09-11-1434
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/11/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 388 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 388 ):- إذا ذبح ثم شك في أنه كان واجداً للشرائط حكم بصحته إن احتمل أنه كان محرزاً للشرائط حين الذبح ، ومنه ما إذا شك بعد الذبح أنه كان بمنى أم كان في محلٍ آخر .
وأما إذا شك في أصل الذبح فإن كان الشك بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه وإلا لزم الاتيان به .
وإذا شك في هزال الهدي فذبحة امتثالاً لأمر الله تبارك تعالى ولو رجاءً ثم ظهر سمنه بعد الذبح أجزأه ذلك.
تشتمل المسألة المذكورة على نقاط ثلاث:-
النقطة الاولى:- إذا شك الناسك بعد أن ذبح الهدي أنه واجد للشرائط أو لا لم يعتن بشكه بمعنى أنه يبني على تحقق الشرائط ، والوجه في ذلك - كما هو واضح - هو قاعدة الفراغ بمعنى أن كل من أتى بعملٍ وكان يشترط فيه شرائط وأجزاء معينة فإذا شك بعد الفراغ من العمل في تحقق بعض الشرائط يبني على تحققها بمعنى أنه لا يعير أهمية للشك وهذه قاعدة عامة سيّالة في جميع الموارد ولا تختص بالمقام ، وعلى هذا الأساس يتفرع أيضاً أنه لو ذبح الحيوان وبعد ذلك شك في أن المكان الذي ذبحه فيه هل كان منى أو كان خارجهاً عنها يبني أيضاً على أنه في منى ولا يعير أهمية للشك فإن شرط منى وإن لم يكن شرطاً في نفس الهدي ولكنه شرط في صحة الذبح وإجزائه فيبنى حينئذ على تحققه كسائر الشرائط لعدم الفرق من هذه الناحية .
أما ما هو مدرك هذه القاعدة ؟
إن المدرك هو موثقة عبد الله بن بكير:- ( كل ما شككت به مما قد مضى فأمضه كما هو ) [1] والمقصود من قوله عليه السلام ( فأمضه كما هو ) أي كما هو مقرر شرعاً أمضه كذلك بمعنى أنه واجد للشرائط والأجزاء وكما هو المراد شرعاً ، فالرواية واضحة في المطلوب.
وهذا المطلب لم يقع فيه خلاف بين الفقهاء - أي هذا المطلب الكلي الذي بينته - وإنما الخلاف وقع في أنه هل يشترط في هذه القاعدة احتمال الالتفات بمعنى أنها لا تجري حالة اليقين بالغفلة سابقاً أو أنه لا يشترط ذلك بل هي مطلقة من هذه الناحية ؟ وتوضيحه:- إن المكلف إذا أتى بالصلاة مثلاً وبعد الفراغ شك أنه توضأ أو لم يتوضأ أو أتى بالوضوء وشك في أنه نزع خاتمه حتى يصل الماء الى تمام اليد أو لم ينزعه ؟ ففي مثل هذه الحالة تارةً يجزم بالغفلة التامّة بمعنى أنه يجزم حينما دخل في الصلاة كان ذهنه في قضيّة أخرى ولكن يحتمل حالة كون ذهنه في تلك القضيّة الأخرى يحتمل أن الوضوء قد صدر منه أو أنه قد خلع خاتمه ومرّة لا يجزم بهذه الغفلة بل يحتمل أنه كان ملتفتاً - كاحتمالٍ فقط - الى شرائط الصلاة والوضوء فتوضأ باعتبار أنه شرطُ الصلاةِ إنه يحتمل بنسبة 20 أو 30 % - وهكذا يحتمل حالة الوضوء أنه كان ملتفتاً فنزع الخاتم . إذن هناك حالتان حالة جزم بالغفلة لكن رغم جزمه بالعفلة يحتمل أنه صدر منه الشرط وهو غافل - كما نحن نصلّي ونأتي بالركوع والسجود مع الغفلة ولكن تبعاً للعادة الموجودة عندنا - ، وأخرى لا يجزم بالغفلة بل يحتمل أنه كان على وعيٍ والتفات - وقُيّد بالاحتمال لأنه إذا كان يطمئن بأنه كان على التفات فلا يوجد شك حينئذٍ فلا إشكال في جريان قاعدة الفراغ - ولم يقع خلاف في ذلك وإنما وقع الكلام في الحالة الأولى - أي حالة ما إذا كان المكلف غافلاً ولكنه يحتمل تحقق الشرط مع الغفلة - فهنا هل تجري قاعدة الفراغ أو لا ؟ فالشيخ النائيني(قده) وجماعة بنوا على جريانها في هذه الحالة أيضاً بينما السيد الخوئي(قده) والسيد الشهيد(قده) بنيا على عدم جريانها في حالة الغفلة التامة ولذلك نرى في فتاوى السيد الخوئي وهكذا السيد الشهيد في كل موردٍ تطبّق قاعدة الفراغ ويكون المورد لقاعدة الفراغ يأتون بقيدٍ فيقولون ( من شك بعد الصلاة في الوضوء لم يعتن بشكه إذا احتمل أنه كان ملتفتاً فيما سبق ، وهكذا إذا شك في السجود أو الركوع .. ) فهم يذكرون هذا القيد دائماً - أي قيد ( إذا احتمل أنه كان ملتفتاً فيما سبق ) -.
