34-08-22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
العنوان الثالث:- مرضوض الخصيتين.
وأما بالنسبة إلى المرضوض - وهو ما رضت خصيته دون أن تسلَّ وتنزع على خلاف الخصيّ فإنه تنزع منه الخصيتان بخلاف المرضوض فإنهما تدقّان وترضّان دون أن تنزعا وخلافاً للموجوء فإنه الذي دُقّت عروق خصيتيه أو انتزعت من دون أن تدقّ وترضّ نفس الخصيتين وربما عُطِفَ عطفاً تفسيريّاً بين المرضوض وبين الموجوء كما جاء في بعض الكلمات - فلم يرد ذكره في رواية تمنع الاجتزاء به ، نعم لو عدّ نقصاً في الحيوان كان مشمولاً بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة الدالة على أن كل ناقصٍ لا يجتزأ به ، ولكن تقدم التشكيك في صدق عنوان النقص باعتبار أن قيمة الحيوان لا تنقص بذلك بل إن أصحاب المواشي يقصدون الخِصاء والرضِّ وهذا معناه أنه صفة مطلوبة ومقصودة فلا تعدُّ نقصاً.
بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إنه ليس فقط لا يمكن التمسك بإطلاق صحيحة علي بن جعفر لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية بل نقول هناك رواية قد يفهم منها الاجتزاء بالمرضوض وهي صحيحة معاوية بن عمار:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام اشترِ فحلاً سميناً للمتعة فإن لم تجد فموجأً فإن لم تجد فمن فحولة المعز فإن لم تجد فنعجة فإن لم تجد فما استيسر من الهدي )
[1]
بتقريب أنها قالت:- ( فإن لم تجد فموجأ ) ثم قالت ( فإن لم تجد فمن فحولة المعز فإن لم تجد فنعجة ) ومعلوم أن النعجة وفحولة المعز يجزي في حالة الاختيار فذِكر الموجأ قبلهما يدلّ على أنه يجزئ في حالة الاختيار وأن هذا الترتيب ترتيبٌ في درجات الفضيلة والرجحان لا أن إجزاء الموجأ في طول تعذر الفحل السمين ، وعليه فلا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بالمرضوض كما جاء في عبارة السيد الماتن(قده).
العنوان الرابع:- الكبير الذي لا مخَّ له.
والمقصود من المخّ هو ما يوجد في العظام وليس المقصود بالمخ ذلك المعنى الذي يكون في الراس كلا وإنما هو ما يكون في العظام وعدم وجود المخّ قد ينشأ من كبر السنّ وقد ينشأ من الهُزال ، وعلى أي حال لا توجد رواية تدلّ على عدم الاجتزاء بالمذكور . نعم نقل البراء بن عازب كما جاء في المعاجم الحديثية لأهل السنّة بأنه روى عن النبي صلى الله علي وآله كما جاء في مسند أحمد بن حنبل:- ( .... قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله ويدي أقصر من يده فقال:- أربع لا تجزئ العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن ظَلْعُها ، والكسير التي لا تنقي ... )
[2]
وجاء في نفس المصدر في الحديث رقم ( 18569 ) هكذا ( والكسير التي لا تنقى ) وفي نفس المصدر أيضاً حديث رقم ( 18699 ) جاء:- ( والعجفاء التي لا تنقى) ومحلّ الشاهد هو في هذه العبارة ، وفي مجمع البحرين جاء:- ( النّقْي بكسر النون وسكون القاف المخّ من العظام والعجفاء التي لا نِقْيَ لها أي المهزولة التي لا نِقْيَ فيها من الهزال ) ، وفي السرائر
[3]
ذكر رواية البراء بن عازب وكانت العبارة الأخيرة هكذا:- ( والكسير الذي لا ينقى ) ثم ذكر ما نصّه:- ( قال محمد بن ادريس
[4]
معنى لا ينقى بالنون والقاف الذي لا نِقْيَ له لأن النِقْيَ بالنون المكسورة والقاف المسكّنة المخّ ).
