35/08/01
تحمیل
الموضوع : التجري
كان كلامنا في حرمة الفعل المتجرى به، وقد استدل على ذلك بوجوه، كان الوجه الاول منها هو التمسك بإطلاقات الأدلة من الكتاب والسنة، وقد تقدم الكلام في هذا الوجه وفي نقده مفصلا .
الوجه الثاني : الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع .
وقاعدة الملازمة متمثلة في قاعدتين :
القاعدة الاولى : ادراك العقل مصلحة ملزمة في فعل غير مزاحمة، فاذا ادرك العقل مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل حكم الشارع بوجوبه، فالملازمة بين ادراك العقل مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل وبين حكم الشارع بوجوب هذا الفعل موجودة، وكذلك اذا ادرك العقل مفسدة ملزمة في فعل غير مزاحمة حكم الشارع بحرمة ذلك الفعل، وهذه الملازمة بينهما ثابتة .
القاعدة الثانية : الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وبين حكم الشرع بالوجوب، وحكم العقل بقبح شيء وحكم الشرع بحرمة ذلك الشيء .
أما قاعدة الملازمة الاولى، فلا شبهة في ثبوتها كبرويا، وهي قاعدة أصولية لما ذكرناه في مستهل بحث الاصول ان مناط اصولية القاعدة ان يستعملها الفقيه في مقام تطبيقها على صغرياتها وعناصرها في الفقه لتكون نتيجة التطبيق اثبات جعل حكم شرعي، وذكرنا هناك ان علم الاصول موضوع لتكوين القواعد العامة والنظريات المشتركة وفق شروطها العامة والخاصة في الحدود المسموح بها شرعا، واستعمال الفقيه هذه القواعد العامة والنظريات المشتركة للوصول الى الاحكام الشرعية، وهذه المزية موجودة في هذه القاعدة الا انه ليس لهذه القاعدة صغرى في تمام ابواب الفقه حيث لا تتوقف أي مسألة فقهية على هذه الكبرى، حيث انه ليس للعقل طريق الى احراز مصلحة ملزمة في الفعل ولا طريق الى احراز مفسدة ملزمة في فعل، واذا ادرك العقل مصلحة ملزمة في فعل فلا يتمكن من احراز انها غير مزاحمة، اذ لعل لهذه المصلحة او لهذه المفسدة مزاحم، فالعقل لا طريق له الى ادراك المصالح والمفاسد الواقعية، فمن اجل ذلك ليس لهذه الكبرى صغرى في الفقه من البداية الى النهاية ومن هنا لا أثر لهذه القاعدة .
وأما القاعدة الثانية، وهي الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وحكم الشرع بوجوبه وحكم العقل بقبح شيء وحكم الشرع بحرمته، وهذه القاعدة على تقدير ثبوتها فأيضا لا شبهة في انها قاعدة اصولية، لان مناط اصولية القاعدة موجود فيها، الا ان الكلام في ثبوت هذه القاعدة، فهل هي ثابتة او انها غير ثابتة ؟ فيه قولان :
ذهب جماعة الى عدم ثبوت هذه الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة وحكم العقل بالحسن وحكم الشرع بالوجوب، وذهب اخرون الى ثبوت هذه الملازمة منهم المحقق الاصفهاني (قده) الذي قد اصر على ثبوت هذه الملازمة[1]، وقد افاد في وجه ذلك ان قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا الضرورية ومن القضايا المشهورة المجعولة من قبل العقلاء وهي الاساس لتشريعات العقلاء الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية حفاظا على النظام العام وإبقاءً للنوع، فالشارع جعل قضية حسن العدل وقبح الظلم مجعول من قبل العقلاء وتصبح من القضايا المشهورة الضرورية، وحيث ان الشارع رئيس العقلاء وفي طليعتهم فاذا حكم العقلاء بحسن عدل او قبح ظلم فلا محالة يكون الشارع فيهم لأنه احدهم بل هو رئيسهم ولا يمكن حكم العقلاء بقبح شيء او حسن شيء اخر بدون ان يكون الشارع فيهم، فهذا غير معقول لان الشارع رئيس العقلاء وفي مقدمتهم فكل حكم صادر من العقلاء فلا محالة يكون الشارع فيهم غاية الامر ان حكم الشارع بالقبح بما هو شارع يكون الحرمة، وحكم الشارع بالحسن بما هو شارع يكون الوجوب، فمن هذه الناحية الشارع يختلف عن سائر العقلاء، بل ذكر (قده) ان التعبير بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع تعبير مسامحي اذ الصحيح هو التعبير بالتضمن أي ان حكم العقل بحسن شيء او قبحه يتضمن حكم الشرع بالوجوب او الحرمة لهذا الشيء، باعتبار ان العقلاء اذا حكموا بحسن عدل او قبح ظلم فالشارع فيهم، فإذن حكم العقلاء يتضمن حكم الشارع لا انه يستلزم حكم الشارع، هذا ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) .
