37/07/12
تحمیل
الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.
من تلك الروايات التي وصلنا اليها من طوائف روايات لا ضرر ولا ضرار.
منها:- ما في الكافي او في الوسائل ، مصححة العلا بن الفضيل ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إذا أراد الرجل أن يضرب رجلا ظلما فاتقاه الرجل أو دفعه عن نفسه فأصابه ضرر فلا شيء عليه))[1] .
وهذا كأنما تحديد لقيود وموارد قاعدة لا ضرر باعتبار انه مهاجم ، فان جريان قاعدة لا ضرر هو منة ولكن اذا كان باغ او عاد فلا تجري في حقه قاعدة لا ضرر.
ومنها:- الحديث القدسي المروي بطرق متعددة حول قوم النبي صالح (عليه السلام) في الكافي المجلد 8 ص178 حيث جاء في الحديث تعليل لانزال العذاب عليهم بان الناقة بعثتها حجة عليه ولم يكن بها عليهم ضرر وكان لهم فيها اعظم منفعة ، والحديث هو ((...... فأوحى الله (تبارك وتعالى) إلى صالح (عليه السلام) أن قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ، ولم يكن عليهم فيها ضرر ، وكان لهم منها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إني مرسل عليكم عذابي إلى ثلاثة أيام ، فإن هم تابوا ورجعوا ، قبلت توبتهم ، وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا ، بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث ....))[2] .
فعلل مجيء العذاب بانه لم يكن بها عليهم ضرر فان لو كان عليهم بها ضرر فقد يكون مبررا لقتلها ، اما مع كونها لا ضرر بها عليهم فلا وجه لقتلها.
ومنها:- ما ورد في باب الشهادات حيث افتى الفقهاء في عدة مسائل بتوسط قاعدة لا ضرر منها ما لو كانت شهادة المؤون لكافر بدين على مؤمن اخر فاذا كان يوجب الضرر على المؤمن الاخر فقد حكموا بعدم جواز اقامة هذه الشهادة مع كون المؤمن الاخر حاله عسرا لان الشهادة توجب ادخال الضرر عليه.
وكذا لو يشهد للمخالف على المؤمن وكان المؤمن حاله عسر فلا يسوغ ، وفي الحقيقة توجد روايات في باب الشهادة.
ومنها:- ما افتى به الفقهاء في مسائل الايمان والنذور بان اليمين والنذر تنحل اذا توجه الضرر على الانسان وهو اسحاق بن عمار ، قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يكون عليه اليمين فيحلفه غريمه بالايمان المغلظة أن لا يخرج من البلد الا بعلمه ، فقال : لا يخرج حتى يعلمه ، قلت : ان اعلمه لم يدعه ، قال : ان كان علمه ضررا عليه وعلى عياله فليخرج ، ولا شيء عليه))[3] .
وكذا هذه الروايات في التهذيب المجلد 8 ص 297 وايضا في التهذيب ص301 المجلد 8 ان لو حلف على مرجوح وليس عليه فيه ضرر مع ذلك تنحل اليمين فقيد متعلق اليمين بليس عليه فيه ضرر ومفهوم هذا القيد انه لو كان امرا راجحا وكان فيه ضرر تنحيل اليمين.
ومنها:- ما ذكره الفقهاء ايضا في باب الوقف لتسويغ بيع الوقف تمسك المشهور بقاعدة لا ضرر وقد ورد في بعض روايات الوقف الاشارة الى ذلك التهذيب المجلد 9 ص153 اذا ضيق على الموقوف عليهم بسبب الاختلاف وخيف الخراب والهرج جاز بيع الوقف الذري فهذه الرواية هي تشير الى تطبيق لقاعدة لا ضرر في تسويغ بيع الوقف الذري.
وسنبين ان المشهور عندهم قاعدة لا ضرر النوعي وهي غير قاعدة لا ضرر الفردي فانها مثبتة للأحكام
ومنها:- ما افتى به الفقهاء في مسائل الوضوء الجبيري والغسل الجبيري فانه يجب عليه الوضوء الجبيري والغسل الجبيري اذا لم يكن عليه فيه ضرر ففي الاستبصار المجلد 1 ص89 فالرواية مقيدة بان لا يكون عليه فيه ضرر وهذا نفس قاعدة لا ضرر كما مر تقريب ذلك.
ومنها:- ما في ابواب تروك الاحرام في الحج فقد رخص في كثير من التروك بقاعدة لا ضرر وكما في الاستبصار المجلد 7ص186 فلزومها مقيد بعدم الضرر.
نرجع الى مصدر الطوائف الاولى التي ذكرناها وهي كل ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر والرواية عن ابن أبي عمير عن مرازم قال سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام: فقال اصلحك الله ان علي نوافل كثيره فكيف اصنع ؟ فقال: اقضها فقال له: انها اكثر من ذلك قال: اقضها قال لا احصيها قال: توخ، قال مرازم وكنت مرضت أربعة اشهر لم اتنفل فيها فقلت أصلحك الله أو جعلت فداك إني مرضت أربعة أشهر لم اصل فيها نافلة فقال: ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه))[4] .
