39/04/01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/04/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.
والذي نقوله في هذا المقام:- إنَّ المناسب عدم الضمان ، فإنه قبل ظهور المالك لم يكن هناك ضمان فإنَّ ظاهر الأمر بالتصدّق هو أنه طريق لرفع شغل الذمة والقدر المتيقن كما قلنا هو حالة عدم ظهور المالك ، فلا يوجد شغل ذمّة ، فلا يوجد ضمان قبل ظهور المالك لروايات التصدّق بضمّ الدلالة الالتزامية العرفية فإذا ظهر المالك وطالب بالضمان نستصحب عدم الضمان السابق فيثبت عدم الضمان بالاستصحاب ، وبقطع النظر عنه تجري البراءة إذ نشك في ثبوت الضمان وعدمه فيكون شكاً بدوياً في شغل الذمّة فيكون مجرى البراءة ، ومن الواضح أنَّ المقصود هو بعد انتفاء ما يحتمل كونه موجباً للضمان ، فنفس التصدّق الذي هو نحوٌ من الاتلاف قد وقع بإذن الولي الشرعي فلا يكون موجباً للضمان ، وقاعدة الاتلاف لا يمكن تطبيقها بعدما كان هذا التصرّف بإذن الولي الشرعي ، واليد أيضاً ليست موجبة للضمان بعد كونها يداً أمينة والشارع قد أمر بكلّ ما قامت به من تصرّفات ، ورواية حفص كما قلنا هي لو تمت سنداً يحتمل اختصاصها بموردها ، فعلى هذا الأساس لا يعود هناك شيء يحتمل كونه موجباً للضمان فالمجرى هو البراءة ، وقبل البراءة استصحاب عدم الضمان.
ومنه يتضح النظر فيما ذكره صاحب الجواهر(قده) فإن له كلاماً في المقام حيث قال:- ( نعم ينبغي أن يعزم على الضمان لو ظهر صاحبه ..... ولو اراد السلامة من ذلك سلّمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب فالإيصال إليه بمنزلة الوصول إلى المالك )[1] .
إنه يمكن أن يعلّق على الفقرة الأولى[2] :- بأنه هل المقصود من ( ينبغي أن يعزم ) أنَّ هذا مطلوب منه شرعاً ؟ كلا ، فلماذا يعزم على الضمان مادام قد تصرّف على طبق ما أمر به الشرع[3] فالعزم على الضمان لا معنى له بعد الأمر الشرعي بالتصدّق ؟!! ، واستصحاب الحالة السابقة وهي عدم الضمان السابق ، نعم إذا كان مقصوده أنه يليق بالمؤمن أن يفعل هذا فهذه قضية أخلاقية أما كحكمٍ شرعي فلا موجب له.
ثم قال:- ( ولو أراد السلامة من ذلك[4] سلّمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب ) ، فكلامه هذا يوحي بأنه لو لم يسلّمه إلى الحاكم ثبت عليه الضمان ، والحال أنَّ الشرع بعدما جوّز له التصدّق فالضمان مرتفع عنه بلا حاجة إلى التسليم إلى الحاكم الشرعي.
الفرع الثامن[5] :- هل يلزم استئذان الحاكم الشرعي في التصدّق ؟
والجواب:- هناك بعض الأمور التي تذكر في مجال هذا المجال[6] وهذه الأمور هي أنصاف أو أرباع وجوه إن لم تكن أقل من ذلك ، وضم بعضها إلى بعض قد يوجب في نفسية الفقيه الاحتياط الوجوبي وقد لا تبلغ هذا المستوى فيحتاط استحباباً وهي:-
الوجه الأوّل:- أن يقال: إنَّ هذا التصدّق هو تصرّف في مال الغير من باب الحسبة[7] ، فإنا لا نحتمل أنَّ الشارع يرضى بإهمال هذا المال وإبقائه إلى الأبد حتى يتلف بأن يأخذه السارق أو الورثة ، فنحن نجزم بأنه يرضى بذلك ، وبعد الجزم برضاه من باب الحسبة نشك في أنَّ رضاه هل هو منوط برضى صاحب لمال المجهول ووليه[8] أو لا ، والقدر المتيقن من احراز رضا الشارع ما إذا كان ذلك بإذن الحاكم الشرعي فنقتصر عليه ، وكل الأمور التي تثبت من باب الحسبة يأتي فيها هذا الكلام[9] ، لأنه لا يوجد دليل لفظي يتمسّك بإطلاقه وإنما من باب احراز الرضا واليقين بالرضا إنما هو موجود إذا اجتمعت القيود المحتملة ، هكذا ربما يقال.
