37/06/09
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / شرائط جريان الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر
في الدرس السابق ذكرنا خلاصة ما ذكره شيخ الشريعة الأصبهاني(قدّس سرّه) في قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). إذا تأملنا في كلام هذا المحقق، يُفهم من كلامه أنّه ذكر عدّة أمور لإثبات مدّعاه، وقلنا أنّ عنوان مُدّعاه هو أنّ الجمع بين هذه الأقضية في رواية عقبة بن خالد هو من باب الجمع بين المتفرّقات، ويريد أن يتوصّل بهذه الدعوى إلى فك الارتباط بين القاعدة وبين موارد تطبيقها التي هي باب الشفعة وباب منع فضل الماء، وأنّه لا يوجد ربط بينهما، وإنّما كل منهما قضاء مستقل؛ حينئذٍ ينفتح المجال لدعوى أنّ (لا ضرر ولا ضرار) يُفهم منها الحكم التكليفي المحض ليس إلاّ، بينما إذا كان هناك ارتباط وتعليل سوف يمنع من حمل الحديث الشريف على الحرمة التكليفية.
ذكروا أموراً يتوقف عليها إثبات مدّعاه، لا بأس بذكرها :
الأمر الأوّل: وثاقة عبادة بن الصامت الذي روى هذه الأقضية وهي كثيرة كما قلنا، وجمع بينها في رواية واحدة. ويقول: عبادة بن الصامت ثقة ومتقن في نقله. هذه الأمر إنما أثبته لأنّ هذا الرجل إن لم يكن متقناً؛ فحينئذٍ لا يكون نقله حجّة، وبالتالي لا يُعارض رواية عقبة بن خالد التي هي محل كلامنا، هو يريد أن يقول أنّ رواية عقبة بن خالد فيها ظهور في الارتباط والتعليل، بينما رواية عبادة بن الصامت ليس فيها ظهور في ذلك، ويريد أن يقدم رواية عبادة بن الصامت على رواية عقبة بن خالد، وهذا فرع حجّية رواية عبادة بن الصامت، عندما تكون روايته حجّة وهو ثقة متقن؛ حينئذٍ تعارض روايته رواية عقبة بن خالد وتُقدّم عليها، وبالتالي نلتزم بأنّ رواية عقبة بن خالد وإن كانت لها ظهور في الارتباط، لكن نرفع اليد عن هذا الظهور باعتبار ظهور رواية عبادة بن الصامت في أنّ هذه الأقضية مستقلة ولا ارتباط بينها، وهذا فرع ان يكون الرجل ثقةً ومتقناً في نقله؛ ولذا هو بحاجة إلى هذا الأمر لكي يصل إلى مدّعاه.
والدليل على وثاقة عبادة بن الصامت هو أنّه ذُكر في ترجمته بعض الأمور التي توجب كونه من الثقات وكونه من خُلّص أصحاب الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه بقي مخلصاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاته. وأيضاً أضاف إلى ذلك المطابقة بين رواية عبادة بن الصامت وبين رواية عقبة بن خالد، ورواية عقبة بن خالد ليست رواية واحدة، وإنّما هي روايات متعددة موزعة على أبواب الفقه، حيث روى القضاء في باب الشفعة، وأيضاً رواية في باب منع فضل الماء، وله رواية أيضاً في موردٍ آخر، فرواياته متفرّقة، فهو يقول المطابقة بين روايات عقبة بن خالد المتفرّقة وبين رواية عبادة بن الصامت التي هي رواية واحدة تجمع بين أقضية متعددة، والمطابقة بينهما والتشابه حتى في الألفاظ يشكّل قرينة على أنّ عبادة بن الصامت ثقة وروى ما هو صادر واقعاً عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
لكن يمكن أن يُلاحظ على هذا بأنّ وثاقة عبادة بن الصامت وحده لا تنفعنا لجعل الرواية صحيحة ومعارضة لرواية عقبة بن خالد، ثمّ تقديمها عليها؛ بل لابدّ من إثبات وثاقة جميع من وقع في سند هذه الرواية، ومن الواضح أنّه لم يثبتها، ولا يمكن إثبات كل السند الواقع في رواية عبادة بن الصامت المروية في مسند احمد بن حنبل وأمثاله؛ بل يبدو أنّ هناك مشكلة سندية حتى عندهم في رواية عبادة بن الصامت، قالوا أنّ فيها إرسال، باعتبار أنّ الذي يرويها عن عبادة بن الصامت هو اسحق بن يحيى، وقد نصّوا على أنّه لم يُدرك عبادة بن الصامت، وهذا يعني وجود إرسال في تلك الرواية.
