34-08-08
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- تتمة مسالة ( 383 ) ، مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا وقد يقال:- إن الطائفة الثانية لم تصرِّح بكون الهدي هدياً واجباً ولعلها ناظرة إلى الأضحية المستحبة أو إلى الهدي غير الواجب كهدي المفرد فإنه ليس واجباً في حقة . إذن الطائفة الثانية التي دلت على جواز الاشتراك إذا كانوا أصحاب خوانٍ واحد أو غير ذلك يمكن أن تكون ناظرة إلى حالة عدم كون الهدي واجباً ومعه تعود الطائفة الأولى المانعة وغير المجوّزة للاشتراك بلا مانعٍ إذ المانع هو الطائفة الثانية وقد فرضنا أنها ليست واضحة في الهدي الواجب . هكذا ربما يخطر الى الذهن بل لعلّه قيل.
والسيد الحكيم(قده) كأنه صار بصدد الإجابة عن هذا المطلب فقال:- إن في بعض روايات الطائفة الثانية ما هو واضح في كونه وارداً في الهدي الواجب فصحيح أن سائر روايات هذه الطائفة ليس فيه هذا الوضوح ولكن هناك رواية واضحة وأعني بها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج - التي هي الرواية الثانية من الطائفة الثانية - ونصّها:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ألهم أن يذبحوا بقرة ؟ قال:- لا أحب ذلك إلا من ضرورة ) . إذن هذه واردة في الهدي الواجب لأنها عبّرت وقالت ( وهم متمتعون ) وإذا كان الحاج متمتعاً فهدية يكون واجباً . إذن لا يمكن أن نقول إن جميع روايات الطائفة الثانية يمكن حملها على الهدي غير الواجب كلّا بل هذه الرواية يمكن حملها على الهدي الواجب ونصّ عبارته هكذا:- ( والانصاف أن بعض تلك النصوص ظاهر في الهدي الواجب مع صحة سنده كصحيح بن الحجّاج فالعمل به متعيّن )
[1]
هكذا ذكر(قده) .
وفي القابل قد يردّ عليه ويجاب:- إنا نسلّم بأنها ناظرة إلى الهدي الواجب ولكن من قال إن الإمام عليه السلام قد جوَّز حتى تصير هذه الرواية مصداقاً للطائفة الثانية وبالتالي تكون معارضة للطائفة الأولى ؟ كلا إن الإمام عليه السلام أجاب وقال ( لا أحب ) وفقرة ( لا أحب ) تدلّ على جامع المرجوحيّة التي تلتئم مع الكراهة والحرمة - أي عدم الجواز - ومعه فلا تكون معارضةً للطائفة الأولى المانعة فتعود الطائفة الأولى المانعة بلا معارضٍ حتى من قبل هذه الرواية.
وفيه:- إن هذا وإن كان وجيهاً - يعني أن فقرة ( لا أحب ) تلتئم مع الجامع - ولكن ورد بعد ذلك استثناء حيث قيل ( إلا من ضرورة ) وهذا معناه أنه يجوز الاشتراك في بعض الحالات ، يعني سلمنا أن ( لا أحب ) تدلّ على الحرمة وعدم الجواز ولكن بالتالي يصير التقدير هكذا:- ( لا يجوز إلا في حالة الضرورة ) كما اذا فرضنا أن الحاج لا يمتلك مقدار ثمن الهدي فهذه ضرورة فحينئذ تكون هذه الرواية دالة على الجواز غايته في حالة معيّنة وهي حالة الضرورة وليست نافية للجواز بشكلٍ كليٍّ . إذن هي تدلّ على الجواز ولكن في الجملة وليس بالجملة.