وللمناقشة فيه مجال
لما ذكرنا من ان قضية حسن العدل وقبح الظلم قضية واقعية يدركها العقل فطرة وجبلة بقطع النظر عن جعل أي جاعل وبقطع النظر عن أي سبب وعن أي منبه خارجي ام داخلي، فان العقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم فطرة ولهذا تكون قضية حسن العدل وقضية قبح الظلم من القضايا الاولية الضرورية كقضية الانسان ممكن، والاربعة زوج، والكل اعظم من الجزء وهكذا، فان هذه القضايا قضايا ضرورية اولية وقضية حسن العدل وقبح الظلم ايضا كذلك، فان العقل يدرك حسن العدل فطرة وكذلك يدرك قبح الظلم فطرة بقطع النظر عن جعل أي جاعل وبقطع النظر عن وجود العقلاء في هذا الكون وعن اعتبار العقلاء حسن العدل وقبح الظلم، فلا يمكن ان تكون قضية حسن العدل وقبح الظلم مجعولة من قبل العقلاء، بل هي قضية فطرية والعقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم فطرة .
فإذن ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من ان قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا المجعولة من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد الواقعيتين باطل وجدانا وبرهانا .
اما وجدانا، فان هاتين القضيتين من القضايا الاولية الفطرية وليست من القضايا المجعولة من قبل العقلاء كما تقدم .
واما برهانا، فان القبح لا يلازم المفسدة فالعقل يحكم بقبح الفعل المتجرى به مع انه لا مفسدة فيه اذ هو فعل مباح في نفسه كما اذا قطع بان هذا الماء خمر وشربه ثم بان انه ماء مباح او مملوك له، فلا مفسدة في الفعل المتجرى به، وقد يحكم العقل بحسن الانقياد لانه مصداق للعدل وأداء لحق الطاعة للمولى مع انه لا مصلحة فيه .
فبين المصلحة والمفسدة وبين الحسن والقبح عموم من وجه، فقد يجتمع الحسن مع المصلحة وقد يفترق وقد يجتمع القبح مع المفسدة وقد يفترق .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) لا يمكن المساعدة عليه.
كان كلامنا في حرمة الفعل المتجرى به، وقد استدل على ذلك بوجوه، كان الوجه الاول منها هو التمسك بإطلاقات الأدلة من الكتاب والسنة، وقد تقدم الكلام في هذا الوجه وفي نقده مفصلا .
الوجه الثاني : الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع .
وقاعدة الملازمة متمثلة في قاعدتين :
القاعدة الاولى : ادراك العقل مصلحة ملزمة في فعل غير مزاحمة، فاذا ادرك العقل مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل حكم الشارع بوجوبه، فالملازمة بين ادراك العقل مصلحة ملزمة غير مزاحمة في فعل وبين حكم الشارع بوجوب هذا الفعل موجودة، وكذلك اذا ادرك العقل مفسدة ملزمة في فعل غير مزاحمة حكم الشارع بحرمة ذلك الفعل، وهذه الملازمة بينهما ثابتة .
القاعدة الثانية : الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وبين حكم الشرع بالوجوب، وحكم العقل بقبح شيء وحكم الشرع بحرمة ذلك الشيء .
أما قاعدة الملازمة الاولى، فلا شبهة في ثبوتها كبرويا، وهي قاعدة أصولية لما ذكرناه في مستهل بحث الاصول ان مناط اصولية القاعدة ان يستعملها الفقيه في مقام تطبيقها على صغرياتها وعناصرها في الفقه لتكون نتيجة التطبيق اثبات جعل حكم شرعي، وذكرنا هناك ان علم الاصول موضوع لتكوين القواعد العامة والنظريات المشتركة وفق شروطها العامة والخاصة في الحدود المسموح بها شرعا، واستعمال الفقيه هذه القواعد العامة والنظريات المشتركة للوصول الى الاحكام الشرعية، وهذه المزية موجودة في هذه القاعدة الا انه ليس لهذه القاعدة صغرى في تمام ابواب الفقه حيث لا تتوقف أي مسألة فقهية على هذه الكبرى، حيث انه ليس للعقل طريق الى احراز مصلحة ملزمة في الفعل ولا طريق الى احراز مفسدة ملزمة في فعل، واذا ادرك العقل مصلحة ملزمة في فعل فلا يتمكن من احراز انها غير مزاحمة، اذ لعل لهذه المصلحة او لهذه المفسدة مزاحم، فالعقل لا طريق له الى ادراك المصالح والمفاسد الواقعية، فمن اجل ذلك ليس لهذه الكبرى صغرى في الفقه من البداية الى النهاية ومن هنا لا أثر لهذه القاعدة .