أمّا مسألة المطابقة، فصحيح أنها تعطي احتمال وقرينة على الوثاقة، لكن هذا إنّما يتم لو كانت المطابقة في روايات كثيرة، كما لو روى الراوي عشرين رواية وعند تتبعنا لهذه الروايات نجد أنّ كل رواية منها مطابقة لروايات أخرى يرويها آخرون؛ حينئذٍ يمكن أن نقول أنّه ليس من باب الصدفة أن يكون هناك شاهد على صدق هذه الرواية، وهذه الرواية أيضاً يوجد شاهد على صدقها، والرواية الأخرى أيضاً هناك من ينقل نفس الفاظها ونفس مضمونها، فيُفهم من ذلك أنّ هذا الراوي ثقة ومتقن وصادق في نقله. أمّا حينما يكون التطابق في رواية واحدة وإن كانت تتضمن عشرين قضاء، لكن النتيجة هي رواية واحدة رواها هذا الراوي ووجدت رواية أخرى تطابقها جزئياً في بعض الموارد؛ لأنّ رواية عقبة بن خالد ليست في جميع الأقضية التي نقلها عبادة بن الصامت، لكن رواية واحدة مطابقة لرواية عبادة بن الصامت لا تُشكل قرينة على أنّه ثقة بحيث يُجعل دليلاً على وثاقته واتقانه في نقله.
الأمر الثاني: من الأمور التي جعلها من المقدّمات التي تثبت مُدعاه مسألة أنّ عقبة بن خالد رويت عنه الأقضية المتعددة الموزعة على الأبواب في مجاميعنا الحديثية، في باب القضاء بالشفعة رويت عنه رواية، وفي فضل الماء أيضاً، وفي غيره كذلك، ورويت عنه أقضية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سبعة موارد تقريباً، لكنها موزعة على الأبواب الفقهية في كتب الحديث. هو يقول: أنّ هذا التوزيع على الأبواب الفقهية ليس سببه أنّ روايات عقبة بن خالد أصلاً متعددة، يعني لا نقول أنّ عقبة بن خالد لديه سبعة روايات، وإنّما في الحقيقة هو له رواية واحدة جمع فيها بين الأقضية، وهذا التوزيع إنّما هو ممّا قام به أصحاب المجاميع الحديثية، أي أنّ أصحاب المجاميع الحديثية عندما جرت عادتهم على تقطيع الأخبار، فيُلحقون كل خبر بالباب المناسب له، فوجدوا أنّ لعقبة بن خالد رواية واحدة فيها سبعة أقضية ـــــ مثلاً ـــــ فما يرتبط بباب الشفعة جعلوه في باب الشفعة، وقالوا أنّ عقبة بن خالد روى هذا القضاء في باب الشفعة عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والقضاء في باب منع فضل الماء أيضاً جعلوها في الباب المناسب له...... وهكذا في الباقي. هم قطّعوا هذه الرواية الواحدة التي نُقلت عن عقبة بن خالد.
إذاً: ما يرويه عقبة بن خالد هو رواية واحدة فيها أقضية متعددة عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكأنّ عقبة بن خالد روى رواية واحدة عن الإمام الصادق(عليه السلام) والرواية تشتمل على هذه الأقضية المتعددة، ونقل له الإمام(عليه السلام) هذا المقدار من الأقضية التي نقلها عقبة بن خالد عن الإمام(عليه السلام)، ثمّ بعد ذلك حصل التقطيع من قِبل أصحاب الكتب الحديثية بهذا الشكل الذي وصل إلينا، وإلا هي في الأصل رواية واحدة.
