جلسة 131
كفارات الصوم
وباتضاح هذا نقول: يرد على أصل ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ بأن بالإمكان انتخاب الشق الثاني ـ كون الانحلال حقيقياً ـ وما ذكره في توجيه بطلانه يرد عليه: أنه وجيه لو كانت الذمة تنشغل بحد لا بشرط وبشرط شيء، فإنه بناءً على اشتغالها بهذين يتم ما أفاده، حيث قال: إن علمنا بوجوب إطعام العشرة إما بنحو اللابشرط أو بنحو بشرط شيء، هو علم إجمالي في حقيقته.
أمّا إذا قلنا: إن قيد اللابشرط وبشرط شيء هما حدّان للصورة الذهنية ـ فالصورة الذهنية تارة تكون محددة بهذا الحد وأُخرى بذاك الحد، ولكن ما تشتغل به الذمة ليس هو ذلك وإنما تنشغل بواقع المحدود بهذين الحدين ـ فلا يرد آنذاك ما أفاده، إذ المحدود على فرض اللابشرط هو واقع إطعام العشرة، والمحدود على فرض بشرط شيء هو واقع الستّين، وعلى كلا التقديرين يكون إطعام العشرة معلوم الوجوب.
وبكلمة أُخرى: نحن حينما نذكر في تعبيرنا قيد لا بشرط وقيد بشرط شيء فإنما نذكر ذلك لا من باب أن الذمة تنشغل بهذين القيدين فإن ذلك باطل، وإنما نذكرهما كوسيلة في مقام التعبير للإشارة إلى واقع المحدود بهذين الحدين، فالذمة تنشغل بواقع المحدود بهذين الحدين لا بإضافة هذين الحدين، فإنهما لا يقبلان الانشغال بهما، فعلينا إذن النظر إلى واقع المحدود بهذين الحدين الذي هو عبارة عن واقع العشرة على تقدير، والستّين على تقدير آخر، وعلى كلا التقديرين يكون وجوب إطعام العشرة أمراً مجزوماً به.
إن قلت: إن ما أفيد وجيه لو فرض أن المكلف لم يكن قادراً على البدلين الآخرين ـ وهما العتق والصيام ـ فإنه آنذاك يمكن أن يقول المكلف: إني أعلم بوجوب إطعام العشرة على ذلك التقدير أو وجوب إطعام الستّين على تقدير آخر، أمّا إذا كان متمكناً من البدلين فلا يتمكن أن يقول: إني أعلم بوجوب إطعام الستّين على تقدير كون الإفطار في شهر رمضان، إذ على الفرض المذكور لا تكون الذمة مشغولة بالإطعام بخصوصه حيث قد فرض إمكان البدلين، فما أُفيد إنما يتم لو لم يمكن البدلان، أمّا بعد فرض إمكانهما فلا يتحقق لدينا علم تفصيلي بوجوب إطعام العشرة، حتى لو سلّمنا بكون الذمة مشغولة بواقع المحدود بذينك الحدين ولا تنشغل بنفس الحدين.
قلت: إنه بناءً على هذا يلزم التفصيل بين حالة عدم إمكان البدلين فيحصل علم تفصيلي بوجوب إطعام العشرة ولا يلزم آنذاك إطعام ستّين، وبين ما إذا أمكن البدلان فلا يكفي إطعام العشرة، فالتفصيل يكون لازماً وليس من الصحيح الحكم بضرس قاطع ومن دون تفصيل بلزوم إطعام الستّين كما أفاده قدّس سرّه.
وحل المطلب، أن يقال بكفاية إطعام العشرة حتى مع إمكان البدلين، باعتبار أنه لو أمكن البدلان فالذمة تبقى مشغولة بإطعام الستّين ولكن بنحو التخيير، لا أنها ليست مشغولة به رأساً، وبالتالي يصح للمكلف أن يقول: إني أعلم إمّا بلزوم إطعام الستّين بنحو التخيير أو بلزوم إطعام العشرة، ومن ثمّ يكون إطعام العشرة معلوماً وثابتاً على كلا التقديرين، فالحكم من هذه الناحية لا يختلف إذاً.
