37/05/05
تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد(المورد السابع والثامن).
ويجاب عن ذلك أن التفريق بين الموردين(الذي ذكره الشيخ صاحب الجواهر) من حيث وجوب القضاء وعدمه _ وان كان ممكناً تعبداً_ لا يخلو من استغراب, وحل القضية بإرجاع الضمير إلى الوقت ونحوه لا إلى السحاب, وقرينة هذا الارجاع معه حيث أن الكلام عن الوقت ودخوله وعدم دخوله فلا يبعد أن يكون الضمير في هذه الرواية يعود إلى الوقت ونحوه.
مضافاً إلى أنه مع فرض اختصاص الرواية في صورة عدم الالتفات إلى السحاب فرأوا (ظنوا) أنه الليل لكن قلنا أن الرواية فيها تعليل في ذيلها _لأنه اكل متعمداً_ ومقتضى عمومه عدم اختصاص الرواية في موردها.
وعلى كل حال فالتعارض مستحكم والظاهر أن المقصود بالرواية هو ما ذكرنا ولا فرق بينهما فيقع التعارض, والترجيح يكون لصحيحتي زرارة والنتيجة التي نصل اليها إلى هنا _بلا دخول في التفاصيل حيث أن الكلام فيها سيأتي_ هي أن من اعتقد دخول الليل فأفطر اعتماداً على اعتقاده ثم تبين الخلاف لا قضاء عليه سواء كان هناك غيم في السماء أم لم يكن.
وقد يقال بأن هذه النتيجة مخالفة على الاقل لمشهور المتأخرين لكن هناك عبارة ينقلها العلامة عن الشيخ المفيد وظاهر العبارة أنه يذهب إلى هذا الرأي (وقال المفيد[1] : ومن ظن أن الشمس قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر ثم تبين أنها لم تكن غابت في تلك الحال وجب عليه القضاء ، لأنه انتقل عن يقين النهار إلى ظن الليل فخرج عن الفرض بشك ، وذلك تفريط منه في الفرض)[2] لأنه خرج منه بشك وعدم يقين وكأنه يريد أن يقول أن اليقين بالنهار لا يرفع اليد عنه الا بيقين مثله فإذا تيقن بدخول الليل فأن هذا يكفي للحكم بعدم القضاء أما رفع يده عن اليقين بالنهار بظنٍ أو شكٍ فأنه لا يكفي, ويفهم من ذلك أن اليقين الموجود بالنهار إنما يجوز رفع اليد عنه باليقين بدخول الليل وهو محل كلامنا فنحن نقول اذا اعتقد وجزم بدخول الليل فأن هذا يكفي لتجويز الافطار تكليفاً ونفي القضاء بناءً على الروايات السابقة التي استفدنا منها هذا المعنى , والعلامة بعد أن ذكر هذا قال بأن قول المفيد ليس بعيداً عن الصواب.
يظهر مما تقدم أن عدم القضاء يختص بما اذا اعتقد دخول الليل وإما اذا فرضنا أنه ظن دخول الليل _الظن بمعنى الاحتمال الراجح_ أو شك به فالظاهر وجوب القضاء حتى مع وجود علة في السماء وذلك باعتبار أن الدليل الذي نستند إليه لأثبات نفي القضاء ويخرج عن مقتضى القاعدة التي توجب القضاء يختص بصورة الاعتقاد ولا يشمل صورة الظن فضلاً عن صورة الشك, نعم قد يقال بجواز التعويل على الظن حتى لو لم يكن حجة في خصوص باب الاوقات ويقال بأن هذا ثبت في الصلاة والروايات الدالة على جواز التعويل على صياح الديك واذان المؤذن وامثال هذه الامور وكأن الظن ولو لم يكن حجة يكفي في مقام التعويل عليه في باب الاوقات لكن هذا لا ينفعنا في محل الكلام فهو يثبت لنا الترخيص في الافطار ويسوغ لنا رفع اليد عن استصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل, لكن هذا لا يعني نفي القضاء فالقاعدة تقتضي وجوب القضاء, والادلة التي نخرج بها عن القاعدة لا تشمل حالة الظن والشك, وقلنا سابقاً حتى مع قيام الحجة على الافطار يجب القضاء عند تبين الخلاف. هذا من جهة ومن جهة اخرى الظاهر أنه لا ينبغي التفريق بلحاظ اسباب الاعتقاد الجازم, حتى لو فرضنا أن سبب الاعتقاد الجازم هو اخبار مخبر بدخول الليل, وذلك لأطلاق الروايات خصوصاً صحيحة زرارة الثانية حيث أن فيها من الاطلاق ما يشمل هذا الفرض حيث ورد فيها (قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت فافطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : ليس عليه قضاء) والمراد بظن فيها (اعتقد) وبناءً على ذلك يتضح أنه لم يبين ما هو سبب الاعتقاد وإنما هي مطلقة من هذه الجهة ولا داعي حينئذ للتقييد بالاعتقاد الناشئ من سبب خاص, وتقدم سابقاً بأن رواية الكناني والشحام حتى لو تمتا سنداً فأنهما لا تقيدان اطلاق صحيحة زرارة _ بصورة وجود الغيم أو السحاب حيث أنه كان سبب الاعتقاد فيهما_ لأنهما ليس لهما مفهوم, هذا بالنسبة إلى صحيحة زرارة الثانية وحتى الاولى نعتقد بأنها مطلقة لكن اطلاق الثانية اوضح.
