33/05/19
تحمیل
الموضوع :- مسألة ( 326 ) / الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
أما البيان الذي هو في صالح التفصيل الذي ذهب اليه المشهور فهو أن يقال:- ان حريزاً له روايتان في أحداهما يروي هكذا ( ان المريض يطاف به ) بينما في الرواية الثانية ينقل ( ان المريض يطاف عنه ) فلاحظ ذلك.
أما روايته الأولى فهي هكذا ( المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به )
[1]
.
واما صحيحته الثانية فهي هكذا ( عن ابي عبد الله عليه السلام قال المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه )
[2]
.
وحينئذ نتساءل:- كيف نقل عن الامام مرةً أنه يطاف بالمريض وأخرى أنه يطاف عنه ؟ ان هذا تهافت واضح ، فلابد وأن يكون المقصود هو أنه يطاف به ان أمكنه ذلك ويطاف عنه ان لم يمكنه ذلك - أعني الطواف به هكذا يجمع بين النقلين بالجمع العرفي المذكور وبه يرتفع التهافت وبالتالي سوف يكون ما ذكر مؤيداً للنتيجة التي ذهب اليها المشهور.
وجوابه واضح:- حيث أن ما ذكر يتم لو فرض أن الصادر من الامام عليه السلام كان متعدداً فمرّة قال عليه السلام ( يطاف به ) وأخرى قال ( يطاف عنه ) لموضوعٍ واحدٍ وهو المريض ، ولكن يوجد احتمال قريب وهو أن يكون الصادر أمراً ونقلاً واحداً ولكن حصل اشتباه من الناقل ، ولو لاحظنا النقلين وجدنا أن بينهما تشابهاً واضحاً ، فمن القريب - ان لم نجزم بذلك - كون ذلك من اشتباه الناقل ، ويكفينا احتمال وحدة الصادر بعد عدم وجود ما يثبت التعدّد فان المثبت للتعدد هو بناء العقلاء وهذا البناء يختصّ بما اذا لم تساعد القرائن على وحدة الصادر أما اذا لاح منها ذلك فلا نجزم بانعقاد البناء العقلائي على التعدد ، وهذه قضية مهمة نستفيد منها في مجالات متعددة ، وعلى أي حال ما ذكر لا يصلح أن يكون مؤيداً.
وأما البيان الثاني الذي قد يتمسك به على العكس:- فهو رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( اذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليُحِرم عنها ويتّقى عليها ما يُتقى على المحرم ويطاف بها أو يطاف عنها ويرمى عنها )
[3]
فإنها دلت على التخيير وأن النائب مخيّر بين أن يطوف بها أو يطوف عنها ، فالحكم اذن هو التخيير في حالات المرض والعذر وليس الحكم هو الطولية والترتّب يعني في المرحلة الأولى يطاف به وفي المرحلة الثانية - أي ان لم يمكن الطواف به - فيطاف عنه كلا بل من البداية يكون الحكم هو التخيير ، هكذا قد يستفاد من الرواية المذكورة فتكون على عكس ما ذهب اليه المشهور فانهم ذهبوا الى الطولية بينما هذه الرواية تدل على العرضية وأن الطواف بها والطواف عنها هما في عرض واحد . هكذا قد يخطر الى الذهن.
والجواب:- ان هذا وجيهٌ لو لم يكن هناك احتمال آخر واعتمد الامام عليه السلام على وضوحه فلم يفصّل وهو أن يكون المقصود هو أن يطاف بها ان أمكن ذلك ويطاف عنها ان لم يمكن ذلك والامام عليه السلام سكت عن هذا التفصيل لوضوح المطلب. اذن اذا كان لدينا دليل على ما ذهب اليه المشهور يثبت الطولية بين الوظيفتين كالوجوه الأربعة السابقة فهذه الرواية لا تقف أمام ذلك الدليل فإنها مجملةٌ من هذه الناحية وقابلة لكلا الاحتمالين فيحتمل أن يراد منها التخيير العرضي ويحتمل أن يراد منها الطولية.
