37/06/10
تحمیل
الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
وجوب تعلم الجاهل:-
وقع الكلام في إنّ تعلّم الجاهل هل هو من المقدّمات المفوّتة أو لا ؟ وهل هو واجب أو لا ؟ فهنا كلامان الأوّل هو أشبه بالصغروي والبحث الموضوعي وأنّ هذا التعلّم هل هو من المقدّمات المفوتة أو لا ، والبحث الثاني أشبه بالكبروي وهو أنّ التعلّم هل هو واجب أو لا ؟
أما بالنسبة إلى الكلام الأوّل:- فقد نقل الشيخ النائيني(قده)[1] عن رسائل الشيخ الأعظم(قده) أنه يظهر منه في مبحث شرائط جريان الأصول العملية أنّ التعلّم من المقدّمات المفوّتة ، ببيان إنّ ضابط المقدّمات المفوّتة ينطبق عليه حيث إنّه لو تركه المكلف قبل الوقت لفات عليه الواجب ، مثل الحج فإنّ زمان الواجب مثلاً هو يوم عرفة فإذا لم يتعلّم الحج قبل يوم عرفة فسوف يفوت عليه الواجب ، ومثل الغسل قبل الفجر في صوم شهر رمضان ، فمن ترك الغسل قبل الفجر فاته الواجب ، وهنا أيضاً كذلك.
وأشكل عليه الشيخ النائيني(قده) وقال:- إنّ من ترك التعلم لا يلزم أن يترك الواجب ، بل لعلّ الواجب يحصل اتفاقاً ، نعم هو لا يحرز أنه قد أتى به لا أنّه لا يتحقّق الواجب.
وبتعبيرٍ آخر:- هناك فرق بين الغسل قبل الفجر وبين التعلّم فإنّ الغسل قبل الفجر من تركه فات عليه الصوم حتماً ، ولكن من ترك التعلّم لا نتمكن أن نقول سوف يفوته الواجب حتماً إذ لعلّه هو يأتي به اتفاقاً - وإن لم يكن في هذا المثال ففي أمثلة أخرى يمكن بترك التعلّم يتحقق الواجب - ولذلك قلنا بكون الأحكام الشرعيّة مشتركة بين العالم والجاهل.
فهنا جاء(قده) بدليلٍ على إمكان صدور العمل الصحيح من الجاهل؛ إذ لو لم يمكن صدور العمل الصحيح منه لما أمكن أن تكون الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل إذ كيف يوجّه الخطاب للجاهل مادام لا يمكن أن يصدر منه العمل ؟! فكيف يقال له صلِّ مثلاً وهو لا يمكنه أن يأتي بالعمل إذا لم يتعلّم فإنّ هذا تكليفٌ بغير المقدور فإذا كان غير قادرٍ على الاتيان بالعمل الصحيح فهذا تكليفٌ بغير المقدور وهو لا يجوز ، فالأحكام لا يمكن أن تكون مشتركة.
إذن اتفاق الفقهاء على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل دليل على أنّ الجاهل يمكن أن يصدر منه العمل الصحيح ، فإذا كان يمكن أن يصدر منه فالتعلّم لا يصير من المقدّمات المفوّتة لأن المقدّمة المفوتة - كما قلنا - هي التي لو تركت لم يمكن تحقّق الواجب ، بينما هنا يمكن تحقق الواجب بترك التعلّم.
وقال للشيخ العراقي(قده)[2] :- الحقّ هو التفصيل ، فبعض الواجبات لو ترك تعلّمها لم يمكن الاتيان بالعمل الصحيح ، وبعضها الآخر يمكن الاتيان بالعمل الصحيح عند ترك التعلّم.
أقول:- الأنسب ترك الولوج في هذا البحث ، فإنّ هذا أشبه بالبحث عن المصطلح وأنّ مصطلح المقدّمات المفوتة هل يصدق على التعلّم أو لا يصدق عليه ، فسواءٌ صدق أم لم يصدق فإنه ثمرة في ذلك ، والمناسب أن ندخل في البحث النافع وهو أنه هل يجب التعلّم قبل الوقت أو لا فالهم هو هذا سواء سمّي مقدّمةً مفوّتةً أم لا.
وأمّا بالنسبة إلى البحث الثاني- وهو المهم وهو أنه هل يجب التعلّم أو لا -:- فهو من الأبحاث النافعة ويشتمل على نكات علميّة ، والكلام تارةً يقع بلحاظ البالغ ، وأخرى يقع بلحاظ غير البالغ.
حكم البالغ:- أمّا بالنسبة إلى البالغ فالكلام يقع بلحاظ حالات ثلاث:-
الحالة الأولى:- إذا فرض أن البالغ يعلم بتوجّه تكليفٍ إليه الآن أو بعد قليل فهل يجب عليه التعلّم أو لا ؟ كما إذا فرض أنه بعد قليل سوف يؤذن لصلاة الظهر وهو قد بلغ قبل الزوال فهل يجب عليه أن يتعلّم أحكام الصلاة قبل الوقت أو لا ؟
إنّ هذا شخصٌ يعلم بأنه توجه إليه التكليف بالصلاة الآن - كما إذا حلّ الوقت - ، أو سوف يتوجّه إليه ، فهل يجب عليه التعلّم أو لا ؟ ، ومثال آخر وهو الصوم فهو يعلم أنه سوف يدخل شهر رمضان غداً وهو قد بلغ فهل يجب عليه التعلّم من الآن وما الدليل على وجوب ذلك ؟ وكذلك الحال في الحج .
الحالة الثانية:- أن نفترض أنه يشكك في توجّه تكليفٍ فعليٍّ عليه الآن - لا أنه يجزم بتوجهه - من قبيل ما إذا رؤي الهلال ولا ندري أنّ الدعاء عند رؤيته واجب أو لا ، فهذا شكٌّ في توجّه تكليفٍ فعليٍّ إليه ولا يدري أنه واجبٌ أو ليس بواجب ، فهنا هل يلزم تعلّم الحكم أو لا ؟
الحالة الثالثة:- أن أشك في توجّه تكليفٍ إليَّ في المستقبل ، من قبيل شكوك الصلاة ، فهل يجب التعلّم من الآن ؟
والفرق بين الحالة الثانية والحالة الثالثة:- هو أنّه في الحالة الثانية هو يشك ولكنه في تكليفٍ فعليٍّ ، أمّا في الحالة الثالثة فهو يشك أيضاً ولكن في تكليفٍ استقبالي.
أمّا الحالة الأولى[3] فنقول:- نعم يجب التعلّم ، والوجه في ذلك واضح؛ إذ من دونه لا يمكن الاتيان بالواجب ، فمن باب المقدّمة الواجبة ولو عقلاً يلزم أن أتعلّم حتى أتمكن من الاتيان بالواجب ، وهذا شيء واضح ولا شك فيه.
إن قلت:- فيلترك التعلّم ، فإذا تركه قبل الوقت صار غير قادر فيرفع الخطاب عن نفسه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ؟
قلت:- هو بالتالي قادرٌ لا انه عاجز؛ إذ القدرة على المقدّمة هي قدرة على ذي المقدّمة ، فلا يصدق في حقّه أنه عاجز ، كما لو قال شخص أنا عاجز عن الأكل والشرب فنقول له أنت ليست بعاجزٍ حيث تتمكن من العمل ، فأنت قادر على المقدّمة ومن قدر على المقدّمة قدر على ذي المقدّمة.
والنتيجة:- هي أنه في الحالة الأولى لا إشكال في وجوب التعلّم من باب المقدّمة ولو بنحو الوجوب العقلي للمقدّمة.