37/04/02
تحمیل
الموضوع:- مقدمة الواجب.
وفيه:-
أولاً:- يمكن أن نقول إن الوجوب لغيري ليس له تحريك مستقل عن تحريك ذي المقدمة ، فلا يوجد تحريكان مستقلان تحريك من قبل موجوب المقدّمة للمقدمة وتحريك ثانٍ لوجوب ذي المقدّمة نحو فعل ذي المقدّمة ، وإنما هناك تحريك واحد وهو الثابت لوجوب ذي المقدّمة أمّا وجوب المقدمة فليس له تحريك مستقل إلا بتبع تحريك ذي المقدمة ، وليس له امتثال مستقل ، وليس له عصيان مستقل ، فإن هذه من خصائص الوجوب الغيري ، وعلى هذا الأساس نقول مادام لا يوجد تحريك مستقل له فحتى لو توسطت الارادة وتعلق الوجوب الغيري بها سوف لا يكون لهذا الوجوب الغيري تحريكٌ نحو الارادة حتى تقول بأنها غير قابلة لتعلّق التحريك بها لأنها ليست اختارية ، وإنما التحريك ثابت لوجوب ذي المقدّمة ، فهو الذي يحرّك نحو فعل الحج ونحو فعل المقدّمة وتحريكٌ آخر ليس بموجودٍ حتى يلزم المحذور الذي أشرت إليه.
ثانياً:- إنك قلت إن الارادة ليست اختيارية لأن اختيارية الشيء بسبق الارادة فلو كانت اختيارية يلزم التسلسل.
ويمكن أن نعلّق ونقول:- إن الارادة هي اختيارية بذاتها وبنفسها بلا حاجة إلى سبق إرادة ، فالله عزّ وجلّ خلق الإنسان بشكلٍ يكون مختاراً في إرادته ، فهو يتمكن أن يريد هذا أو يريد ذاك كما لعلّه يستفاد من الآية الكريمة التي تقول ﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ﴾ وأنا لا أريد أن استدل بالآية أو بغيرها بل أريد أن أستدل بالوجدان ، فنحن الآن في إرادتنا للأشياء نجد أنا مختارون في إرادتنا ، فأريد أن أسافر أو أريد أن لا أسافر ، فالارادة بيدي لا أنها ليست خارجة عن اختياري ، وسواء فسّرناها بإعمال القدرة الذي هو عبارة بالتصمصم فإعمال القدرة واضح أنه اختياري ، أو فسّرناها بالشوق فحتى مسألة الشوق يمكن أن نقول هي اختيارية.
بل نقول أكثر وهو أنّ الحب والبغض والشوق اختياري أيضاً ، فكلّ الأشياء يمكن أن نقول هي اختيارية ، فأنت طالع فضائل زبارة الإمام الحسين عليه السلام فسوف يحصل لك شوق ، فالقراءة مقدّمة فإن قرأت يحصل لك شوق وإذا لم تقرأ لا يحصل لك شوق ، وهكذا إذا قرأت منازل ومكارم وفضائل أهل البيت عليهم السلام يحصل لك حبٌّ , إذا قرأت سيئات أعدائهم يحصل لك بغضٌ ، فالحب والبغض اختياري بسبب اختيارية المقدّمة ، إلا اللهم أن تقول إنّ هذه المطالعة أيضاً ليست باختياري وهذا شيء مرفوض.
وعلى هذا الأساس مادامت المقدّمة - وهي المطالعة وما شاكل ذلك - اختيارية فحينئً الشوق والحب والبغض وكلّ هذه الأمور تصير اختيارية ، وكيف لا تكون الارادة اختياريةً والحال إنّ التكليف من الله عزّ وجلّ قد شُرِّع بهدف تحريك المكلّف نحو إرادة الصلاة وإرادة الصوم ... وإلا فمن دون الارادة يصير إجبار ، فبناءً على ما أفاده صاحب الكفاية(قده) سوف لا يمكن التكليف أصلاً لأنّ التكليف هو بهدف تحريك الارادة والارادة ليست اختيارية فعلى هذا الأساس سوف يلزم أن تكون فكرة التكليف وتشريعه باطلة ، بل يلزم أن لا يستحق العاصي العقوبة في الآخرة وحتى في الدنيا ، ففي الآخرة يمكن أن يقول لله تعالى إنّي تركت الصلاة لأنّه لم تحصل لي إرادة والارادة ليست شيئاً اختيارياً كما أفاد الشيخ الخراساني(قده) فلماذا تعاقبني ، وأمّا في الدنيا فإنه إذا فرض أنه ارتكب محرّماً من الحرمات وجاءوا به إلى الحاكم الشرعي فيلزم أن لا يستحق العقوبة أيضاً لأجل أنّ هذه الارادة التي حصلت هي خارجة اختياره ، فأنت بالتالي تعاقب على فعل ناشئ عن غير اختيار وهذا لا يجوز ، ففكرة العقوبة في الدنيا لا تمكن ولا يمكن التكليف .... وغير ذلك.
إن قلت:- ماذا نصنع بكلام الفلاسفة الذين قالوا بإنّ الميزان في اختيارية الفعل هو سبق الارادة ؟
قلت:- نحن ينبغي أن لا تؤثر علينا المصطلحات والقرارات الصادرة من الآخرين ، فنحن مادام نشعر بالوجدان أنّ الارادة شيء تحت اختيارنا فنلتزم حينئذٍ التفصيل فنقول إنّه في سائر الإفعال التي تصدر من الانسان من ذهابٍ وإيابٍ وصومٍ وسفرٍ ونومٍ فهذه كلّها اختيارية بسبق الارادة ، أما نفس الارادة فاختياريتها بذاتها - فنلتزم بهذا الشيء - وإلا يلزم مخالفة الوجدان - كما قلت - وبالتالي يلزم عدم صحة التكليف لأنّ الهدف من التكليف هو تحريك المكلّف نحو الفعل بإرادته لا بالقسر والاجبار ومن دون إرادة ، فيلزم إذا كانت الارادة غير اختيارية عدم صحة عقاب العاصي لا في الدينا ولا في الآخر ، ولعلّه بالتأمل تظهر محاذير أخرى.