37/12/02
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
37/12/02
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تتمة مسألة ( 22 ) الشعبذة ، مسألة ( 21 ) القيافة - المكاسب المحرمة.
ثم إنّ هذه الوجوه الأربعة قد أشار إليها صاحب الجواهر(قده):- ويمكن استفادتها من عبارته[1] ، بل إنّ صاحب الجواهر(قده) زاد شيئاً على ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من الوجوه الأربعة ، حيث نقل عن شرح استاذه[2] هكذا:- ( إنّ الشعبذة فيها من القبح زائداً على الملاهي ) ، وأيضاً ذكر عن شرح استاذه عبارة ثانية فقال:- ( الاشتغال بها من أعظم اللهو ).
وما ذكره ثانياً ليس مطلباً جديداً غير ما نقلناه سابقاً بعنوان الدليل الثاني ، لأنّا قلنا ذكر الشيخ الأعظم(قده) أربعة أدلة وذكرها صاحب الجواهر الثاني إنّ الشعبذة من مصاديق للهو ، وكاشف الغطاء قال من أوضح مصاديق اللهو ، ولكن هذا ليس دليلاً مستقلاً.
إذن الزيادة المهمّة من كاشف الغطاء نتمكن أن نقول هي قوله إنّ قبحها أشد من قبح الملاهي ، فإذا كانت الملاهي - وهي اللعب بتلك الآلات الخاصّة والرقص - قبيحة فهذه أشدّ قبحاً.
والاشكال على ذلك كلّه واضح:-
أما ما أفيد من الدليل الأوّل - وهو الاجماع -:- فإنه لو سلّمنا انعقاد عدم الخلاف في المسألة على حرمة الشعبذة ، لكن نقول هذا إجماع محتمل المدرك لاحتمال أنّه مستند إلى أحد هذه الوجوه ، ومع احتمال المدركية لا يكون كاشفاً جزمياً بنحو يدٍ بيدٍ عن الامام عليه السلام ، فإنّ الاجماع عندنا حجّة من باب الكاشفية يداً بيد عن المعصوم عليه السلام وهذا يحصل إذا لم يكن هناك مدرك محتمل ، أما مع وجود المدرك المحتمل فلا يكون حجّة.
وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني - من أنه لهوٌ باطل - فيردّه:- إنه لو سلّمنا أنه من اللهو والباطل فحينئذٍ نقول من أين لك أنّ كلّ لهوٍ باطل هو محرّم ؟! كما لو كان يعبث بلحيته أو غير ذلك.
إذن ليس كلّ لهو باطل هو محرّم ، وإنما المحرّم مرتبة ضيّقة ، والقدر المتيقّن من هذه المرتبة الضيّقة هو اللعب بالملاهي والرقص والغناء ، أما بنحوٍ يشمل الشعبذة فهذا مشكوكٌ فيه ، ولا يخفى لطفه.
وأيضاً ليس جميع أفراد الشعبذة يكون من اللهو والباطل ، فأحياناً أريد أن أبيّن للناس الشعبذة لأنّ بعضهم لا يعرفها فأقوم بفعل الشعبذة أمامهم كي يعرفوها حتى يجتنبوها ، وهل هذا لهوٌ وباطل ؟ كلا ، بل هذا تقرُّبٌ من الله عزّ وجلّ حتى لا يقع الناس في مثل هذه الأمور المنحرفة.
إذن حتى لو سلّمنا أنّ كلّ باطلٍ حرام ولكن ليس كلّ شعبذةٍ هي من اللهو والباطل ، بل بعضها ربما يكون من هذا القبيل الذي لا يكون كذلك.
ومناقشتي المهمّة:- هي أنه لم يثبت أنّ كلّ لهوٍ وباطلٍ محرّمٌ ، وإنما المحرّم حتماً مرتبة خاصّة وتلك المرتبة الخاصّة يشك في صدقها على عنوان الشعبذة.
وأما ما ذكر ثالثاً - من رواية الاحتجاج -:- فهذا بالتالي استنادٌ إلى الاجماع لأنها منجبرة بالإجماع ، فبالتالي عاد الدليل هو الاجماع ، فنحن تمسّكنا بالإجماع حتى يجبر رواية الاحتجاج وحتى تصير حجّة ، فبالتالي هذا تمسّك بالإجماع وليس دليلاً مستقلاً.