ومنشأ الخلاف في هذه القضية ما هو ؟
والجواب:- يوجد وجهان لأجلهما قيل باشتراط احتمال الالتفات في جريان القاعدة:-
الوجه الاول:- إن هذه القاعدة المذكورة في موثقة بن بكير ليست قاعدة شرعيّة تعبدية صرفاً بل هي قاعدة عقلائية قبل أن يعبدنا بها الشارع ومعلوم أن العقلاء يأخذون بهذه القاعدة ليس تعبداً إذ لا تعبّد في أعمال وأفعال العقلاء وإنما يأخذون بها من باب الأمارية - يعني أن الفراغ هو أمارة على أن الانسان قد أتى بالعمل بكامله - وإذا كان الأمر كذلك نضم مقدمة أخرى فنقول إن هذه الأمارية ليست ثابتة في حالة الغفلة بنحو الجزم إذ مع الغفلة بنحو الجزم لا يكون الفراغ من العمل أمارة على الاتيان بكامل شرائطه وإنما يكون الفراغ أمارة إذا فرض أن الشخص كان يحتمل أنه كان ملتفتاً وأتى بالشرائط لا ما إذا كان يعيش الغفلة التامة.
وهذا الوجه فيه مقدمة مضمرة كانت مستبطنة في كلامي وهو أنه في مورد الأحكام العقلائية لا يمكن التمسك بالإطلاق لأن الاطلاق والنصّ يكون مسوقاً على ما عليه وما عند العقلاء والمفروض أن ما عند العقلاء ضيّق بحالة الأمارية فالإطلاق أيضاً يتقيّد بهذه الحدود - أي حالة الأمارية - . إذن لا ينعقد اطلاق وسيع أوسع من حالة الأمارية.
الوجه الثاني:- لو سلمنا تحقق الاطلاق ولكن نقول يوجد مقيّد للإطلاق المذكور وهو روايتان:-
الرواية الاولى:- موثقة بكير بن أعين:- ( قلت له:- الرجل يشك بعدما يتوضأ ، قال:- هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ) [2] فإن الامام عليه السلام حكم بعدم الاعتناء بالشك ، وواضح أن ذلك لا بالدلالة الصريحة بل بالدلالة المضمرة فإنه في الرواية لم يصرّح الامام عليه السلام فيها ويقول لا يعنتني بشكه فإن بكير بن أعين سأل وقال ( الرجل يشك بعدما يتوضأ ) والامام عليه السلام لم يقل له لا يعتني فلذلك قلت دلالة مضمرة فواضح أنه لا يعتني بشكه والامام عليه السلام ذكر النكتة وعلّم بكير النكتة فقال ( هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ) فعلّل عدم الاعتناء بالشك بهذه العلّة يعني بالأذكرية ومعلوم أن الأذكرية تصدق في حالة احتمال الالتفات أما إذا كان جازماً بالغفلة حين العمل فلا أذكرية فلا يمكن اجراء قاعدة الفراغ ، وهذه الرواية وإن جاءت في مورد الوضوء إلا أنه لا يحتمل الاختصاص به فإن نكتة الأذكرية التي ذكرها الامام عليه السلام عامة . إذن على تقدير ثبوت الاطلاق في الرواية السابقة - أي موثقة ابن بكير - لكن هذه الرواية تكون مقيّدة لها.
الرواية الثانية:- معتبرة محمد بن مسلم عن الامام الصادق حيث قال عليه السلام:- ( إن شك الرجل بعدما صلى فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً وكان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك ) [3] ، إنه عليه السلام حكم بأنه إذا أنهى المكلف صلاته باعتقاد أنها تامّة وبعد ذلك طرأ عليه الشك - بأنها تامة أو لا ثلاثاً صلى أم أربعاً لم يعتن بشكه وعلل بقوله:- ( كان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك ) فهو علّل بنكتة الأقربيّة ومعلومٌ أن الأقربية إنما تصدق في حالة الالتفات وأما في حالة الجزم بالغفلة فلا أقربيّة.
