37/01/20
تحمیل
الموضوع:- إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي الأوّلي الاختياري -مبحث الإجـــزاء.
الإشكال السادس:- ما أفاده الشيخ العراقي(قده) أيضاً[1] وحاصله:- إنّ الوظيفة الاختيارية لها حكمٌ ولها ملاكٌ ، والحكم هو الوجوب للذي يقدر على الوظيفة الاختيارية - يعني الصلاة مع الوضوء - ، ولها ملاكٌ فتوجد مصلحة قويّة لأجلها وجبت الصلاة الوضوئية ، وحينما طرأ العذر ارتفع الوجوب وأمّا الملاك فنشك في ارتفاعه ، وحيث إنّه كان ثابتاً سابقاً جزماً - أعني قبل طروّ العذر - فأشك هل زال أو لم يزُل فمقتضى حكم العقل بالفراغ اليقيني عند الاشتغال اليقيني هو لزوم تفريغ الذمّة من الملاك ، ولا تفريغ بنحو اليقين إلّا بإعادة الصلاة.
وفيه ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنّا مطالبون بالتكاليف وبما اشتغلت به الذمة ، أمّا المصالح التي هي علل وملاكات الأحكام فلسنا مكلّفين بها ، وقد فرضنا أنّ المكلّف حالة الاضطرار هو مكلّف جزماً بالوظيفة الاضطرارية فقط - إذ قد فرضنا جواز البدار - ، أما بالصلاة الاختيارية فليس بمكلف بها ، وبعد ارتفاع العذر نشك هل حدث وجوبٌ أو لم يحدث - وكلامنا هو بمقتضى الأصل بقطع النظر عن النصوص - فنشكّ بعد ارتفاع العذر هل تجب الصلاة الاختيارية أو لا فتكون مجرى للبراءة.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنّ العذر إذا لم يكن مستوعباً لتمام الوقت وكان موجوداً في بعضه وأتى المكلف بالوظيفة الاضطرارية ثم ارتفع فإنّه لا دليل على وجوب الاعادة والأصل يقتضي البراءة ، وما ذكر من إشكالات قابلة للمناقشة.
حكم ارتفاع العذر بعد انتهاء الوقت - أي حكم القضاء -.
وأمّا بالنسبة إلى القضاء - أعني لو أتى المكلّف بالصلاة العذرية داخل الوقت ولم يرتفع العذر إلا بعد انتهاء الوقت - فالمناسب عدم وجوب الاعادة من دون إشكال ، يعني إذا كنا نتوقف بالنسبة إلى حالة ارتفاع العذر داخل الوقت فهنا لا موجب للتوقف والاشكال.
والوجه في ذلك:- هو أنّ الأمر بالأداء داخل الوقت قد سقط جزماً حيث قد انتهى الوقت وهو كان مقيداً بالوقت ولو كان القضاء واجباً فيحتاج إلى أمرٍ جديدٍ ، وحيث نشكّ في وجود الأمر - لأنّ المفروض أنا قطعنا النظر عن الأدلّة الاجتهادية - فحينئذٍ الأمر الأوّل سقط جزماً والأمر الثاني يشك في حدوثه فيكون مجرىً للبراءة.
ولعلّ هذا هو وجه الأولويّة التي أشار إليها صاحب الكفاية(قده)[2] ، فإنه ذكر أنّ الأداء إذا لم يجب فبالأولى لا يجب القضاء ، ولكنه لم يذكر وجه الاولوية.
ولعلّ وجه الأولوية ما أشرنا إليه:- وهو أنّ الأمر بالاداء قد سقط جزماً ووجوب القضاء يحتاج إلى أمرٍ جديد ، والمفروض أنه ليس لدينال أمرٌ جديد فيكون ذلك مجرى للبراءة.
بيد أنَّ السيد الحكم(قده) قال[3] :- يمكن أن يكون وجه الأولويّة هو أنّ وجوب القضاء فرع وجوب الأداء ، وحيث أن الأداء لم يجب على ما انتهينا إليه فالقضاء لا يكون واجباً بالأولى.
