32/11/09
تحمیل
الأمر الثالث:- هل يشترط في الحيوان الذي يذبح في الكفارة أن يكون سالماً من بعض العيوب كما هو الحال في هدي الحج وما شاكل ذلك إن كان هناك شروط أخرى ؟
والجواب:- كلا لا يلزم ذلك ، والوجه واضح فان ما دل على اعتبار شروط معينة في هدي التمتع خاص به والجزم بعدم الخصوصية مشكل ومعه يعود المقتضي لاعتبار هذه الشروط في باب الكفارة قاصراً فنتمسك آنذاك بأصل البراءة.
إن قلت:- لم لا نطبق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، بمعنى أنه يقال إن ذمتنا مشغولة جزماً بذبح الحيوان ونشك بفراغها لو ذبحنا الفاقد لتلك الشروط ، ولأجل أن نتيقن بفراغ الذمة فلابد من تواجد تلك الشروط.
قلت:- جوابه ما أشرنا إليه أكثر من مرة حيث يقال:- نحن نجزم باشتغال ذمتنا بذبح أصل الحيوان - أي بالجملة - أما الحيوان المقيد بالشروط المعينة فنشك في اشتغال الذمة به ، وعليه فإذا ذبحنا حيواناً فاقداً للشروط المعتبرة في هدي التمتع فقد فرَّغنا ذمتنا يقيناً من المقدار الذي اشتغلت به يقيناً وهو أصل ذبح الحيوان ، وأما ما زاد على ذلك فنشك في أصل اشتغال الذمة به فلا معنى لتطبيق قاعدة الاشتغال . وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
وبهذا ننهي حديثنا عن هذه المسألة بأمورها المذكورة.
شرائط الطواف
الطواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتع ويفسد الحج بتركه عمداً سواء كان عالماً بالحكم أم كان جاهلاً به أو الموضوع . ويتحقق الترك بالتأخير إلى زمان لا يمكنه الوقوف بعرفات . ثم انه إذا بطلت العمرة بطل إحرامه أيضاً على الأظهر . والأحوط الأولى حينئذ العدول إلى حج الإفراد . وعلى التقديرين تجب إعادة الحج في العام القابل.
ويعتبر في الطواف أمور:-...........إلى آخر ما ذكره (قده).
يتضمن المتن الذكور مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- يجب في العمرة بعد الفراغ من الإحرام الذهاب إلى مكة للطواف ، فالطواف هو الواجب الثاني من واجبات عمرة التمتع ولا إشكال في ذلك وخلاف.
والدليل على وجوبه في العمرة هو التمسك بدليلين:-
الدليل الأول:- الضرورة بين المسلمين ، فانه من الأمور الضرورية والواضحة التي لا تقبل الشك هي ذلك ، يعني أن الطواف واجب في العمرة والحج ، ومقصودنا هو طواف العمرة والحج لا طواف النساء فانه سوف يأتي الحديث عنه وبيان أنه خارج عن الحج بل عمرة التمتع لا يلزم فيها طواف النساء ، فالكلام هو في غير طواف النساء كما هو واضح.
وهذه الضرورة لا يحتمل نشوؤها من النصوص الآتية فإنها أضعف دلالةً وقد يناقش في دلالتها كما سوف يأتي ، وما دامت دلالتها أضعف فلا يحتمل استناد الضرورة إليها فان الضعيف لا يولّد ما هو أقوي منه .
وهذه الضرورة لا يحتمل أن تكون مدركية حتى يقال أن القيمة تعود إلى المدرك كما نقول ذلك في باب الإجماع ، كلا إنها ضرورة غير محتملة المدرك.
والنصوص ربما لا توضح بشكل جلي مكان الطواف وأنه يكون بعد الإحرام مباشرة ، ولكن هذه الضرورة والسيرة القطعية بين المسلمين توضح ما أبهم في النصوص.
الدليل الثاني:- النصوص ، أعني الآية الكريمة والروايات.
أما الآية الكريمة فهي قوله تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ............ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) إن صيغة ( وليطوفوا ) صيغة أمر وهي دالة على الوجوب.
نعم إن هذا النص لم يبين أن الطواف في الحج أو العمرة أو في كلا الموردين وأن مكانه كذا ، إن كل هذه الأمور مبهمة فيه ولكن الضرورة والسيرة هي التي توضح ذلك.
وربما يشكل:- بأن هذا خاص بإبراهيم عليه السلام وأتباعه ولا دليل على عمومه للمسلمين ، فنحتاج إلى الجزم بعد احتمال الاختصاص من هذه الجهة.
قلنا:- إذا حصل إشكال في هذا النص أو في غيره فتلك الضرورة تكفينا دليلاً.
ومن جملة النصوص صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( ..... إن الرمي سنة والطواف فريضة )[1] ، وعلى منوالها غيرها .
والتعبير بقوله ( الطواف فريضة ) يدل على أن الطواف واجب الهي بخلاف الرمي فانه تشريع من قبل الرسول صلى الله عليه وآله ، ولكن النص مبهم لا يدل على أن الطواف فريضة في العمرة وفي الحج أو في أحدهما وما هو مكانه فنحتاج إلى تلك الضرورة والسيرة لرفع هذا الإبهام.
