37/04/16
تحمیل
الثاني: صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : آمر الجارية ( أن تنظر طلع الفجر أم لا) فتقول : لم يطلع بعد ، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت ، قال : اقضه ، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء)[1]
وهي تدل على وجوب القضاء مع التعويل على اخبار الجارية والظاهر أنه لا يمكن الاشكال في دلالة الرواية على هذا المقدار, أي مع اخبار الجارية وتبين الخلاف فالرواية صريحة فيه , فلا يمكن التوقف في دلالة الصحيحة على هذا المقدار, الا أن المراد في المقام كما هو كلام السيد الماتن مطلق يشمل اخبار الجارية واخبار الشخص الاخر بل حتى اخبار العدلين (البينة).
قد يقال أن غاية ما يستفاد من الصحيحة هو وجوب القضاء اذا اكل تعويلاً على اخبار الجارية وليس فيها دلالة على ما لو كان المخبر عدلين.
وفي المقابل قد يقال بإمكان الاستدلال بالرواية على الاطلاق وذلك بقرينة ذيلها (أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء) حيث يستفاد من هذه العبارة حصر عدم القضاء بما اذا باشر النظر بنفسه, فليس مفاد الرواية عدم القضاء مع مباشرة الصائم بنفسه للنظر فحسب, بل تدل على ما هو اكثر من ذلك حيث تدل على أن المباشرة معتبرة في عدم القضاء, فهي تريد القول أن سبب عدم القضاء هو المباشرة, وعليه فمع عدم تحقق المباشرة لا يسقط وجوب القضاء. هذا ما يمكن أن يقال في مقام تقريب الاستدلال بهذه الرواية ولعل من استدل بها في المقام كان ناظراً إلى هذا البيان.
وقد يدعى في المقابل أنه على تقدير تسليم دلالة الرواية على الحصر (حصر سقوط القضاء بالمباشرة) فأنه حصر اضافي, بمعنى أن اعتبار المباشرة في سقوط القضاء إنما هو في مقابل اخبار الجارية المذكور في صدر الرواية وليس في مقابل اخبار الغير مطلقاً, والحصر الاضافي لا يدل الا على عدم كفاية اخبار الجارية, أما غير ذلك كأخبار العدلين مثلاً فالرواية ليست ناظرة إليه فلا تدل على الحصر في مقابله, وحينئذ لا يصح الاستدلال بها في المقام.
والانصاف أن كون الحصر اضافياً في الرواية ليس واضحاً وذلك لأن الرواية فيها عدة تأكيدات وهي لا تناسب الحمل على الحصر الاضافي, فالحصر الاضافي المدعى في المقام مرجعه إلى الغاء اعتبار المباشرة, نعم تكون معتبرة بمقدارٍ في مقابل اخبار الجارية, وكأنه يريد أن يقول أن اخبار الجارية لا يكفي, وحينئذ لابد من تفسير هذا الذيل الذي فيه كل هذه التأكيدات على أن اخبار الجارية لا يكفي في اثبات هذا الحكم, ولكن هذا بعيد مع وجود هذه التأكيدات في الرواية مضافاً إلى هذا ما قالوا من أن الاصل في الحصر أن يكون حقيقياً لا اضافياً, ولا نرفع اليد عن كونه حقيقياً الا بدليل, فحمل الحصر على كونه حصراً اضافياً خلاف الظهور الاولي للحصر, نعم اذا دل الدليل على عدم كون الحصر حقيقياً كما في كثير من الموارد التي تقدمت كما في رواية محمد بن مسلم (قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام ) يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء)[2] حيث أن المستفاد من الرواية حصر المضر بالصائم بثلاثة اشياء وقد دل الدليل على أن الرابع مضر وان الخامس مضر ايضاً فقالوا بأن هذا الحصر الذي في الرواية ليس حصراً حقيقياً بل هو حصر اضافي.