هذا مضافاً إلى أنه من المناسب أن نردّ على السيد الحكيم(قده) بجوابٍ آخر ما تقدم:- وهو أن الرواية قالت ( وهم متمتعون ) ومن المعلوم أن المتمتع يجوز له أن يضحّي والرواية لم تقل ( أرادوا أن يذبحوا الهدي الواجب ) بل قالت ( وهو متمتعون ) فحملها على الأضحية المستحبة شيءٌ ممكنٌ ووجيه . إذن لا يمكن أن نقول إن هذه الرواية ظاهرة في الهدي الواجب كلا بل هي واضحة في كونهم متمتعين إلا أنه لا يلزم في المتمتع أن يكون كلّ ما يقوم به من ذبحٍ أن يكون واجباً بل لعلّه مستحبٌ من باب الأضحية المستحبّة فإنها قالت هكذا:- ( سألت أبا إبراهيم عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون ... ألهم أن يذبحوا بقرة ؟ ) . إذن هي تلتئم مع الهدي المستحب.
ومن خلال هذا يتضح أن الوجيه في المسألة هو أن يقال:- إن روايات كل من الطائفتين مطلقة فالأولى تدل بإطلاقها - أو ترك الاستفصال - على العموم - أي عموم عدم الجواز - وبإطلاقها تشمل الهدي الواجب والثانية مطلقة أيضاً فتتعارضان في الهدي الواجب ، فمثلاً الطائفة الأولى ورد فيها هكذا ( لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى ) وهي كما ترى مطلقة للهدي الواجب المستحب ، والرواية الثانية في الطائفة الأولى قالت هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عن النفر تجزيهم البقرة ؟ قال:- أما في الهدي فلا ) وهذه أيضاً مطلقة من حيث كون الهدي واجباً أو مستحباً ، والرواية الثالثة هكذا:- ( تجزئ البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد ) وهذه أيضاً يمكن أن يقال بأنها مطلقة - يعني سواء كان واجباً أو مستحباً فمادام هو في منى فلا يجوز - .
إذن روايات الطائفة الأولى مطلقة وروايات الطائفة الثانية مطلقة أيضاً فلاحظ منها مثلاً الرواية الأولى - أعني صحيحة معاوية بن عمار - حيث قالت:- ( تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد ) فإنها مطلقة أيضاً من حيث كون الهدي واجباً أو ليس بواجبٍ والبقرة واجبة أو ليست بواجبة .... وهكذا في بقيّة روايات هذه الطائفة فهي على هذا المنوال.
إذن يمكن أن نقول:- إما أن ندّعي أن الطائفة الأولى مطلقة والطائفة الثانية مطلقة وتتعارضان في محلّ الكلام يعني في الهدي الواجب - فتلك تقول لا يجوز بإطلاقها وهذه تقول يجوز بإطلاقها وبعد التعارض تتساقطان حينئذٍ ونرجع إلى العموم الفوقاني وذلك العموم هو مثل صحيحة زرارة المتقدمة التي تقول:- ( في المتمتع ، قال :- وعليه الهدي ، قلت:- وما الهدي ؟ قال:- أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة ) إن هذه الرواية تصلح أن تكون عموماً فوقانيّاً وتدلّ على أنّ كل حاجّ متمتع عليه الهدي وظاهره أنه عليه هديٌ بشكلٍ كاملٍ لا نصف هديٍ حيث قال ( عليه الهدي ) فتصلح أن تكون مرجعاً فوقانياً وتكون النتيجة حينئذ هي الجواز من دون أن تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي هو البراءة مثلاً.
أو نقول:- إن الطائفة الأولى التي قالت ( لا تجزي ) يوجد فيها قدر متيقن والقدر المتيقن فيها هو الهدي الواجب . نعم هي ظاهرة بإطلاقها في الشمول لغير الهدي الواجب ولكن القدر المتيقن هو الهدي الواجب والثانية التي تقول ( يجزي إذا كانوا أهل خوانٍ واحد أو غير ذلك ) القدر المتيقن فيها هو الهدي المستحب والأضحية المستحبة . نعم قد يقال إنها بظهورها الاطلاقي تشمل الواجب أيضاً ، وعلى هذا الأساس نأخذ بالقدر المتيقن الثابت في كلِّ طائفة ونترك ظهور كل طائفةٍ لأجل القدر المتيقن الثابت في الطائفة الأخرى وعلى هذا الأساس تعود النتيجة كما هي - أي أن الهدي الواجب لا يجوز فيه الاشتراك -.
