37/04/01
تحمیل
الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الوجه الثالث[1] :- رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- لا تبدأوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام فإنّ النبي صلى الله عليه وآله قال:- النساء عيٌّ وعورة فاستروا عيّهنَّ بالسكوت واستروا عوراتهنَّ بالبيوت )[2] ، بتقريب أنّ الرواية قالت ( لا تبدأوا النساء بالسلام ) ، فعلى هذا الأساس هي سوف تردّ السلام وصوتها عورة مثلاً.
وفيه:- إنّه لو تّم السند ولم نناقش من ناحية مسعدة الذي لم يثبت في حقّه توثيق فنقول:- إنّ هذه الرواية لم تعلّل النهي بأنها سوف تردّ وصوتها عورة ، وإنما عللت بقضيّة أخرى بإنّ النبي صلى الله عليه وآله قال ( النساء عيّ ) والعيّ معناه الذي يصيبه حصرٌ في كلامه ، فهو علّل بهذا التعليل ولم يعلّل بأنّ صوتهن عورة ، فهي أدّل إذن على الجواز منها على المنع ، وعلى هذا الأساس لا تدلّ هذه الرواية على حرمة سماع صوتها.
وهناك شيء آخر:- وهو أنّ النهي المذكور في هذه الرواية هل يعمل على ظاهره وهو الإلزام - يعني لا يجوز - أو هو إشارة إلى أدبٍ إسلاميٍّ وأنّ الرجل لا يسلّم على المرأة لأنّ هيبة الرجل تؤثر عليها فيصيبها الخجل وحينئذٍ سوف تتلجلج في كلامها الذي هو عبارة عن العيّ ؟
والجواب:- إنَّ هذا إشارة إلى أدبٍ إسلاميٍّ ، وإلا فلا يحتمل أنّه يحرم أن يسلّم الرجل على المرأة فإنّ هذا غير محتملٌ بالمرتكزات الفقيهة وبالضرورة الفقهية وبالإجماع الفقهي ، فإنّ هذا من الأشياء المسلّمة - وهو أنّه لا يحرم السلام على النساء - خصوصاً إذا كنَّ من الأرحام -.
وهكذا بالنسبة إلى عبارة ( لا تدعوهن إلى طعام ) فهنا أيضاً لا يوجد احتمال أنّ فقيهاً يمكن أن يلتزم به وأنّ دعوة المرأة إلى وليمةٍ حرام ، فهذا النهي ليس إلزمياً ، ومادام ليس إلزامياً فلا يمكن التمسّك بهذه الرواية.
وأمّا الرواية الأخيرة:- فهي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال:- ( لا تسلّم على المرأة )[3] .
ويرد عليها ما أوردناه على الرواية السابقة:- وأنه لو تمّ سندها من ناحية غياث بن إبراهيم ومن ناحية غيره فهي تنهى عن السلام لا أنها تنهى عن سماع صوتها وكلامنا بالنسبة في سماع الصوت ، فهي أجنبية عن المطلوب.
مضافاً إلى أنّ هذا مخالفٌ لما قلناه من الضرورة والسيرة القطعية من أنّ السلام على المرأة في نفسه يرتكبه المتشرّعة ، أمّا أن فيه كراهة وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكرهه على الشابة فهذه قضية ثانية أمّا أصل السلام فهو جائزٌ ، فهذا النهي ليس نهياً إلزامياً فلا يمكن التمسّك آنذاك بالرواية.
هذا بالنسبة إلى ما قد يتمسّك به على دعوى أنّ صوتها عورة ولا يجوز سماعه.
وبهذا اتضح أنّ المناسب هو الجواز للوجوه الثلاثة التي تمسكنا بها فيما سبق والأوّل هو أصل الجواز عند عدم الدليل حيث لا دليل على الحرمة فنتمسّك بالبراءة ، والثاني الآية الكريمة اليت تقول:- ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتنَّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ﴾[4] ، والثالث التمسّك بالسيرة القطعيّة بين المتشرّعة على سماع صوت المرأة.
بقي شيء:- وهو أنّ الحديث لحدّ الآن كان عن سماع الرجل لصوت المرأة ، أمّا العكس فكيف - يعني أنَّ المرأة تسمع صوت الرجل فهل فيه إشكال أو حرمة أو لا - ؟
يمكن أن يقال:- إنه شيءٌ جائز وذلك:-
أوّلاً:- إنه لا دليل على الحرمة فنتمسّك بأصل الجواز.