أقول:- هذا شيء واضح - يعني أن النقي بمعنى المخّ - ولكن هذا الاشتقاق لا أعرف وجهه - أي ( لا ينقى ) أو ( لا ينقي ) - وإنما المناسب أن يعبّر هكذا ( والكسير - أو العجفاء - التي لا نِقْيَ لها ) أما الاشتقاق بالفعل المضارع فلا معنى له وهذه قضيّة لغوية لا تهمنا.
إذن هذه الرواية دلت على أن الحيوان إذا لم يكن له مخّ فلا يجتزأ به وهي وإن لم تحدّد ذلك بالهدي إذ لم يرد فيها أنه صلى الله عليه وآله قام فينا خطيباً وقال ( الهدي .. ) وإنما قال ابتداءً ( لا يجتزأ بأربع ) أما أين ؟ فلعه في الأضحية فنحتاج إذن إلى التقريب السابق فنقول هي إما مطلقة فتشمل المقام بالإطلاق أو نقول إن موردها هو الأضحية ولكن بضم الأولويّة يثبت المطلوب.
ولكن كل هذا لا ينفع بعد ضعف السند . نعم من باب الأحوط الاستحبابي أو الأرجح أن لا يكون لا مخّ له فهذا شيء جيد أما أن نجعل ذلك أمراً لازماً فلا مدرك له ، اللهم إلا أن يقول قائل إن هذا مصداق للناقص فإنه إذا لم يكن فيه مخّ فهو ناقص فيكون مشمولاً لإطلاق صحيحة علي بن جعفر بلا حاجة إلى رواية خاصّة في المورد المذكور.
بيد أن هذا محلّ تأمل فإن قيمة الحيوان قد لا تنقص بذلك فسواء كان في عظامه نِقْي أم لم يكن فيه فإنه لا يؤثر فيشك في صدق عنوان الناقص عليه ، بل يمكن أن يقال إن صحيحة علي بن جعفر منصرفة إلى العيوب الظاهرة والبيّنة دون التي تكون في الداخل ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية إلا أن يفترض أن عدم وجود المخّ قد نشأ من الهُزال فيدخل في عنوان الهزيل وحكمه حكمه وهو عدم الاجتزاء كما ذكرنا سابقاً.
العنوان الخامس:- المريض.
وأما بالنسبة إلى المرض فيمكن أن يقال هو ليس بنقص أو بعيب فالشخص إذا كان مريضاً يوماً أو يومين أو شهر أو أكثر لا يقال هو نقصٌ أو معيبٌ . نعم إذا قطعت يده أو اصبعه فهو ناقصٌ أو معيبٌ أما مجرد المرض فلا يعدُّ عيباً ونقصاناً ، اللهم إلا أن يكون شيئاً ملازماً - أي أن المرض ملازماً له - أما ما يطرأ ويزول فصدق عنوان النقص عليه ليس بواضحٍ . نعم رواية البراء قد اشتملت على عنوان المريضة البيّن مرضها ولكن قلنا هي مرفوضة من حيث السند اللهم إلا أن نسلك طريق بعض القدماء كالشيخ النراقي(قده) فإنه ذكر ما نصّه:- ( لا تجزئ المريضة البين مرضها باتفاق العلماء كما عن المنتهى لرواية البراء المنجبر ضعفها بما ذكر )
[5]
فإنه أخذ برواية البراء بسبب انجبارها بالإجماع المنقول والمدّعى من قبل العلّامة فإذا كنّا نبني على مثل هذا المسلك السمح اللّين - وهو أن الرواية وإن كانت ضعيفة السند ولكن متى ما كانت موافقة للإجماع المنقول ولو على هذا المستوى تكون منجبرة لأمكن الحكم بذلك ولكنّ هذا ليس بتام.
العنوان السادس:- مشقوق الأذن ومثقوبها.