هذا مضافاً الى أنه لو سلمنا أن ظاهرها التخيير فربما يقال هي مختصّة بمساحة ضيقة ، أي من لا يعقل بحيث بلغ الى حدٍ فقد فيه الوعي وبحيث رفع عنه القلم ، فيحتمل أنه في هذه الحصّة ثبت التخيير وهذا لا يستلزم التخيير فيمن لم يفقد الوعي ، وعليه فلا تكون هذه الرواية معارضة لما ذهب اليه المشهور في كامل المساحة فتصير مخصصّة للأدلة التي استند اليها المشهور وتصير النتيجة هي أن الانسان الواجد للوعي يلزمه الترتب الطولي واذا كان فاقداً فنائبه بالخيار.
هذا كله لو فرض أن السند صحيحٌ ، ولكنه هكذا ( الشيخ بسنده عن موسى بن القاسم عن ابراهيم الأسدي عن معاوية بن عمار ) وابراهيم الأسدي مجهول لا توجد له في الكتب الأربعة الّا روايتان أو ما يقرب من ذلك ولم يُعرف عنه شيء ، وعليه فما ذهب اليه المشهور لا يوجد ما يعارضه.
ثم انه توجد بعض الأمور التي ترتبط بالمقام:-
الأمر الأول:- انه قد ورد في صحيحة صفوان أن المريض يطاف به ولابد وأن تمس رجله الأرض حيث جاء فيها ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، قال:- يطاف به محمولاً يخطّ الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الجواف .. ) وظاهرها وجوب مسّ القدم لأرض المطاف وهذا لم يلتزم به أحد ، وعليه فلابد من حمل ذلك على الاستحباب فهذا الحكم الثاني - أعني مس القدم للأرض - يحمل على الاستحباب والقرينة على ذلك هي أنه لم يذهب الى ذلك أحد من الأصحاب فان ذلك موجبٌ لرفع اليد عن ظاهر الرواية خصوصاً وأن المسألة - كما قلنا - ابتلائية فلو كان ذلك لازماً للزم أن يكون الحكم به واضحاً والحال أن العكس هو الواضح بين الفقهاء.
بل ربما يقال:- انه في الانسان الصحيح لا يلزم أن تمس قدمه أرض المطاف فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على دابته ويجوز الطواف على الدابة ، فالإنسان الصحيح لا يلزم أن تمس قدمه أرض المطاف فكيف بالإنسان المريض ؟! ان ذلك يثبت بالأولوية . وعلى أي حال ان هذه الفقرة ترفع اليد عن ظهورها في اللزوم.
وهذا واضح على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب والتحريم ، فانه على المسلك المذكور تكون كلتا الفقرتين مستعملة في أصل الطلب دون خصوصية الوجوب أو الاستحباب - هكذا على مسلك حكم العقل الذي صار اليه الشيخ النائيني والعراقي وجماعة وانما الوجوب والاستحباب يستفاد من حكم العقل فان العقل يقول حينما يصدر طلبٌ من المولى ولم يقترن بقرينة تدلّ على جواز الترك فأحكم بلزوم الاندفاع والتحرك عن طلب المولى ، واذا كان هناك قرينةٌ متصلةٌ أو منفصلة على الترخيص بالترك فالعقل يحكم بالاستحباب . اذن الاستحباب والوجوب هما حكمان عقليان وليسا مدلولين لفظيين وضعيين ، فالصيغة لم توضع للطلب الوجوبي أو الاستحبابي بل لأصل الطلب ، وبناءً على هذا المسلك حيث أن الجملة الأولى - أعني ( يطاف به ) - لم تقترن بما يدل على الاستحباب فالعقل يحكم بالوجوب ، وأما الجملة الثانية - أعني ( حتى تمس قدمه الأرض ) - حيث أنه قد اقترن بما يدل على الاستحباب اذ المفروض أنا استفدنا من الخارج - من فتوى الفقهاء - أن ذلك شيء ليس بلازمٍ فالعقل يحكم بالاستحباب ، وهذا مطلبٌ واضح ولكن على مسلك حكم العقل.