وأما ما ذكر رابعاً - من أنّ بعض التعاريف عدّت الشعبذة من أنحاء السحر - فنقول:- سلّمنا هذا ، ولكن كيف يكون هذا دليلاً لأنّ بعض التعاريف عدّت الشعبذة من السحر أما بعضها الآخر فلَم يعدّها من السحر ، فإذن كونها من السحر يكون شيئاً محتملاً لا أنه شيء جزمي ، ومادام محتملاً فسوف يصير مفهوم السحر مردّداً بين السعة والضيق ، فنحتمل أنه وسيع يشمل الشعبذة ، ونحتمل أنه ضيّق لا يشملها ، وفي مورد إجمال المفهوم لا يجوز التمسّك بالعام ، وهذا من الواضحات.
وأما ما ذكره كاشف الغطاء - كما نقل صاحب الجواهر من أنّ فيها من القبح ما هو أشد من الملاهي -:- فعهدة هذه الدعوى عليه.
وعلى أيّ حال اتضح أنّ هذه الأدلّة لا يمكن السكون إليها.
وقبل أن أختم حديثي أقول شيئاً:- وهو أنّ مكاسب الشيخ الأعظم(قده) شيء نفتخر ونعتزّ به ، وإذا أردنا أن نقدّم شيئاً من فقهنا أمام الناس فمن جملة ما نقدّمه هو كتاب المكاسب - وهذا ليس قدحاً بل هو بيان واقع - ، ولكن كتاب المطالب يشتمل على مطالب لا تليق بالشيخ وأحدها هو هذا الموضع - يعني ذكر هذه الأدلة والأمور الأربعة -.
وهناك قضيّة أخرى:- وهي أنّ الشيخ في المكاسب غيره في الرسائل ، فهو في الرسائل سار على سكّة علميّة ، يعني أنَّ الإجماعات والشهرات لا يأخذ بها إلا الاجماع الحدسي وهو ما أشار إليه صاحب الكفاية والذي روحه ما بيّناه وهو أنّه إذا اتفق العلماء في كلِّ الأعصار على حكمٍ من الأحكام ولم يكن هنالك مدرك ففي مثل هذه الحالة ربما يحصل للفقيه اطمئنانٌ بأنّ هذا الحكم وصل من الامام عليه السلام ، خصوصاً إذا انضمّت بعض الأمارات والقرائن الأخرى ربما يطمئن بذلك ، فهو قام بتمشية الحجّية بحساب الاحتمال ، وفكرة حساب الاحتمال موجودةٌ في الرسائل ولكنه لم يأتِ بهذا المصطلح ، وأما الشهرات فهو لم يعتنِ لها ، ولكن حينما جاء إلى الفقه نراه يأخذ بالاجماعات والشهرات ، ومقصودي هنا هو بيان واقع أيضاً وليس الخذشة.
إذن الشيخ استدلّ بأربعة أدلة وقد عرفنا أنّ هذه الأدلة قابلة للتأمّل ، فماذا نقول ؟
المناسب أن يقال:- إنه لا دليل على حرمة الشعبذة فنتمسّك بأصل البراءة ، إلا إذا انطبق عنوان ثانوي ، من قبيل التخويف لأنّ هذا الشخص قد يفعل أفعالاً شديدةً يخوّف بها الناس ويحسبونها واقعاً فيخافون حينئذٍ وتخويف المؤمنين لا يجوز ، أو يحصل إضرارٌ بهم نتيجة هذه الحركات ، فلعلّ شخصاً منهم يصيبه الجنون أو غير ذلك ، فإذا انطبق أحد العناوين الثانوية ثبتت الحرمة ، أما إذا لم ينطبق شيء من هذه العناوين فحينئذٍ نجري أصل البراءة ، وهذا هو ما سلكه السيد الخوئي(قده) فإنه قيّد بذلك ، خلافاً للسيد الحكيم في منهاجه القديم ، وخلافاً للشيخ الأعظم والمشهور فإنهم لم يقيّدوا الحرمة بقيدٍ ، لأنّه قال في العبارة:- ( الشعبذة - وهي ...... - حرامٌ إذا ترتب عليه عنوان محرّم كالإضرار بمؤمن ونحوه ) وإلا فهي بذاتها ليست محرّمة ، وقلنا أنَّ السيد الحكم في منهاجه القديم أيضاً وافق المشهور وقال هي محرّمة من دون أن يقول ( إذا ترتّب عليها ضرر بمؤمن وغيره ).