إذن سواء أخذنا بذلك الطريق أم بهذا فالنتيجة هي عدم جواز الاشتراك.
وقبل أن ننهي المسالة ينبغي أن نلفت النظر إلى أن هذا الكلام كلّه في غير الشاة وأما إذا كان الهدي شاةً فكما قلنا سابقاً إنه ينبغي إخراجه عن محلّ البحث - يعني لا يجوز الاشتراك جزماً - فإن روايات الطائفة الثانية المجوِّزة ناظرة إلى البدنة والبقرة أما الشاة فلا يوجد فيها ما يدلّ على الاشتراك حتى يأتي الكلام المذكور فيها.
والخلاصة من كل ما ذكرنا:- إن الاشتراك في الشاة لا يجوز جزماً لعدم ورود رواية تدلّ على ذلك ، وأما بالنسبة إلى غير الشاة فالمناسب عدم الجواز إما لأجل أن المعارضة هي بنحو العموم من وجه بين الاطلاقين فنرجع في مادّة الاجتماع - وهي الهدي الواجب - إلى اطلاق صحيحة زرارة ، أو نقول إن كلّ واحدةٍ تشتمل على قدرٍ متيقنٍ هي نصٌّ فيه وظاهرةٌ في الأوسع فنترك ظهور كلِّ واحدٍ بنصيّة الأخرى والنتيجة واحدةٌ لا تتغيّر من هذه الناحية.
مسألة ( 384 ):- يجب أن يكون الهدي من الإبل أو البقر أو الغنم . ولا يجزئ من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ولا من البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط ولا يجزئ من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع ودخل في ثامن والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية .....
..........................................................................................................
هناك ثلاث قضايا بحثها الفقهاء وقد تعرضت إليها هذه المسألة وكان من المناسب الفصل بينها حتى لا تصير المسألة طويلة ، وعلى الأقل تذكر في مسألة واحدة بشكل آخر حيث يقال هكذا:- ( يلزم في الهدي:- أ- من حيث النوع أن يكون بقرة أو .... ، ب- من حيث العمر فكذا وكذا ، ج- من حيث الصفات فكذا وكذا ) فتكون المسألة ممنهجة من دون تشويش.
أما القضايا الثلاث التي تعرض إليها الفقهاء فهي:-
القضية الأولى:- ما هو الهدي المجزي في حق الحاج فهل تتعين الأنعام الثلاثة أو يجوز هدي غيرها كالديك الكبير أو النعامة أو غير ذلك ؟
القضية الثانية:- بعدما قلنا أن الأمر ينحصر بهذه الثلاثة فما هو السنّ المعـتبر في كلِّ واحـدٍ منهـا ؟
القضية الثالثة:- ما هي الأوصاف اللازمة في هذه الثلاثة ؟
قال صاحب الشرائع(قده):- ( إن الكلام يقع تارةً في الجنس وأخرى في السنّ وثالثةً في اعتبار كونه تامّاً ).
وكلامنا يقع في البداية من حيث القضية الأولى:-
ذكر الفقهاء أنه يلزم أن يكون الهدي الواجب من أحد الأنعام الثلاثة وعلى هذا الأساس فلا يجزي الغزال ولا البغل ولا الطيور ولا غيرها ، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه )
[2]
، وقريب من ذلك ذكر في المدارك
[3]
، والسؤال هو:- ما هو المدرك لتعيّن هذه الحيوانات الثلاثة ؟ - وواضح أنا إذا كنّا نعتمد على الإجماع مثل بعض القدماء فأمرنا سهلٌ فنقول إن ذلك للإجماع وتنتهي القضية أما إذا قلنا إن الإجماع لم تثبت حجيته لأنه محتمل المدرك أو غير ذلك فكيف نستدل ؟-.
[1] دليل الناسك، الطباطبائي الحكيم، ص369.
[2] جواهر الكلام، حسن الجواهري، ج19، ص136.
[3] مدارك الاحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص28.