ومن جملة ما يمكن التمسك به الروايات الواردة في أحكام الطواف من قبيل أن الشك فيه مبطل له ، أو اعتبار الطهارة فيه أو غيرها ، فإن هذه الروايات يستفاد منها أصل الوجوب.
وهكذا يمكن التمسك بالروايات التي تبين كيفية العمرة والحج كصحيحة معاوية بن عمار الطويلة التي تشرح كيفية الحج فانه قد يستفاد منها وجوب الطواف خصوصاً على مبنىً للسيد الخوئي(قده) فانه ذكر في غير مورد كما في باب الصلاة وباب الوضوء حيث قال:- إذا بين الإمام عليه السلام كيفية الصلاة فالأصل في كل ما يبيِّنه هو الوجوب إلا أن يقوم دليل على الخلاف ، وهكذا إذا قال ( إلا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ) فان الأصل في كل ما يبينه هو الوجوب إلا ما خرج بدليل ، انه بناءاً على هذا المبنى سوف نستفيد من صحيحة معاوية وجوب الطواف.
إذن لا ينبغي التأمل في وجوب الطواف لأجل الضرورة والنصوص الخاصة.
وقبل أن ننهي حديثنا عن هذه النقطة نشير إلى مطلبين فنيين:-
الأول:- انه (قده) ذكر في العنوان ( شرائط الطواف ) وحينما دخل في المعنون لم يذكر الشرائط مباشرة بل ذكر أن الطواف واجب في العمرة وبتركه يفسد الحج ..... ثم أخذ بذكر شرائط الطواف ، فكان من المناسب أن يذكر عنواناً يحكي عن هذين معاً وذلك بأن يعبر هكذا ( الطواف وشرائطه ).
الثاني:- ذكر (قده) أن الطواف هو الواجب الثاني في العمرة وهذا شيء جميل حيث أفهمنا أن الطواف هو الواجب الثاني فان للعمرة واجبات وهذا هو الواجب الثاني ، ولكن ما هو الواجب الأول ؟ انه لم يسلط الأضواء ولم يصرح فيما سبق بذلك فان الواجب الأول في العمرة هو الإحرام وكان من المناسب أن يشير إليه ثم يقول هنا الواجب الثاني هو الطواف.
ولا أريد أن أقول انه لا يستفاد ذلك من عبائره السابقة ، كلا ولكن أريد أن أقول كما أنه سلط الأضواء هنا وقال الطواف هو الواجب الثاني فليقل الإحرام هو الواجب الأول.
النقطة الثانية:- لو ترك المكلف الطواف فسد بذلك حجه سواء كان الترك ناشئاً عن علم بالحكم أو عن جهل به أو عن جهل بالموضوع مع العلم بالحكم ، وسوف نمثل لذلك فيما بعد إنشاء الله تعالى.
وهناك قضية فنية:- وهي أنه (قده) ذكر أن الحج يفسد بترك الطواف إذا كان عمداً من دون فرق بين الصور الثلاث للترك العمدي وهذا شيء جيد ، ولكن ما هو حكم الترك سهواً ونسيانا ؟ لم يشر إليه ، ولكنه أشار إلى ذلك بعد عدة مسائل - أي في مسالة ( 322 ) - حيث ذكر أنه إذا ترك الطواف نسياناً وجب تداركه ، وفي المسألة ( 321 ) كرر مسألة الترك العمدي من جديد فقال ( إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمداً ...... ) إلى آخر ما هو مذكور هنا ، وهذا تكرار مخل ، فكان من المناسب أن يصنع كما صنع صاحب الشرائع حيث قال ( الطواف ركن من تركه عامداً بطل حجه ومن تركه ناسياً قضاه بعد المناسك ).
وعلى أي حال كان من المناسب أن يشير هنا إلى حكم كلا التركين مع الفصل بالأرقام والمؤشرات حتى لا يحصل تشويش ، أما أن يذكر هنا حكم الترك العمدي وبعد أربعين مسالة يذكر حكم الترك السهوي فهذه مسالة غير فنية.
ويجدر الالتفات أيضاً إلى أنه (قده) قال ( ويفسد الحج بتركه عمداً ) والحال أن كلامنا في العمرة فكيف نسب الفساد إلى الحج دون العمرة ؟ أن الوجه في ذلك واضح ، فانه إذا فسدت عمرة التمتع فسد الحج لأجل الارتباط بينهما فبهذا الاعتبار نسب الفساد إلى الحج.
ويجدر الالتفات أيضاً إلى أن الركنية هنا - أي ركنية الطواف بالنسبة إلى العمرة والحج - تغاير الركنية في باب الصلاة ، فان الركن في باب الصلاة هو ما تبطل الصلاة بتركه عمداً أو سهواً ، وأما هنا فالركنية تعني أن الترك العمدي بصوره الثلاث يبطل العمرة وبالتالي يبطل الحج وان كان الترك السهوي لا يكون موجباً للبطلان . إذن هناك فارق بين الركنين فيلزم الالتفات إلى ذلك.
[1] الوسائل 13 406 58 أبواب الطواف ح2.