ولا موجب للالتزام بالحصر الاضافي في المقام الا مسألة الجارية التي ذكرت في صدر الرواية ثم جاءت هذه الجملة التي نستدل بها على اعتبار المباشرة في سقوط القضاء, ومن هنا قد يقال أن هذا الحصر اذا استفيد من ذيل الرواية يكون ناظراً إلى ما في صدرها (اخبار الجارية) لكن الاستناد إلى هذا خلاف التأكيدات المذكورة في الرواية مع أن الاصل في الحصر هو الحقيقي لا الاضافي ولذلك نحن نميل إلى صحة الاستدلال بصحيحة معاوية بن عمار على الاطلاق استناداً إلى ما ذكرنا من أن مفاد الرواية اعتبار المباشرة في سقوط القضاء.
واذا لم يتم هذا الاستدلال نرجع إلى مقتضى القاعدة الذي هو وجوب القضاء, نعم التمسك بمقتضى القاعدة يحتاج إلى نفي ما يدل على عدم وجوب القضاء, ومن هنا نذكر وجهاً ذكر كدليل على عدم وجوب القضاء في محل الكلام وهذا الوجه يستند إلى موثقة سماعة بن مهران (قال : سألته عن رجل أكل أو شرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان ؟ قال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقضي يوما آخر، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة)[3]
ويستفاد من موثقة سماعة التفصيل إلى حالتين: الحالة الاولى(إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه) والحالة الثانية (وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقضي يوما آخر)
والاستدلال بهذه الرواية مبني على تفسير النظر بالمراعاة والتحقيق, فيكون معنى الرواية التفصيل بين ما اذا راعى وحقق ثم اكل وتبين الخلاف فليس عليه اعادة وبين ما اذا اكل من دون مراعاة فعليه الاعادة ويضم إلى تتميم هذا الاستدلال دعوى أن التحقيق والمراعاة يصدق على البينة العادلة أو العدل الواحد مثلاً, والرواية تقول اذا راعى ثم اكل ليس عليه قضاء والمفروض أن الذي اعتمد على بينة عادلة قد راعى لأنه قلنا بأن الاعتماد على البينة العادلة يعد مراعاة فيشمله صدر الرواية الذي يقول بأنه ليس عليه اعادة وبهذا تكون الرواية دالة على عدم وجوب القضاء فيما اذا اعتمد على البينة العادلة أو العدل الواحد.
لكن يرد عليه
اولاً: عدم الاقتناع بمسألة تفسير النظر في الرواية بالمراعاة والتحقيق, نعم قد يفسر النظر بالتحقيق والمعرفة مثلاً في غير هذا المورد من قبيل (نظر في حلالنا وحرامنا) لكن هذه الرواية ليست كذلك.
ثانياً: مع التسليم بتفسير النظر بالمراعاة والتحقيق لكن من قال بأن المراعاة تصدق على سماع خبر بأن الفجر لم يطلع بعد, فالظاهر أن صدق المراعاة والتحقيق يتوقف على ممارسة تحقيق وفحص الشخص بنفسه أو يكلف غيره بالفحص والتحقيق, ولا يصدق على غير ذلك كما لو قال المذيع الثقة بأن الفجر لم يطلع بعد , أو بينة عادلة اخبرته بأن الليل باقٍ, فهذه البينة وان كانت تسوغ له الاكل لكن كلامنا ليس في جواز الاكل تكليفاً, بل في الحكم الوضعي (وجوب القضاء) .
ومن هنا لا يمكن الاستدلال بهذا الدليل على عدم وجوب القضاء وعليه فالصحيح وفاقاً للمشهور في هذه المسألة هو وجوب القضاء مطلقاً من دون فرق بين أن يكون المخبر واحداً أو متعدداً عادلاً أو غير عادل بينة أو غير بينة, ويكفي لأثبات وجوب القضاء _مع التشكيك في دلالة صحيحة معاوية بن عمار_ مقتضى القاعدة.
المنقول عن المحقق والشهيد الثانيين وصاحب المدارك وصاحب الذخيرة سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين, وعلل هذا بأن اخبار العدلين حجة شرعية بل يظهر من الشيخ صاحب الحدائق الاكتفاء بالعدل الواحد بناءً على أن المقام مقام اخبار لا شهادة فيكون خبر الواحد حجة ايضاً في باب الموضوعات (بناءً على حجية خبر الثقة الواحد في باب الموضوعات), فيكون التفصيل بين أن يكون الخبر حجة أو ليس بحجة فعلى الاولى لا يجب القضاء عند التعويل عليه وتبين الخلاف وعلى الثاني (الذي ليس بحجة) يجب القضاء عند التعويل عليه وتبين الخلاف.