وأما إذا كان الحيوان مشقوق الأذن أو مثقوب الأذن دون المقطوع فإن القطع نقصٌ وعيبٌ واضح وتزول به جمالية الحيوان فالقطع هو عيبٌ بلا إشكال وإنما الكلام في شق الأذن وثقبها ، وقد ذكر في الجواهر(قده) أنه لا بأس به حيث قال:- ( بلا خلاف أجده )
[6]
ولكنه أضاف قيداً وقال:- ( مادام لم ينقص منها شيء ) - أي من الأذن أما مجرّد الشقّ فلا بأس به -.
هذا ولكن المناسب هو الجواز لأن مجرّد الثقب أو الشقّ لا يوجب نقصاناً في القيمة وبالتالي لا يوجب صدق عنوان الناقص ولا أقل يشك في ذلك فالمناسب هو الجواز لو خلّينا نحن وصحيحة علي بن جعفر دون أن تأتي رواية خاصّة.
ولكن ورد في صحيحة الحلبي:- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الضحيّة تكون الأذن مشقوقة فقال إن كان شقها وسما فلا بأس وإن كان شقاً فلا يصلح )
[7]
، وموردها هو الأضحية وليس الهدي ولكن بضمّ فكرة الأولويّة يمكن الاستفادة منها في المقام . وربما جاء في بعض الروايات الضعيفة السند كرواية شريح بن هاني
[8]
النهي عن الشرقاء وفسَّر الصدوق رحمه الله ذلك بمشقوق الأذن على ما نقل الحرّ العاملي ، بيد أنها ضعيفة السند فالمهم هو صحيحة الحلبي المدعومة بهذه الرواية.
ولكن يمكن أن يقال:- إنه رغم وجود هاتين الروايتين يمكن أن يقال إن المسألة ابتلائية فإن الكثير من الحيوانات هي من هذه القبيل - أي مشقوقة الأذن - ولعلّ غير المشقوق وجوده يكون نادراً فالمسألة ابتلائية وينبغي أن يكون حكمها واضحاً وصاحب الجواهر(قده) نقل الاتّفاق وعدم الخلاف على أنه لا يضرّ ومعه تحمل صحيحة الحلبي على كراهة أن لا تكون مشقوقة الأذن أو استحباب أو لا تكون مشقوقة الأذن لهذه القرينة وألا - كما قلت - فحيث إنها عامّة البلوى فيلزم أن يكون الحكم بعدم الاجتزاء واضح والحال أن الفقهاء ذهبوا إلى الاجتزاء كما نقل صاحب الجواهر(قده).
على أنه يمكن أن يستفاد من بعض الروايات الاجتزاء بمشقوق الأذن أعني بذلك موثقة السكوني المذكورة في نفس الباب
[9]
فإنه صلى الله عليه وآله قال لا يضحّى بمجموعةٍ من الحيوانات وأحدها الجدعاء وفسِّرت الجدعاء بمقطوعة الأذن ومفهوم ذلك هو أن مشقوقة الأذن تجزئ وإلّا فلماذا التخصيص بمقطوعة الأذن لو فرض أن مشقوق الأذن لا يجوز ؟! فكان الأجدر التنبيه على أن المشقوق لا يجوز أو لا على الأقل يُذكَر كلاهما أما أن ينصَّ بالخصوص على أن الجدعاء لا تجزئ فهذا يُفهم منه أن المشقوق يجوز وبذلك تكون معارضة لصحيحة الحلبي فتلك قالت إنه لا يضحّى بهما وهذه نفهم منها أنه يجوز أن يضحّى بها وعليه فتحمل تلك الرواية على الرجحان.
[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص107، ب، ح7، آل البيت.
[2] مسند أحمد، ج4، ح 18537
[3] السرائر، ابن ادريس، ج1، 597.
[4] أي هو(قده).
[5] مستند الشيعة، النراقي، ج12، ص319.
[6] جواهر الكلام، ج19، ص143.
[7] وسائل الشيعة، ج14، ص129، ب23 من أبواب الذبح، ح2.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي ، ج14، ص125، ب21 من أبواب الذبح، ح2.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي ، ج14، ص125، ب21 من أبواب الذبح، ح3 ، ح5.