اشترط المحقق الهمداني في عدم القضاء _ حيث أنه ذهب إلى هذا الرأي ايضاً _ أن يكون الاعتقاد بدخول الليل مع الفحص والتحري لا بدونه حيث قال (فالقول بعدم وجوب القضاء هو الأظهر ، ولا اختصاص له بما إذا علم بأنّ في السماء علَّة ، بل المدار على : إن أذعن بدخول الليل إذعانا يبيح له تناول المفطر ، ولكن مع الفحص والتحرّي لا بدونه ، كما لو كان في بيت مظلم فحصل له الجزم بدخول الليل بواسطة الساعة ونحوها ، أو إخبار من يعتقد بقوله ، ثم انكشف خطأه فإنّ هذا خارج عن منصرف النصوص والفتاوى ، فيرجع في حكمه إلى القاعدة ، وهي : فساد صومه بتناول المفطر ما لم يدلّ دليل تعبّدي على خلافه)[3]
ولا اشكال في أن ما ذكره هو المناسب للاحتياط لكن لا يظهر من الروايات السابقة وجود ما يشير إلى هذا الانصراف, واذا كان هناك انصراف فهو بدوي لا داعي له, فصحيحة زرارة الثانية مثلاً ليس فيها اشارة إلى هذا الانصراف فهي تقول (قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت) فهي تتحدث عن رجل ظن أي اعتقد فلماذا نقيده بأنه قد خرج وفحص ونظر إلى السماء ثم اعتقد أن الشمس قد غابت, والى هنا ينتهي الكلام في اصل المسألة.
قال الماتن
(السابع : الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل وإن كان جائزا له لعمى أو نحوه) ذكرنا سابقاً أن مسألة جواز التقليد وجواز الاعتماد على خبر الغير في مسألة الوقت في صورة العجز عن الاستعلام له وجه حيث يتم فيه ما يشبه دليل الانسداد لكن لابد من تقييد العجز عن الاستعلام ولو بالتأخير (وكذا إذا أخبره عدل بل عدلان بل الأقوى وجوب الكفارة أيضا إذا لم يجز له التقليد)[4] وهذا واضح ايضاً لأنه ليس عنده حجة بل عنده استصحاب بقاء النهار فيكون متعمداً للإفطار فيجب عليه القضاء مع الكفارة, ومن هنا يظهر أنه بلحاظ القضاء لا فرق بين أن يكون الخبر حجة أو ليس بحجة ولا فرق بين جواز التقليد وعدمه ففي كل هذه الحالات اذا افطر ثم تبين الخلاف يجب عليه القضاء, نعم يظهر الاثر في الكفارة حيث اذا كان معتمداً على حجة لا تجب عليه الكفارة لعدم صدق الافطار العمدي, واذا كان معتمداً على شيء غير معتبر شرعاً فأنه تجب عليه حتى الكفارة.
وقد قلنا بالنسبة إلى الأمر السابع أنه تارة نفترض حجية الخبر وتارة نفترض عدم الحجية ومقتضى القاعدة في كلتا الحالتين وجوب القضاء, وكل هذا مع عدم الاعتقاد الجازم من اخبار المخبر, ويسقط القضاء في صورة واحدة وهي ما لو حصل له الاعتقاد من اخبار المخبر, فإذا كان مقصود السيد الماتن بالتقليد في المقام هو الاعتماد على الظن من دون فرض الاعتقاد الجازم فأنه يكون صحيحاً لأنه مقتضى القاعدة من دون فرق بين أن يكون حجة أو ليس بحجة ومن هنا لابد من تقييد كلامه بما اذا لم يحصل له الاعتقاد الجازم لأن مقتضى صحيحة زرارة الثانية نفي القضاء في صورة الاعتقاد الجازم من أي سبب كان.
(الثامن : الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه ولم يكن في السماء علة وكذا لو شك أو ظن بذلك منها بل المتجه في
الأخيرين) أي الشك والظن اذا لم يكن الظن حجة ( الكفارة أيضا لعدم جواز الإفطار حينئذ ولو كان جاهلا بعدم جواز الإفطار فالأقوى عدم الكفارة ) لعدم التعمد للإفطار وان كان تعمد الفعل حاصلاً (وإن كان الأحوط)استحباباً ( إعطاؤها نعم لو كانت في السماء علة فظن دخول الليل فأفطر ثم بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء فضلا عن الكفارة)وهذا هي الصورة الوحيدة التي استثناها (ومحصل المطلب أن من فعل المفطر بتخيل عدم طلوع الفجر أو بتخيل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور إلا في صورة ظن دخول الليل مع وجود علة في السماء من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك من غير فرق بين شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب وفي الصور التي ليس معذورا شرعا في الإفطار كما إذا قامت البينة على أن الفجر قد طلع ومع ذلك أتى بالمفطر أو شك في دخول الليل أو ظن ظنا غير معتبر ومع ذلك أفطر تجب الكفارة أيضا فيما فيه الكفارة)
والذي يظهر من العبارة في الأمر الثامن أنه (قد) فرض أن الافطار تارة يكون مع القطع بدخول الليل بسبب الظلمة واخرى يكون مع الشك وثالثة يكون مع الظن هذا من جهة ومن جهة اخرى أن الافطار تارة يفترض أن تكون في السماء علة واخرى أن لا تكون في السماء علة فتكون الحصيلة ست صور, وقد حكم السيد الماتن بالقضاء فيها الا في صورة واحدة وهي صورة ما اذا ظن بدخول الليل مع وجود غيم أو غيره في السماء فلا يجب فيها القضاء وهو يختص بالغروب ولا يأتي في الفجر.