12-03-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/03/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا وقد تقول:- إن هذا شيءٌ وجيهٌ في حق الشيخ الطوسي(قده) للقرائن المتقدّمة المثبتة لكون طرقه طرقاً إلى النسخة دون صاحب الكتاب من دون ملاحظة نسخةٍ معينةٍ ولكن ماذا نفعل مع طرق الشيخ الصدوق(قده) فإن تلك القرائن المذكورة في كلام الشيخ الطوسي من قبيل ( لتخرج من الإرسال إلى الإسناد ) وما شاكل ذلك ليست مذكورة في كلام الشيخ الصدوق ومعه كيف نثبت أن طرق الشيخ الصدوق طرقاً إلى نسخ معيّنة ؟
وفي هذا المجال نقول:-
أوّلاً:- إن التبركّية هي التي تحتاج إلى إثبات وإلا فالظاهرة العامّة في تلك الفترة الزمنية كانت هي على القراءة على الشيخ أو السماع منه أو ما شاكل ذلك، مضافاً إلى أن الاعتبار يساعد على ذلك- يعني أن لا تكون تبركّية بل هي ناشئة من القراءة أو السماع أو ما شاكل ذلك - . إذن الظاهرة العامّة والاعتبار أيضاً يقتضي ذلك والتبركيّة هي التي تحتاج إلى إثبات وقد كانت قرائن التبرك ثابتة في كلام صاحب الوسائل(قده) من قبيل قوله:- ( إن هذه الطرق أذكرها تبركّا وتيمّنا لا أكثر ) وما شاكل ذلك.
أما كيف نثبت أن الظاهرة العامة في تلك الفترة الزمنية هي على القراءة أو السماع دون الطرق التبركيّة ؟
يمكن أن نذكر في هذا المجال مجموعة مؤشرات وبالمراجعة يمكن تحصيل مؤشراتٍ أكثر مما ذكرناه:-
الأوّل:- ما نقله النجاشي في فهرسته في ترجمة الشيخ الكليني(قده) حيث قال:- ( كنت أتردّد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي وهو مسجد نفطويه النحوي أقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب حدثكم محمد بن يعقوب .... ) . إذن هذه العبارة تدلّ على أن ظاهرة القراءة كانت موجودة.
الثاني:- ما ذكره النجاشي أيضاً بعد سرد كتبه قال ما نصّه:- ( أخبرنا بجميع كتبه وقرأت بعضها على والدي علي بن أحمد بن العباس النجاشي، وقال لي:- أجازني جميع كتبه لما سمعنا منه ببغداد )، وهذه أيضاً تدلّ على أن ظاهرة السماع كانت موجودة والنجاشي أيضاً أخذ يقرأ على والده.
الثالث:- قال النجاشي أيضاً في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري صاحب كتاب نوادر الحكمة بعد أن سرد كتبه ما نصّه:- ( أخبرنا الحسين بن موسى قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن جعفر الرزاز قال حدثنا محمد بن أحمد بنوادر الحكمة واخبرنا أحمد بن علي وابن شاذان وغيرهما عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عنه بسائر كتبه )، إذن النجاشي ذكر طريقين إلى محمد بن أحمد بن يحيى صاحب دبة شبيب طريقٌ إلى نوادر الحكمة وطريقٌ إلى جميع كتبه فلو فرض أن الطرق كانت طرقاً إلى صاحب الكتاب وليس إلى كتابٍ كتاب أو نسخة نسخة لما كان هناك داعياً ووجهاً إلى فرز طريق نوادر الحكمة عن بقيّة الكتب بل رأساً يقول إن طريقي إلى محمد بن أحمد الأشعري هو كذا وكذا من دون حاجةٍ إلى فرز الطريق، وأيضاً هو عبّر بلفظ ( أخبرنا ) وهذا التعبير لعله يدلّ على ظاهرة السماع والقراءة.
