37/06/17
تحمیل
الموضوع:- شرائط جريان الاصول العملية.
كان الكلام في بقية ادلة وجوب الفحص وتبين لنا ان بقية الادلة سيما الآيات الكريمة دالة على وجوب التعلم ، وهناك من الروايات ما يدل على ذلك ، وهناك جملة من الروايات في ذيل الآية ﴿قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[1] ، مفادها ان الله يحتج على العباد بانه لماذا لم تعملوا فاذا تعذروا باننا لا نعلم فيسالهم الباري انه هلا تعلمتم.
منها:- صحيح مسعدة ابن زياد قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام وقد سئل عن قوله تعالى : ( فلله الحجة البالغة). فقال : إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالما؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال : كنت جاهلا ، قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه ، فتلك الحجة البالغة))[2] .
وهذه الرواية الصحيحة رواها ايضا الشيخ المفيد في المجلس 26 الحديث 6 في أمالي المفيد الصفحة292 ويوحد طريق آخر في المجلي35 الحديث1.
قال ابن سنان: «كان المامون يجلس في ديوان المظالم يوم الاثنين ويوم الخميس ويقعد الرضا عليه السّلام على يمينه، فرفع اليه أن صوفياً من أهل الكوفة سرق، فأمر باحضاره فرأى عليه سيماء الخير فقال: سوءاً لهذه الآثار الجميلة بهذا الفعل القبيح، فقال الرجل: فعلت ذلك اضطراراً لا اختياراً وقال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْرَ مُتَجَانِف لاِثْم) قد منعت من الخمس والغنائم، فقال: وما حقك منها؟ فقال: قال الله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فمنعتني حقي وأنا مسكين وابن السبيل وأنا من حملة القرآن، وقد منعت كل سنة مني مائتي دينار بقول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال المأمون: لا اعطل حداً من حدود الله وحكماً من احكامه في السارق من أجل اساطيرك هذه، قال: فابدأ أولا بنفسك فطهرها ثم طهر غيرك، واقم حدود الله عليها ثم على غيرك، قال: فالتفت المأمون الى الرضا عليه السّلام فقال: ما تقول؟ قال: انه يقول سرقت فسرق قال: فغضب المأمون، ثم قال: والله لأقطعنّك، قال: اتقطعني وأنت عبدي؟ فقال ويلك ايش تقول؟ قال: اليس امك اشتريت من مال الفيء ولا تقسمها بالحق وأنت عبد لمن في المشرق والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك وأنا منهم وما اعتقتك. والأخرى ان النجس لا يطهر نجساً انما يطهره طاهر ومن في جنبه حدٌ لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدا بنفسه، أما سمعت الله تعالى يقول: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) فالتفت المأمون الى الرضا عليه السّلام فقال: ما تقول؟ قال: ان الله عزّوجل قال لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم: (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجّة، وقد احتج الرجل، قال: فأمر بإطلاق الرجل الصوفي وغضب على الرضا في السر)).
أي بالتالي هي نحو من الوصول الى المكلف ولو وصول اجمالي ، لا من باب تنجيز العلم الاجمالي بل من باب العلم بالشيء ولو بتوسط مقدمات بعيدة فانه يوجب التنجيز ، فهذا التركيب ورد مكررا في الروايات في ذيل هذه الآية الكريمة ، أي حتى الجاهل الحجة قائمة عليه فيلزمه الفحص.
ومنها:- تحف العقول : من كلام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) مع الرشيد: بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الأديان أربعة : أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها ، الاخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة ، والمستنبط منها كل حادثة ، وأمر يحتمل الشك والانكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ويسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والانكار له ، وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عليك صوابه نفيته ، فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه : (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين) يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله ، كما يعلمه العالم بعلمه ، لان الله عدل لا يجور ، يحتج على خلقه بما يعلمون ، ويدعوهم إلى ما يعرفون ، لا إلى ما يجهلون وينكرون . فأجازه الرشيد ورده ، والخبر طويل)).
لاحظوا هذا الشيء الذي اغفله علماء الاصول والمفروض انه يبحث في مبحث القطع وهو انواع القطع الحجة او انواع اليقين لأنه كما تعلمون ان اجماع الامة عند علماء الامامية ليس حجة مع ان التواتر حجة والاستفاضة حجة والخبر الصحيح والموثق فكيف ينفون الحجية عن اجماع الامة ، فان مقصودهم عندما ينفون الحجية عن اجماع الامة انه ليس حجة وحيانية الا ان يكون المعصوم في اجماع الامة فيصير حجة وحيانية ، ولذا ذكرنا ان حجية القران ليس كما يتوهمه العامة هي ليس من باب تواتر ذلك عند المسلمين يدا بيد لان التواتر حس وهو يقين حسي بل كتاب وحي واليقين بالوحي غير اليقين بالحس فان يقين الحس انزل درجة من يقين الوحي لان في اليقينيات ذكروا ستة (اوليات وفطريات وتجريبيات وحدسيات وحسيات وبديهيات) والوحي من اعلاها فاذا كانت حجية الوحي من اعلى انواع اليقينيات فكيف يثبت الادون ، اذن مقولة القران حجة بتواتر المسلمين هذه مقولة زائفة بل حجيته من باب الوحي.
اذن وحيانة القران ليس بتراثية القران وانه تراث المسلمين ، فان الفخر الرازي نفسه يقول ان القران الكريم في شأن النبي عيسى في ينفي حجية التواتر وينفي حجية الحس فقال: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾[3] وقال: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾[4] ، فاذا كان القران الكريم يشكك في فكيف والحس هو مصدر التواتر اذن لا حجية للتواتر فلا تبقى الديانات ، ونحن نقول له صحيح على مبناكم لا تبقى الديانات بل تبقى تراث بشري اما على مسلك اهل البيت الكتب السماوية وهج وحياني وبقاء الاوصياء وهج وحياني فبقاء الاديان والوحي بصاحب العصر والزمان لا بما تقولونه بل بقاءه بالثقلين.
نعم الحس بلحاظ ما دونه يقين ولكن بلحاظ ما فوقه ظن ، اذن حجية القران ليس من باب الحس والتواتر بل من باب الوحي ولا يمكن ان ثبت بمصدر اضعف منها وهو الحس.
اذن اجماع الامة ليس بحجة مقصود علماء الامامية انه ليس حجة وحيانية.
وهناك نكتة مهمة وهو ان بعض الاجماعات لا من باب الحس والتواتر بل من باب الضرورة الوحيانية وهو الاجماع الذي فيه المعصوم وهو يعني اليقين والضرورة صعدت فوق الحس وبلغت الوحي سواء ضرورة وحيانية بتوسط المعصوم او بتوسط برهان علم وحياني اعجازي.
يبقى الكلام ان هذه الروايات والآيات التي مرت بنا امس واليوم هل هي ارشاد وليست مولوية وهذا قول وهو انه ارشاد للزوم الاحتياط والفراغ من الاحكام الشرعية المنجزة وقول اخر انه تفيد وجوب غيري وقول ثالث انه تفيد وجوب طريقي ورابع انها تفيد وجوب نفسي تهيئي مقدمي.
وان شاء الله نستعرض هذه الوجوه والاقوال.