والجواب واضح:-
أما دعوى أنَّ التصرّف هو من باب الحسبة فلا معنى له ، فبعد أن أمر الشارع بالتصدّق لا معنى لإدخال الحسبة في المقام.
مضافاً إلى أنَّ اعتبار إذن الحاكم من باب أنه وليّ الغائب يرد عليه:-
أولاً:- هو ليس وليّ الغائب، ولعلّ هذه كلمة تداولتها الألسن الفقهية لكن ليس لها مستند على اطلاقها ، إنما له الولاية فقط في الأمور الحسبية التي نجزم بأنَّ الشرع يريدها أما بشكلٍ وسيع وأنه ولي الغائب فهذا أوّل الكلام.
ولو فرضنا أنه ولي الغائب لكن لا يصل الأمر إلى كسب الأذن منه بعدما قالت الرواية لنفس من بيده مجهول المالك أنت تصدّق به ولم تُرجِعه إلى الحاكم الشرعي ، فإذن إذن الحاكم الشرعي لا موجب له.
الوجه الثاني:- إن الحاكم الشرعي أعرف بموارد ومستحقي التصدّق.
وجوابه قد تقدّم سابقاً:- وهو أنَّ الأعرفية ثابتة للفقيه على مستوى الحكم الكلّي أما على مستوى الحكم الجزئي فلا ، يعني بعبارة أخرى:- نحن نرجع إلى الفقيه ونقول له ما هو المصرف لمجهول المالك فإنَّ العوام لا يعرفون المصرف الشرعي للمال عادةً فيجيبهم ويقول ( التصدّق به على الفقراء ) مثلاً ، ولكن بعد أن لنا شخّص ذلك نقول له نحن أعرف بالفقراء ، فحينئذٍ لا تكون القضية منوطة بإذنه ، فبعد تشخيص للحكم الكلي لا حاجة إلى إذنه في الصرف في الموارد الجزئية بعدما فرض أن المؤمن كان ثقةً في هذا المجال وعارفاً بموارد الصدقة والفقراء.
الوجه الثالث:- رواية داود بن يزيد التي قال فيها إني قد عثرت على مال ولا أعرف صاحبه فقال له الامام عليه السلام إذا عرفت صاحبه هل تسلمه إليه ؟ فقال:- نعم ، فقال الامام ( والله ما له صاحب غيري ) ، وهذه الرواية لو تمت سنداً ودلالةً فهي جيدة ، ولكن ذكرنا فيما سبق أنه من المحتمل أن يكون المقصود من قول عليه السلام ( والله ما له صاحب غيري ) هو أنَّ هذا المال لي لا من باب مجهول المالك بل من باب أنه مثلاً من غنائم الحرب التي وقعت من دون إذنه فإنها له أو ما شاكل ذلك ، فلعل قوله عليه السلام ( والله ما له صاحب غيري ) هو بهذا الاعتبار لا باعتبار أنه مجهول المالك المتعارف ، فإذن الرواية مجملة ولا يمكن التمسّك بها.
هذه هي الوجوه التي قد تذكر والأمر إليك فإنها لا تصلح للفتوى ، وإذا أردت أن تحتاط وجوباً فبها ، وإذا رأيت أنَّ هذا صعب ايضاً فاحتط استحباباً.
تبقى قضية:- وهي أنّ ربط الناس مهما أمكن بالفقهاء وبالمرجعية شيء حسن ويريده الشرع المقدّس ، فإنَّ الارتباط متى ما قوي قويت المرجعية وقويت شوكة الدّين ، فمن هذا الباب تقول ( يرجح أو من الراجح استئذان الحاكم الشرعي ) ، فإنه هذا شيء جيد ومناسب ، وهذه قضية ينبغي ملاحظتها ، لكن إذا صعب على الفقيه أن يعبّر بالاحتياط فليعبّر بكلمة دبلوماسية وهي أن يقول ( الأرجح ) ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.
