً لما يظهر من السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ في التقرير[5] حيث اقتصر على الاستصحاب، وهذا معناه أنّ من لا يرى حجّية الاستصحاب يلزم أن يقول بجواز الإفطار عند الشك بتحقق الليل، والحال أنّه لا يقول بذلك لوجود مدرك آخر لعدم جواز الإفطار، وهو قاعدة الاشتغال العقلية.
_____________________
[1] الوسائل 10: 122، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51، ح1.
[2] الوسائل 4: 280، أبواب المواقيت، ب58، ح4.
[3] مستند العروة الوثقى 1: 403 كتاب الصوم.
[4] منهاج الصالحين 1: 273 كتاب الصوم، موارد القضاء دون الكفّارة.
[5] مستند العروة الوثقى 1: 407 كتاب الصوم.