الرابع:- قال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن زياد الوشّاء أن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري:- ( خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشّاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاء وأبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما لي فقلت له أحبّ أن تجيزهما لي ؟ فقال لي:- يرحمك الله وما عجلتك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد ذلك، فقلت:- لا آمن الحدثان، فقال:- لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإني أدركت في هذا المسجد تسعمئة شيخ كلٌّ يقول حدّثني جعفر بن محمد )، والشاهد هو أن أحمد بن محمد بن عيسى يأخذ الكتابين فيستنسخهنَّ وبعد ذلك يسمعهنَّ من الوشّاء.
الخامس:- ما قاله الشيخ الطوسي(قده) في ترجمة المفيد في الفهرست ونصّه:- ( سمعنا منه هذه الكتب كلّها بعضها قراءة عليه وبعضها نقرأ عليه غير مرّة وهو يسمع ).
هذه بعض المؤشرات على أن هذه هي الحالة الطبيعية والعامة التي كانت موجودة عندهم . إذن اثبات دعوى التبركيّة هي التي تحتاج إلى إثبات قرائن دون القراءة أو الإجازة على النسخة فإنها هي الظاهرة المعروفة والوضع الطبيعي.
وأما إثبات أن الاعتبار يقتضي ذلك كون الطرق طرقاً إلى النسخة وليست تبركية:- فذلك شيءٌ واضح إذ الهدف من ذكر الطرق هو إثبات أن النقل نقلٌ صحيحٌ وأن النسخة وأن الكتاب كتابٌ صحيحٌ قد وصل من صاحبه يداً بيد، هذا هو الهدف المهمّ من ذكر الطرق وهذا الهدف إنما يتحقق فيما إذا كانت الطرق طرقاً إلى النسخة عن سماعٍ أو عن إجازةٍ أو عن قراءةٍ وأما إذا كانت إلى صاحب الكتاب بلا ملاحظة نسخةٍ فلا نأمن آنذاك من التحريف والتزوير وما شاكل ذلك . إذن الاعتبار هو الذي يقتضي ذلك والمناسب للقواعد هو ذلك - يعني أن تكون الطرق طرقاً إلى النسخة - والتبركّية هي التي تحتاج إلى إثبات.
إن قلت:- إن الشيخ الصدوق(قده) ذكر في مقدمة كتابه عبارة توحي بأنه لا يحتاج إلى طرقٍ وأسانيد إلى النسخة حيث قال ما نصّه:- ( ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجّة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته . وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوّل وإليها المرجع )[1] فإن هذه العبارة بفقرتيها - أي الفقرة الأولى وهي قوله ( بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وين ربي ) والفقرة الثانية أعني قوله ( وجميع ما فيه مستخرج .. ) - تدلّ على أنه لا يحتاج إلى النسخة بعدما كان يعتقد بأنها صحيحة وحجّة ويفتي على طبقها - هذا بلحاظ الفقرة الأولى - وبعدما كان قد استخرجها من كتبٍ مشهورة عليها المعوّل - وهذا بلحاظ الفقرة الثانية - فلا يحتاج إلى طرق ناظرة إلى النسخة.
قلت:-
أوّلاً:- أما بالنسبة إلى الفقرة الأولى:- فهو وإن عبّر وقال إني لا أذكر إلا ما أفتني به وأعتقد بصحته ولكن لعل مقصوده من جملة ( اعتقد بصحته ) هو أنه أعتقد بصحته من خلال هذه الطرق فبسبب هذه الطرق التي هي طرقٌ معتبرة إلى النسخة صارت حجّة بيني وبين ربي وأفتي على طبقها وأحكم بصحتها فالمنشاء لاعتقاده بصحتها وأنها حجّة هي أن هذه الطرق طرق إلى النسخة لا من دون ذلك . إذن هذه العبارة لا يمكن أن نستفيد منها أن هذه الطرق طرق تبركيّة.