ما هو الوجه في توقف مُدّعى شيخ الشريعة الأصبهاني(قدّس سرّه) على هذا الأمر الثاني ؟ الوجه هو أنه اعترف بأنّ رواية عقبة بن خالد التي نقلناها سابقاً عن الكافي فيها ظهور في ارتباط قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) بهذين الموردين(الشفعة، ومنع فضل الماء) لكن هو يقول لابدّ من رفع اليد عن هذا الظهور برواية عبادة بن الصامت، وهو رفع اليد عن هذا الظهور بادّعاء أنّه ظهور ضعيف باعتبار رواية عبادة بن الصامت، ولكن هذا الظهور إنما يكون ضعيفاً إذا أثبتنا أنّ عقبة بن خالد كان في مقام الجمع في الرواية، يعني الجمع بين المتفرّقات، فيكون الظهور في الارتباط في رواية عقبة بن خالد ضعيفاً، فيمكن أن نرفع اليد عنه لصالح رواية عبادة بن الصامت. أمّا إذا قلنا بأنّ رواية عقبة بن خالد ليست رواية واحدة جمع فيها بين المتفرّقات، وإنّما هي سبع روايات؛ حينئذٍ سوف يضعف الظهور في الارتباط، وشيخ الشريعة الأصبهاني(قدّس سرّه) يريد أن يضعف الظهور في الارتباط في رواية عقبة بن خالد ضعيفاً كي يتسنّى له رفع اليد عنه، وتقديم رواية عبادة بن الصامت التي فيها ظهور أولي في عدم الارتباط على رواية عقبة بن خالد، وتضعيف الظهور في الارتباط يتوقف على أن نقول أنه في مقام الجمع بين المتفرّقات، وإلاّ إذا لم يكن في مقام الجمع بين المتفرّقات؛ فحينئذٍ سوف يكون هذا الظهور قوياً، وأنّه يستدل على الشفعة بحديث (لا ضرر ولا ضرار)؛ فلذا هو يثبت هذه المقدّمة التي تقول أنّ رواية عقبة بن خالد هي عبارة عن رواية واحدة جمع فيها بين المتفرّقات، وأنّ عقبة بن خالد سمع من الإمام(عليه السلام) سبعة أقضية ورواها في رواية واحدة، والتقطيع حصل من قبل أصحابنا. فإذا كانت رواية واحدة يستطيع أن يقول أنّها كرواية عبادة بن الصامت في عدم ظهورها في الارتباط.
واستدل على هذه المقدّمة بأنّ الراوي عن عقبة بن خالد في كل هذه الروايات هو شخص واحد معيّن وهو محمد بن عبد الله بن هلال؛ بل أكثر من هذا، الذي يروي عن محمد بن عبد الله بن هلال هو أيضاً شخص واحد في كل هذه الروايات وهو محمد بن الحسين بن ابي الخطّاب، وهذا يكون قرينة على أنّ الرواية واحدة؛ إذ من المستبعد في هكذا عدد من الروايات أن يتكرر نفس الرواة بهذا الشكل(محمد بن الحسين بن ابي الخطّاب، عن محمد بن عبد الله الهلالي، عن عقبة بن خالد).
أجيب عن هذا الاستدلال بأنّ النجاشي في ترجمة عقبة بن خالد ذكر أنّ له كتاب ورواه عنه بسندٍ ينتهي إلى نفس هذين الراويين الموجودين في الرواية محل الكلام، وهما محمد بن عبد الله بن هلال، ومحمد بن الحسين بن ابي الخطّاب؛ حينئذٍ يقال: لعلّ الشيخ الكليني(قدّس سرّه) عندما روى هذه الروايات بهذا الشكل هو وصله كتاب عقبة بن خالد بسندٍ ينتهي إلى محمد بن عبد الله بن هلال ومحمد بن الحسين بن ابي الخطّاب، وروايات الأقضية هذه كانت موجودة في كتاب عقبة بن خالد ومن هنا تنشأ وحدة الرواة، يعني يريد أن يقول أنّ وحدة الرواة ليست ناشئة من وحدة الرواية كما يريد أن يثبته شيخ الشريعة الأصبهاني(قدّس سرّه)، وفي مقابله من يقول أنّ كتاب عقبة بن خالد قد وصل إلى الشيخ الكليني(قدّس سرّه) عن طريق هذين الرجلين(محمد بن عبد الله بن هلال، ومحمد بن الحسين بن ابي الخطّاب)، فعندما وصله الكتاب بهذا الطريق فهو يذكر هذه الرواية بهذا السند، وكذلك يذكر الرواية الثانية بهذا السند.....وهكذا، فوحدة الرواة لا تعني وحدة الرواية، فلعل في كتاب عقبة بن خالد توجد سبع روايات وصلت إلى الشيخ الكليني(قدّس سرّه) بهذا الطريق كما هو موجود عند الشيخ النجاشي، فالشيخ الكليني(قدّس سرّه) نقلها كروايات متعددة موجودة في كتاب عقبة بن خالد، لكن الطريق واحد والرواة متّحدين، فلا نستطيع أن نثبت أنّ الرواية واحدة بوحدة الرواة.
