32/10/15
تحمیل
فان الوارد في هذه الصحيحة أي صحيحة ابن حمران وان لم يكن هو جواز ترك الدواب تسرح وتأكل وإنما هو ( سألت أبا عبد الله عن النبت الذي في ارض الحرم أينزع ؟ فقال:- أما شيء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه ) وظاهرها ان المنتزع والنازع هو صاحب الإبل لا نفس الإبل ، ومحل كلامنا هو انتزاع نفس الإبل وأكل نفس الإبل للعلف لا انتزاع صاحبها العلف من الحرم ، ولكن رغم هذا يمكن التمسك بها للمطلوب اما بضم بفكرة الأولوية بمعنى أن العرف يفهم إذا جاز لصاحب الإبل ان يقتلع بنفسه فبالأولى يجوز ان تترك الإبل وتنتزع بنفسها.
وإذا رفضت هذه الأولوية فيمكن التمسك بالدلالة الالتزامية العرفية بمعنى أنه عرفاً يفهم من جواز هذا جواز ذاك . وعلى أي حال ان تمت دلالة هذه الصحيحة فبها وإلا تكفينا صحيحة حريز التي أشرنا إليها .
ثم قال (قده) تكملة للمتن:-
ويستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد:-
الأول:- الاذخر ، وهو نبت معروف.
الثاني:- النخل وشجر الفاكهة.
الثالث:- الأعشاب التي تجعل علوفة الإبل.
الرابع:- الأشجار أو الأعشاب التي تنمو في دار نفس الشخص أو ملكه أو يكون الشخص هو الذي غرس ذلك الشجر أو زرع العشب وأما الشجرة التي كانت في الدار قبل تملكها فحكمها حكم سائر الأشجار.
..........................................................................................................
وقبل أن نعلق على هذه الموارد من الاستثناء نقول انه كان من المناسب ذكر الموردين السابقين في المتن السابق تحت هذا المتن فتصير موارد الاستثناء ستة ، فيذكر أنه يستثنى أيضاً ما يحصل قطعه أثناء المشي فان واقع هذا واقع الاستثناء ، وهكذا يستثنى ترك الإبل لتأكل العلف بنفسها في مقابل ما ذكره هنا وهو أن يقلع صاحب الإبل العلف لإبله ، وعلى أي حال القضية ليست مهمة ولكنها قضية فنية يجدر الالتفات إليها . ونعود الى موارد الاستثناء هذه:-
الأول:- الاذخر ، وقد تقدمت أكثر من رواية تدل على استثناءه كصحيحة حريز وموثقة زرارة.
الثاني:- النخل وشجر الفاكهة وقد دلت عليه صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة.
الثالث:- الأعشاب التي تقلع لعلف الإبل ، وفرق هذا عما سبق هو أنه هنا صاحب الإبل هو الذي يقلع العلف بيده وأما ما سبق هي تترك لتأكل ، وعلى أي حال الوجه في استثناء هذا صحيحة محمد بن حمران المتقدمة حيث سأل وقال ( أينزع .... فقال:- أما شيء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه ) يعني أنت صاحب الإبل يجوز لك ذلك لأجل علف الإبل.
ولكن قد يقال:- هي معارضة برواية عبد الله بن سنان فانه جاء فيها ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته ؟ قال:- نعم ، قلت:- له أن يحتش لدابته وبعيره ؟ قال:- نعم ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا ) ان ظاهرها عدم جواز قطع الحشيش للدابة والبعير إذا حصل دخول الحرم فتكون معارضة لصحيحة محمد بن حمران المتقدمة.
وأجاب السيد الخوئي (قده):- بأنه على مسلك حكم العقل يمكن استفادة الوجوب والتحريم لا تعود مشكلة في البين ، فانه على هذا المسلك يدعى أن صيغة الأمر تدل على الطلب الجامع بين الوجوب والاستحباب وليس على خصوص الطلب الوجوبي وهكذا صيغة النهي تدل على الطلب - أي طلب الترك - ولكن لا على خصوص التحريمي بل على الجامع بين التحريم والكراهة ، إذن كيف نشخص الطلب في خصوص الوجوب أو في خصوص الحرمة ؟
ادعى جمع منهم السيد الخوئي (قده) أن العقل هو الذي يشخص ذلك ، بمعنى أنه إذا صدر الطلب من المولى ولم يقترن بترخيص فالعقل يدفع المكلف ويقول له يلزمك أن تفعل أو يلزمك أن تترك فالحاكم بالوجوب والحرمة هو العقل ، أما إذا جاءت القرينة المرخصة فالعقل حينئذ لا يحكم بالوجوب والاستحباب.
