33/06/10
تحمیل
الموضوع :- مسألة( 327 )/ الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وهناك أدلة ثلاثة على العكس - أي البطلان - قد أشار إليها السيد الخوئي في المعتمد:-
الدليل الأول:- التمسك بظاهر كلمة ( ثم ) التي وردت في بعض ألسنة الروايات ، كالروايات البيانيّة التي تبين كيفية الحج أو العمرة فانها عبرت بكلمة ( يطوف ثم يصلي ركعتين ) فلاحظ في هذا المجال صحيحة معاوية
[1]
، وأيضاً لاحظ رواية أو موثقة سماعة التي ورد فيها ( ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام إبراهيم ثم يخرج إلى الصفا )
[2]
، فان التعبير بقوله ( ثم يخرج إلى الصفا ) يدل على أن السعي مترتب على الركعتين فإذا لم تتحقق الركعتان أوّلاً لم يصح السعي وهذا نستفيده من ظاهر كلمة ( ثم ).
وبعد هذا أضاف شيئاً وقال:- إذا لم تكن صحة السعي متوقفة على الركعتين فلماذا أمر عليه السلام من نسي الركعتين ثم تذكرهما أثناء السعي أن يقطع السعي ويؤدي الركعتين ثم يعود ويتم ما بقي عليه من السعي ؟ ان هذا مما يدل على أن صحة السعي متوقفة على الركعتين ولازم هذا ان من ترك الركعتين عمداً سوف يبطل سعيه لترتّب صحته على الاتيان بالركعتين وإذا بطل السعي بطل كامل العمل ، إلا اللهم يفترض وجود مجالٍ فيعيد.
وهذا الوجه هو الذي أشار إليه في عبارة المتن فانه جاء فيها هكذا ( من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً لاستلزامه فساد السعي المترتب عليها ) - أي على صلاة الطواف - ان هذا التعليل ناظر إلى هذا الوجه الأول الذي ذكره (قده).
وممن صار إلى هذا الوجه أيضاً السيد الشاهرودي(قده) حيث قال ما نصه ( ولكن التحقيق ظهور أخبار الترتيب وكذا الأخبار الدالة على لزوم الرجوع عند التذكر في كونه شرطاً )
[3]
فأنه يشير إلى هذا الذي أوضحناه.
وفيه:- ان كلمة ( ثم ) كما تلتئم مع شرطية الصحة وأن صحة السعي متوقفة على الركعتين كذلك تلتئم مع وجوب الترتيب بنحو الواجب النفسي التكليفي من دون أن يكون شرطاً للصحة ، يعني أن كلمة ( ثم ) حيادية من هذه الناحية فتستعمل في وارد التي يلزم فيها الترتيب الوضعي بنحو أن يكون شرطاً في الصحة كذلك تستعمل في المورد الآخر ودعوى أنها ظاهرة في الأوّل دون الثاني لا نشعر بها.
وأما ما استشهد به على كون الترتيب لازماً من حيث الصحة فيرد عليه:- ان من المحتمل أن يكون أمر الامام عليه السلام هو من جهة تحصيل الترتيب الواجب تكليفاً فان الترتيب واجب تكليفاً وما دام يمكن ادراكه وتحصيله فيلزم ذلك وليس من باب أنه شرط في صحة السعي ، ان هذا حيادي من هذه الناحية أيضاً.
نعم ربما نضم بعض الضمائم إلى هذا الوجه فيتم آنذاك كما سنوضح أما أن نختصر على كلمة ( ثم ) والأمر بالعودة إلى الركعتين عند من تذكر أثناء السعي فهذا بنفسه لا يدل على أن صحة السعي موقوفة على الإتيان بالركعتين بل هو لازم أعم ، وسوف أذكر التتميم.
الدليل الثاني:- ان الركعتين ما دامتا جزءاً من العمل أعني الحج أو العمرة فيلزم بطلان العمل بتركهما فان ذلك لازم الجزئية ، وكيف يكونان جزءاً ولا يبطل العمل بتركهما عمداً ؟ ان هذا تهافت واضح.
