1440/07/17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/07/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.
ثانياً:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) جعل الرواية المذكورة مؤيدة رغم ضعف دلالها واحتمال اختصاصها بباب المضاربة أو أنَّ الحكم فيها تعبدي ، ونحن نقول:- إننا نجعل الرواية مؤيدة أو يستأنس منها الدلالة الخفية فيما إذا فرض أنَّ الدلالة كانت تامة والسند كان ضعيفاً ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها ، فحينما نقول ويؤيد مدّعى هذه الرواية فمتى يصح استعمال هذا المصطلح ؟إنه إذا كانت الدلالة تامة ولكن كان السند ضعيفاً فنقول هي مؤيدة ، وإنما تصلح للتأييد في هذه الحالة لأنَّ احتمال الصدور موجود فمادامت الدلالة تامة واحتمال الصدور موجود تكون مؤيدة بلا إشكال وبالتالي يتقوى احتمال الصدور بضم برواية إلى صاحبتها لأنَّ احتمال الصدور موجود ، أما إذا كانت الدلالة ضعيفة فحتى لو كان السند تاماً لا يمكن التمسّك بها بنحو التأييد فإنها ضعيفة فكيف تكون مؤيدة واحتمال الصدور هنا لا يكفينا لأنَّ احتمال الصدور إنما يكفينا فيما إذا كانت الرواية تدل على مطلوبنا فيقوى حينئذٍ ما ندّعيه ، أما إذا لم تكن فيها دلالة فضمها إلى غيرها لا يكون موجباً للتأييد.
والنتيجة:- إنَّ هذه الرواية ليست صالحة للتمسّك بها حتى على مستوى التأييد.
الطائفة الثامنة:- ما ورد في باب التصرف في أموال اليتيم وأن من تاجر في أموال اليتيم يترتب عليه أمور ثلاثة فإذا حصلت خسارة يكون ضامناً لها وإذا حصل ربح فهو بتمامه لليتيم وإذا عطب المال كله يضمنه المتصرّف ، وهي رواية معتبرة السند كما يأتي لمحمد بن مسلم ، وسندها ما رواه الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسالم عن أبي عبد الله عليه السلام في مال اليتيم قال:- ( العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال[1] ، وقال: إن عطب أدّاه )[2] .
قبل أن نقرب الدلالة والمناقشة نبين قضية جانبية:- وهي أنَّ هذه الرواية دلت على أنَّ من يعمل بمال اليتيم يكون ضامناً لابد أن يكون المقصود منها غير الولي ، أما الولي الشرعي لابد أن يكون خارجاً عنها وذلك لما يلي:-
أوّلاً:- بعد أن جعله الشارع ولياً وجائز التصرف لا يحتمل أن يكون ضامناً فإنَّ هذا خلف ثبوت الولاية وجواز التصرّف له ، فعلى هذا الأساس المناسب هو عدم ضمان الولي ، فإنَّ نفس الولاية تتناسب مع عدم الضمان.
ثانياً:- إذا كان الولي ضامنا يلزم من ذلك أنَّ الولي سوف لا يتصرّف في مال اليتيم وإنما يضعه على جانب ويحتفظ به وسوف تنزل الأسعار والعملة ، وهذا كلّه سوف يصير خسارة لليتيم ، وهذا يلزم منه نقض الغرض ، فنحن نريد الربح لليتيم وغير ذلك.
وهذان الوجهان يمكن المناقشة فيهما ، ولكن المهم هو الوجه الثالث.ثالثاً:- الرواية الدالة على أنه لو تصرف الولي الشرعي فلا ضمان وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد[3] عن الحسن بن محبوب عن خالد بن حريز[4] عن أبي الربيع ، وخالد بن جرير لا يوجد توثيق في حقه من قبل النجاشي أو الشيخ فماذا نصنع ؟ قال الكشي في كتابه ما نصه:- ( محمد بن مسعود[5] قال سألت علي بن الحسن[6] عن خالد بن جيري الي يرويه عن الحسن بن محبوب فقال كان من بجيلة وكان صالحاً )[7] ، يعني هو من قبيلة بجيلة وكان صالحاً ، وهل يكفي قول النجاشي في حقه ( كونه صالحاً ) ؟ إنه يكفي ذلك ، لأنه لو كان يكذب أو كان مجهول الحال لا يعبّر عنه بأنه صالح الحال ، وهذه قضية استظهارية ، والظاهر أنه لا موجب للتوقف من ناحيته ، أما أبو الربيع فإنَّ توثيقه صعب ، وحينئذٍ تبقى هذه الرواية ضعيفة من هذه الناحية ، ولكن دلالتها تامة كما سوف يأتي ، فيمكن جعلها مؤيداً ، ونصّها:- ( قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم وهو وصيه أيصلح له أن يعمل به ؟ قال: نعم ، كما يعمل بمال غيره والربح بينهما[8] ، قال قلت: فهل عليه ضمان ؟ قال: لا إذا كان ناظراً[9] له )[10] .
