34-08-02
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الواجب الخامس من واجبات حج التمتع - وهو الثاني من أعمال منى في اليوم العاشر- ( الذبح أو النحر في منى ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
القضية الرابعة:- لو وكّل الحاج شخصاً على أن يذبح له في الساعة التاسعة مثلاً والمفروض أنه يرمي في الساعة الثامنة وفرض أن الحاج رمى في الساعة الثامنة ولما صارت الساعة التاسعة اعتقد أن الوكيل قد ذبح فزاول هذا الحاج بقيّة الأعمال - يعني الحلق والطواف والسعي وما شاكل ذلك ولكن وحينما انتهى من الأعمال التقى بوكيله فتبين له أنه لم يذبح أصلاً - لسببٍ وآخر - فالذبح لم يتحقق أبداً فهنا يقع السؤال عن حكم الأعمال التي أتى بها فهل هي صحيحة ؟ وما هو حكمه الفعلي فهل يجب عليه الذبح أو لا ؟ وهل حجّه صحيح أو باطل ؟ فهذا ما نريد التحدث عنه.
والجواب:-
أما بالنسبة إلى أعماله:- فالمناسب صحتها طبقاً للروايات الدالة على أن من قدّم وأخّر لا حرج عليه مادام ذلك عن جهلٍ أو نسيانٍ والمفروض أن المورد من مصاديق الجهل فالحاج قد أتى بالحلق والطواف والسعي قبل الذبح جهلاً - يعني باعتقاد أن الذبح قد تحقق - فحينئذ يكون مشمولاً للروايات المذكورة . إذن من حيث العمل لا إشكال في صحته.
وأما من حيث أنه هل يجب عليه أن يذبح أو لا فالجواب:- إذا فرض أنه انكشف له ذلك قبل أن تنقضي أيام التشريق فالمناسب أن يذبح فإن الرواية دلت على أن أيام الذبح باقية ببقاء أيام الشريق ولا مشكلة ، وإذا فرض أنه انكشف له ذلك بعد أيام التشريق فالمناسب في مثل ذلك تأجيل الذبح إلى السنة الثانية فإن أيام الذبح قد انتهت كما صرّحت بذلك بعض الروايات وأما ما دلَّ على أن من وجد الثمن وفقد الهدي فله الامتداد إلى ذي الحجّة فتلك واردة في موردها وأما في غير ذلك فنبقى نتمسك بما دلَّ على أن أيام الذبح إذا انتهت تعطّل الذبح آنذاك وينتهي فعليه أن ينتظر إلى السنة الثانية.
وقد تسأل وتقول:- وهل له أن يأتي بالصوم كبديلٍ عن الذبح ؟
والجواب:- كلّا فإن الصوم هو بدلٌ لمن لا يتمكن أن يذبح لفقدان الثمن أو الهدي والمفروض هنا أنه متمكن فلا يشمله ما دلَّ على شرعيّة الصيام بدل الذبح ، فالوظيفة هي أن يبقى إلى السنة الثانية.
إن قلت:- هل يمكن أن نحكم بأن حجّه باطل رأساً لأجل أن أحد أجزاء الحج هو الهدي والمفروض أنه لم يتحقق والمركب ينعدم بانعدام بعض اجزائه فالمناسب للقاعدة الحكم بالبطلان مادام انتهت أيام التشريق وعلى من يدّعي الصحة إقامة الدليل على الصحة وإلا فالقاعدة تقتضي البطلان ؟
والجواب:- إنه يمكن الحكم بالصحة من حيث القاعدة ومن حيث الروايات:-
أما من حيث القاعدة:- فأنت قد فرضت في التساؤل أن الذبح جزء من الحج وجزئيته جزئية مطلقة إنه إذا ثبت ذلك فالقاعدة إذن تقتضي البطلان ولكن من أين لك هذا ؟! فإن مستند وجوب الذبح هو أما ما أشرنا إليه من الأدلة اللبية - أعني مثل سيرة المسلمين على الإتيان به بنحو اللزوم أو غير ذلك - والقدر المتيقن منها غير المقام ولا إطلاق في الأدلة اللبيّة ، وقد نستفيد من بعض الروايات وجوب الذبح ولكنّها ليست في مقام البيان من ناحية أن الجزئية جزئية مطلقة في جميع الحالات أو لا . نعم أقصى ما تدل عليه مثلاً هو أن من ضل هدية يُذبَح في منى وإذا ذبح في غيرها فلا يجزي .. وما شاكل ذلك وهذا وما شاكله ليس في مقام البيان من ناحية أن الجزئية في دائرة محدودةٍ أو في دائرة مطلقة فهي مسكوت عنها . إذن بمقتضى القاعدة لا يمكن إثبات أن الجزئية جزئية مطلقة - هذا لو ثبت أصل الجزئية
وأما إذا أراد شخص أن يناقش في هذا المطلب وقال إن الذي أسلمه هو الوجوب وأما أنه جزء فهذا يصعب اثباته بالصناعة فالأمر يكون آنذاك أوضح ونحن لا نحتاج إلى تصعيد اللهجة بل يكفينا أن نقول إن الجزئية المطلقة ليست بثابتة فلا وجه للحكم بالبطلان على طبق القاعدة.