وإذا قيل من أين لك أنهما جزء من العمل فلعلهما واجب استقلالي كطواف النساء مثلاً ؟
قلت:- ان ذلك مخالف لظاهر الروايات الآمرة بهما أثناء العمل ولا نرفع اليد عن هذا الظهور إلا بدليل وقد جاء الدليل في طواف النساء فان تعبير بعض الروايات من قبيل ( وطوافٌ يؤتى به بعد الحج ) - الذي هو اشارة إلى طواف النساء - يفهم منه أن الحج ينتهي قبل طواف النساء وأن طواف النساء يؤتى به بعد الحج لأجل هذا رفعنا اليد عن ظاهر الأمر والا فظاهر الأمر هو الجزئية.
وفيه:- انه لو تم هذا الاستظهار كما ربما يكون قريباً ولكن المفروض في محل الكلام أن المكلف لا يترك الركعتين رأساً بل يأتي بهما بعد ذلك وإنما يتركهما بعد الطواف وقبل السعي لا أنه يتركهما تركاً كليّاً ، وعليه فهذا الدليل غاية ما يثبته هو أنهما جزء بحيث لو تركهما المكلف رأساً بطل بذلك عمله ولا يُثبت أنه لو أتى بهما بعد ذلك بطل عمله أيضاً. نعم إلا أن نضم ضمائم وبذلك يحصل لدينا وجهٌ جديدٌ غير هذا الوجه.
الدليل الثالث:- سوف يأتي في المسألة التالية انشاء الله تعالى ان من أتى بالطواف لزمه أن يأتي بالركعتين فوراً ويقصد بذلك الفورية العرفية ، وإذا فرض أن المكلف ترك الفورية وأتى بالركعتين مع التراخي فتبطل الركعتان كما يبطل الطواف فان الصحة متقوّمة - أي صحة الطواف وصحة الركعتين - بالفورية ، أي بحيثية الالتصاق بين الطواف وبين الركعتين فمتى لم يتحقق الالتصاق العرفي بطل هذا وبطل ذاك ومستند ذلك قوله عليه السلام ( لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصلِّ ) وبناءً على هذا يكون التارك للركعتين قد بطل طوافه ولأجل بطلان الطواف يكون ترك الركعتين مبطلاً للعمل وهذه قضية فارقة بين هذا الوجه وبين الوجه الأول ، ففي الأول قيل:- إذا بطلت الصلاة بطل السعي ، بينما على هذا إذا تركت الركعتان بنحو الفوريّة بطل الطواف لا أنّا ننظر إلى حيثية السعي ، وعبارة المتن كما قلنا هي ناظرة إلى الوجه الأول.
وفيه:- انه لو تم ما ذكر - يعني أن الفورية العرفية معتبرة في صحة الاثنين معاً - فما بني على ذلك يكون شيئاً وجيهاً - أي نسلم أن من ترك الركعتين سوف يبطل طوافه كما تبطل الركعتان وبالتالي يبطل العمل - ولكن من أين لك هذا ؟ فانه حوالة على شيء غير ثابت فان الكلام هو هنا وهو أن الركعتين بنحو الفورية هل هما شرط لصحة الطواف فإذا ثبت هذا فكل شيء يستقر في مكانه وانه(قده) لم يقم دليلاً على ذلك وانما افترض فرضية فقط ورتّب عليها هذا.
وقد يجيبنا(قده) ويقول:- اني تركت ذلك اعتماداّ على ما سوف يأتي حيث انه ورد في الرواية ( لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصلِّ ) وهذا ظاهره ما قلناه - أي أن الفورية معتبرة في الصلاة والطواف -.
ونحن نجيب:- لعل ذلك من باب اعتبار الفورية التكليفية الاستقلالية النفسية من دون أن تكون دخيلة في الصحة.