وأما بلحاظ الفقرة الثانية:- فصحيحٌ أنه قال إني استخرجت كتابي - أي كتاب الفقيه - من كتبٍ مشهورةٍ ولكن كما قلنا إن شهرة الكتاب لا تلازم شهرة النسخة وإلا فلماذا كانوا يقرأون كتاب الكافي في مسجد نفطويه النحوي على ما نقل النجاشي والحال أن كتاب الكافي من الكتب المشهورة المعوّل عليها فالقراءة والسماع آنذاك يكون لغواً وبلا فائدة، ولماذا لم يعبّر الصدوق بأن طرقي هذه هي طرقٌ ذكرتها لأجل التبّرك ؟! إنه لم يصرّح بهذا فعدم تصريحه بهذا وجريان عادتهم على أنهم كانوا يقرأون الكتاب حتى لو كان مشهوراً ومعوّلاً عليه يدلل على أن شهرة الكتاب لا تلازم شهرة النسخة . إذن انتهينا من خلال هذا على أن التبركيّة هي التي تحتاج إلى إثباتٍ والظاهرة العامّة والاعتبار أيضاً يقتضيان أن الطرق طرق إلى النسخة وعن قراءةٍ وما شاكل ذلك . إذن لا يرد الاشكال بلحاظ الشيخ الصدوق(قده).
وثانياً:- إن الشيخ الصدوق(قده) جرت عادته في المشيخة أن يعبّر بتعبير ( رويته ) حيث يقول مثلاً ( كل ما كان عن فلان فقد رويته عن .. عن ) ويؤكد من بداية الشيخة حتى نهايتها على هذا العبير ونتمكن أن نقول إن هذه الكلمة ظاهرة فيما إذا فرض وجود إخبارٍ بأن أخبرني أستاذي إما بلسانه أو بالقراءة عليه أو بدفع النسخة من الكتاب ويقول لي أجزتك أن تروي هذه النسخة عنّي فهنا يصحّ التعبير بكلمة ( رويته ) وهي ظاهرة في ذلك، وأما إذا فرض أنّي لم أقرأ ولم أسمع ولم يدفع إليّ نسخة وإنما كان فقط وفقط طريقٌ إلى نفس الشيخ من دون النظر إلى هذه الأمور فإن كلمة ( رويته ) منصرفة عنه . إذن نحن نتمسك بظاهر كلمة ( رويته ) فإنها ظاهرة في ذلك - أي في السماع أو في القراءة أو في الإجازة على النسخ ومنصرفة عن تلك الحالة الأخرى -.
وثالثاً:- إنه توجد أَنصافُ القرائن في كلام الشيخ الصدوق(قده) لو جُمِّعَت فلعلها تبلغ القرينة التامّة.
من قبيل:- أنه هو قد ألف مشيخةً ولو كان الهدف هو التبرك لا أكثر فلا داعي إلى تأليف المشيخة المذكورة لأنها بلا فائدة إذ التبرك يتحقق بلا حاجة إلى هذا التطويل .
وإذا أشكل وقيل:- بأن هذه قضيّة كانت متعارفة في ذلك الزمن السالف فالعلامة(قده) كتب إلى بني زهرة الإجازة المطوّلة المعروفة فإذن هذا الشيء متداول ؟
أجبنا عن ذلك:- بأن ذلك الطرف هو الذي طلب من العلامة الإجازة فكتب له أما أن العلامة ابتداءً يذكر طرقه إلى مشايخه فهو لم يفعل ذلك وهذا لغوٌ وقضاءٌ للعمر من دون فائدة.
ومن قبيل:- أن الشيخ الصدوق(قده) قد يذكر أكثر من طريق إلى الشخص الواحد فلو كان الهدف هو التبرّك فهو يحصل بوجود طريقٍ واحدٍ كما صنع في طريقه إلى علي بن جعفر[2] وإلى العلاء بن رزين[3] وإلى إبراهيم بن أبي محمود[4] وإلى حنّان بن سدير[5] وغير ذلك.