وكذا ليس شيء مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه وفي التهذيب موثقة ابي بصير سالته عن المريض هل تمسك له المراءة شيئا يسجد عليه؟ فقال لا ، الا ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شيء مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه))[5] .
هنا يصرح ويبين حلية السجود بهذه الكيفية بمفاد قاعدة لا ضرر ، والحلية هنا حلية وضعية وليس حلية تكليفية.
وموثق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها فيستلقي على ظهره الايام الكثيرة أربعين يوما أقل أو اكثر فيمتنع من الصلاة الايام وهو على حال فقال: لا بأس بذلك، وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه))[6] .
هنا يترك مقصوده من ترك الصلاة هو ترك الصلاة قائما ، فالامام عليه السلام بين مشروعيته وصحته الوضعية بقاعدة لا ضرر.
وفي صحيح محمد ابن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي فرخص في ذلك وقال: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه))[7] .
فهذه ثلاث روايات موثقة لبيان اثبات صحة وضعية داخل مركب وضعي استنادا لقاعدة الضرر.
ايضا موثق حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال: الباغي باغي الصيد والعادي: السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا في الصلاة))[8] .
ومنها:- ما في غسل النصراني للمسلم وهو مفتى به وهو انه اذا لم يوجد رجل يغسل الميت المسلم فيغسله النصراني وعلل تسويغ تغسيل النصراني بان ذلك اضطرار هذه الرواية في الكافي عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمته وخالته مسلمتان كيف يصنع في غسله؟ قال: تغسله عمته وخالته في قميصه ولا تقربه النصارى، وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى وعمها وخالها مسلمان: قال: يغسلانها ولا تقربها النصرانية كما الماء من فوق الدرع، قلت: فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذي قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة؟ قال: يغتسل النصراني ثم يغسله فقد اضطر، وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون ليس بينها وبينهم قرابة؟ قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها، وعن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت؟ قال: لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره))[9] .
ومنها:- ما في مكان المصلي انه لا يسوغ الصلاة داخل الكعبة الا اذا اضطر الكافي عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا تصلي المكتوبة في الكعبة. وروي في حديث آخر يصلي في أربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك))[10] .
ومنها:- ومن الروايات ما ورد في ابواب التقية ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الباب(25 ، 26 ، 27 ، 28) ورد فيها ان اصل تشريع التقية العامة[11] والخاصة[12] متولد من قاعدة لا ضرر ولا يخفى عليكم ان التقية الخاصة عند الكل مجزية وعند المشهور وهو الصحيح ان التقية العامة ايضا يصححون وضعا ولا يفرقون بين التقية العامة او الخاصة . ولا يخفى عليكم ان التقية العامة هي موارد الخوف وما شابهها ذكر في تلك الروايات ان منشأ تشريع التقية قاعدة لا ضرر مثلا في ضمن تلك الروايات ((فان خالفت وصيتي كان ضررك على اخوتك ونفسك اشد من ضرر الناصب)) وهنا تصريح بان الضرر يلاحظ فيه ليس فقط البعد الفردي في قاعدة لا ضرر بل يلاحظ فيه بعد الطائفة وبعد المجموع وهو اعظم رعاية من البعد الفردي كما مر مرارا ، وهذا المجموع الايماني وليس المجموع المدني البشري ، وهذه مراتب من الضروري ان يلاحظها الفقيه او الوالي او الحاكم وهي مراتب اهمية الضرر.
ومنها:- ما ورد في توحيد المفضل ورد فيه بعض اسرار الفيزياء والكيمياء وبين ان من غاية الله تعالى في السنن التكوينة هو تجنيب الانسان لضرر ودلالته كما مر قاعدة في الملازمة ذكرها الفقهاء ولم ينوه بها الاصوليون وقاعدة الملازمة المعروفة هي كلما حكم به العقل حكم به الشرع وهناك قاعدة في الملازمة ذكرناها في بحث القطع وذكرها الفقهاء ارتكازا في الفقه ولم تبلور في علم الاصول وهي كلما حكم الله بحكم تكويني أي كلما ثبت انه غاية تكوينية فهو لا محالة غاية تشريعية.
وتوجد توسعتين في بحث الملازمة وهي كلما حكم به العقل المراد حتى العقل النظري والتوسعة الاخرى ذكرناه في قاعدة الملازمة وهي على طبق ما عند الفقهاء وهي كلما ثبت انه غاية تكوينية للشارع فهي غاية تشريعية ايضا ، هذه التوسعة الثانية قد يعبر عنها بتطابق الارادة التشريعية مع الارادة التكوينية وهذا بحث مهم في الكلام وفي الفلسفة واستفاد منه الفقهاء ، على ضوء هذه التوسعة الثالثة وحتى الثانية في قاعدة الملازمة فكل آيات القران الكريم ستكون آيات احكام لان غالب آيات القران آيات خاصة بالعقائد فعلى ضوء هذا البيان تكون كل الآيات اصول تشريع ، وهذا البيان يبين ان العقائد اصل تشريعي فوقي لأصول التشريعية في الفروع.