وهنا لابدّ من مراعات القضية الدبلوماسية ، فإذا سألَك الناس فلا تقول لهم بسرعة إنه لا دليل على الحرمة ، بل عليك التريّث في الفتوى في الجواز ، فتقول مثلاًً الأحوط تركها أو ما شاكل ذلك ، فالمقصود أنّه عليك أن تستخدم بعض العناوين التي لا تبيّن لهم أنّ هذا شيء جائز بعنوانه الأوّلي خوفاً من أن يرتكبوا هذا ونقع في مفاسد لا تحمد عقباها ، فالفقيه دائماً لابدّ وأن يلاحظ هذه القضايا في مقام الفتوى.
مسألة ( 21 ):- القيافة حرامٌ وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض استناداً إلى علامات خاصّة على خلاف الموازين الشرعية في الإلحاق.
..........................................................................................................
تعرّض الفقهاء إلى مسألة القيافة منهم صاحب الجواهر(قده) ، قال ما نصّه:- ( وكأنّه لا خلاف في تحريمها )[3] ، ثم نقل عن منتهي العلامة الاجماع.
فلحدّ الآن عرفنا أنه قد يتمسّك أيضاً للحرمة بالإجماع . ولكن بقطع النظر عن هذا يظهر أنّ المسألة ليست خلافية ، فبقطع النظر عن الاجماع وكونه دليلاً أو ليس بدليلٍ يظهر أنهم متّفقون على الحرمة.
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نشير إلى قضيّة:- وهي أنّه حينما يقال القيافة حرام[4] فمرّة يفترض أني اعتقد أنّ هذا ابن هذا وليس ابناً لذاك ولكن هذا شيءٌ في داخل قلبي ولا أبرزه خارج القلب ، ومرّةً أرتّب عليه أثراً من قبيل أن أقول هذه البنت هي في الحقيقة بنت أخي وليست ابنت الجيران وحينئذٍ أقوم بترتيب الأثر على ذلك كأن أنظر إلى وجهها أو تقبيلها ... وهكذا.
فنحن حينما نقول القيافة حرام فأيّ القسمين هو الحرام هل التي في القلب أو مع ترتيب الأثر ؟
والجواب:- إنّ الذي في القلب من دون أن يتجاوز إلى الخارج ومن دون أن تُرتّب الآثار لا مشكلة فيه وهو ليس بحرام ، فأيّ شيءٍ من الأشياء إذا كان في القلب لا محذور فيه على مستوى الغيبة والكلام على الناس في القلب وغير ذلك ، نعم إلا المسائل الاعتقادية ، فالمسائل الاعتقادية التي ترتبط بالاعتقاد مثل الله موجود وهو واحدٌ لا شريك له وأنَّ آخر الأنبياء فلان فهذه أمور اعتقادية يلزم أن توجد في القلب ، أما الأمور التي ليست واجبة قلباً كالكلام على شخصٍ أو غيبته فلا دليل على حرمته ، هنا أيضاً القيافة هكذا ، فأنا اعتقد أنّ هذه البنت هي بنت أخي على مستوى القلب فإنه لا دليل على تحريمه فنتمسّك بأصل البراءة ، ولا نظنّ بل ولا نحتمل أنّ فيقيهاً يذهب إلى حرمة مثل ذلك ، وقد أشار إلى هذا المطلب الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب حيث قال:- ( والظاهر أنه مراد الكلّ ، وإلا فمجرّد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخصٍ لا دليل على تحريمه ولذا نهي في بعض الأخبار عن اتيان القائف والأخذ بقوله )[5] ، وهذا ذكره شاهداً على ( ولذا نهي عن اتيان القائل والأخذ بقوله ) فـ( الأخذ ) هي بيت القصيد ، فإنّ الأخذ بقوله هو أن ترتّب الآثار في الخارج بأن نمنع هذا من الإرث ونورث ذاك وما شاكل ذلك ، فهذا هو المحرّم ، وهذه قضية جانبية لابدّ من الالتفات إليها من البداية.
وبعد أن اتضح ما هو أنّ محلّ الكلام في القيافة نقول:- ما هو الدليل على تحريمه ؟
والجواب:- يمكن أن نحصّل من كلام الشيخ الأعظم(قده) أربعة أدلة على تحريم القيافة:-