ولعله يجيب:- اني أتمسك بالظهور المدّعى في باب المركّبات فان هناك ظهوراً عرفياً ادُّعِي من قبل غير واحد من الفقهاء كالشيخ النائيني وغيره بأنه في باب المركبات إذا أمر المولى بشيء أو نهى عن شيء فهناك ظهور عرفي بأن هذا الشيء الذي أمر به هو شرط في الصحة لا أنه واجب تكليفي استقلالي ولو نهي عنه فذلك ظاهر عرفاً في أنه مانع من الصحة لا أنه محرّمٌ ومانعٌ تكليفاً من دون أن يؤثر على الصحة ، فلو قيل ( استقبل القبلة في صلاتك ) والصلاة كما نعرف هي من المركبات فان الأمر بالاستقبال فيها ظاهر عرفاً في أنه شرط في صحتها لا أنه واجب تكليفي من أن تكون له مدخلية في الصحة ، وهكذا لو قيل ( لا ترتمس وانت صائم ) فانه يفهم منه أن الارتماس مانع من الصحة فلو وقع الارتماس أثناء الصوم بطل بذلك الصوم والمستند هو هذا الظهور والأمثلة له كثيرة ، ولو تم هذا فنطبقه في المقام فنقول:- ان الأمر بالإتيان بالركعتين بنحو الفورية في الحج أو في العمرة - اللذين هما من المركبات - يصير ظاهراً عرفاً بأن الفورية شرط في الصحة.
وهذا شيء وجيه لو تم هذا الظهور ولكن نحن نشكك في تمامية هذا الظهور فهو ليس من الأمور الواضحة عندنا والاستشهاد في هذين المثالين في غير محلّه فلعله يوجد فيهما ارتكاز من الخارج على أن الاستقبال في الصلاة ليس واجباً تكليفياً بحيث من تركه يكون عاصياً وآثماً ، انه بسبب هذا الارتكاز الثابت من الخارج قد يدّعى هذا الظهور ، ولكن هذا الظهور ليس بموجودٍ وإنما المستند ذلك الارتكاز فلابد من ملاحظة أمثلة وشواهد ليس فيها ارتكاز - وأنا أقول لا تستطيع ذلك - فان استطعت أن تأتي بأمثلة ليس فيها ارتكاز من الخارج ويوجد فيها ظهور عرفي في أنه مانعٌ أو أنه شرطٌ في الصحة فهو ، أما أن تأتي بأمثلة من هذا القبيل فهذه لا تسمن ولا تغني من جوع.
والأولى أن يستدل على أصل هذا المدعى - أي أن الفورية شرط في الصحة وأن تاركها يبطل طوافه وتبطل صلاته - لا بالظهور المذكور في باب المركبات لأننا قلنا أنه لم يثبت عندنا بل يستدل بالشكل التالي:- وذلك بأن يقال:- ان بعض الروايات أمرت بإتيان صلاة الطواف فوراً كالرواية السابقة وبعد أن ثبت ذلك نقول:- يوجد احتمالان احتمال أن الفورية واجبة بنحو الواجب التكليفي النفسي واحتمال أنها واجبة بنحو الوجوب الشرطي - أي شرط في الصحة - والتعبير حيادي من هذه الناحية ، ولكن نضم من الخارج ارتكازاً متشرعياً إلى الرواية نبطل به احتمال الوجوب التكليفي فان المرتكز في ذهن المتشرعة أن تارك الركعتين بنحو الفوريّة لا يكون عاصياً وآثماً فهناك ارتكاز على أن الفورية ليست واجبة بنحو الوجوب التكليفي ، فإذا سلمنا بهذا الارتكاز نضمّه إلى هذا الأمر وسوف يثبت أن الفورية مطلوبة بنحو الوجوب الشرطي وبذلك يتم المطلوب ، فالذي لا يأتي بالركعتين يبطل طوافه من هذه الناحية التي أشرنا إليها وبالتالي يبطل عمله . إذن وصلنا إلى نفس النتيجة ولكن من خلال هذا البيان ، ولعل السيد الخوئي(قده) يقصد هذا في الوجه الأول الذي ذكره - أي حينما تمسك بظاهر ( ثم ) بعد ضم الارتكاز - وإذا كان هذا مقصوده فهو شيء وجيه.
[1] الوسائل 11 213 2 من أبواب اقسام الحج ح4
[2] الوسائل 11 264 8 من أبواب اقسام الحج ح2.
[3] تقريرات الشيخ الجناتي 4 323.