والخلاصة من كل هذا:- نحن نريد أن نقول إنَّ الرواية الثامنة التي قرأناها والتي هي لمحمد بن مسلم هي وإن دلت على ضمان المتصرف في مال اليتيم والربح كله يكون لليتيم نحملها على غير الولي لهذه الأمور الثلاثة فإن قبلت بهذه الأمور الثلاثة فبها ، وإلا تبقى الرواية على اطلاقها.
وتقريب دلالة هذه الرواية على صحة تصرّف الفضولي:- إنه من الواضح أنَّ الرواية لم تذكر الاجازة ، والشيخ الأعظم(قده) ذكر هذه الرواية في المكاسب كمؤيدٍ لصحة عقد الفضولي وقال إنَّ تقريب دلالتها كتقريب دلالة الرواية السابقة ، وهو أن نقول: إما أن نحملها على صورة تحقق الاجازة ، فإنَّ المفروض أنَّ هذا الشخص ليس ولياً وقد صدرت الاجازة من ولي اليتيم أو الوصي عليه أو الحاكم الشرعي ، فإذا حملناها على صورة تحقق الاجازة فتصير من باب الفضولي وتدل على صحته بالاجازة ، ولكنه يحتمل اختصاصها بباب المضاربة في مال اليتيم فلا تتم في غيره إلا على مستوى المؤيد ، وإذا أبقيناها على ظاهرها فإنه لم يذكر فيها الاجازة ، يعني أنَّ هذا حكم ثابت حتى مع عدم تحقق الاجازة ، فتكون خارجة عن عقد الفضولي ، لأنَّ محل كلامنا هو في بيع الفضولي مع الاجازة لا بيعه من دون اجازة ، فتكون خارجة عن محل كلامنا ولكن يستأنس بها حيث قيل بأنه يستفاد منها على أنَّ المقارنة بين الإذن والعقد أو بين الرضا والعقد ليس لازماً ، فالإذن المتأخر أو الرضا المتأخر يكون كافياً والمقارنة ليست لازمة ، فنفس الكلام الذي قاله في تلك الرواية نطبّقه في هذه الرواية ، وهو حينما ذكر هذه الرواية قال في تقريب دلالتها:- ( إن حملت على صورة اجازة الولي ........ كان من أفراد المسألة[11] وإن عمل بإطلاقها خرجت عن مسالة الفضولي[12] لكن يستأنس بها لها بالتقريب المتقدم[13] )[14] .
ثم قال(قده) بعد ذلك:- وربما يقال إنَّ حكم الشارع بمضيّ المعاملة - يعني صحتها - اجازة إلهية ، يعني أنَّ الاجازة موجودة حتماً فلا نحتاج حينئذٍ إلى اجازة الولي لأنَّ الله تعالى أجاز ، لأنه حكم بالصحة ، لأنه حينما قال الربح يكون لليتيم فهذا يعني أنَّ هذه المعاملة صحيحة ، فحكم الشارع بمضيّ المعاملة هو اجازة إلهية ، فتكون دالة على صحة عقد الفضولي بالاجازة في موردها ، ولكن نتعدّى إلى غير موردها على سبيل المؤيد ، ثم قال ( فتأمل) ، ونصّ عبارته:- ( وربما احتمل دخولها في المسألة[15] من حيث أن الحكم بالمضي اجازة إلهية لاحقة للمعاملة فتأمل ).