ثانياً:- بالضرورة ، ووجه الضرورة هو أنّ المرأة إذا كان يحرم عليها سماع صوت الرجل فلازمه أن تجلس في البيت ولا يجوز لها الخروج لأنها حينما تخرج سوف تسمع صوت الرجال ، فإذا خرجت فهي إما أن تغلق أذنيها حتى لا تسمعهم أو أنها لا تخرج من بيتها ، بل حتى لو دخل رجل أجنبي إلى بيتها فلا يجوز لها سماع صوته وهذا لا يحتمل أبداً ، فلذلك نتمكن أن نقول بالضرورة وأنّ هناك ضرورة على أنّ المرأة يجوز لها أن تسمع صوت الرجل ، فلا دليل على الحرمة بل الضرورة تقتضي الجواز لا أنّه لا دليل فقط.
ومن الغريب ما ذكره الشهيد الأوّل(قده) في اللمعة الدمشقية حيث قال ما نصّه:- ( يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي أو تسمع صوته إلا لضرورة وإن كان أعمى )[5] ، فهو صرّح بعدم الجواز إلا لضرورة.
وقال النراقي(قده):- ( ومن الغرائب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب ممّا يخالف الضرورة )[6] .
إذن من هذه الناحية لا حاجة إلى أن نتكلّم بأكثر من هذا فقد صار المطلب واضحاً.
وبهذا ننهي حديثنا عن مسألة صوت المرأة الأجنبية بل ننهي حديثنا عن هذا الأمر الثاني.
الأمر الثالث[7] :- إنّ الذي يستثنى في الأعراس هو غناء المغنّية دون المغنّي وذلك:-
أوّلاً:- إن الدليل - الذي هو رواية أبي بصير - اقتصر على المغنيّة ولم يذكر المغني.
ثانياً:- ينبغي أن يكون المجلس مجلس نساء لا مجلس رجال ، فحتى لو كانت المغنّية من المحارم فلا يجوز ذلك وهو غير مستثنى ، بل في مجلس النساء فقط كما يفهم من الروايات لأنها قالت ( تزفّ العرائس ) والذي يزف العروس هو المغنية والنساء.
ثالثاً:- إنّ الذي يكون مستثنىً هو مجلس العرس لا مجلس الختان مثلاً ، وأيضاً يُختَصَرُ على مجلس العرس دون ما زاد على ذلك كمجلس الخطبة فإنّ هذا لا يطلق عليه أنّه مجلس عرسٍ ، وهكذا في بعض المجالس الأخرى التي تعقد وهي من توابع العرس فهذه لا يشملها الدليل لأنّ الرواية خاصّة بالعرس ، فالرواية كانت تقول ( أجر المغنية التي تزف العرائس ) و ( تزف العرائس ) لا يصدق إلا على ليلية الدخول - إنّ صح التعبير - وإلا فالليالي الأخرى كليلة الحنّاء وغيرها فلا يوجد فيه زفٌّ للعرائس فلا يكون مشمولاً.
وإذا شككنا أنّ هذا مجلس عرسٍ أو لا فالمناسب أن يكون الشك هنا بنحو الشبهة المفهوميّة ، يعني لا نعلم أنّ مفهوم العرس وسيعاً يشمل ليلة الدخول وليلة الحنّاء مثلاً أو يختصّ بليلة الدخول فقط ، فإن كان الشك من هذا القبيل فالمناسب هو الاقتصار على القدر المتيقن لأنّ هذا شكٌّ في التخصيص الزائد ، يعني أنَّ أدلة حرمة الغناء خرج منها ليلة الدخول بالتخصيص جزماً وما زاد على ذلك هو شكٌّ في التخصيص الزائد فيكون مجرىً للتمسّك بعموم العام - وهو أدلة حرمة الغناء -.
وإذا فرضنا أنّ الشبهة كانت مصداقية - وعادةً هي لا تكون هكذا - فالمناسب البراءة ، لأنّه لا يجوز التمسّك لا بالمخصّص لأنّه توجد شبهة مصداقيّة ، ولا بعموم ما دلّ على جواز الغناء في العرس فإنّه شبهة مصداقية حينئذٍ ، ولا بأدلّة حرمة الغناء لأنها خُصِّصت وخرج منها العرس وهذا نحتمل كونه عرساً وهذا تمسّك بالشبهة المصداقية.
إذن لا يمكن التمسّك بدليل جواز الغناء في العرس لأنّه من باب الشبهة المصداقية ، ولا بدليل حرمة الغناء الكلّي لأنّه أيضاً خرج منه بالمخصّص الغناء في الأعراس ونحتمل أنّ هذا غناءً في العرس ، فكلاهما لا يجوز فنرجع إلى البراءة.