ثم قال:- وفي مقامنا حيث أنه توجد صحيحة محمد بن حمران التي ترخص في قطع العلف للإبل فتكون قرينة صالحة للترخيص وبالتالي لا يتوقف العقل عن الحكم بالحرمة بل يحكم بالكراهة. هذا ما أفاده (قده).
وكلامه هذا ربما يعطي أن هذا الحل والتوفيق - أعني الحمل على الكراهة - يتم بناءاً على مسلك حكم العقل لا غير والحال أن الكراهة يمكن الوصول إليها حتى على مسلك الوضع ، لأنه سوف نطبق آنذاك قاعدة ( كلما اجتمع صريح وظاهر جمع العرف بينهما بتأويل الظاهر لحساب الصريح ) وفي مقامنا الأمر كذلك فان رواية ابن سنان - لو تم سندها - ظاهرة في التحريم وليست صريحة فيه لأنها قالت ( فإذا دخل الحرم فلا ) وقوله ( فلا ) يلتئم مع الكراهة أيضا غايته هو ظاهر في التحريم ، وهذا بخلاف صحيحة محمد بن حمران فانها صريحة في الجواز حيث قالت ( أما شيء تأكله الإبل فليس به بأس به شيء أن تنزعه ) انه دال على الجواز بالصراحة ولا يوجد احتمال آخر غير الجواز ، فهي إذن صريحة في الجواز وتلك ظاهرة في التحريم فترفع اليد عن الظهور في التحريم لصراحة هذه بالجواز . إذن الحكم بالكراهة لا يتوقف على مسلك حكم العقل وان كانت عبارته ربما تعطي ذلك ولكني أظن أنه ظهور غير مقصود وإلا فهو من الأمور الواضحة.
الرابع:- الشجر أو الزرع الذي ينمو في دار الشخص أو في ملكه ، وفي هذا المورد نقول تارة تنبت الشجرة قبل أن يمتلك الشخص الدار أو غيرها وأخرى تنمو بعد ما يمتلكها ، فان نمت قبل التملك فلا يجوز له أن يقطعها وأما إذا نمت بعده فيجوز قطعها لما دلت عليه موثقة إسحاق بن يزيد المتقدمة حيث جاء فيها ( سالت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها ، قال:- اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك ) فانها وان كانت ذات احتمالين إلا أنه بقرينة رواية حماد بن عثمان تتعين فيما نبحثه في مقامنا حيث جاء في رواية حماد ( ان الشجرة قلعها الرجل من منزله في الحرم ؟ قال:- ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها ) . إذن من هذه الناحية لا ينبغي التوقف.
وهناك مورداً آخر وهو لم يعطه رقماً وكان المناسب ذلك وهو أن يزرع الشخص أو يغرس بنفسه الشجرة أو الزرع ولو في غير ملكه كالأرض المباحة من الحرم - فان نفس كونه قد غرس مجوز للقلع وذلك لصحيحة حريز الاولى حيث جاء فيها ( كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت وغرسته ) وهي مطلقة ولم تقيد بما أنبته في ملكك فيؤخذ بإطلاقها ولا معارض لها.
ويبقى شيء أشار إليه في آخر العبارة وهو أنه لو اشترى شخص داراً وفيها شجرة فلا يجوز له قلعها وهذا ليس شيئاً جديداً بل هو يدخل في قوله فيما سبق ( الأشجار أو الأعشاب التي تنمو في دار نفس الشخص أو ملكه ) يعني تنمو بعد ملكه فان مفهوم ذلك أنها لو نمت قبل ملكه فلا يجوز القلع.