33-11-02
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسـألــة ( 344 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما حملها على حالة السهو فيرد عليه:- إن حالة السهو يحكم فيها بالصحة لا بالبطلان ، فمن أتى بثمانية حكم بصحة سعيه . إذن ما تدل عليه الرواية يكون مخالفاً لما هو المجزوم به بين الأصحاب خصوصاً وأن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قد دلت على ذلك بوضوح - أعني أن من زاد شوطا عن سهو وخطأ فسعيه صحيح - إذن حمل صحيحة معاوية على حالة السهو لا يدفع الإشكال بل هو باقٍ لما أشرنا إليه.
ومنه يتضح الحال فيما لو اختير الشق الثالث ووجه ذلك:- أن الأعم لا يخلو من حالتين السهو والعمد وحيث أن الإشكال باقٍ على كلا التقديرين فالحمل على الأعم لا يدفع الإشكال بعد عدم خلوّه من أحد هذين الشقين.
والخلاصة من كل هذا:- إن هذه الرواية مورد للإشكال سواء حملناها على حالة العمد أو على حالة السهو.
وقد يجاب:- إنه بالإمكان اختيار كلا الشقيّن - أي يمكن حملها على حالة العمد كما يمكن حملها على حالة السهو -.
أما أنه يمكن حلها على حالة العمد:- فذلك لما تقدمت الإشارة إليه من أن وجه التفرقة بين الثمانية والتسعة هو أن من أتى بثمانٍ يكون قد زاد شوطاً عمداً فتبطل السبعة ، وأما أنه يبطل الشوط الثامن فباعتبار أن بدايته صارت من المروة ، وهذا بخلافه فيما لو كان المأتي به تسعة فان الثمانية تبطل بنفس ما تقدم والتاسع حيث أنه بدئ به من الصفا فلا وجه لبطلانه ، هكذا قد يقال ، وقد ذهب إليه جماعة - كما أشرنا إليه سابقاً - كصاحب الحدائق والشيخ النراقي.
وأما أنه يمكن حملها على حالة السهو:- وذلك للبيان الذي ذكره الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه وارتضاه الشيخ الطوسي في الاستبصار وحاصله أن يقال:- إن هذه الصحيحة - أي صحيحة معاوية - ناظرة إلى حالة السهو بعد افتراض أن الشخص قد التفت إلى أنه سهى وزاد وهو على المروة فحينما وقف على المروة التفت إلى أنه قد زاد شوطاً واحداً وأتى بثمانية ، ومن المناسب حينئذ بطلان مجموع الثمانية ، والوجه في ذلك هو أنه إذا التفت وهو على المروة فهذا معناه أن البداية كانت من المروة وليست من الصفا إذ لو كانت من الصفا لكانت نهاية الثامن على الصفا ، وحيث أنه التفت وهو على المروة فهذا يعني أن الخلل قد وقع من البداية فيبطل مجموع السعي - أي مجموع الثمانية - وهذا بخلاف ما إذا التفت وهو على المروة بأنه قد زاد شوطين فانه لا وجه للبطلان آنذاك إذ لا ينكشف أن البدايـة صـارت مـن المـروة ، قـال الشـيخ الصدوق ( ومن سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فعليه أن يعيد ، وإن سعى بينهما تسعة اشواط فلا شيء عليه [1] ، وفِقْهُ ذلك أنه إذا سعى ثمانية أشواط يكون قد بدأ بالمروة [2] وختم بها وكان ذلك على خلاف السنّة [3] وذا سعى تسعة يكون قد بدأ بالصفا وختم بالمروة [4] ) [5] ، هكذا قد يقال.
هذا ولكن يمكن دفع الاثنين معاً:-
أما الأول:- فباعتبار أن من زاد عمداً يبطل سعيه سواء كانت الزيادة شوطاً واحداً أو شوطين ولا يفرّق أحدٌ بين الثمانية والتسعة - أي بين أن تكون الزيادة شوطاً أو شوطين - إذن هذا الذي ذكر مخالف لما قطع به الأصحاب ، نعم هو توجيه فنّي وصناعي لولا أنه مخالف لما قطع به الأصحاب ولما عليه الفتوى.