ثم إنه هل يجوز لواجد مجهول المالك أن يتصدّق به على نفسه فيما إذا كان فقيراً حقاً ؟
والجواب:- إنَّ ظاهر الأمر بالتصدّق كما هو ليس ببعيد يعني التصدّق على غيرك ، اللهم إلا إذا حصل الاطمئنان بأنه لا خصوصية لذلك وإنما ذكر ( تصدّق ) من باب أنه يصرف في مورد الصدقة بحيث يشمل نفس الطرف الذي بيده مجهول المالك ، فإنَّ هذا التعبير وإن كان فيه جنبة قصورٍ من حيث اللفظ إلا أنَّ هذه الخصوصية المحتملة نجزم بإلغائها ، فإذا جزمت بإلغائها فلا بأس أن ينفقها على نفسه ولا محذور فيه ، ولكن الجزم بذلك صعب ، لذلك الاحتياط يقتضي أن أقول له ( خذه صدقة نيابة عنّي وبعد ذلك أقول له خذها منّي لك ) ، وهذا احتياط لا بأس به.
ولا تقل لي:- إنك إن كنت فقيراً فما معنى أن تعطيها لغيرك ، وإن لم تكن فقيراً فلا تأخذها من البداية لنفسك ؟
قلت:- نعم أنا فقير ولكن هؤلاء الناس يتوقعّون منّي أشياءً كثيرة ، كما لو كان هناك شخص يوجد عنده دار ضيافة والناس تأتيه دائماً فهذا سوف يكون محتاجاً ، أما غيره فلا يأتيه الناس فلا يكون فقيراً ، فنعطي للأوّل باعتبار أنَّ له حاجة أما الثاني فلا نعطيه باعتبار أنه ليست له حاجة.
إن قلت:- إنه يوجد عندك سهم الامام عليه السلام بكثرة ، ومادام سهم الامام موجوداً عندك فلا تكون فقيراً ، لأنك لو كنت تحتاج إلى ثلاث أو أربع أو خمس ملايين في السنة فهي موجودة عندك ، فلا تكون فقيراً ؟
قلت:-
أولاً:- إنَّ هذا المقدار من المال لا يكفيني ، وكذلك لو كان أكثر من ذلك المبلغ ، لأنَّ الناس يتوقعون منّي أكثر من ذلك[10] فتكون حاجاتي كثيرة ، وهذا يختلف باختلاف الاشخاص ، وربما أنت كذلك ، فالمدينة أو القرية التي تذهب إليها أيضاً تكون توقعات الناس منك كثيرة فتصير حاجتك كبيرة.
مضافاً إلى أنَّ هذه الأموال ليست ملكي وإنما لابد من إيصالها إلى هلها وأنا قد قلت لأهلي إنَّ هذه الأموال ليست إرثاً لكم إذا مت وإنما هي سهم الامام عليه السلام لأنها ليست ملكي.
إن قلت:- صحيح أنها ليست ملكاً لك[11] ولكن تبقى اباحة التصرّف موجودة لك ، وفي اباحة التصرّف يكفي ذلك لرفع الفقر عنك ، بناء على أنه ليس شرط الغنى التملّك بل إذا كان للإنسان مالاً كثيراً قد أبيح له فهذا المال يكون بحكم المملوك ، يعني بالتالي أنت غنيّ لا حاجة لك بعد ثبوت هذه الاباحة ؟
قلت:- إنَّ هذه الاباحة ليست ثابتة بعرضها العريض بأن أتصرف بها كيفما أشاء ، وإنما هي ثابتة بمقدار الأمور الضرورية لا أكثر ، فلو كنت أريد السفر إلى بلدٍ ما لكي أتنزّه أو أشتري سيارةً ثانية فهذه ليست من الضروريات فهذه الأمور لا أحرز الاباحة بلحاظها ، فإذن لا توجد اباحة بذلك العرض العريض ، فإذن أنا أيضاً فقير ، فآخذه ثم أبيحه لمن بيد مجهول المالك.
ونفس الشيء أطبقه في الوصية ، فلو أوصى شخص بأن يصرف ثلث تركته في الخيرات وجاءني الورثة فلو قالوا نحن محتاجون أيضا فهل يجوز لهم أن يأخذوه ؟
لا يبعد أنه يوجد انصراف ، فإنه حينما يقول ( أريده للخيرات ) يعني لغيركم ، فتوجد شبهة انصراف ، فلذلك نحتاط ونقول لهم اعطوها لغيركم ، أما إذا أردنا أن ندفعها لهم فيوجد هذا الطريق الذي بيّناه فأقول لهم ( اقبضوه عني[12] ) ثم آذن لهم بأن يتصرفون به ويأخذونه باعتبار أنَّ لي وجاهة ويتوقعون مني ذلك ، هذا طريق احتياط لا بأس به.