وقد رد هذا الكلام بأن خبر الواحد أو خبر العدلين حجة شرعية في جواز الاكل مثلاً بل يجوز له الاكل اعتماداً على الاستصحاب حتى مع عدم الحجة من هذا القبيل, لكن هذا لا ربط له بمحل الكلام فالمناط في سقوط القضاء ليس هو جواز التناول أو عدمه, لكي يقال بسقوط القضاء اذا كان الاكل جائزاً, ولا يسقط القضاء اذا كان الاكل غير جائز, وقد تقدم أن المناط في سقوط القضاء وعدمه هو المباشرة بالمراعاة وعدمها, وهذا هو الذي يفهم من الادلة, ولو كان جواز التناول يرتبط بسقوط القضاء لكانت المسألة محلولة بالاستصحاب قبل فرض هذه المسألة لأنه حجة في جواز التناول, وينبغي أن نلتزم بسقوط القضاء فيما لو اكل تعويلاً على الاستصحاب وتبين الخلاف!!! مع أنه لا قائل بذلك.
إذن قيام الحجة العدل الواحد أو العدلين على بقاء الليل وعدم دخول الفجر من قبيل الاستصحاب لا يجوز الا التناول ولا يمكن أن يترتب عليه وجوب القضاء.
المورد السادس: _من موارد وجوب القضاء دون الكفارة _(الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر أو لعدم العلم بصدقه)[4]
المفروض في هذه المسألة عدم اعتماد الصائم على كلام المخبر إما لأعتقاده بانه هازل أو لأنه لا يعلم صدقه, فأكل ثم تبين الخلاف, فحكم عليه بأنه من موارد وجوب القضاء دون الكفارة.
أما عدم وجوب الكفارة فلأن موضوع الكفارة هو الافطار العمدي الحاصل ما بين طلوع الفجر إلى الغروب, وهو غير متحقق في محل الكلام, الا اذا ثبت طلوع الفجر للصائم واجداناً أو بحجة معتبرة, وهو غير حاصل في فرض المسألة حتى لو كان المخبر ثقة وكلامه حجة لأن الصائم يعتقد أن المخبر ليس جاداً وليس في مقام بيان الواقع لأنه يعتقد أنه هازل فلا يكون كلامه حجة لأن قول الثقة إنما يكون حجة عندما يكون في مقام بيان الواقع والمخاطب يعتقد ذلك لا في مقام الهزل والسخرية, أو أن المخاطب يعتقد بأن هذا هازل, ولا يمكن الاعتماد على اصالة الجد في المقام لأنها تجري عند الشك في كون المتكلم جاداً والمفروض أن المخاطب لا يشك بذلك وإنما يعتقد بأن المتكلم هازل, وحينئذ لا يثبت عند الصائم طلوع الفجر لا بعلم ولا بحجة معتبرة فلا يصدق على اكله أنه افطار عمدي فلا تجب الكفارة. هذا الفرض الاول في عدم الاعتماد.
الفرض الثاني: في عدم الاعتماد (لعدم العلم بصدقه) قد يُظن لأول وهلة بكفاية كون المخبر ثقة وان لم يحصل العلم بصدقه فيحصل الافطار العمدي فتجب الكفارة, لكن العلم بالصدق تارة تفسر بعدم الوثوق أي بعدم ثبوت وثاقة المخبر عند المخاطب وحينئذ لا يكون خبره حجة عند المخاطب لعدم ثبوت وثاقة المخاطب عنده, فلا يتحقق الافطار العمدي ولا تجب الكفارة , وتارة اخرى تفسر بعدم العلم بصدقه ويبقى الكلام على ظاهره, لكن يكون كلامه حجة اذا كان المخبر ثقة, وحينئذ لابد من اضافة عنصر آخر وهو أن نقول اذا كان المخبر واحد وكان ثقة لكننا كبروياً لا نلتزم بحجية الخبر الثقة الواحد في الموضوعات, نعم يكون حجة في الاحكام, فلا يثبت عنده طلوع الفجر بحجة معتبرة فلا يجب عليه الكفارة.
ويمكن تفسير العبارة بأحد هذين التفسيرين.