ومن قبيل:- إن الصدوق في بداية المشيخة قال:- ( كل ما رويته في هذا الكتاب ) - ويقصد كتاب الفقيه - فلو كانت الطرق طرقاً إلى أصحاب الكتب وليست إلى النسخة فلا داعي إلى الخصيص بـــ( هذا الكتاب ) لأنه لما كان عندي طريق إلى صاحب الكتاب فعندي إذن طريقٌ إلى جميع مروياته بلا حاجة إلى التخصيص بهذا الكتاب، وقال أيضاً في نهاية الطريق إلى علي بن جعفر ( وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الاسناد ) [6]من المشيخة، وهكذا بالنسبة إلى طريقه إلى الكليني[7] حيث قال:- ( وما كان فيه عن محمد بن يعقوب الكليني رحمة الله عليه فقد رويته عن .. عن ... وكذلك جميع كتاب الكافي عنهم عنه عن رجاله )، إن هذا التأكيد في عبارة ( وكذلك جميع كتاب الكافي ) يعني لا خصوص ما ذكرته في هذا الكتاب - أي الفقيه - إن تصريحه وتأكيده بالنسبة إلى الكليني وعليّ بن جعفر يدلّل على أن الطرق لم تكن طرقاً إلى صاحب الكتاب من دون نظرٍ إلى نسخةٍ وإلا فلا حاجة إلى التأكيد بقول ( وكذلك كل ما في الكافي أنا أرويه بهذه الطرق ).
ومن قبيل:- إنه قال في طريقه الى حريز بن عبد الله السجستاني[8] من المشيخة بعد أن ذكر طريقين إلى روايته ما نصّه:- ( ما كان فيه عن حريز بن عبد الله في الزكاة فقد رويته عن ... عن ) ثم ذكر طريقين لخصوص ما وراه عنه في باب الزكاة فيظهر أن الطريق الذي عنده ليس هو طريقاً إلى صاحب الكتاب - أي نفس حريز - من دون نظرٍ إلى النسخة والكتاب المعيّن وإلا فالإفراز والتفصيل بين ما رواه في الزكاة وبين ما رواه في غير الزكاة لا يكون له معنىً.
هذا وقد تقول:- إن هذا شيءٌ وجيهٌ في حق الشيخ الطوسي(قده) للقرائن المتقدّمة المثبتة لكون طرقه طرقاً إلى النسخة دون صاحب الكتاب من دون ملاحظة نسخةٍ معينةٍ ولكن ماذا نفعل مع طرق الشيخ الصدوق(قده) فإن تلك القرائن المذكورة في كلام الشيخ الطوسي من قبيل ( لتخرج من الإرسال إلى الإسناد ) وما شاكل ذلك ليست مذكورة في كلام الشيخ الصدوق ومعه كيف نثبت أن طرق الشيخ الصدوق طرقاً إلى نسخ معيّنة ؟
وفي هذا المجال نقول:-
أوّلاً:- إن التبركّية هي التي تحتاج إلى إثبات وإلا فالظاهرة العامّة في تلك الفترة الزمنية كانت هي على القراءة على الشيخ أو السماع منه أو ما شاكل ذلك، مضافاً إلى أن الاعتبار يساعد على ذلك- يعني أن لا تكون تبركّية بل هي ناشئة من القراءة أو السماع أو ما شاكل ذلك - . إذن الظاهرة العامّة والاعتبار أيضاً يقتضي ذلك والتبركيّة هي التي تحتاج إلى إثبات وقد كانت قرائن التبرك ثابتة في كلام صاحب الوسائل(قده) من قبيل قوله:- ( إن هذه الطرق أذكرها تبركّا وتيمّنا لا أكثر ) وما شاكل ذلك.
أما كيف نثبت أن الظاهرة العامة في تلك الفترة الزمنية هي على القراءة أو السماع دون الطرق التبركيّة ؟
يمكن أن نذكر في هذا المجال مجموعة مؤشرات وبالمراجعة يمكن تحصيل مؤشراتٍ أكثر مما ذكرناه:-
الأوّل:- ما نقله النجاشي في فهرسته في ترجمة الشيخ الكليني(قده) حيث قال:- ( كنت أتردّد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي وهو مسجد نفطويه النحوي أقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب حدثكم محمد بن يعقوب .... ) . إذن هذه العبارة تدلّ على أن ظاهرة القراءة كانت موجودة.