وأما القاعدة الثانية، وهي الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وحكم الشرع بوجوبه وحكم العقل بقبح شيء وحكم الشرع بحرمته، وهذه القاعدة على تقدير ثبوتها فأيضا لا شبهة في انها قاعدة اصولية، لان مناط اصولية القاعدة موجود فيها، الا ان الكلام في ثبوت هذه القاعدة، فهل هي ثابتة او انها غير ثابتة ؟ فيه قولان :
ذهب جماعة الى عدم ثبوت هذه الملازمة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة وحكم العقل بالحسن وحكم الشرع بالوجوب، وذهب اخرون الى ثبوت هذه الملازمة منهم المحقق الاصفهاني (قده) الذي قد اصر على ثبوت هذه الملازمة[1]، وقد افاد في وجه ذلك ان قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا الضرورية ومن القضايا المشهورة المجعولة من قبل العقلاء وهي الاساس لتشريعات العقلاء الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية حفاظا على النظام العام وإبقاءً للنوع، فالشارع جعل قضية حسن العدل وقبح الظلم مجعول من قبل العقلاء وتصبح من القضايا المشهورة الضرورية، وحيث ان الشارع رئيس العقلاء وفي طليعتهم فاذا حكم العقلاء بحسن عدل او قبح ظلم فلا محالة يكون الشارع فيهم لأنه احدهم بل هو رئيسهم ولا يمكن حكم العقلاء بقبح شيء او حسن شيء اخر بدون ان يكون الشارع فيهم، فهذا غير معقول لان الشارع رئيس العقلاء وفي مقدمتهم فكل حكم صادر من العقلاء فلا محالة يكون الشارع فيهم غاية الامر ان حكم الشارع بالقبح بما هو شارع يكون الحرمة، وحكم الشارع بالحسن بما هو شارع يكون الوجوب، فمن هذه الناحية الشارع يختلف عن سائر العقلاء، بل ذكر (قده) ان التعبير بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع تعبير مسامحي اذ الصحيح هو التعبير بالتضمن أي ان حكم العقل بحسن شيء او قبحه يتضمن حكم الشرع بالوجوب او الحرمة لهذا الشيء، باعتبار ان العقلاء اذا حكموا بحسن عدل او قبح ظلم فالشارع فيهم، فإذن حكم العقلاء يتضمن حكم الشارع لا انه يستلزم حكم الشارع، هذا ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) .
وللمناقشة فيه مجال
لما ذكرنا من ان قضية حسن العدل وقبح الظلم قضية واقعية يدركها العقل فطرة وجبلة بقطع النظر عن جعل أي جاعل وبقطع النظر عن أي سبب وعن أي منبه خارجي ام داخلي، فان العقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم فطرة ولهذا تكون قضية حسن العدل وقضية قبح الظلم من القضايا الاولية الضرورية كقضية الانسان ممكن، والاربعة زوج، والكل اعظم من الجزء وهكذا، فان هذه القضايا قضايا ضرورية اولية وقضية حسن العدل وقبح الظلم ايضا كذلك، فان العقل يدرك حسن العدل فطرة وكذلك يدرك قبح الظلم فطرة بقطع النظر عن جعل أي جاعل وبقطع النظر عن وجود العقلاء في هذا الكون وعن اعتبار العقلاء حسن العدل وقبح الظلم، فلا يمكن ان تكون قضية حسن العدل وقبح الظلم مجعولة من قبل العقلاء، بل هي قضية فطرية والعقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم فطرة .
فإذن ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من ان قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا المجعولة من قبل العقلاء تبعا لما يدركونه من المصالح والمفاسد الواقعيتين باطل وجدانا وبرهانا .
اما وجدانا، فان هاتين القضيتين من القضايا الاولية الفطرية وليست من القضايا المجعولة من قبل العقلاء كما تقدم .
واما برهانا، فان القبح لا يلازم المفسدة فالعقل يحكم بقبح الفعل المتجرى به مع انه لا مفسدة فيه اذ هو فعل مباح في نفسه كما اذا قطع بان هذا الماء خمر وشربه ثم بان انه ماء مباح او مملوك له، فلا مفسدة في الفعل المتجرى به، وقد يحكم العقل بحسن الانقياد لانه مصداق للعدل وأداء لحق الطاعة للمولى مع انه لا مصلحة فيه .
فبين المصلحة والمفسدة وبين الحسن والقبح عموم من وجه، فقد يجتمع الحسن مع المصلحة وقد يفترق وقد يجتمع القبح مع المفسدة وقد يفترق .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) لا يمكن المساعدة عليه.