وهذه الرواية رواها الصدوق(قده) بإسناده عن محمد بن مسلم وإذا أردنا أن نعرف طريق الصدوق الى محمد بن مسلم فلابد من الرجوع الى المشيخة وفي المشيخة المذكورة قال ما نصه:- ( وما كان فيه عن محمد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده أحمد بن ابي عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم ) [4] ومحمد بن خالد - الجد - من الثقاة ، وأحمد بن محمد بن خالد صاحب المحاسن المعروف قيل إنه يروي عن الضعفاء والمجاهيل ولكنّه قد وثِّق ، ولكن المشكلة في علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله فهو لا يوجد توثيق في حقه وكذلك ( أبيه ) ، نعم أحمد بن عبد الله هو صاحب المحاسن وليس فيه مشكلة إلا أن المشكلة في الحفيد اللهم إلا أن يقول قائل إنه شيخ الصدوق فكيف لم لا يكون ثقة ؟!
إذن السند فيه مجال للتوقف - واحتفظ في ذهنك بهذه القضيّة التي بينتها في ذهنك وهي أن كل ما يذكره الشيخ الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم هو محل إشكال من هذه الناحية اللهم إلا أن توثق هؤلاء وإلا فدائماً يكون طريق الصدوق الى محمد بن مسلم أي هذه الكبرى - محل إشكال.
وحينئذ ماذا نصنع ؟
والجواب:- هناك طريق آخر وهو أن ابن ادريس الحلّي روى هذه الرواية عن محمد بن علي بن محبوب في آخر السرائر عن كتاب محمد ، وأنا اعتمدت على صاحب الوسائل في هذا حيث قال:- ( ورواه أيضاً ابن إدريس في السرائر نقلاً عن كتاب محمد بن علي محبوب عن يعقوب بن يزيد عن بن أبي عمير عن محمد بن مسلم ) وهؤلاء الرواة لا مشكلة فيهم فعلي بن محبوب هو الأشعري القمي من أجلة أصحابنا وكذلك يعقوب بن يزيد ... وهكذا ولكن تبقى مشكلة صغيرة إذا تجاوزناه فالأمر يكون جيداً وهي أن صاحب السرائر(قده) لم يذكر طرقه الى هذه الأصول التي عثر عليها والتي ينقل عنها.
وقد يقول قائل:- إنه لا يمكن أن ينقل ابن ادريس عن هذه الأصول من دون العثور على طرقٍ معتبرةٍ ، فإن قبلنا بهذا فنقول:- صحيح هو لا ينقل إلا عمّا هو مطمئن بصحته ولكن اطمئنانه حجّة عليه وليس حجة علينا إلا في باب التقليد أما في مثل هذه القضايا فيشكل الأمر ، فلذلك تكون مستطرفات السرائر بشكل عام ساقطة عن الاعتبار ولكن استُثنِي من ذلك موردٍ واحدٍ وهو ما رواه محمد عن علي بن محبوب ووجه الاستثناء هو أن ابن ادريس يقول ( رأيت هذا الأصل بخط الشيخ الطوسي ) فإذا كان هو بخط الشيخ الطوسي والمفروض أن الشيخ الطوسي عنده طريق صحيح الى محمد بن علي بن محبوب مذكور في الميشخة وفي الفهرست فلا توجد مشكلة إذن من هذه الناحية ، ولذلك بنى السيد الخوئي والسيد الشهيد على أن هذا الأصل من بين مستطرفات السرائر لا ضير فيه.
وقد يناقش شخص ويقول:- من قال أن هذا الخط هو خط الشيخ الطوسي والحال أن هذه قضيّة حدسيّة فكيف يعتمد على ذلك ؟
وجوابه:- إن مسألة الخطوط ليست مسألة حدسيّة محضة بل هي حدسيّة حسيّة يعني هي قريبة من الحس فالآن نحن نعرف خطوط بعض الأشخاص الذين نعرفهم . فإذن هي ليست قضيّة حدسيّة محضة حتى لا نقبل فيها الشهادة بل هي قضيّة حسيّة أيضا أو قريبة من الحس فالشهادة فيها مقبولة فلا ضير من هذه الناحية.
نعم توجد مشكلة أثرناها فيما سبق وعلى طبقها تصير الرواية محلّ إشكال وإلا فلا:- وهي أنه من قال أن طرق ابن إدريس هي طرق الى النسخة وعلى هذا الاساس قد يقال إنه حينئذ لا ينفعنا ذلك لأنه ليس طريق للنسخة بل هو طريق تبركيّ وعليه فلا عبرة بذل.
ولكن نقول:- هذه الشبهة وهذا الاشكال لا يأتي في المقام لأن الطريق الذي نريد أن نعتمد عليه هو طريق الشيخ الطوسي الى ابن محبوب وليس من ابن ادريس الى ابن محبوب حتى يأتي هذا الكلام.
إذن هذه الرواية لا محذور فيها.
[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص237، ب23 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص471، ب1 من ابواب الوضوء، ح7، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص246، ب27 من ابواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3، آل البيت.
[4] مشيخة الفقيه، الصدوق، ص6.