الثاني:- ما ذكره النجاشي أيضاً بعد سرد كتبه قال ما نصّه:- ( أخبرنا بجميع كتبه وقرأت بعضها على والدي علي بن أحمد بن العباس النجاشي، وقال لي:- أجازني جميع كتبه لما سمعنا منه ببغداد )، وهذه أيضاً تدلّ على أن ظاهرة السماع كانت موجودة والنجاشي أيضاً أخذ يقرأ على والده.
الثالث:- قال النجاشي أيضاً في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري صاحب كتاب نوادر الحكمة بعد أن سرد كتبه ما نصّه:- ( أخبرنا الحسين بن موسى قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا محمد بن جعفر الرزاز قال حدثنا محمد بن أحمد بنوادر الحكمة واخبرنا أحمد بن علي وابن شاذان وغيرهما عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عنه بسائر كتبه )، إذن النجاشي ذكر طريقين إلى محمد بن أحمد بن يحيى صاحب دبة شبيب طريقٌ إلى نوادر الحكمة وطريقٌ إلى جميع كتبه فلو فرض أن الطرق كانت طرقاً إلى صاحب الكتاب وليس إلى كتابٍ كتاب أو نسخة نسخة لما كان هناك داعياً ووجهاً إلى فرز طريق نوادر الحكمة عن بقيّة الكتب بل رأساً يقول إن طريقي إلى محمد بن أحمد الأشعري هو كذا وكذا من دون حاجةٍ إلى فرز الطريق، وأيضاً هو عبّر بلفظ ( أخبرنا ) وهذا التعبير لعله يدلّ على ظاهرة السماع والقراءة.
الرابع:- قال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن زياد الوشّاء أن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري:- ( خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشّاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاء وأبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما لي فقلت له أحبّ أن تجيزهما لي ؟ فقال لي:- يرحمك الله وما عجلتك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد ذلك، فقلت:- لا آمن الحدثان، فقال:- لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإني أدركت في هذا المسجد تسعمئة شيخ كلٌّ يقول حدّثني جعفر بن محمد )، والشاهد هو أن أحمد بن محمد بن عيسى يأخذ الكتابين فيستنسخهنَّ وبعد ذلك يسمعهنَّ من الوشّاء.
الخامس:- ما قاله الشيخ الطوسي(قده) في ترجمة المفيد في الفهرست ونصّه:- ( سمعنا منه هذه الكتب كلّها بعضها قراءة عليه وبعضها نقرأ عليه غير مرّة وهو يسمع ).
هذه بعض المؤشرات على أن هذه هي الحالة الطبيعية والعامة التي كانت موجودة عندهم . إذن اثبات دعوى التبركيّة هي التي تحتاج إلى إثبات قرائن دون القراءة أو الإجازة على النسخة فإنها هي الظاهرة المعروفة والوضع الطبيعي.
وأما إثبات أن الاعتبار يقتضي ذلك كون الطرق طرقاً إلى النسخة وليست تبركية:- فذلك شيءٌ واضح إذ الهدف من ذكر الطرق هو إثبات أن النقل نقلٌ صحيحٌ وأن النسخة وأن الكتاب كتابٌ صحيحٌ قد وصل من صاحبه يداً بيد، هذا هو الهدف المهمّ من ذكر الطرق وهذا الهدف إنما يتحقق فيما إذا كانت الطرق طرقاً إلى النسخة عن سماعٍ أو عن إجازةٍ أو عن قراءةٍ وأما إذا كانت إلى صاحب الكتاب بلا ملاحظة نسخةٍ فلا نأمن آنذاك من التحريف والتزوير وما شاكل ذلك . إذن الاعتبار هو الذي يقتضي ذلك والمناسب للقواعد هو ذلك - يعني أن تكون الطرق طرقاً إلى النسخة - والتبركّية هي التي تحتاج إلى إثبات.