وأما على مسلك صاحب الكفاية الذي يرى أن الوجوب والاستحباب هما مدلولان وضعيّان - أي وضع الأمر لإفادة الوجوب لا أن الوجوب حكم عقلي - فبناءً عليه قد يدعى التفكيك ويقال:- ان الجملة الثانية استعملت مجازاً في الاستحباب والجملة الأولى تبقى مستعملةً وظاهرةً في الوجوب ولا محذور في التفكيك بين الجملتين.
ولكنا ذكرنا أكثر من مرة أن اقتران الجملة الأولى بجملةٍ ثانيةٍ يراد منها الأدب والاستحباب الشرعي يسلب الجملة الأولى عن ظهورها في الوجوب اذ قد اتصلت بما يصلح للقرينية اذ بالتالي تكون الجملة الأولى قد اقترنت بما يصلح لإرادة الاستحباب والمفروض أن الجملة الثانية يراد منها الاستحباب حتماً بقرينة فتوى الأصحاب ولكن الجملة الأولى لا ندري هل أن ظهورها في الوجوب مراد أو ليس بمراد فحينئذ يكون قد اقترنت بما يصلح للقرينية فتعود الجملة الأولى مجملة ، ولا أقول ظاهرة في الاستحباب فالتفت الى ذلك بل تعود مجملةً ، ولا أقول تصير ظاهرةً في الاستحباب ، واذا صارت مجملةً فلا يضّرنا ذلك اذ بالتالي توجد عندنا أدلة أخرى تدل على وجوب الطواف بالمريض وصاحب العذر فظاهر تلك الأدلة الأخرى التي قرأنا بعضها فيما سبق يعود بلا مزاحم.
نعم لو انحصر مدرك الطواف بهذه الرواية ولا توجد رواية أخرى فيشكل الأمر آنذاك بالحكم بالوجوب لأن الجملة الاولى عادت مجملة ، أما بعد أن فرضنا وجود أدلة أخرى تدل على لزوم الطواف بالمريض فنأخذ بظهور تلك الروايات وهذه الرواية لا تكون معارضة لها اذ كما قلنا لا تصير الجملة الأولى ظاهرة في الاستحباب بل هي مجملةٌ والمجمل لا يعارض الظاهر ، وهذه فائدة ينبغي الالتفات اليها.
الأمر الثاني:- هل المدار في الطواف به أو عنه على ملاحظة حال الشخص حين المجيء به الى المطاف ؟ فلو فرضنا أنّا جئنا به صباحاً ورأينا المطاف مزدحماً بحيث لا يمكن أن يطوف هذا الشخص بنفسه ولكن لو انتظرنا فلعله يفرغ الطاف ويمكن أن يباشر هو بنفسه الطواف أو نطوف به بدلاً من أن نطوف عنه ، والسؤال:- هل يلزم الانتظار أو يكفي ملاحظة وقت ورود الشخص الى المطاف ؟
تعرض صاحب الجواهر(قده)
[4]
الى هذه المسألة ونسب الى ظاهر الروايات وظاهر الاصحاب أن المدار هو على وقت المجيء ولا نبقى نلاحظ الفترة على امتدادها وسعتها ، ثم قال ( الأحوط هو الصبر بل يستفاد ذلك - أي لزوم الصبر - مما رواه موسى بن القاسم عن يونس بن عبد الرحمن البجلي سألت أبا الحسن عليه السلام أو كتبت اليه عن سعيد بن يسار أنه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى ؟ قال:- لا ولكن دعه فان برئ قضى هو والّا فاقض أنت عنه )
[5]
.
[1] الوسائل 13 389 47 من ابواب الطواف ح1.
[2] الوسائل 13 393 49 من ابواب الطواف ح1.
[3] الوسائل 13 390 47 من ابواب الطواف ح4.
[4] الجواهر 19 333.
[5] الوسائل 13 387 45 من ابواب الطواف الحديث3.