وفيه:- إنَّ ضمّ الأولوية يجدي إذا فرض أنّ الحكم في الأصل قد ثبت بالدليل الاجتهادي[4] ، فالحكم بعدم وجوب الأداء - الذي هو الأصل - لو كان قد ثبت بروايةٍ بأن جاءت وراية وقالت ( لو ارتفع العذر داخل الوقت لا تجب الاعادة ) فهنا يكون ضمّ الأولوية شيئاً وجيهاً فنقول إنّ الرواية التي دلت على عدم وجوب الإعادة في الوقت تدلّ بالأولوية على عدم وجوب القضاء ، أمّا إذا فرض أنّه قد ثبت بالأصل العملي - كما هو المفروض في مقامنا - فالتعدّي يكون من قبيل الأصل المثبت ، فإنّه في مقامنا حكم الأصل - يعني الأداء - ثبت بالأصل العملي - أي البراءة - ، يعني ما عندنا من دليل على نفي وجوب الاعادة هو أصل البراءة ولا يوجد دليل آخر ولا يمكن أن تضمّ الأولوية إلى هذا الأصل العملي ا بأن تقول:- ( إذا ثبت عدم وجوب الإعادة بأصل البراءة فلا يثبت وجوب القضاء بالاولوية ) ، فإنّ هذا لا معنى له لأنّ الأصل لا تثبت به إلا اللوازم الشرعية والأولوية ليست من اللوازم الشرعية ، فإنه لا يوجد نصّ شرعي يقول:- ( إذا لم يجب الأداء فبالأولى لا يجب القضاء ) ، فالأولوية ليست حكماً وأثراً شرعياً حتى يثبت بجريان أصل البراءة عن وجوب الاعادة هذا الأثر فإن هذا من قبيل الأصل المثبت ، فلا يمكن التمسّك بالأولويّة في مقامنا.
ورب قائل يقول:- يمكن أن نثبت وجوب القضاء ، والوجه في ذلك:- هو أنّ القضاء قد ثبت لعنوان الفوت - يعني ( اقض ما فات ) - وأنا يمكن أن أثبت أنّه قد فات الواجب منّي ، وإذا ثبت ذلك فسوف يثبت الأمر بالقضاء فإنّه توجد عندنا رواية تقول ( اقض ما فات ) وهذه كبرى كلّية ثابتةبالروايات ، وأما الصغرى فهي أنّه قد تحقّق الفوت ، فيثبت بذلك وجوب القضاء.
وكيف نثبت أنّ الفوت قد تحقّق ؟
ذلك بأن يقال:- إنّ الفوت عبارة عن عدم تحقّق ما فيه مصلحة ، فإذا فرضنا أنه كان هناك مجلس فيه مواعظ وذكر لأهل البيت عليهم السلام وأنا لم أخضره لسببٍ وآخر فلو اطلعت على وجود هذا المجلس فسوف أقول ( مع الأسف قد فاتني ذلك المجلس ) ، أمّا إذا كان المجلس ليس فيه مصلحة بل كان فيه غيبة ونميمة فلا أقول قد فاتني بل أقول ( لم أخضر ذلك المجلس ) ، فالفوت لا يستعمل إلا لعدم الاتيان بالشيء الذي فيه مصلحة وهذا من الامور الواضحة عرفاً.
فإذا سلّمنا بهذا فحينئذٍ نقول:- أنّا أشك أنّ الصلاة التي أتيت بها داخل الوقت - وهي الصلاة العذرية - هل تحققت فيها تلك المصلحة والملاك أو لا ؟ إنّه بالاستصحاب نثبت عدم التحقّق إذ قبل أن أأتِ بالصلاة العذرية في بداية الوقت لم يتحقّق مني الواجب الذي فيه مصلحة ، وبعد ذلك حينما أتيت بالصلاة العذريّة أشك هل تحقّق أو لم يتحقّق فأستصحب عدم التحقّق إلى نهاية الوقت ، فيثبت بذلك أنه لم يتحقّق مني الصلاة الواجدة لتلك المصلحة العالية ، وبذلك يصدق عنوان الفوت.
والجواب:- هذا يتمّ إذا فرض أنّ عنوان الفوت هو نفس عنوان عدم الاتيان بذي المصلحة ، بمعنى أنهما كانا مترادفين وأحدهما عين الآخر ، يعني إذا كان عنوان الفوت عنواناً عدميّاً.
ولكن يمكن أن نقول:- إنّ عنوان الفوت عنوان وجوديٌّ منتزعٌ من ذلك العنوان العدمي المركب ، فــ( عدم الاتيان بالشيء ) هو الجزء الأوّل ، و ( الذي فيه مصلحة ) هو الجزء الثاني ، فإذا تحقّق كِلا هذين الجزأين يُنتَزع حينئذٍ عنوان الفوت ، لكن الفوت عنوان وجوديّ منتزعٌ من العنوان العدمي لا أنّه نفس العنوان العدمي إمّا جزماً أو احتمالاً وهو يكفينا.
فإذا فرضنا هكذا فباستصحاب عدم تحقّق الشيء ذي المصلحة لا يثبت عنوان الفوت إلّا بنحو الأصل المثبت ، فإنّ تحقّق العنوان الوجودي ليس أثراً شرعياً لذاك الأمر العدمي ، فإثبات العنوان الوجودي باستصحاب الأمر العدمي يكون من الأصل المثبت.
إذن هذا الاقتراح لا يجدي شيئاً ، وبهذا ننهي كلامنا عن حكم الأمر الاضطراري بلحاظ الأداء والقضاء.