إن قلت:- إن الشيخ الصدوق(قده) ذكر في مقدمة كتابه عبارة توحي بأنه لا يحتاج إلى طرقٍ وأسانيد إلى النسخة حيث قال ما نصّه:- ( ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجّة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته . وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوّل وإليها المرجع )[1] فإن هذه العبارة بفقرتيها - أي الفقرة الأولى وهي قوله ( بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وين ربي ) والفقرة الثانية أعني قوله ( وجميع ما فيه مستخرج .. ) - تدلّ على أنه لا يحتاج إلى النسخة بعدما كان يعتقد بأنها صحيحة وحجّة ويفتي على طبقها - هذا بلحاظ الفقرة الأولى - وبعدما كان قد استخرجها من كتبٍ مشهورة عليها المعوّل - وهذا بلحاظ الفقرة الثانية - فلا يحتاج إلى طرق ناظرة إلى النسخة.
قلت:-
أوّلاً:- أما بالنسبة إلى الفقرة الأولى:- فهو وإن عبّر وقال إني لا أذكر إلا ما أفتني به وأعتقد بصحته ولكن لعل مقصوده من جملة ( اعتقد بصحته ) هو أنه أعتقد بصحته من خلال هذه الطرق فبسبب هذه الطرق التي هي طرقٌ معتبرة إلى النسخة صارت حجّة بيني وبين ربي وأفتي على طبقها وأحكم بصحتها فالمنشاء لاعتقاده بصحتها وأنها حجّة هي أن هذه الطرق طرق إلى النسخة لا من دون ذلك . إذن هذه العبارة لا يمكن أن نستفيد منها أن هذه الطرق طرق تبركيّة.
وأما بلحاظ الفقرة الثانية:- فصحيحٌ أنه قال إني استخرجت كتابي - أي كتاب الفقيه - من كتبٍ مشهورةٍ ولكن كما قلنا إن شهرة الكتاب لا تلازم شهرة النسخة وإلا فلماذا كانوا يقرأون كتاب الكافي في مسجد نفطويه النحوي على ما نقل النجاشي والحال أن كتاب الكافي من الكتب المشهورة المعوّل عليها فالقراءة والسماع آنذاك يكون لغواً وبلا فائدة، ولماذا لم يعبّر الصدوق بأن طرقي هذه هي طرقٌ ذكرتها لأجل التبّرك ؟! إنه لم يصرّح بهذا فعدم تصريحه بهذا وجريان عادتهم على أنهم كانوا يقرأون الكتاب حتى لو كان مشهوراً ومعوّلاً عليه يدلل على أن شهرة الكتاب لا تلازم شهرة النسخة . إذن انتهينا من خلال هذا على أن التبركيّة هي التي تحتاج إلى إثباتٍ والظاهرة العامّة والاعتبار أيضاً يقتضيان أن الطرق طرق إلى النسخة وعن قراءةٍ وما شاكل ذلك . إذن لا يرد الاشكال بلحاظ الشيخ الصدوق(قده).
وثانياً:- إن الشيخ الصدوق(قده) جرت عادته في المشيخة أن يعبّر بتعبير ( رويته ) حيث يقول مثلاً ( كل ما كان عن فلان فقد رويته عن .. عن ) ويؤكد من بداية الشيخة حتى نهايتها على هذا العبير ونتمكن أن نقول إن هذه الكلمة ظاهرة فيما إذا فرض وجود إخبارٍ بأن أخبرني أستاذي إما بلسانه أو بالقراءة عليه أو بدفع النسخة من الكتاب ويقول لي أجزتك أن تروي هذه النسخة عنّي فهنا يصحّ التعبير بكلمة ( رويته ) وهي ظاهرة في ذلك، وأما إذا فرض أنّي لم أقرأ ولم أسمع ولم يدفع إليّ نسخة وإنما كان فقط وفقط طريقٌ إلى نفس الشيخ من دون النظر إلى هذه الأمور فإن كلمة ( رويته ) منصرفة عنه . إذن نحن نتمسك بظاهر كلمة ( رويته ) فإنها ظاهرة في ذلك - أي في السماع أو في القراءة أو في الإجازة على النسخ ومنصرفة عن تلك الحالة الأخرى -.