إن قلت: إن السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ ذكر أن الوجوب التخييري يتعلق بالجامع ـ عنوان الأحد ـ ومعه كيف يحصل علم تفصيلي بوجوب إطعام العشرة؟، إنه أمر غير ممكن، إذ على أحد التقديرين تكون الذمة مشغولة بإطعام العشرة، وعلى التقدير الثاني تكون مشغولة بعنوان الأحد، وليس بإطعام الستّين ليكون إطعام العشرة معلوم الوجوب على كلا التقديرين.
قلت: إننا لو سلّمنا بتعلق الوجوب التخييري بالجامع فليس المقصود من ذلك أنه لا يتعلق بكل خصلة من الخصال الثلاث، بل ذلك مضحك ولا معنى له إذ ما معنى أن نقول هذه الخصال الثلاث لم يتعلق بها الوجوب بل تعلق بشيء غيرها وهو عنوان الأحد، وإنما المقصود أن كل واحد من الخصال هو متعلق الوجوب غايته بنحو التخيير وليس بكل واحد بخصوصه وعينه، فكل خصلة على هذا الأساس تنشغل بها الذمة ولكن لا بخصوصها بل بجامعها.
والخلاصة من كل ما تقدم: أن المناسب كفاية إطعام العشرة، ونلفت النظر إلى أنه في بعض الأحيان يدور الأمر بين ما تمليه الصناعة الفقهية، وبين ما يقتضيه الوجدان، فتتغلب الصناعة على الوجدان ويأخذ الفقيه بالصناعة ويهمل الوجدان، بل ربما يتغير وجدانه من حيث لا يشعر حسبما تمليه الصناعة، وهذه نقطة مهمة ينبغي الالتفات إليها، فلا ينبغي أن نترك وجداننا يوماً لأجل ما تمليه الصناعة، بل ينبغي أن يكون الوجدان منبهاً على وجود خلل في الصناعة التي نأخذ بها، أو بالأحرى نفهم خطأً تطبيقها على هذا المورد الخاص، ومقامنا من هذا القبيل فإن المكلف لو رجع إلى وجدانه يمكن أن يقسم ويقول: والله إني أعلم بوجوب إطعام العشرة عليَّ ولا أعلم بلزوم ما زاد عن ذلك، إذ لعله قد أفطر في القضاء دون شهر رمضان فلا يكون الواجب عليّ إلاّ إطعام العشرة ولو فرض في علم الله أنه قد أفطر في شهر رمضان فبالتالي يلزمه إطعام العشرة أيضاً، فإطعام هذا المقدار معلوم جزماً، ويشك في وجوب ما زاد على ذلك، كما أفاد السيد الحكيم قدّس سرّه، هذا ما يمليه الوجدان علينا، وينبغي أن نحافظ عليه وبسببه نأخذ بالتفتيش عن نقطة الخلل في الصناعة التي قد تطبق في مقابل هذا الوجدان. وتلك الصناعة هي ما تمسك به السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: إن وجوب إطعام العشرة ليس معلوماً بالتفصيل وإنما هو معلوم بالإجمال، إذ نحن نعلم بوجوب إطعام العشرة بنحو مردد بين اللابشرط وبشرط شيء، وما دام وجوب ذلك مردداً فيكون الوجوب معلوماً بالإجمال وليس معلوماً بالتفصيل، وبالتالي لا ينحل العلم الإجمالي انحلالاً حقيقياً وبذلك حصل اصطدام بين الوجدان وبين الصناعة.
ونحن أخذنا من خلال الوجدان نفتش عن نقطة الخلل في هذه الصناعة وفهمنا أن نقطة الخلل هي أن السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ قد أدخل في الحساب قيد اللابشرط وبشرط شيء، وعرفنا أن هذين القيدين لا تنشغل بهما الذمة، بل هما حدّان للصورة الذهنية والذي تنشغل به الذمة هو المحدود بهذين الحدين، وإذا نظرنا إلى المحدود نراه هو العشرة على تقدير والستّين على تقدير آخر، وعلى كلا التقديرين يكون إطعام العشرة ثابتاً، وعليه فالمناسب كفاية إطعام العشرة ولكن الاحتياط بإطعام الستّين أمر وجيه أيضاً، وإن كانت الصناعة تقتضي كفاية إطعام العشرة.