وأما الثاني:- فباعتبار أن الأصحاب ذكروا أن الزيادة السهويّة ليست موجبة للبطلان من دون تفرقة بين أن تكون شوطاً أو شوطين ولم يفرّقوا بل قالوا بالصحة مطلقاً ولم يقولوا في التسعة بأن الواحد صحيح والثمانية باطلة والحال أنه بناءً على الرواية المذكورة يلزم الحكم عند الإتيان بالتسعة ببطلان ثمانية وصحة الواحد - أي التاسع - ، مضافاً إلى أن صحيحة بن الحجاج واردة في صورة السهو وقد صرحت بالصحة ، فالمناسب حمل صحيحة معاوية على الرجحان والاستحباب دون اللزوم إذ أن صحيحة بن الحجاج قد صرحت بأن يلقي واحداً ويأخذ بالسبعة فتحمل صحيحة معاوية على الاستحباب لا أنه يلتزم بظاهرها وهو الحكم الالزامي.
هذا مضافاً إلى أن حمل الرواية على هذا القيد - يعني أنه التفت وهو على المروة - بلا موجب.
والخلاصة من كل هذا:- إن هذه الصحيحة من مشكلات الأخبار ، وبذلك اتضح أن المستند المهم في إثبات البطلان بالزيادة العمديّة هو صحيحة عبد الله بن محمد ، مضافاً إلى تسالم الأصحاب الذي قد يورث الاطمئنان للبعض.
حكم الزيادة عن جهل:-
وأما إذا كانت الزيادة عن جهل فالمعروف بين الأصحاب هو الصحة ، ولكن ما هو الدليل على ذلك ؟
والجواب:- استدل المشهور بصحيحتي جميل وهشام السابقتين إذ قد ورد فيهما أن من أتى بأربعة عشر شوطاً أخذ بسبعة وطرح سبعة وهذا معناه أن الزيادة عن جهلٍ ليست مبطلة والمفروض في الصحيحتين أن ذلك نتج عن جهلٍ بالحكم الشرعي.
وهذا شيء جيد لولا وجود مشكلة واحدة لابد من التغلب عليها:- وهي أن مورد هاتين الصحيحتين هو من زاد سبعةً على سبعةٍ ونحن نريد أن نثبت أن الزيادة عن جهلٍ حتى لو كانت بشوطٍ أو شوطين أو ثلاثة أي أقل من سبعة - ليست مبطلة فكيف نثبت ذلك ؟
والجواب:- هناك طريقان:-
الأول:- أن يدعى الجزم بعدم الخصوصية فيقال إن الزيادة إذا لم تكن مبطلة فلا فرق بين أن تكون سبعة أو أقل ، فان تم هذا فهو وإلّا فنأتي إلى الطريق الثاني.
الثاني:- أن يقال إنه قد ورد في صحيحة ابن الحجاج أن من زاد شوطاً فلا يضرّه ذلك وعلل الامام عليه السلام بأنه إن كان خطأ فلا يضرّه بعد تفسير الخطأ بما يعمّ الجهل فيقال آنذاك إن النكتة للصحة إذا كانت هي الخطأ فلا فرق في أن تكون الزيادة بشوط أو بشوطين أو بثلاثة ، وعليه فالمناسب هو الحكم بالصحة في حالة الزيادة عن جهل للصحيحة المذكورة مضافاً إلى صحيحتي هشام وجميل السابقتين.
[1] يشير بذلك إلى مضمون صحيحة معاوية بن عمار التي نحن الآن بصدد الحديث عنها.
[2] يعني ما دام قد التفت وهو على المروة.
[3] أي على خلاف ما قررته الشريعة وليس المقصود من السنة هنا الاستحباب.
[4] أي فلا موجب للبطلان.
[5] الفقيه 2 227.