هذا المطلب في حدّ نفسه صحيح، لكن الظاهر أنّ هناك اشتباهاً في تطبيقه؛ لأن النجاشي لم يذكر هذا الكلام، في ترجمة عقبة بن خالد هو قال له كتاب، ونقله بسندٍ ينتهي إلى شخصين آخرين غير محمد بن عبد الله بن هلال ومحمد بن الحسين بن ابي الخطّاب، وإنّما نقله بسندٍ ينتهي إلى الحسن بن علي بن فضّال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، يعني عقبة بن خالد. وهذا طريق آخر غير ذاك الطريق، احتمل أنّ هناك اشتباهاً، وبدل النجاشي لو نقلنا عن الشيخ في الفهرست، حيث ذكر في الفهرست في ترجمة عقبة بن خالد أنّ له كتاب، وذكر طريقاً له يمر بمحمد بن عبد الله بن هلال، ويروي عنه محمد بن الحسين بن ابي الخطّاب، فنقول أنّ هذا طريق ذكره الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الفهرست إلى كتاب عقبة بن خالد، لعل الشيخ الكليني(قدّس سرّه) يروي كتاب عقبة بن خالد أيضاً بنفس هذا الطريق، فعندما يذكر روايات عقبة بن خالد فطريقه اليها هو نفس الطريق، فتكرر هذا الطريق لا يعني أنّ الرواية واحدة؛ بل يمكن فرض أنّها روايات متعددة في كتاب عقبة بن خالد، غاية الأمر أنّ الطريق إليه يمر بهذين الشخصين، فتكررا لأنّ الطريق إلى الكتاب يمر بهما لا لأنّ الرواية واحدة. وهذا المطلب صحيح.
ما ذكره في المقدّمة الثانية من أنّ هذه أقضية متعددة يدّعي أنّها مجتمعة في رواية واحدة هي رواية عقبة بن خالد، وأنّها وُزعت على البواب الفقهية من قِبل الأصحاب، يُلاحظ عليه أنّ في هذا المطلب توجد احتمالات:
الاحتمال الأول: أنّ يكون هذا التوزيع للأقضية المتعددة باعتبار أنّها صدرت من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرتين، مرّة مجتمعة ورواها عبادة بن الصامت مجتمعة، ومرّة متفرّقة رواها عقبة بن خالد عن الإمام الصادق(عليه السلام) .
الاحتمال الثاني: أنّ يكون هذا التوزيع من جهة تقطيع الإمام الصادق(عليه السلام) نفسه، أو أحد الرواة.
الاحتمال الثالث: أن يكون هذا التوزيع من جهة تقطيع الأصحاب للرواية وإلحاق كل قضاء بما يناسبه من الأبواب الفقهية.
حينئذٍ يقال: أنّ المتعيّن من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الثالث؛ لاستبعاد الأول والثاني، استبعاد أن تصدر من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرتين، مرّة مجتمعة ومرّة متفرقة، وأيضاً استبعاد أن يكون الإمام الصادق(عليه السلام) هو الذي قطّع هذه الروايات وفرّقها، أو أن يكون أحد الرواة هو من قام بذلك؛ لأنّه شيء غير معقول، فيتعيّن أن يكون الذي فعل ذلك هم الأصحاب وأصحاب الكتب الحديثية. ما يُلاحظ على هذا المطلب هو كأنّه يفترض أنّ رواية عبادة بن الصامت هي رواية واحدة ومجموعة من الأقضية صدرت من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مجلسٍ واحد، ونقلها عبادة بن الصامت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بينما واقع الأمر ليس هكذا، عشرين قضاء من المستبعد جداً؛ بل من المطمئَن به أنها لم تصدر من الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مجلس واحد، وإنّما هي أقضية وردت في موارد متفرّقة، صدر منه كل قضاء في موردٍ مناسب لصدوره منه، غاية الأمر أنّ عبادة بن الصامت جمع بين المتفرّقات ورواها كلّها في رواية واحدة، وتوجد مناسبة للجمع فيما بينها، وهي أنّها كلها أقضية عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم). هذا هو الذي يظهر من عبادة بن الصامت، يعني أنّ رواية عبادة بن الصامت ليست هي عبارة عن رواية واحدة تُنقل عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مجلسٍ واحد، هذا مستبعد جداً، وإنّما هي عبارة عن أقضية متعددة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صدرت في مجالس متعددة، وعبادة بن الصامت جمع بينها في رواية واحد من باب الجمع بين المتفرّقات.