وأما بمقتضى الروايات:- فهي واضحة الدلالة على أنه لا يبطل الحج بترك الذبح وإنما الوظيفة هي إما الامتداد إلى نهاية ذي الحجّة كما دلت عليه صحيحة حريز مثلاً أو أن الوظيفة هي الذبح في العام المقبل أو الوظيفة الانتقال إلى الصوم أما أنه يبطل الحج فلا توجد رواية تدلّ عليه وكأن المستفاد من الروايات الحكم بالصحة وإلا فلا يوجد بطلان بترك الذبح إذا كان ذلك عن عذرٍ.
القضية الخامسة:- لو فرض أن صاحب الحملة أخذ الوكالة من أصحابه الحجيج على أن يشتري لهم الهدي ويذبح عنهم فما هي الطريقة الصحيحة ؟
والجواب:- قد يذهب البعض من دون التفات إلى المسألة ويشتري مجموعة من الأغنام مثلاً كخمسين هدياً للخمسين من الحجاج الذين معه ويقول هذه لجماعتي ويذبح عنهم من دون تعيين ، إن هذا باطل ولا أقل يشكل الحكم بصحته إذ لم يتعيّن مالك هذه الشاة من هو فلابد إذن من التعيين.
والتعيين له طريقتان طريقة قد يكون فيها شيء من الكلفة وأخرى أسهل منها:-
أما التي فيها كلفة:- أن يرقِّم الحيوانات وقد كتب لنفسه في ورقةٍ أسماء الحجاج حسب الترقيم فيشتري من المالك هذا القطيع حسب هذه الأرقام على أن يكون الهدي الأول للحاج الأول والثاني للثاني ... وهكذا وهذا شراء صحيح وحينئذ حينما يذبح يكون هناك يعيين أيضاً في مقام الذبح لأن المرقمة بالرقم واحد منويّة عن صاحبها والثانية عن الثاني وهكذا ولكن الكلفة التي هي موجودة هنا هي أنه لابد من عمليّة الترقيم ولعله فيها شيء من الكلفة والنظر.
وأما الطريقة الثانية التي ليس فيها كلفة:- فهي أن يرتّب الشياه واحدة تلو الأخرى من دون ترقيم فينوي شرائها الأولى عن الأول والثانية للثاني وهكذا فحينئذ يكون التعيين موجوداً وحينئذ يقع الشراء صحيحاً غايته سوف يقع اختلاف بعد ذلك وهو لا يضر ففي مقام الذبح أنا أنوي ذبح كل واحدةٍ من الشياه عن صاحبها الواقعي فهناك تعيّن واقعي ومادام هناك تعيّن واقعي واجمالي فالذبح إذن يقع صحيحاً.
إذن لابد بالتالي من التعيين بشكلٍ ما فإنه لابد منه غايته أن التعيين له أشكال وأنحاء وقد يوجد نحو ثالث من التعيين أو رابع
[1]
وهذا ليس بمهم وإنما المهم هو أني أريد التعيين في الجملة وإلا فمن دون تعيين يكون أصل الشراء محلّ إشكال والذبح أيضاً يكون محلّ إشكال إن لم نجزم بالبطلان وهذه قضية جديرة بالالتفات إليها.
القضية السادسة:- لو فرض أن شخصاً وكلّني في أن اشتري له شاة وأذبح عنه والمفروض أني أيضا حاج وأريد أن أذبح عن نفسي فاشتريت شاةً وغفلت عن تعيينها لنفسي أو عن صاحبي وحينما ذبحت أيضاً ذبحتها مع الغفلة فإنه في مثل هذه الحالة هل يقع الشراء صحيحاً ولمن ؟ وهكذا الذبح هل يقع صحيحاً ولمن ؟
قد يقال بأن المناسب هو البطلان باعتبار أنه لم يعيّن الشراء لنفسه أو لغيره كما أنه لم يعيّن الذبح لنفسه أو لغيره فيصير مجهولاً فيبطل أصل الشراء كما أنه يبطل الذبح ويكون هدراً ويكون هو ضامن وخاسر.
ولكن يمكن أن يحكم بالصحة لنفسه وذلك باعتبار أن الوقوع عن الغير هو الذي يحتاج إلى قصدٍ والى مؤونة وأما إيقاعه عن نفسه فلا يحتاج إلى عدم قصد الغير ولا يحتاج أن يقصد عن نفسه فالوقوع عن نفسه لا يحتاج إلى قصد وإنما الذي يحتاج إلى قصد هو الوقوع عن غيره وحيث أنه لم يقصد الغير فيقع آنذاك عن نفسه شراءً كما أنه يقع عن نفسه ذبحاً وبالتالي يحكم بالصحة.
[1] كما لو اشتريت الخمسين شاة لنفسي ثم أخرج الشاة والأولى وأقول بعته لفلان الأول وأقول قبلت عنه فأنا موجب بالأصالة وقابل بالوكالة ثم أقدمه للذبح وهذه طريقة أخرى لا بأس بها.