وثالثاً:- إنه توجد أَنصافُ القرائن في كلام الشيخ الصدوق(قده) لو جُمِّعَت فلعلها تبلغ القرينة التامّة.
من قبيل:- أنه هو قد ألف مشيخةً ولو كان الهدف هو التبرك لا أكثر فلا داعي إلى تأليف المشيخة المذكورة لأنها بلا فائدة إذ التبرك يتحقق بلا حاجة إلى هذا التطويل .
وإذا أشكل وقيل:- بأن هذه قضيّة كانت متعارفة في ذلك الزمن السالف فالعلامة(قده) كتب إلى بني زهرة الإجازة المطوّلة المعروفة فإذن هذا الشيء متداول ؟
أجبنا عن ذلك:- بأن ذلك الطرف هو الذي طلب من العلامة الإجازة فكتب له أما أن العلامة ابتداءً يذكر طرقه إلى مشايخه فهو لم يفعل ذلك وهذا لغوٌ وقضاءٌ للعمر من دون فائدة.
ومن قبيل:- أن الشيخ الصدوق(قده) قد يذكر أكثر من طريق إلى الشخص الواحد فلو كان الهدف هو التبرّك فهو يحصل بوجود طريقٍ واحدٍ كما صنع في طريقه إلى علي بن جعفر[2] وإلى العلاء بن رزين[3] وإلى إبراهيم بن أبي محمود[4] وإلى حنّان بن سدير[5] وغير ذلك.
ومن قبيل:- إن الصدوق في بداية المشيخة قال:- ( كل ما رويته في هذا الكتاب ) - ويقصد كتاب الفقيه - فلو كانت الطرق طرقاً إلى أصحاب الكتب وليست إلى النسخة فلا داعي إلى الخصيص بـــ( هذا الكتاب ) لأنه لما كان عندي طريق إلى صاحب الكتاب فعندي إذن طريقٌ إلى جميع مروياته بلا حاجة إلى التخصيص بهذا الكتاب، وقال أيضاً في نهاية الطريق إلى علي بن جعفر ( وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الاسناد ) [6]من المشيخة، وهكذا بالنسبة إلى طريقه إلى الكليني[7] حيث قال:- ( وما كان فيه عن محمد بن يعقوب الكليني رحمة الله عليه فقد رويته عن .. عن ... وكذلك جميع كتاب الكافي عنهم عنه عن رجاله )، إن هذا التأكيد في عبارة ( وكذلك جميع كتاب الكافي ) يعني لا خصوص ما ذكرته في هذا الكتاب - أي الفقيه - إن تصريحه وتأكيده بالنسبة إلى الكليني وعليّ بن جعفر يدلّل على أن الطرق لم تكن طرقاً إلى صاحب الكتاب من دون نظرٍ إلى نسخةٍ وإلا فلا حاجة إلى التأكيد بقول ( وكذلك كل ما في الكافي أنا أرويه بهذه الطرق ).
ومن قبيل:- إنه قال في طريقه الى حريز بن عبد الله السجستاني[8] من المشيخة بعد أن ذكر طريقين إلى روايته ما نصّه:- ( ما كان فيه عن حريز بن عبد الله في الزكاة فقد رويته عن ... عن ) ثم ذكر طريقين لخصوص ما وراه عنه في باب الزكاة فيظهر أن الطريق الذي عنده ليس هو طريقاً إلى صاحب الكتاب - أي نفس حريز - من دون نظرٍ إلى النسخة والكتاب المعيّن وإلا فالإفراز والتفصيل بين ما رواه في الزكاة وبين ما رواه في غير الزكاة لا يكون له معنىً.